أعد وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب خطة عمل ذات طابع استعجالي، لإنعاش قطاع المناجم. معالم هذه الخطّة وإستراتيجية الإقلاع المعتمدة في 2021 هي موضوع مقابلة أجرتها مجلة “الشعب الاقتصادي” مع وزير المناجم، والمفصّلة أركانها في هذا المقال.
فتح المجال المنجمي للاستثمارات
يرى وزير المناجم أنّ إنجاح مخطّط إنعاش القطاع يستوجب إعادة النّظر في بعض بنود القانون المنجمي الحالي، وعلى هذا الأساس نُصّبت ورشة عمل مكوّنة من خبراء عكفت على إعداد مسودة تعديلات في القانون المنجمي لجعله أكثر جاذبية واستقطاباً للاستثمارات الوطنية والأجنية.إعادة النّظر في نشاط المناجم المستغلّة
تستغل الجزائر في الوقت الرّاهن بعضاً من ثرواتها المنجمية، لكن من دون تحقيق نجاعة اقتصادية كبيرة، وهو ما يستدعي إعادة النّظر في طبيعة هذه النّشاطات، إضافة إلى ضرورة توسيعها وتكثيف إنتاجها.
حيين الخرائط المنجمية
تهدف هذه العملية التي تقوم بها “وكالة المصلحة الجيولوجية للجزائر” إلى توفير البيانات والمعلومات المدقّقة التي يحتاجها المستثمرون في القطاع عند دراسة وتقييم جدوى مشاريعهم، بحيث تمكّنهم الخرائط المدروسة والمحيّنة من الاطّلاع على ما تحتويه كل منطقة استثمار محتملة من مواد معدنية، فتوفُّر المعطيات الجيولوجية الموثوقة يُسهم في تحفيزهم على إقامة مشاريع تقل فيها نسبة المجازفة.
ولمزيد من النّجاعة، تعمل وزارة المناجم بالتّنسيق والتّعاو
ن مع وزارة الدّفاع الوطني، على تمكين الوكالة من استعمال تقنيات جديدة في تحيين الخرائط المنجمية، تعتمد على المسح الجيوفيزيائي الجوي، وتتطلّب هذه التّقنية طائرات ومعدّات خاصّة تسمح بإجراء مسح إشعاعي للمساحات المنجمية، لتوفير خرائط وبيانات عالية الجودة تُوضّح معالم المجال المنجمي الجزائري بدقّة.
ويقول وزير المناجم في هذا الصدد لمجلة “الشعب الاقتصادي”، “إنّ قطاع المناجم الآن بحاجة إلى دقّة البيانات، يجب أن نكف الحديث عن المؤشّرات غير المؤكّدة، ونتّجه لاستعمال هذه التّكنولوجيات الحديثة التي تمكّننا من رؤية جيولوجية شاملة لمجالنا المنجمي، ومعرفة أنواع المعادن ومساحات تواجدها وعمق مكامنها بالتحديد، هذا ما نحتاجه اليوم، خرائط واضحة ودقيقة”.
العنصر البشري
تعمل الوزارة في هذا الجانب على مراجعة البرامج التّكوينية، وتحيينها تماشياً مع التطورات العلمية الحاصلة في القطاع، وكما تسعى إلى فتح وتسهيل الاستثمار المنجمي، تراهن أيضا على الكفاءات والمؤهّلات البشرية لإنجاح خطّة الإقلاع.
المسح الجيوفيزيائي الجوي لتحيين الخرائط المنجمية
غار جبيلات سيغطّي كل النّشاط التّحويلي للحديد ابتداءً من 2025
نحو إنتاج 500 كلغ من الذّهب سنويّا
مكامن الغرانيت والرّخام بإمكانها تغطية 200 % من احتياجاتنا
بعد سنة صحية واقتصادية صعبة، يُنتظر أن يكون 2021 عام إقلاع وانتعاش اقتصادي، بالنظر للعديد من البرامج القطاعية الطّموحة التي شُرع في تجسيد الكثير منها. بالنّسبة للمناجم، يؤكّد الوزير محمد عرقاب أنّ دائرته الوزارية أنهت التّحضير لإطلاق العديد من المشاريع التي من شأنها تقديم قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد الوطني، أوّلها الاستغلال المنجمي للذّهب في الجنوب الكبير من طرف شباب المنطقة. وكان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قد دعاه إلى الإسراع في تجسيد هذا المشروع عند استماعه لعرض حول حصيلة ستة أشهر من نشاط القطاع في بداية السنة.
على هذا الأساس تمّ استحداث 178 مؤسّسة مصغّرة، ستُوزّعُ على 178 مساحة مخصّصة للاستغلال الحرفي للذّهب بين ولايتي تمنراست وإيليزي، وسيكون بإمكان هذه المؤسّسات استغلال المساحات الخاصة بها، والشّروع في التّنقيب واستغلال الذهب بعد تأمين كامل لكل هذه العمليات.
ويسمح دفتر الشّروط الخاص بعمليات التّنقيب والاستغلال بالحفر والتنقيب حتى عمق 5 أمتار، ويَمنعُ بالموازاة استعمال أي مواد كيماوية بعد عملية الاستخراج.
تحوّل الأحجار التي تحتوي على الذهب بعد استخراجها إلى مصارف الذهب في ولايتي تمنراست وإليزي أو إلى معمل “أمسميسا” التّابع للشّركة الوطنية للذهب بولاية تمنراست (إينور)، الذي يتولّى عملية تكسيرها وفصل الذهب عن الشّوائب العالقة بها في مخابر خاصة لمعرفة قيمة الذهب المتواجدة بها. تُعوّض هذه القيمة فيما بعد بمبالغ مالية تُدفعُ من طرف الشّركة الوطنية للذّهب للمؤسّسات المصغّرة المنقبة.
ويؤكّد وزير المناجم أنّ الإنتاج الوطني من الذهب في 2020 لم يتجاوز 58 كلغ، لكن بإشراك المؤسّسات المصغّرة في عمليات التّنقيب، يُتوقّع أن ترتفع القدرات الانتاجية إلى 240 كلغ في 2021، غير أنّ الهدف الرئيسي هو الارتقاء بالإنتاج إلى مستوى 500 كلغ سنويا.
علاوة على هذا، تعوّل الوزارة على ثلاثة مشاريع هيكلية كبرى لتكون المحرّك الأساسي لقطاع المناجم خلال العام الجاري، وهي مشروع استغلال حديد منجم غار جبيلات الواقع بولاية تندوف، ومشروع استغلال حقول الفوسفات في ولايات تبسة، سوق أهراس وعنابة، زيادة على مشروع استغلال الرّصاص والزّنك في وادي أميزور بولاية بجاية.
ويؤكّد وزير المناجم أنّ دفاتر الشّروط الخاصّة بهذه المشاريع الكبرى جاهزة، وسيتم في القريب العاجل الشّروع في تجسيدها ميدانيا، مباشرة بعد اختيار الشّركاء المناسبين الذين سيرافقون المؤسّسات الوطنية في كامل مراحل الإنجاز. وسيحظى منجم غار جبيلات بالأولوية القصوى، بحيث ينتظر أن تبدأ عمليات بناء الهياكل القاعدية الخاصة به في الأسابيع الأولى من شهر مارس 2021، مباشرة بعد استكمال إجراءات توقيع الشّراكة مع المتعامل الأجنبي المختار، والانتهاء من الدراسات الهندسية.
غاز جبيلات رهان القطاع
يحتوي منجم غار جبيلات المقدّر مخزونه بـ 3.5 مليار طن على نسبة حديد تصل إلى 56 %، وهو حديد ذو جودة عالية، غير أنّ الإشكال والعائق الذي لطالما طرح في عملية استغلاله، متعلّق بكيفية فصل عنصر الفوسفور عن الحديد الذي تصل نسبته في حديد غار جبيلات إلى 0.8 %، لكن حل هذه المشكلة بات متاحاً اليوم.
ويشير محمد عرقاب إلى أنّ عملية الفصل أصبحت ممكنة بفضل بمساعدة مخابر دول صديقة، بحيث تمّ تقليص نسبة الفوسفور إلى أقل من 0.1 % بنجاح، وعليه يصبح حديد المنجم قابلا للاستغلال والاستعمال كمادة أولية للتحويل الصناعي ثم التسويق.
وسيتم لأول مرة إنتاج صنفين من المواد الأولية المستخلصة، الأول هو (le concentré de fer)، والذي سيغذّي حاجيات مركّب الحجار، والثاني هو مسحوق حديد مخفّف يسمى (PDRI)، سيوجّه بعد إنتاجه لمركّب الحديد والصلب ببلارة ومركب توسيالي بوهران، اللّذان يعتمدان حاليا على جزء كبير من المادة الأولية المستوردة، إضافة إلى باقي مصانع الصلب التابعة للقطاع الخاص، التي تعتمد في أشغال إعادة التدوير على خردة الحديد التي تشبه في تركيبتها مسحوق الحديد المخفّف (PDRI).
ومن المتوقّع أن تصل حاجيات مركب “توسيالي” من المادة الأولوية في 2025 إلى 9 ملايين طن، وحاجيات مركّب الحديد “بلارة” إلى 3 ملايين طن، مركّب الحجار إلى 1.8 مليون، أما مركّبات القطاع الخاص مجتمعة فستحتاج إلى 1 مليون طن.
ويقول وزير المناجم لمجلة “الشعب الاقتصادي” في هذا الصدد “بإنتاجه لـ 12 مليون طن من الحديد سنويا، سيكون باستطاعة منجم غار جبيلات تغطية كل النشاط التحويلي للحديد في الجزائر ابتداءً من 2025، وعليه سنتوقّف عن استيراد الحديد تماماً، وستتمكّن الخزينة العمومية من توفير نحو 2 مليار دولار سنويا، علاوة على إمكانية التوجه للتصدير. المخطّط الآن بات مدروساً من كل جوانبه، وليس كما كان في السّابق، الآن أصبح لدينا تحكم تام في المشروع ورؤية دقيقة ومهيكلة”.
منجم للحديد والشّغل
تتوقّع وزارة المناجم أن يصل عدد مناصب الشّغل المباشرة التي ستستحدث أثناء مرحلة بناء الهياكل القاعدية لمشروع استغلال غار جبيلات إلى 3000 منصب، فيما سيوفّر المنجم أثناء دخوله مرحلة الإنتاج نحو 1000 منصب شغل دائم، إضافة إلى عدد معتبر من فرص العمل غير مباشرة، خاصة وأنّ استغلاله يحتاج إلى خط سكة حديدية وخطوط تزويد بالمياه والكهرباء، ما سيمنح المؤسّسات المصغّرة المحلية مجال المشاركة في عمليات الإنجاز.
حقول الفوسفات الشّاسعة
إلى جانب مخطّط حديد منجم غار جبيلات الاستثماري، يحظى مشروع استغلال حقول الفوسفات الواقعة بولايات عنابة، سوق أهراس وتبسة هو الآخر بأهمية بالغة، نظراً لحجم المخزونات الهائلة التي تحتوي عليها هذه الحقول، والمقدّرة بـ 6 ملايير طن من مادة الفوسفات، وينتظر أن تكون انطلاقة المشروع شهر مارس 2021، بدءاً بعمليات نصب وبناء القواعد الهيكلية.
من ناحية الحجم، يعد مشروع استخراج واستغلال الفوسفات أكبر ضخامة من مشروع غار جبيلات، لتوسّطه ثلاث ولايات، بحيث سيقام المنجم في منطقة “بلاد الهدبة” بولاية تبسة، في حين سيتم إنشاء مصنعين بمنطقة “واد الكبريت” بولاية سوق أهراس، الأول خاص بحمض السولفيريك (حمض الكبريت) والثاني بحمض الفوسفوريك، (السولفيريك والفوسفوريك هما حمضان يستعملان في صناعة الأسمدة)، أما عملية إنتاج الأسمدة المستخلصة من الفوسفات وحمضي السولفيريك والفوسفوريك، فستتم بمصنع “أسميدال” بولاية عنابة.
نحو استغلال أكبر مخزون للزّنك والرّصاص في المنطقة
على غرار الحديد والفوسفات، يعوّل قطاع المناجم في مخطّط إنعاشه على استغلال منجم الزنك والرصاص الواقع في وادي أميزور بولاية بجاية، غير أنّ هذا المشروع الهام سيكون صعب التّجسيد مقارنة مع مشروعي استغلال الحديد وحقول الفوسفات، نظرا لعوامل تقنية تعود أساساً لتواجد مكمن المنجم في باطن الأرض، ما يستدعي توفّر وسائل تكنولوجية خاصة لاستغلاله.
وتفوق مخزونات منجم وادي أميزور من مادتي الزنك والرصاص 60 مليون طن، وهو أكبر مخزون في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وتسعى وزارة المناجم خلال الثلاثي الأول من سنة 2021 للتوصل إلى اتّفاق نهائي مع الشريك الأجنبي حول طرق ومراحل استغلاله.
وينتظر أن ترافق الجامعة الجزائرية بمختصّين وخبراء ومخبريّين كل هذه المشاريع التي تنطلق خلال العام الجاري، وهذا بعد توقيع وزارتي المناجم والتعليم العالي والبحث العلمي على اتّفاقية تهدف لإشراك إطارات وباحثي الجامعة، للاستفادة من معارفهم وتجاربهم العلمية خلال مراحل التجسيد. وعلى هذا الأساس سيتم ضم مجموعة من المختصّين والمخبريّين الجامعيّين التابعين لجامعة عبد الرحمان ميرة بولاية بجاية إلى فرق المراقبة الخاصة بمشروع استغلال منجم وادي أميزور، إضافة إلى إشراك مختصّين من جامعتي وهران وتندوف في مشروع استغلال منجم حديد غار جبيلات، وكذا إشراك معهد المناجم بولاية عنابة في عمليات التنقيب واستغلال حقول الفوسفات بولايات سوق أهراس، تبسة وعنابة.
مكامن الغرانيت والرّخام بإمكانها تغطية 200 % من احتياجاتنا
بالرغم من تحديد الجزائر لأزيد من 20 مكمن غرانيت ورخام من أجود الأنواع في العالم، إلاّ أنّ نسبة استغلالها تبقى ضعيفة، فالإنتاج المحلي من هاتين المادتين لا يغطّي سوى 17 % فقط من حاجيات السوق الوطنية، فيما تُستوردُ القيمة المتبقية المقدّرة بنحو 500 ألف طن من الخارج، ويؤكّد وزير المناجم محمد عرقاب في إفادة لمجلة “الشعب الاقتصادي” أنّ “المكامن التي تحوزها الجزائر بإمكانها تغطية 200 % من احتياجاتنا الوطنية، لكن الجزء الأكبر منها غير مستغل”.
قصد رفع قدرة الإنتاج الوطنية من الغرانيت والرخام التي تعتمد أساساً على استثمارات الشّركات العمومية، تشجّع الوزارة القطاع الخاص على الاستثمار في هذا المجال، الذي قد تكون بداياته مكلّفة وتحتاج وقتا لتحصيل الأرباح، إلا أنه مصدر ثروة حقيقي وجب أخذه بعين الاعتبار، ويؤكّد الوزير أنّ مصالح وزارته ستحرص كل الحرص على مرافقة الراغبين في الاستثمار في كل المراحل، “يجب أن يعلم المستثمرون الجزائريّون أنّ القيمة المضافة عند استغلال الغرانيت والرخام كبيرة جداً، ليس بالنسبة لهم فقط بل لاقتصادنا ككل، فالاستثمارات التي قد تنجز ستساهم في التقليص من فاتورة الاستيراد، الرخام والغرانيت الذي لدينا من أجود الأنواع، لعلّه أحسن من الذي نستورده، رغم ذلك لازلنا نستورد هذه الحجارة بالعملة الصّعبة، وهذا يجب أن يتوقف”.
مخطّط لاستغلال معادن الجزائر النّادرة
زيادة على كل مخطّطات ومشاريع استغلال الثّروات المنجمية التي ذكرت، تحظى مخزونات الجزائر من المعادن النادرة باهتمام كبير، وهذا بالنظر للاستعمالات الواسعة لهذه المعادن في الصّناعات التكنولوجية المتطوّرة، وكان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قد دعا في عديد المرات إلى ضرورة الإسراع لوضع خطط لتحديد مكامن المخزونات واستغلالها، وبناءً على ذلك يقول عرقاب “بعد توجيهات رئيس الجمهورية، قمنا مباشرة بتحيين الخرائط الجيولوجية الخاصة بهذه المواد، لدينا مؤشّرات توحي بتواجد مخزونات من المعادن والأتربة النادرة في كل ربوع الوطن، غير أنّ تركيزها الكبير يقع في جنوبنا الكبير، نحن نعمل حاليا على التدقيق في هذه المؤشّرات التي قد تتحول لمكامن بعد الانتهاء من الدراسات الميدانية، والتأكد الفعلي من المخزونات والجدوى الاقتصادية عند استغلالها، وكل هذا يجب أن يتم خلال هذا العام”.
وكانت مصالح وزارة المناجم قد شرعت في عمليات البحث والدراسة للتأكد من مخزونات معدن “الليثيوم” و”الرمال السليسية”، وأدرجتهما في برنامج خاص نظرا لأهميتهما البالغة في الصّناعات المنتجة للطّاقات المتجدّدة، فالليثيوم هو المكوّن الأساسي للبطاريات الشّمسية، أما الرّمال السليسية فتستخدم في صناعة الألواح الشّمسية، والتركيز على هذين المكونين مرتبط ببرنامج استغلال الطّاقة الشّمسية في الجزائر، الذي يحتاج المواد الأولية الخاصة بالصّناعة التحويلية المنتجة للألواح والبطاريات الشّمسية.