تعتبر الطّاقة البشرية من أهم عوامل التّنمية والتّغيّر الاجتماعي والاقتصادي، والمرأة نصف هذه الطّاقة كونها تشكّل احتياطيا هامّا من قوّة العمل، وتعطيله ضُعفٌ لعملية التنمية ووضعية لا تخدم تطوّر المجتمعات بشكل عام.
ولأنّنا نعيش العولمة بآثارها الإيجابية والسّلبية، من بينها تحوّل الملكية من ملكية الدول للمشروعات إلى الملكية الخاصة للأفراد، فقد صارت المقاولاتية من سمات هذا العصر. وتسعى كل دول العالم لتطوير اقتصادياتها من خلال حشد كل ما هو متوفر من موارد بشرية، مادية ومالية. وذلك لبلوغ مستويات متقدّمة من التنمية الاقتصادية، بما يضمن تحسين المؤشّرات الاقتصادية، وبالتالي تعمل على تحسين مستوى معيشة المواطن.
لقد زادت كثافة الدّراسات التي اهتمّت بالمقاولاتية النّسوية أو ريادة المرأة في مجال الأعمال خلال الثلاثين سنة الماضية، حيث نشرت العديد من الأبحاث، وتمّ تأليف عديد الكتب حول طرق نجاح المرأة في تأسيس عمل خاص.
وفي نطاق ريادة الأعمال النّسوية نلاحظ أنّها ساهمت في ظهور مفاهيم جديدة حول المرأة المقاولة في الدولة المتطوّرة أو النّامية على حد سواء، كما ساعدت في إنشاء فرص اقتصادية جديدة للمرأة، وساهمت في تحقيق النمو الشّامل وتحقيق المرونة المحتملة للوقت، والخروج من الفقر، ممّا سهّل عملية التوازن بين التزامات العمل والعائلة لدى المرأة.
على المستوى الكلي، ساهمت المشاريع النّسوية المصغّرة في دعم الاقتصاديات المحلية للعديد من الدول، والتي أصبحت تسعى لإعطاء المقاولاتية النّسوية أهمية قصوى نظرا للآثار الإيجابية التي تحقّقها في العديد من البلدان، فقد سجّل المرصد العالمي للمقاولاتية حوالي 163 مليون امرأة قامت بإنشاء مشاريع جديدة سنة 2016 في 74 دولة، الأمر الذي يبرز دور النساء في تحقيق الرفاه لمجتمعاتهن، وتوفير المدخول لأسرهن، ومناصب العمل للمجتمع الذي يعشن فيه، إلى جانب تقديم منتجات وخدمات للبيئة التي ينشطن فيها. وتحتل الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الأولى عالميا في المقاولاتية النّسوية، حيث تساهم بشكل مباشر وغير مباشر في تنمية اقتصادها من خلال توفير المنتجات وتوفير مناصب الشغل، فمقابل 10 مشاريع منشأة من طرف الرجال، يتم إنشاء 07 مشاريع أخرى من طرف النّساء.
من هي المرأة المقاولة؟
تطوّر مفهوم المقاولاتية خلال مرحلة زمنية طويلة تعدّت الـ 250 سنة، لكن هذه الفترة وقفت عاجزة عن إيجاد مفهوم موحّد للمقاولاتية، خاصة مع الاختلافات الكبيرة التي اكتنفت تطوّر الدراسات والأبحاث المتعلّقة بالموضوع، حيث تعدّدت التّوجّهات الفكرية بين الاقتصاديّين وعلماء النّفس والاجتماع وعلماء الإدارة، إذ اتّخذ كل فريق منهم منهجا فكريا مختلفا، وهذا ما أنتج لنا مع الزّمن مقاربات مختلفة لدراسة الظّاهرة، يمكن حصرها في ثلاث مقاربات أساسية هي: المقاربة الوصفية الوظيفية والمقاربة السلوكية، والمقاربة العملية أو السيرورة المقاولاتية.
فحسب Shane and Venkatarman فإن المقاولاتية Entrepreneurship: هي سيرورة خلق نشاط جديد، تتضمّن عمليات اكتشاف الفرص المقاولاتية وتقييمها ثم استغلالها، ويمكن أن نعتبر أنّ مفهوم خلق النّشاط هنا هو إنشاء مؤسّسة جديدة، وبالتالي فإنّ مفهوم إنشاء المؤسّسة ومختلف عملياته ومراحله تتّضح من خلال التّعريف السّابق، ولأنّ فكرة الخلق أو الإنشاء لم تفهم على نفس الوجه من طرف الباحثين، فهي لا تعني بالضّرورة خلق أو إنشاء مؤسّسة أو منظّمة، بل تعدّتها إلى معاني أخرى مثل: خلق القيمة، خلق سوق جديد أو خلق منتج أو خدمة جديدة. ويشير Shane and Venkatarman أنّ كل هذه الأشكال من الإنشاء مرتبطة بكل أشكال المقاولاتية، واقترح مفهوما أكثر شمولية تنضوي تحته كل الأشكال الأخرى، وهو مفهوم استحداث النّشاط حيث اعتبر أنّ خلق مؤسّسة مثلا هو أحد أشكال خلق النّشاط.
أمّا بالنسبة للمقاولة النسوية، فإنّ أولى الدراسات التي اهتمت بهذا الموضوع كانت في نهاية السبعينيات، وبالتحديد دراسة Eleanor Schwartz سنة 1976، والمعنونة بـ Entrepreneurship: A New FemaleFrontier، ويعتبر Hisrich من أهم الكتاب في هذا المجال، حيث نشر سنة 1984 بحثه المعنون بـ The Woman Entrepreneur: Management Skills and Business Problems. وفي ما يتعلق بالمرأة الريادية فقد عرّفها knanka بأنّها تمثّل “أولئك الذين يبتكرون، يقلّدون، أو يعتمدون نشاطا تجاريا”، كما عرفت بأنّها “كل امرأة تستخدم معرفتها ومصادرها لتطوير وخلق فرص تجارية جديدة”، ورأى كتّاب آخرون بأنّها “كل من يشاركن في إدارة أعمالهن ويمتلكون على الأقل 50 % من الأنشطة، كما أنّهن زاولن نشاطهن أكثر من سنة”.
وفي جانب الدّراسات الأكاديمية، فقد أشار (Parker (2010 إلى أنّ ريادة الأعمال النّسوية لم تلق الاهتمام الكافي لدى المجتمعات أو في الحقل العلمي، حيث ظهرت الأبحاث الأكاديمية حول المرأة المقاولة في أواخر السّبعينيات، عندما انخرطت النساء في سوق العمل بشكل كبير مقارنة بالسنوات الماضية، وقد كُثّفت الأبحاث في الثّمانينات حول المؤسّسات الصّغيرة والمشاريع المصغّرة التي تديرها المرأة. ويقول عن المقاولة إنّها “تلك المرأة التي تمتلك خصائص ومميّزات معيّنة تجعلها قادرة على تحمل المخاطر والقيام بالأعمال التجارية لحسابها الخاص، وتمتلك روح المبادرة وتتحمّل المسؤولية وتتعامل بمهارة ومرونة في التّنظيم والادارة، واثقة من نفسها، هدفها النّجاح والتفوق”، ونلاحظ أنّ هذا التّعريف ركّز على الخصائص والسّمات الشّخصية، التي يجب أن تتوفّر في المقاول مهما كان جنسه.
خصائص المرأة المقاولة
تتميّز المرأة المقاولة بخصائص تميّزها عن غيرها من النساء، ويمكن تصنيفها كما يلي:
1 – الخصائص الاجتماعية:
– توفّر بيئة أسرية تشجّعها على الاستمرار؛
– القدرة الكبيرة على التّوفيق بين حياتها الخاصة ومسؤولياتها اتجاه المقاولة؛
– المرونة في التّعامل مع العنصر البشري على الصّعيدين الداخلي والخارجي.
2 – الخصائص الذّاتية:
– توفّر روح المبادرة، أي أن تمتلك صفة البحث عن الفرص الجديدة وتقديم الاضافات؛
– الإبداع، الإبتكار والاهتمام بالمستقبل؛
– التّميّز والكفاءة في مجال العمل، فمن المهم أن تمتلك المرأة المقاولة عنصر الثّقة في قدراتها وإمكانياتها، وأن يكون لها إلهام في العمل الذي تنشط فيه؛
– القدرة على المخاطرة لكن بشرط أن تكون مبنية على أسس مدروسة ممّا يؤدّي إلى نجاحها؛
– القدرة على تحمّل المسؤولية والرّغبة في الحصول عليها.
3 – الخصائص التّنظيميّة:
– امتلاك خاصية القدرة على التحكم في الوقت وإدارته؛
– المهارة في التّنظيم، لكي تحقّق المرأة المقاولة النّجاح عليها أن تأخذ بعين الاعتبار التّوافق الذي يجب أن يحدث بين مهاراتها ومواصفات العمل، ونوعية النشاط ومستلزماته المناسبة كمّا ونوعا.
4 – الخصائص الذّهنيّة:
– سرعة الفهم والاستيعاب، بما أنّ صاحبة المقاولة هي من تضع خططا تنافسية لمقاولتها باعتبارها منبع الأفكار الجديدة، هذا يتطلّب منها قدرة كبيرة على رؤية المشروع ككل من أعلى، فإذا كان التّميّز في العمل يساعدها على التعرف على كيفية أداء كل نشاط، فإنّ القدرة العقلية والفكرية تساعدها على الرّبط بين الأنشطة والوظائف ضمن كيان المقاولة.
5 – الخصائص التّعليميّة:
– مستوى تعليمي مقبول، لأنّ الأميّة تعتبر من العوائق المهمّة التي تحول دون تحقيق الهدف كما تعرض المرأة إلى الاستغلال.
وللمرأة المقاولة عدّة مهام من بينها:
* المهام الاجتماعية: وهي تتمثّل فيما يلي:
– التّقليل من البطالة، وذلك بخلق مناصب شغل وتحسين مستوى معيشة الأفراد؛
– إشباع رغبات وحاجات المستهلكين من السّلع والخدمات.
* المهام الاقتصادية: يمكن حصرها في النّقاط التّالية:
– زيادة الدّخل الوطني وبالتالي الفردي؛
– زيادة الإنتاج الوطني ممّا يؤدّي إلى التقليل من الاستيراد وزيادة التصدير وبالتالي ربح العملة الصعبة؛ والتقليل من التبعية الخارج.
– تمويل خزينة الدولة وذلك عن طريق دفع الضرائب والرسوم؛
– التكامل الاقتصادي على المستوى الوطني.
* المهام الثّقافية: نذكر منها ما يلي:
– ترقية العامل بالمعرفة التّقنية الحديثة لكي يستطيع التحكم في أساليب التكنولوجيا الحديثة.
– المساهمة في التّزويد بالمعرفة، وذلك عن طريق وجود نوادي علمية ومجلات وجرائد في إطار تكوين وتخصّص العمال.
الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للمقاولاتية النّسوية
سرّ الاهتمام الحالي بالمقاولة النّسوية، يكمن في الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للمؤسّسات المنشأة والمطوّرة من طرفهن، حيث يمثّلن مصدرا مهمّا للتطور الاقتصادي، وهذا عن طريق:
– المساهمة في تشغيل المرأة: إذ تلعب المقاولة والأعمال الصّغيرة دورا كبير في الاهتمام بالمرأة العاملة، من خلال دورها الفاعل في إدخال العديد من الأشغال التي تتناسب مع عمل المرأة كالعمل على الحاسب، الخياطة..إلخ، كما تساعد الرّيادة على تشجيع المرأة على البدء بأعمال ريادية تقودها بنفسها لتساهم بذلك مساهمة فاعلة في بناء الاقتصاد الوطني؛
– الحد من الفقر والبطالة: وهذا نتيجة لتدنّي تكلفة خلق فرصة العمل في المقاولات من جانب، وتدنّي الحجم الكلي للاستثمار فيها من جانب آخر؛
– استقرار السّكان وتخفيض نسب الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن كونها تعتمد على الموارد والأسواق المحلية، فهذا يعني تركّزها في خدمة المجتمعات التي تعيش فيها؛
– مصدر أمن اقتصادي للأسرة، والنمو الاقتصادي للمجتمع، حيث أنّ حصول المرأة على الدخل المناسب يمكّن الأسرة من تحقيق متطلّباتها والارتقاء بمستويات معيشتها، ويحقّق هذا بدوره الأمن الاقتصادي.
الفرق بين الرّجل والمرأة في مجال المقاولاتية
وحول النّساء المقاولات ومقارنتهن مع نظرائهن الرجال، وذلك قصد قياس دور المرأة المقاولة في الإبداع والتوظيف وتدويل أنشطتها، تمّ تسجيل اختلافات كبيرة بين النّساء والرجال من حيث تحقيق الأهداف المبتغاة، فإذا أخذنا معيار المساهمة في الإبداع، يظهر لنا الشّكل أدناه مقارنة بين النساء والرجال من حيث قيامهم بالإبداع كالآتي:
فكما يظهر، لا يوجد فروقات بين النّساء المقاولات والرجال من حيث تدويل النّشاط رغم اختلاف مستويات النمو الاقتصادي بين البلدان، حيث لا نلمس أي تمييز بين المؤسّسات النّسوية، وتلك التي يسيّرها رجال.
إنّ اشتداد التّوجه نحو اقتصاد السّوق مع تزايد المناداة الدولية إلى إدماج المرأة في النّسيج الاقتصادي الوطني والدولي، دفع وحتّم على حكومات الدول النامية ومنها الجزائر إلى العناية بالمرأة على العموم، وخاصة هذه الفئة الناشئة لصاحبات الأعمال، باعتبارها قوة فاعلة داخل القطاع الخاص، وشريكة أساسية في المجال الاجتماعي والاقتصادي.
لهذا لا يمكن أن نتحدث عن المرأة الجزائرية ودورها في التنمية الاقتصادية من دون الحديث عن البنية التطورية للعمل النسوي والتغيرات الاجتماعية الحاصلة في المجتمع الجزائري، والآثار الناجمة عنه في جميع المجالات.
سعت الجزائر إلى إنشاء العديد من الهيئات التي هدفت إلى دعم المؤسّسات الصّغيرة والمتوسّطة للنّهوض بالاقتصاد المحلي، وبالرغم من فشل العديد من المشاريع ونجاح البعض منها، لم ترق تلك الجهات إلى تطلّعات المرأة المقاولة التي لا زالت تعاني من عدة مشاكل منعت من تطوّر وازدهار المقاولة النّسوية، ومن الجهات الدّاعمة للأنشطة النسائية والرجالية في الجزائر، نجد مثلا، نادي المقاولين الصّناعيّين بالمتيجة (CEIMI) الذي تأسّس سنة 1998، والإتحاد الوطني للمستثمرين الملاك (UNIPREST) الذي تأسّس سنة 1993، وجمعية النساء الجزائريات للتطوير التي تأسّست سنة 1999، ويمكن عرض أهم الجهات الداعمة للمقاولة النسوية في الجزائر في الجدول التالي:
المرأة المقاوِلة الجزائرية تُحدث الفارق
تشهد الجزائر مثل غيرها من البلدان توجّه النّساء لإقامة مشاريعهن الخاصة وذلك في مختلف المجالات، وبالرغم من نسب تواجدهن الضّعيفة، إلاّ أنّهن شكّلن نسبا معتبرة وأحدثن فارقا في المعدل الوطني لإنشاء المؤسّسات. وحسب المرصد العالمي للمقاولاتية GEM فإنّ المرأة الجزائرية تظهر مستوى عاليا من العزم والادراك في مجال المقاولاتية، إلاّ أنّ الفرص المقدّمة لها ضئيلة في هذا المجال، ويعود هذا إلى التّشكيك في قدراتها وعدم كفاءتها والخوف من إخفاقها وفشلها كونها غير مبدعة وخلاّقة، كما يتركّز نشاطها بنسب عالية في قطاع الخدمات، فحسب إحصائيات الديوان الوطني للإحصائيات، ارتفع عدد النّساء المقاولات بحوالي 3 % من 2010 إلى 2015، حيث وصل في أواخر النصف الأول من سنة 2015 إلى 499 136 مؤسّسة تملكها النّساء مقسّمة وفقا للطّبيعة القانونية للمؤسّسة. وحسب إحصائيات المركز الوطني للسّجل التجاري، نهاية فبراير 2017 قدّر عدد سيدات الأعمال في الجزائر 143010، تشمل فئات المقاولات المسجّلات كرئيسات مؤسّسات (ذات شخصية معنوية)، والتي تمثّلن 2 % من إجمالي مسيّري المؤسّسات رجالا ونساء، وكذلك النساء التاجرات (شخصية طبيعية) اللاّتي يمثّلن 8 % من إجمالي المتعاملين الاقتصاديين ذوي الشخصية الطبيعية. وقد لاحظنا قلة الإحصائيات حول واقع المقاولاتية النسوية في الجزائر، ومن خلال معطيات الصندوق الوطني للتأمين عن البطالة CNAN، فقد بلغ عدد المشاريع النسوية المموّلة من طرف الصندوق نسبة تعادل 9 .46 % من مجموع المشاريع، وإذا ما قارنا هذه النسبة بالنسبة المحقّقة نهاية سنة 2012، نجد أنّ تمويل المشاريع لصالح النساء ارتفع بنسبة 148 % حتى نهاية جوان 2017، حيث كان عدد المشاريع النسوية 5242 مشروع فقط، وهذا دليل على أنّ نسبة إقبال النّساء على الاستفادة من الصندوق الوطني للتأمين على البطالة في تزايد، وتعتبر مشاركة الوكالة الوطنية ANSEJ في دعم وتمويل المقاولاتية النسوية ضعيفة مقارنة بعدد المقاولات الممولة لصالح الرجال، تنشط أغلبها في قطاع الخدمات بمجموع 17058 سنة 2016، يليها قطاع الحرف بنسبة 19,8 %، ويأتي بعده قطاع المهن الحرة بـ 4063 مشروع أي ما يعادل 11 %، وهي المتعلّقة أكثر بالجامعيات اللّواتي تابعن تكويناً في تخصّصات تتيح لهن الفرصة لتجسيدها على أرض الواقع، كأعمال حرّة مثال ذلك الطب، المحاماة والصيدلة..إلخ، تليها باقي القطاعات بنسب أقل وصولا إلى الأكثر ضعفا، وهو قطاع الصيد البحري بـ 16 مشروعا بنسبة 0,04 %.
ANGEM الأكثر استقطابا للنّساء
وتعتبر الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغّر ANGEM الأكثر استقطابا لنساء صاحبات المشاريع، حيث نجد أنّ نسبة المشاريع النسوية الممولة من طرف الوكالة تزايدت حتى فاقت نسبة المشاريع الرجالية، كما أنّ آخر الإحصائيات المنشورة على موقع الوكالة إلى غاية 28 فيفري 2017 جاء نصيب النساء منها بنسبة 62,68 % مقابل 37,96 % للرجال، ويبلغ عدد القروض الممنوحة للنساء 491089 قرض، مقابل 073 297 لصالح الرجال، وتفسير هذه النّتائج يرجع إلى أنّ هذه القروض هي في الأساس تستهوي فئة النّساء أكثر، نظرا لقيمتها المالية الصّغيرة، والتي لا تغطّي النشاطات ذات التكنولوجيا الكثيفة، بل يمكن استغلالها فقط في المشاريع التي لا تحتاج لأموال كبيرة مثل الحرف التقليدية، أو الأنشطة البسيطة، وكذلك نظرا للتّسهيلات المقدّمة من طرف هذه الآلية، التي لا حدود عمرية فيها مثل ANSEJ وCNAC، ولا شروط تخص وجوب اكتساب شهادة تكوين جامعي أو غيره أو تقديم مساهمة شخصية.
وتنقسم نساء الأعمال وفقا للطّبيعة القانونية والتجارية لنشاطهن إلى صنفين النّساء التجار (مسيّرات المؤسّسات) والنّساء تجار (أشخاص طبيعيّين)، وبلغ عددهن في كلا الصّنفين 136.204 إلى غاية نهاية 2015 مقابل 130.416 بنهاية 2014 و115.241 في 2010، حسب إحصائيات المركز الوطني للسجل التجاري.
وخلال السنوات الخمس الأخيرة، تضاعف عدد النساء مسيّرات المؤسّسات (أشخاص معنويّين) لينتقل من 4.451 في 2010 إلى 8.754 في 2015، أما النساء التجار (الأشخاص الطبيعيّين)، فارتفع من 110.790 امرأة في 2010 إلى 122.253 في 2014 قبل أن يبلغ 27.450 في 2015، غير أنّ فئة النساء لا تمثل سوى نسبة 7.4 ٪ من إجمالي التجار الناشطين في الجزائر، والبالغ عددهم 1.84 مليون تاجر، وبالمقارنة بإجمالي التجار 164.332 (مؤسسة)، فإن نساء الأعمال يمثلن 5.3 ٪ بينما تقدّر نسبتهن بالمقارنة مع إجمالي الأشخاص الطبيعيين (1,67 مليون شخص ) 7,6%.
7 % نسبة المؤسّسات النّسوية المنشأة في الجزائر
آخر الإحصائيات الصّادرة عن الوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب، تشير أنّ غالبية المشاريع تتركّز في قطاع المهن الحرة بنسبة 43.19 %، ليأتي في المرتبة الثانية قطاع الحرف التقليدية، وهو ما يعكس رغبتهن في توسيع نشاطهن بشكل صريح وتسويقه بصفة مباشرة، ثم في المرتبة الموالية تأتي الصّناعة وبقية القطاعات في مراكز متأخّرة تعكس قلة الاهتمام بالأنشطة أو صعوبة الوصول لها لربطها أحيانا بتخصّصات رجالية أكثر، وأحيانا أخرى ترجع لأسباب شخصية أو مجتمعية.
وبالرّغم من الجهود التي بذلتها الدولة الجزائرية لدعم نموّ مقاولاتي لكلا الجنسين، إلاّ أنّ الجزائر لا تزال تسجّل معدّلات إنشاء أقل ما يقال عنها إنّها ضعيفة وبعيدة عن المتوسّط العام للإنشاء، وهذا ما تقرّ به التقارير الدولية الصّادرة عن الهيئات الدولية مثل البنك الدولي والمرصد العالمي للمقاولاتية، وكذا الوطنية التي سجّلت ما نسبته 7 % فقط معدّل المؤسّسات النسوية المنشأة على التراب الوطني، ممّا يؤكّد أنّ الجزائر لا تزال تحتل مراتب متأخّرة فيما يخص المقاولة النسوية، والحال نفسه بالنسبة للإنشاء من طرف الرجال.
المقاولايتية النّسوية في منطقة «MENA»
لكي نأخذ صورة حول المقاولات النّسوية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يجب الرّجوع إلى معدّل المؤسّسات التي أنشأتها النساء (بين سن 18 و64) في هاته المنطقة، مقارنة بباقي مناطق العالم، وسوف نلاحظ أنّها تشكّل النّسبة الأدنى بين مختلف المناطق الجغرافية الأخرى، والشكل الموالي يوضّح بشكل أكثر دقة موقع دول منطقة MENA.
ونجد أنّ إفريقيا جنوب الصّحراء الكبرى وجنوب شرق أسيا يضمّان العدد الأكبر من النّساء صاحبات المشاريع، ثم تأتي أمريكا اللاّتينية وأمريكا الشمالية بمعدل متوسّط، بينما تقع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ذيل الترتيب بمعدل 2,3 أو 2,4 مع النسبة القليلة للمشاريع المستدامة منها.
في مقارنة المقاولاتية في منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا، يعد المرصد العالمي للريادة المصدر الرئيسي للإحصاء الدولي، ويركّز على أنشطة ريادة الأعمال الفردية والتطلعات والتوجهات، ولا يعير اهتماما لنوع المشروعات وليست هناك قيود بالنسبة لحجم المشروع الريادي أو شكله القانوني، ويرتكز مؤشّر المقاولاتية التي تعتمده GEM على قياس معدل المقاولين في المراحل المبكرة للنشاط. وبناءً على منهجية GEM في تقسيم مراحل إنشاء المشاريع، نجد أنّ هناك تباين في معدلات النشاط المقاولاتي للجنسين عبر بلاد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فمن جانب هناك بلاد يكون فيها عدد المقاولين حديثي النشاط – سواء من الرجال أو النساء – أكبر من الأعداد التي تقوم بإدارة أعمال مستقرّة: هذا هو الوضع في كل من الأردن، سوريا والسلطة الفلسطينية وربما بقدر أكبر في اليمن، الجزائر وتونس، حيث تشير آخر الإحصائيات الصادرة عن المرصد العالمي للمقاولاتية لسنة 2015، أنّ نسبة النّساء المقاولات في تونس تعادل 5,3 % من مجموع النّساء البالغات، وإذا قارناها بالمقاولاتية الرجالية التي كانت نسبتها 31 % من المقاولين الرجال، وذلك يدل أن تونس من الدول العربية التي تنادي بالمساواة بين الجنسين ومنح النساء كامل الحريات، وحسب ما يبدو أنّ المرأة المقاولة في تونس اقتحمت معظم القطاعات كالفندقة والإلكترونيات وحتى الكهرباء التقنية…، والتي كانت حكرا على الرجل..
في المغرب ولبنان يختلف الوضع قليلا، حيث يشارك المزيد من الرجال في أنشطة الأعمال المستقرّة وليس في الأنشطة المقاولاتية المبكّرة، ويوازي ذلك وبالمقارنة مع الاقتصاديات الأخرى في المنطقة، نجد أنّ البلدين بهما معدّلات مرتفعة بشكل غير عادي من النساء النّاشطات في المشروعات المستقرّة، والنّتائج ترتبط ارتباطا وثيقا بحقيقة أنّ المغرب ولبنان نوعان من الاقتصاديات في المنطقة – خارج دول مجلس التعاون الخليجي – لديهما ثقافة العمل الحر قويّة، واقتصاد قطاع خاص حيوي.
تحديات المقاولاتية النّسوية
على الرّغم من كل ما تمّ تحقيقه من نمو، لا يزال هذا المسار يواجه الكثير من الصّعوبات. وما تزال الشّركات التي تقودها النّساء في الجزائر والشّرق الأوسط تعاني من التّأخّر عن المتوسّط العالمي البالغ 30 %. كما أنّ معدل النمو أبطأ قليلًا من المعدل العالمي على الرغم من التغيرات التي طرأت على المفاهيم والسياسات الاجتماعية التي تدعّم المرأة في العمل على مدى العقود القليلة الماضية. وفي الوقت الذي تخطو فيه المقاولة النّسائية في الجزائر ومنطقة الشرق الأوسط خطى ثابتة نحو الأمام، إلا أن هناك قدرًا كبيرًا من التحديات التي توازيها. وفي هذا الصدد، قامت المؤسّسات المالية الدولية التابعة للبنك الدولي بتسليط الضوء على التحديات الرئيسية التي تواجهها رائدات الأعمال. وتتضمّن هذه التحديات كلاًّ من الموارد البشرية والتدريب وصقل المهارات والحصول على التمويل وارتفاع التكاليف، ومع ذلك، غالباً ما تتجاهل التقارير الصادرة حول هذا الموضوع الكثير من القضايا الاجتماعية الأساسية ذات الصلة، ويعتبر التمويل أكبر التحديات.
ومن التحديات الاجتماعية التي أوضحها العديد من روّاد الأعمال في جميع أنحاء المنطقة، هي أن الآباء لا يرغبون في كثير من الأحيان بدخول بناتهم التحديات، حيث تلجأ أغلب المقاولات إلى التمويل الذاتي أو عن طريق العائلة، فهنّ لا يعرفن في الغالب طرق مجال الريادة والأعمال الناشئة. ويأمل هؤلاء في أن يحصل بناتهم على وظيفة مستقرّة في مجالات الطب أو القانون أو التعليم. كما أنّ مفهوم النجاح في ثقافة المنطقة يرتبط بالحصول على وظيفة في المؤسّسات الحكومية أو الشركات الكبيرة ذات المزايا الاجتماعية والمعاشات التقاعدية. وإلى جانب التحديات المشتركة بين روّاد الأعمال من الذكور والإناث، غالباً ما تواجه ذوات الخبرات والمهارات الكفيلة بالعمل بصورةٍ مستقلة في منطقة الشرق الأوسط ضغوطًا عائلية للزواج قبل البدء في امتلاك شركة. وبعد ذلك، يبرز مستوى آخر من التحديات وهو الموازنة بين الحياة الأسرية والعمل، وإيجاد وقت كاف لكتابة خطط الأعمال ويضاف إلى ذلك صعوبة الحصول على رأس المال اللازم للاستثمار .
سبل تطوير المقاولاتية النّسوية في الجزائر
ممّا سبق يمكن القول إنّ المقاولاتية بصفة عامة والمقاولاتية النّسوية بصفة خاصة تقوم بدور كبير في الحياة الاقتصادية، فالعنصر النسوي لا يمكن الاستغناء عنه في مسار تحقيق التنمية المستدامة، وهذا ما أثبتته مختلف التجارب الرّائدة على المستوى العالمي، وذلك من خلال قيامهن بمشاريعهن الخاصة، ومساهمة مقاولاتهن في إنشاء مناصب عمل دائمة نسبيا وهذا لكلا الجنسين، بالإضافة لتحقيق أرباح وضمان استمرارية المشاريع المنشأة، وخير دليل على ذلك التجربة الأمريكية حيث أنّ النّساء يمتلكن حولي 11.6 مليون مؤسسة، ويشغلن ما يقارب 09 مليون عامل، بالإضافة إلى تحقيق ما يربو عن 1.7 تريليون دولار.
أما بالنسبة للجزائر تعاني المرأة المقاولة من مجموعة من الصّعوبات التي تقف عائقا وجه تطور المقاولاتية النّسوية، الأمر الذي أبقى الجزائر في ذيل الترتيب الدولي وحتى مع دول الجوار، ولتطوير المقاولاتية النسوية في الجزائر لابد من:
– تحسين مناخ الأعمال الذي يشجّع المرأة على إنشاء مشاريع خاصة؛
– تسهيل وصول المرأة للموارد المالية بغية الحصول على التمويل، حيث تسجّل أغلب أجهزة الدّعم للمؤسّسات الصّغيرة والمتوسّطة تمييزا في دراسة الملفات بين الجنسين؛
– تشجيع المجالات والقطاعات التي تستهوي العنصر النسوي مع الأخذ بعين الاعتبار المرجعية الدينية، لأنّها لا تستطيع إنشاء المشاريع في كل المجالات؛
– إنشاء صندوق خاص لتمويل المشاريع النسوية؛
– تشجيع الطّالبات الجامعيات على تبنّي مشاريعهن في الجامعة قبل خروجهن للميدان العملي.
المراجع:
– منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD، السيدات والأعمال 2014: تعزيز دور المرأة في ريادة الأعمال في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، 2014.
– منيرة سلامي ويوسف قريشي، المقاولاتية النّسوية في الجزائر واقع الإنشاء وتحديات مناخ الأعمال، مجلة أداء المؤسّسات الجزائرية، العدد 05، 2014.
.The National Women’s Business Council, see : https://www.nwbc.gov/sites/default/files/NWBC_Final%20(2).pdf,
. Carol Toller, Les meilleurs pays pour la création d’entreprise par les femmes, 2016, See: http://lactualite.com/societe/2016/12/28/les-meilleurs-pays-pour-la-creation-dentreprise-par-les-femmes./
Cooper H. Langford, Peter Josty, Chad Saunders, 2016 GEM CANADA NATIONAL REPORT, GEM, 2016.
Shane, &Venktaraman, The Promise of Entrepreneurship as a Field of Research, The Academy of Management Review, 2000Vol. 25, N° 1.
Tahir Fatma, Socio-economicdeterminants of femaleentrepreneurship in Algeria, International Journal of Middle East and NorthAfrican Economies, Issue 01/2016.
Global Entrepreneurship Monitor (GEM), L’entrepreneuriat en Algérie .2011.