يعد استغلال الموارد المنجمية والثّروات على سطح الأرض وباطنها بالجزائر ، اليوم، أولوية وطنية لخدمة التّنمية الاجتماعية والاقتصادية، حيث تساهم هذه الثّروات على نطاق واسع في ضمان التّنمية المستدامة.
تمثّل الحل الأمثل لخلافة المحروقات وكبح حجم الواردات بشكل كبير، دون المساس بسلامة البيئة وصحّة الإنسان. وهنا تبرز أهمية المؤسّسات المتخصّصة في تحديد مكان وحجم ثروات البلاد، ووضع استراتيجية تسيير الموارد الطّبيعية الثّمينة وفق توجّهات الحكومة في سياسة الإنعاش الاقتصادي ودعم الاستثمار.
ومن بين هذه المؤسّسات “وكالة المصلحة الجيولوجية للجزائر” ASGA كأوّل وجهة للمتعاملين الاقتصاديّين الراغبين في الاستثمار في قطاع المناجم، حيث تضع الوكالة بين أيديهم جملة من الإيداعات القانونية وبنكا للمعلومات حول البنية التحتية، وكل ما يتعلّق بالخرائط الجيولوجية التي تسهم في الدّراسات التي تسبق أي مشروع اقتصادي.
بأسلوب مسترسل ومنتظم، تتحدّث مديرة لجنة الإدارة لوكالة المصلحة الجيولوجية للجزائر، السيدة طافر كريمة، لمجلة “الشعب الاقتصادي” حول الدور المنوط بالوكالة في ظل تحضير أرضية مُنَظّمة ومُحفّزة للاستثمار، تساهم في بعث النّشاط الاقتصادي وذلك بإعادة هيكلة الإطار المعلوماتي للموارد الطّبيعية على سطح وباطن الأرض الجزائرية.
وقبل ذلك تعود بنا السيدة طافر إلى تاريخ الاهتمام بالجيولوجيا في الجزائر، فالوكالة التي تأسّست بموجب قانون المناجم 05/14 في 24 فيفري 2014 لم تكن وليدة ذلك اليوم فحسب، وإنّما يعود ظهورها إلى الحقبة الاستعمارية سنة 1883 أين كانت تسمّى “مصلحة الخرائط الجيولوجية”، لتحمل بعدها تسميات مختلفة تحت وصاية عدّة دوائر وزارية، فمن مديرية فرعية للجيولوجيا بعد الاستقلال إلى الديوان الوطني للبنى التّحتية الجيولوجية سنة 1985، ثم المؤسّسة الوطنية للبحوث المنجمية سنة 1992، والتي انصهرت فيما بعد مع الديوان الوطني للبنى التّحتية الجيولوجية، ويستحدث على إثر ذلك المكتب الوطني للبحوث الجيولوجية والتّعدين الذي يضم مصلحة الجيولوجيا.
في سنة 2006 ووفق قانون المناجم 2001 تمّ إنشاء وكالتين، الوكالة الوطنية للممتلكات المنجمية والوكالة الوطنية لمراقبة المناجم، هذه الأخيرة كانت تضم مديرية مصلحة الجيولوجيا لتتحوّل فيما بعد لوكالة مستقلّة سنة 2014.
تمثّل لجنة التّسيير أعلى سلطة بالوكالة مكوّنة من رئيسة وثلاثة أعضاء تقنيين; وكلّهم معيّنون بمرسوم رئاسي، يسهرون على الدّعم اللّوجيستي والتقني للمديريات الفرعية التي تتكوIن من ثلاثة أقسام، هي قسم رسم الخرائط، قسم الموارد المعدنية المنجمية وقسم “الجيومعلوماتية”، هذه الأخيرة تعمل على تسيير المكتبة وجمع الإصدارات والايداعات القانونية وبنك المعلومات، فكل النّشاطات تُجمع وتُوجّه إلى قسم “الجيومعلوماتية”، حيث تتم معالجتها وتخزينها.
مهامها
تتمثّل مهام الوكالة في تلخيص وامتلاك المعلومة الجيولوجية “cartomatique”، فهي تسهر على إعداد تقارير المخزونات والموارد المنجمية والإيداعات القانونية، وما يعزّز رصيدها من المعلومات هو القانون الذي يفرض إيداع تقارير لدى الوكالة من طرف كل العاملين في القطاع المنجمي، سواء كانت مؤسّسات عمومية أو خاصّة تشتغل على الموارد بسطح الأرض وباطنها، ليتم معالجة هذه المعلومات وتحليلها ثم تخزّن بالبنك الوطني للمعلومات الجيولوجية، الذي يسهر على نشرها من خلال موقع إلكتروني يشتغل منذ سنة 2019، إضافة إلى المجلات العلمية والمكتبات.
تؤكّد مديرة لجنة الإدارة لوكالة مصلحة الجيولوجيا بالجزائر، أنّ مهمة تحيين الخرائط الجيولوجية للجزائر ولكل منطقة على حدى، لا تقل أهمية عن باقي مهام الوكالة، لذا تمّ تخصيص فريق جيّد ومتفرّغ لتحيين الخرائط الجيولوجية وفق مخطّطات عمل مدروسة، كما أنّ جرد كل الموارد المنجمية وتسيير الإيداعات القانونية، وكذا تسيير المكتبة والمتاحف وحماية المواقع الجيولوجية يدخل في صلب مهام الوكالة.
الوجهة الأولى للمتعاملين الاقتصاديّين
تعتبر الوكالة الوجهة الأولى للمتعاملين الاقتصاديين وأصحاب المشاريع قبل الانطلاق الفعلي في جل النّشاطات الاقتصادية المتعلقة بقطاع المناجم، طلبا للمعطيات التي تنشر خاصة في قطاع العمران والمنشآت والموارد المائية، وكل ما يتعلق بالبنى التحتية التي تهم المستثمرين.
ففي الوقت الذي تشجّع فيه الحكومة الاستثمار في الجزائر، نجد أنّ كل المتعاملين الاقتصاديين يقصدون الوكالة للتزود بالمعلومات والمعطيات التي تخص مشاريعهم، وتوضع تحت تصرّفهم مكتبة تحوي أكثر من 70 ألف مرجع بمكتبة علم الأرض، إضافة إلى موظّفين يقومون بمساعدة المستثمرين وتوجيههم.
الخرائط الجيولوجية
تسهر الوكالة على إعداد وهندسة الخرائط، بتخصيص 26 مشروعا لرسمها آفاق سنة 2021، ومن أهم هذه المشاريع تحيين الخريطة الجيولوجية للجزائر بحجم 1/500000 وذلك بتقنيات جديدة في الاستكشاف عن بعد تكون أكثر دقّة وتفصيلا، لتدعيم الخريطة الجيولوجية الوحيدة للجزائر، والتي تم إصدارها على سلم 1/2000000، يضاف إلى هذا، مشروع آخر ذو خلفية اقتصادية، حيث تسعى الحكومة لتحديث خريطة الموارد المنجمية، هذه الأخيرة التي صدرت سنة 2018 يستوجب تحيينها، تضيف السيدة طافر كريمة: “الخريطة ليست شيئا جامدا، فلابد لها من التعديل المستمر عن طريق تحيين المعطيات واستعمال البرامج التي لها قابلية التحكم والتعديل، ومن أجل تحيين الخريطة نحن بصدد القيام بحوصلات أو ملخّصات بعد استحداث الوزارة الجديدة”.
تنفيذا لتوجيهات الحكومة للإسهام في التقليص من حجم الواردات، قامت الوكالة بمراجعة عامّة لكل الموارد التي على سطح الأرض وباطنها بالجزائر، مع الخريطة والحوصلة بدءا بالرّمال “السيلوزية” والحجارة الصّناعية ثم الذّهب والمعادن النّادرة وأراضي التّربة النّادرة، وتعزّزت هذه العملية بإصدار خاص بالموارد المعدنية لكل ولاية من أجل تمكين المستثمرين والمستوردين من المعطيات الخاصة بالموارد والبنى التحتية المتاحة.
قبل فتح المجال أمام تعاونيات الشباب للتنقيب عن الذهب في الجنوب، كانت وكالة المصلحة الجيولوجية في قلب الحدث من خلال وضع حوصلة بين يدي الوصاية حول معدن الذهب، تبدأ بتعريفه من الجانب الجيولوجي ومن ثم أماكن تواجده وسبل استغلاله.
باطن الأرض المجهول
بادرت الوكالة إلى مشروع بالشّراكة مع وزارة الدفاع الوطني يهدف إلى مسح جيوفيزيائي جوي، لجمع وتحصيل معطيات دقيقة لما فوق وتحت الأرض الجزائرية، وبما أنّ الموارد بالجزائر تعتبر مسألة سيادة، ولكي تبقى المعطيات بأيدي آمنة بالوطن، لم تتردّد الوكالة في التواصل مع المؤسّسة العسكرية التي رحّبت بالمشروع، وسخّرت إمكانياتها في مجال الطيران من أجل المضي في المشروع بصفة مشتركة، فقامت بتوفير الطّائرات الخاصة المجهّزة بالعتاد الجيوفيزيائي، إضافة إلى طائرات مسيّرة عن بعد (Drone) والمروحيات، حيث تقوم بالمسح والتصوير ثم ترسل للمختصّين الصّور والبيانات للمعالجة بينما تعقد اجتماعات دورية، كما يتم التّنسيق بين المؤسّسات التي تقوم بالتنقيب والاستكشاف بباطن الأرض كشركة سوناطراك لاجتناب تضييع الجهد والوقت.
المعادن النّادرة
يزداد الاهتمام بالمعادن النّادرة مع التّزايد المتسارع لاستعمال الأجهزة الالكترونية، ونهتم بالمعادن النّادرة لما لديها من خصائص مغناطيسية وخصائص إلكترونية، فمجال استعمال هذه المواد هو التكنولوجيا العالية كالهواتف النقالة، شاشات التلفاز، تكرير البترول، صناعة السيراميك، الطّاقة الخضراء، وصناعة التوربينات والألواح الشّمسية.
استعمال هذه المواد تزايد في السّبعينات مع الصّينيّين، الذين يستحوذون على أكبر احتياطي لهذه المواد النّادرة، وفي الجزائر هناك دراسات أولية فقط حول المكامن والمخزونات التي تحوزها أرض الجزائر.
وتضيف السيدة كريمة طافر أنّ المعادن النّادرة يقصد بها عموما نوع معين من الأحجار التي توجد بالجزائر، مثل الموارد المتوفّرة بالجنوب من صخور “الكربوناتيت”، وهذا يعني أن احتمال وجود مخزون وارد جدا دون الجزم بكميته.
مؤشّرات المعادن النّادرة
أحصت الوكالة 166 مؤشر على وجود المعادن النادرة عبر تراب الوطن، وهي تطالب بإعادة تفعيل الدراسات التي تمكّن من تحديد مكامن هذه المواد، إذ لم يكن لدى الجزائر سابقا تحاليل خاصة واستراتيجيات واضحة لاكتشاف حجم ما يحوزه باطن الأرض الجزائرية، ومع امتلاك أجهزة الكشف عن المواد النّادرة الآن، تطالب الوكالة باستغلال البحوث الجامعية وتفعيل دور مكتب البحوث المنجمية والجيولوجية للقيام بدراسات أكثر دقّة وتوجيهها لاستكشاف ما يحتويه عنصر “الغرانيت” بالجنوب والفوسفات بعنابة من مكامن لهذه المواد.
ومن جهة أخرى، قامت الوكالة بعملية إحصاء للأراضي النّادرة مع خريطة تحدّد أماكن احتمال وجودها بما أنّ هذه المعادن مرتبطة بنوع معين من الصّخور المتوفّر في مناطق عديدة بالجزائر، غير أنّ الجزم بوجود مكامن لهذه المعادن يحتاج دراسات جيولوجية دقيقة ومعمّقة، والمتوفّر حاليا عبارة عن استكشافات أولية، استعملت فيها وسائل قاعدية أثبتت أنّ الجزائر تمتلك كميات معتبرة من المعادن النّادرة في منطقة الأهقار وكميات أخرى بالشّمال الشّرقي أين يوجد عنصر الفوسفات الذي يحوي هذه المعادن.