في حوار خصّ به مجلة “الشعب الاقتصادي”، يتحدّث محمد أمين بوطالبي، رئيس المركز العربي الإفريقي للاستثمار والتطوير، عمّا ستجنيه الجزائر من اتفاقية التجارة الإفريقية الحرة، إضافة لمستوى النمو الاقتصادي وسبل ترقية الإقتصاد الوطني، والتحديات الكبرى التي تفرضها التوازنات الإقتصادية الجديدة.
زيادة على ما تُمليه الأزمات الدولية من ضرورات لتحديث منظوماتنا المختلفة خاصة الرّقمية، والاستغلال الذكي للتكنولوجيات الحديثة وتكييف الإدارة مع مُتطلّبات السرعة والفاعلية التي يمكن لها أن تٌسهم في تفكيك البيروقراطية، ودفع عجلة الإقتصاد وإطلاق المشاريع الجادّة والمنتجة لصالح الإقتصاد الوطني.
أجرى الحوار: سيف الدين قداش
الشعب الاقتصادي: ما هو شرحكم البسيط لمنطقة التبادل الحر الإفريقي، وما هي رؤيتكم للمشروع وجدواه؟
رئيس المركز العربي الإفريقي للاستثمار والتّطوير محمد أمين بوطالبي: أكبر خطوة خطتها كل الدول الإفريقية في الإتحاد الإفريقي هو أن تجتمع رؤيتها حول فحوى منطقة للتبادل الحر القارية الإفريقية، هذا أهم شيء، نستطيع أن نقول إنّه خطوة جبّارة لمستقبل أفضل، والأكيد إنّها جرأة كبيرة من كل الدول الإفريقية أولا لتدوير المنتج الإفريقي وتفعيل التجارة البينية بين الدول الإفريقية، وأيضا للاستفادة من فرص التبادل التجاري في المواد الأولية، بحيث تعتبر السوق الإفريقية ثاني أكبر سوق في العالم بـ 1.4 مليار نسمة تقريبا.
ما مستقبل اقتصاد الجزائر مع منطقة التّبادل الحر الإفريقية؟
نعتقد أنّ مستقبل الاقتصاد الجزائري في منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية هو مستقبل محفّز للإنتاج، ولابد علينا الاستفادة من هذه الفرص المتاحة، لأنّ اقتصاد الجزائر مقارنة بعديد الدول الإفريقية يعتبر من بين أهم الاقتصاديات السبع الكبرى في إفريقيا، فلا بد علينا إيجاد مكانة تليق بالصناعة الجزائرية والمنتوج الجزائري، وهذا يعني أنّه يمكن أن يطوّر النسيج الصناعي للاقتصاد العام حتى في تصدير الخدمات للقارة الإفريقية.
كيف يمكن التّأكّد من المنشأ الأصلي للسّلع والبضائع المتداولة في المنطقة الإفريقية للتبادل الحر، حتى لا تتسرّب إلى السّوق المحلية مواد مصنوعة خارج القارّة؟
قضية التّأكّد من المنشأ الأصلي للسّلع والبضائع أمر سهل جدا، ويتم ذلك عبر لجنة مشتركة بين الدول بالنسبة لكل الجمارك في إفريقيا، وهذه اللّجنة استحدثت في بداية تأسيس الفكرة أصلا، والآن هذه النّقطة هي التي تتعامل بها الدول إلى غاية 2022.
تحرير القيود ومعرفة السّلع المنتجة والتّأشير على كل السّلع والبضائع، ومعرفة خطوط السير ومناطق العبور، وكل هذا سيكون خلال اللّقاءات التي تُبرمجُ في الأيام والسّنوات المقبلة، ومن الصّعب جدا القول إنّه لن يتسرّب إلى الأسواق المحلية الإفريقية مواد مصنوعة خارج القارة، لأنّنا نعرف كلّنا أنّ شبكات التّهريب العابرة للقارات تتمركز في إفريقيا، وتتعامل بكثرة في كل الأسواق الإفريقية بسبب شساعة الحدود بين دول القارة، وأيضا العصابات الموجودة في أغلب الدول الإفريقية خاصة نيجيريا، إفريقيا الوسطى وجنوب إفريقيا، فلا يمكن أن تكون هنالك طريقة حمائية 100 % لكن توجد طرق لحماية المنتج من التسرب، من خلال التقيد بالترقيم الأصلي للسلع والبضائع. أكيد سنرى سلعاً مغشوشة من طرف دول أخرى، وتسوّق في المنطقة من أجل الاستفادة من الامتيازات الموجودة في المنطقة القارية الإفريقية، وعلينا أن نعزّز القدرات التقنية والدخول في التفاصيل والاستفادة طبعا من الأخطاء السّابقة، خاصة اتفاقية الإتحاد الأوروبي واتفاقية التبادل الحر العربية.
حسب بيانات رسمية، لا تتعدّى نسبة التبادل التجاري السنوي بين الجزائر والبلدان الإفريقية الأخرى مجتمعة 3 بالمائة من إجمالي حجم التّجارة الجزائرية الخارجية، بالرّغم من الدعوات المستمرّة لاستغلال الأسواق الإفريقية، كيف يمكن رفع هذه النّسبة؟ هل بالرّفع من مستوى المبادلات أم من الإنتاج الجزائري؟
أعتقد أنّ التجارة البينية بين الدول الإفريقية لا تتعدّى 2 %، وإذا تطرّقنا للمنتجات، فنحن بعيدون كل البعد عن تفعيل التجارة البينية بين الجزائر وباقي دول إفريقيا، لأنّ المغرب العربي عرف تأخّرا في تنمية هذا النوع من التجارة، ولم نكن نركّز على تفعيلها بين الجزائر وأغلب الدول الإفريقية، على خلاف الدول الأوروبية وبعض الدول الإفريقية التي كانت تعمل على تفعيل علاقاتها الثنائية وإطلاق مناطق تبادلات حرّة وبناء تكتّلات دولية، لذا فاليوم وجب علينا الرّفع من مستوى المبادلات بزيادة الإنتاج والبحث عن شركاء جدد في إفريقيا مثلما فعلنا في كل الصّناعات الكهرومنزلية، التي مكّنتنا من تحقيق فائدة كبيرة بالنسبة لعائدات تصدير المنتج الجزائري لغرب إفريقيا من موريتانيا، مالي، النيجر، تونس، السنغال، المغرب وبعض الدول الإفريقية الكبرى، هذا يدفعنا لرسم خطّة واضحة المعالم لتصدير كل المنتجات الجزائرية والبحث عن النقائص الموجودة، وأعتقد أنّه يوجد مجال لدخول الأسواق بجودة وتنافسية.
ما الذي يمكن أن تصدّره الجزائر للبلدان الإفريقية حسب المعطيات الحالية؟
يمكن للجزائر أن تصدر العديد من المنتجات الكهرومنزلية ومواد البناء كالإسمنت، ولنا تجربة فريدة من نوعها في هذا المجال. تخيّل أنّ نسبة تصدير الإسمنت رفعت من حجم التّبادل التجاري بين إفريقيا خاصة إفريقيا الجنوبية والجزائر، وهذا مهم جدا في المرحلة الرّاهنة، بقدر أهمية الأطر الخاصة بتفعيل المناطق الحدودية، وتسهيل شبكة الطرق لكسب أسواق جديدة في المنطقة.
من جانب آخر، يجب علينا أن نتأكّد من السّلع التي يمكن أن تٌصدّر من مواد البناء والخدمات التي ستركّز عليها الدول الجارة كالمغرب وتونس وحتى مصر، ورأينا هذا في مكاتب الدّراسات الموجودة في أغلب دول إفريقيا.
من خلال رؤيتكم ورؤية مختلف الخبراء الاقتصاديّين، ما هي الإستراتيجية المناسبة التي ينبغي للجزائر اتّباعها للاستفادة على المديين القريب والبعيد من منطقة التّبادل الحر الإفريقية؟
الرّؤية التي يجب أن نتبعها هي الاستفادة من الأخطاء السّابقة، ونبحث عن آليات جديدة مثل تفعيل مكاتب التجارة بالسّفارات، واستحداث هيئات متخصّصة بتصدير المنتجات للدول الإفريقية، وتحديث شبكة الطّرق والبحث عن آلية لمد سكك حديدية بداية من النيجر كاستهداف أولي، وليبيا ثانيا وبعدها تونس لنقل السّلع عبر الحدود، وكما نعلم أنّ الجزائر تملك 6 أبواب لدول الجوار، وهذا لا يتوفّر للكثير من الدول الإفريقية، كما أنّ لدينا مكانة مهمّة جدا بين هذه الدول، ولا بد أن ندعّم المنتج والإنتاج الجزائري ونزيل كل العراقيل للتعريف به، وأيضا يجب ألاّ ننسى الدور الإعلامي في هذه المسألة، وهذا بالتعاون مع كل الشّركاء الإعلاميّين أو الوكالات والهيئات المكلّفة بالتّصدير، وأيضا كل من يملكون خبرات من خلال البحث العلمي والجامعات وغيرها.
أنتم رئيس مركز عربي – إفريقي للاستثمار، كيف تقيّمون الإستثمار الإفريقي والعربي في الجزائر في ظل الحديث عن مساعي نيجريا ودول عربية للاستثمار في الجزائر؟
في الحقيقة لا توجد رؤية أو قاعدة للاستثمار في الجزائر ولا توجد قوانين ثابتة، لذلك فأغلب المستثمرين العرب يهربون من المخاطرة والاستثمار في بلادنا، أمّا الأفارقة فلا يفكّرون في ذلك كثيراً، فالجزائر بحسب رأيهم تعتبر من الدول التي تفرض قيوداً على الاستثمار الأجنبي، وكما تعلمون فإنّ أغلب دول العالم لها لوبيات اقتصادية تتحرّك وتعمل على جلب أصحاب المال للاستثمار على أراضيها، الأمر الذي نفتقر إليه، فالجزائر لا تلعب على هذا الوتر من أجل التعريف بمناخ استثمارها أو استقطاب مستثمرين جادّين من الدول العربية والإفريقية.
لعل الجزائر تملك علاقات قويّة بسبب دعمها لحركات التحرر في إفريقيا، لكنها تحتاج لتفعيل إصلاحات اقتصادية تحفّز مستثمري هذه الدول الصديقة على القدوم وخض أموال استثمارية. لبلادنا علاقات مع البنك الإفريقي للتنمية والبنك العربي للاستثمار في إفريقيا، وهما بنكان يركّزان على الاستثمار في القارة السّمراء، لكنّنا لم نستغل هاتين الهيئتين بالقدر الكافي، ولم نستفد من أيّة استثمارات قد تموّل من طرفهما.
هناك مشاريع لإنعاش وتطوير الإقتصاد الجزائري، منها رقمنة القطاعات الإستراتيجية وترقية الإدارة، برأيكم ما هي نقاط الظل التي ينبغي التّركيز عليها لكي يحقّق المشروع أهدافه؟
فيروس كورونا كان درسا للدول العربية ولكل القارة الإفريقية، ربما اليوم نحن في ورطة مع عدم امكانية التعامل طبيا مع هذا الوباء، ولكنّه علّمنا كيف يمكن أن ندير دولنا باستشراف وبرقمنة القطاعات الإستراتيجية وحوكمة الإدارة، وهو نفسه الاتفاق الذي أمضته الحكومة الجزائرية مع دولة ماليزيا سنة 2009 ولكنه لم يُفعّل، فلم نر رقمنة للإدارة ولا للهيئات الاستراتيجية كوزارة التجارة، مصالح الاستثمار، الضّرائب والجمارك. لا بد علينا الآن الاستفادة من مجموعة الدروس التي مررنا ولا زلنا نمر بها بسبب جائحة “كوفيد-19″، واغتنام هذه الظّروف الاستثنائية لرقمنة جميع القطاعات لإنهاء الاختلالات المعروفة.