الحديث عن الإنعاش الاقتصادي ليس وليد اليوم، ولم يأت مع الحكومة الجديدة، ولكن معلوم أنّ الإنعاش الاقتصادي في حاجة لعوامل متنوّعة ومتعدّدة لكي يكون ممكناً وناجحاً.
لعل من أهم العوامل التي ينبغي أن تتوفّر، يأتي تلاقي الإرادة السياسية مع وجود قدرة فعلية في باقي المستويات. تتمثّل هذه القدرة في تحسين نوعية المؤسّسات وترقية إدارتها، والحد من كل أسباب التثبيط ومن سطوة قوى الجمود ورفض التغيير، وهو ما أشار إليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مرّات ومرّات، حين تحدّث في عدد من تصريحاته عن بقايا العصابة، وعمّا تقوم به من مناورات من أجل “العودة” أو من أجل منع و/أو إفشال كل مشروع وكل إصلاح.
إنّ نوعية المؤسّسات ونوعية تأطيرها من العوامل الأساسية من أجل قيادة مشروع اقتصادي جديد يبدأ من إحداث قطيعة كاملة مع الاقتصاد الريعي ومع الثّقافة الريعية، ومن أجل ضمان نجاعة عالية للاستثمار العمومي ومردودية مقبولة له، ومن أجل حماية الأموال العمومية من كل هدر وتبذير أو فساد.
معلوم أنّ المؤسّسة الاقتصادية العمومية تعاني من مشكلات متنوّعة من بينها المديونية العالية، وكلفة الاستثمار غير المتحكّم فيها، وضعف الإدارة والتّسيير وغيرها كثير، فضلاً عن مشاكل المحيط العام للمؤسسة الاقتصادية وسعر صرف الدينار، وغيرها من المسائل التي تؤثّرُ سلباً على العمل الاقتصادي.
إنّ بناء اقتصاد عادي في حاجة لتطهير عام وعميق لمناخ الأعمال والاستثمار، وفي حاجة لتحوّلات تنظيمية وتشريعية، وفي حاجة لآليات عمل مختلفة تماماً ولنظام علاقة بين المؤسّسة الاقتصادية والإدارة العمومية، ولعلاقة أخرى مع أجهزة الرقابة والمحاسبة، وفي حاجة ماسة للكثير من الاستقرار والكثير من الجدية، والكثير من المبادرة والكثير من التشجيع، وفي حاجة لنظام مالي وبنكي فعّال وداعم للاستثمار وللعمل الاقتصادي عامة، فضلاً عن مساندة السّلطات العمومية سياسياً ومالياً.
العوامل السّالفة الذّكر هي شروط يستفيدُ منها كل المجال الاقتصادي الاستثماري عام وخاص، أما العمل الاقتصادي للمؤسّسات الخاصة، فإنّ الأمر في حاجة أساساً لتقوية وترقية مؤسّسات الدولة الرقابية والجبائية، وفرض إلزامية المردودية للقروض البنكية العمومية، وحماية اليد العاملة وحقوقها والرقابة المنتظمة على نوعية كل المنتجات، وغيرها كثير.
إنّ إرادة التّغيير في حاجة ماسّة لنجاح عملية الإنعاش الاقتصادي في جميع أبعاده، وفي جميع مجالات النشاط. فسنين الجائحة وطنياً وعالمياً ووضعية سوق المحروقات وسعر صرف الدينار المتقلّب، الذي ظلّ يميل نحو تراجع قيمته مقابل العملات الأساسية مثل اليورو والدولار، تركت آثاراً ينبغي معالجتها في أقرب الآجال.
ويمكن القول إنّ محاربة الفساد المتواصلة منذ أعوام، وكانت واحدا من مطالب الحراك الشعبي، حسّنت الكثير من ظروف العمل الاقتصادي والاستثماري، ولا ينبغي أن تكون مثبطا للإرادة العامة ولعزيمة المسيّرين، خاصة في القطاع العمومي، في بناء المنطق الاقتصادي الجديد، وفي التخلص من أعباء وعوائق قوى الرّكود والجمود.
لقد تحسّنت مناخات كثيرة، ومنها إعادة ترتيب العلاقة بين المال والسلطة، كما وعد السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، منذ حملته الانتخابية، والتفهم الذي وجده ذلك لدى نقابات رجال الأعمال، والتزام الكثير منهم بقواعد عمل جديدة متخلّصة من عقلية الاحتماء بأصحاب نفوذ للحصول على امتيازات وعلى صفقات من دون استحقاق.
إنّ الاستحقاق، أي النجاح مناجماتياً واقتصادياً، هو شرط شرعية ربح المال، فضلاً عن عدم التهرب من الجباية أو التحايل فيها، وإعطاء العمال الأجراء كل حقوقهم، لأن تلك حقوق المجتمع على المستثمر، وهي من صميم الدور الاجتماعي العام للمؤسسة الاقتصادية مهما كانت ملكية رأسمالها عامة أو خاصة.
طبعا كل هذا في حاجة بكل تأكيد لاقتصاد جديد تماما تنظيميا وتشريعيا ووظيفيا. اقتصاد ناجع وفعّال، وفي الوقت نفسه ملتزم بشروط الدولة الاجتماعية التي هي خيار سياسي اقتصادي ثابت منذ بيان أول نوفمبر وعهد الآباء المؤسّسين، من الشّهداء والمجاهدين، للدولة الجزائرية المستقلة ذات السيادة.