يكشف الرّئيس المدير العام لمجمّع فندقة، سياحة وحمامات معدنية، لزهر بونافع، في حوار خاص لمجلة “الشعب الاقتصادي”، عن الوضع المالي الصّعب الذي خلّفته جائحة “كوفيد-19″، بالنسبة للمجمّع الذي خسر نسبة كبيرة من رقم أعماله وصلت إلى 7.045.108.813 دج.
تحاول المؤسّسة تخطّيها من خلال إرساء برنامج عمل جديد يستند على تقديم عروض جديدة بأسعار تنافسية من شأنها إنعاش نشاط المجمّع.
الشعب الاقتصادي: يعتبر قطاع السياحة من أكثر القطاعات تضرّراً بأزمة “كوفيد-19″، بالأرقام إلى أيّ مدى سجّل مجمّع فندفة، سياحة وحمامات معدنية تأثّرا في هذا السياق؟
الرّئيس المدير العام لمجمّع فندقة، سياحة وحمامات معدنية لزهر بونافع: تزامن ظهور جائحة كورونا مع وضع تميّز بتباطؤ الحركة التجارية والاقتصادية جراء الأزمة الاقتصادية على المستوى الوطني خلال السنوات الماضية، وهي العوامل التي أثّرت بشكل مباشر على النشاط الفندقي من خلال تسجيل انخفاض في معدلات الحجز، وشغل الغرف ومعدلات التوافد على الوحدات الفندقية، ممّا أدّى إلى تراجع رقم أعمالها وتباطؤ كبير في معدلات النمو الخاصة بها خلال هذه الفترة. هذا التّراجع أثّر بشكل كبير على الصحة المالية للمجمّع، وعلى جميع مؤسّسات التسيير السياحي والفندقي التابعة له.
كما أنّ ظهور جائحة “كوفيد-19” جاء مباشرة عقب سنة تلت وضعية سياسية صعبة عاشتها البلاد، والتي ألقت بضلالها على النّشاط الفندقي الذي عرف تراجعا محسوسا، حيث زادت هذه الجائحة من تأزّم وضعية النّشاط الفندقي نتيجة الإجراءات الوقائية التي تمّ اتخاذها في الجزائر، على غرار باقي دول العالم، بهدف محاربة انتشار الفيروس والوقاية منه، مثل تعليق الرّحلات البرية والجوية وتدابير الحجر الصحي، بالإضافة إلى تقليص نشاط بعض الأنشطة التجارية كالمطاعم ومنع التجمعات، والتي تعتبر الفنادق من بين أكبر المتضرّرين منها.
فباستثناء الفنادق التي شهدت عمليات الحجر الصحي للمواطنين الذين تمّ إجلاؤهم من الخارج، عرفت الوحدات الفندقية للمجمّع توقّفا شبه تام للنّشاط أدّى إلى تسجيل تراجع رهيب في رقم أعمالها قارب الصفر بسبب إلغاء الحجوزات، مع حتمية تحمّل تكاليف الصّيانة، تكاليف الأجور واحترام آجال استحقاق القروض التي تمّ الحصول عليها في إطار مشاريع العصرنة.
تلك هي الانعكاسات والتحديات التي واجهتها ولازالت تواجهها فروع المجمّع من أجل مجابهة تأثيرات جائحة كورونا، حيث نسعى لاستئناف النّشاط والعمل على استقطاب السياح والأسواق، واسترجاع توازن مالي يمكّننا من تحمّل مختلف الأعباء وتسديد القروض.
أما عن تأثيرات “كوفيد-19” بالأرقام:
فخلال الثلاث أشهر الأولى من بداية الجائحة (من فيفري إلى مارس 2020)، سجّلت فروع المجمّع تراجعا في رقم الأعمال يقدّر بـ 1.607.691.033 دج، أي 556.897.011 دج شهريا. وخلال 11 شهرا: 6.125.867.121 دج.
يضاف هذا التّراجع في رقم الأعمال إلى أعباء الأجور وتكاليف العطلة الاستثنائية لـ 50 % من العمال التي تمّ إقراراها على مؤسّسات القطاع الاقتصادي بموجب المرسوم التنفيذي 20-70، وعليه فإنّ المبلغ الكلي للعجز يقدّر بـ 7.045.108.813 دج.
أما فيما يخص الاستئناف، فرفع تدابير منع حركة النقل البري والجوي وفتح الحدود من شأنها إعادة بعث النّشاط الفندقي، لكن تبقى هذه القرارات مرتبطة بتطورات الوضعية الصحية في بلادنا والعالم ككل، وهي من صلاحيات السلطات العليا للبلاد. في انتظار ذلك، وضعت كل فروع المجمّع مخطّطات للتكيف مع الوضعية الوبائية والامتثال للبروتوكول الصحي بهدف الحفاظ على صحة المواطنين والوافدين على هذه المرافق، كما تمّ إعداد سيناريوهات وبرامج لإعادة بعث النّشاط في حال زوال الوباء ورفع هذه التدابير.
شراكات مع مراكز التّكوين والجامعات لتكوين اليد العاملة
انطلاقا من الخطاب الذي تتبنّاه الحكومة والمتعلّق بالبحث عن موارد الدّخل الجديدة للعملة الصّعبة، هل هناك مخطّط جديد للنّهوض بقطاع الفندقة في الجزائر؟
مجمّع فندقة، سياحة وحمامات معدنية كمتعامل اقتصادي لا يمكنه تقديم الحلول محل السّلطات والمؤسّسات العمومية المكلّفة بالسياحة وبترقية هذا القطاع للإجابة على هذا التساؤل، لكن المجمّع، بعد عملية العصرنة التي تمّ إقرارها من طرف مجلس مساهمات الدولة، يسعى للرقي بالخدمات الفندقية المقدّمة على مستوى مؤسّساته واستقطاب السائحين الأجانب، وهو الأمر الذي يتطلّب تضافر جهود كل المتعاملين في هذا القطاع، سواء كانوا خواص أو عموميّين، والعمل على تطبيق المخطّط التّوجيهي للتهيئة السياحية في الجزائر، الذي سطّر الأهداف الاستراتيجية التي يتعين تحقيقها من أجل إعطاء قطاع السياحة المكانة التي يستحقها في المناخ الاقتصادي، حيث يمر ذلك عبر الشروع في عمليات مباشرة وفورية لتحسين النشاط الفندقي والمعالجة بالمياه المعدنية والسياحة بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى تنويع المنتجات السياحية واعتماد العلامات التجارية في هذا المجال.
نصبو إلى مستوى عالي من النّجاعة في التّسيير والرّفع من قدرات الاستيعاب
في ظل أزمة كورونا، شهدت السياحة الداخلية انتعاشا كبيرا في الجزائر، إلى أي مدى استفاد المجمّع من هذا النشاط؟ وهل تفكّرون في الاستثمار في هذا المجال؟
إنّ إعادة بعث السياحة الداخلية يمثل تحديا كبيرا لقطاع السياحة ككل، حيث بمبادرة كل من مجمّع فندقة، سياحة وحمامات معدنية والخطوط الجوية الجزائرية، تمّ، في مارس 2020، عن طريق قرار وزاري مشترك إنشاء لجنة قيادة من أجل إعطاء أكثر حركية وديناميكية للسياحة الداخلية، تضم عددا من المتعاملين الاقتصاديين في قطاع السياحة والنقل. غير أنّ هذه اللجنة تحوّل هدفها، مع طول مدة هذه الجائحة، إلى البحث عن سبل ضمان تواصل وجود المؤسّسات الناشطة في القطاع وعدم إفلاسها بالنظر لكون القطاع منكوباً.
وفي إطار عمل هذه اللّجنة، تمّ إبرام عدّة اتفاقيات بين المتعاملين الاقتصاديّين في قطاع السياحة والمتعاملين في قطاع النقل خاصة الخطوط الجوية الجزائرية وشركة النقل بالسكك الحديدية لإقرار عروض موجّهة للسائح الجزائري بهدف تشجيع السياحة الداخلية، حيث تمّ العمل على وضع عروض تنافسية تشتمل على تخفيضات في النقل، الإطعام والايواء، كما تمّ التخطيط للترويج للوجهات والأنشطة السياحية التي تكتسي أهمية ومن شأنها جلب اهتمام السائح الجزائري على غرار الوجهة الصحراوية، السياحة الحموية، الجبلية والمناخية والسياحة الساحلية.
وصاحبَ هذا المخطّط حملات ترويجية وتحسيسية خاصة، أين تمّ الاعتماد أساسا على مواقع التواصل الاجتماعي، والاستعانة بخدمات المؤثّرين على هذه المواقع. كما تمّ إطلاق شعار ترويجي لهذه العملية هو “الجزائر، الآن وللأبد”.
غير أنّ الاعتماد على السياحة الداخلية لم يحقّق النّتائج المرجوة في ظل استمرار الأزمة الصحية وتطبيق التدابير الوقائية المتخذة، والتي منعت التنقل بين الولايات، الارتياد على الشواطئ و منع ممارسة النشاطات ذات الطابع الحموي.
يشتكي السّائح الجزائري وأيضا الأجنبي من غلاء أسعار الفنادق، خاصة منها الفنادق العمومية بما تشمله من مرافق، ألا تفكّرون في مراجعة عروض المجمّع في هذا السياق؟
سياسة الأسعار لطالما كانت من بين أبرز اهتمامات وانشغالات المجمع. في هذا الإطار يجدر التذكير أنّ المجمّع له 17 مؤسّسة فرعية تابعة له، وهذه المؤسّسات تضم 72 وحدة فندقية (وحدات فندقية صحراوية، ساحلية، حموية، مناخية وحضرية) موزّعة عبر التراب الوطني، حيث تتمتّع هذه المؤسسات بالشخصية المعنوية والاستقلالية المالية، وهي خاضعة للقانون التجاري والقوانين المنظمة في مجال السياحة وقواعد المنافسة كغيرها من المتعاملين سواء كانوا خواص أو عموميين.
وكل مؤسّسة تطبّق الأسعار الخاصة بها على مستوى الوحدات الفندقية التابعة لها حسب قاعدة العرض والطلب، فلا يمكن تعميم نفس الأسعار على كافة مؤسّسات المجمّع، فكما تمّ ذكره، هذه الأسعار تختلف حسب طبيعة نشاط الوحدات الفندقية، تصنيفها، نوعية خدماتها ومواسم النشاط، ودور المجمّع في هذا السياق، يكمن في ضمان الانسجام العام للأسعار لفئات الفنادق حسب نوعية النشاط، والسّهر على التناسق بين الخدمات والأسعار المقدّمة.
كما ننوّه أنّ مؤسّسات المجمّع تطلق على مدار السنة، خاصة في أوقات العطل المدرسية والمناسبات الأخرى (سواء العطل الدينية أو العطل الأخرى)، عروضا ترويجية مهمة لفائدة العائلات تشمل على باقة متكاملة من الخدمات على غرار المبيت، الإطعام، رحلات استكشافية وخدمات حموية بأسعار جد تنافسية تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، حيث لاقت هذه العروض إقبالا كبيرا واستحسانا من طرف العائلات.
وبصفة عامة، اليوم لا يمكن القول إنّ أسعار الفنادق العمومية مرتفعة ومبالغ فيها لأنّ هناك عوامل اقتصادية تؤثّر على تكلفة الخدمات المقدمة، وحتى على القدرة الشرائية للمواطن التي عرفت تدهورا خلال الأزمة الصحية.
هل تعتقدون أنّ المنافسة الأجنبية وخاصة منافسة الدول الجارة أثّرت على إقبال السّائح الأجنبي على الجزائر؟
المجمّع كما سلف الذكر يعتبر متعاملا اقتصاديا في قطاع يتميز ليس فقط بالمنافسة الوطنية بل حتى الأجنبية، وعليه فالمجمّع مجبر على التكيف مع هذه المنافسة، في هذا الجانب، نسعى لتقديم خدمات وفقا للمعايير الدولية المعمول بها في هذا المجال، وتوفير مرافق فندقية ذات مستوى عالي، خاصة بعد مختلف عمليات التّأهيل والعصرنة التي عرفتها الوحدات الفندقية العمومية.
أما عن المعطيات الخاصة بتوافد وإقبال السّائح الأجنبي، فهي تقدّم سنويا من طرف السّلطات والمؤسّسات الوطنية المكلّفة بالسياحة والترويج للوجهة الجزائرية.
يتحدّث الكثيرون عن نقطة سوداء فيما يتعلّق بالمؤسّسات الوطنية تخص الخدمة التي يصفها الغالبية بالضعيفة، ما تعليقكم؟
لا ننكر أنّ الخدمات السياحية في الجزائر عرفت تدهورا في وقت مضى، لكن مع مشاريع العصرنة وإعادة التأهيل التي استفادت منها الفنادق العمومية، تغيّر هذا الوضع وأصبحت هذه الأخيرة تقدّم خدمات ذات جودة ومرافق ذات نوعية جيدة. في هذا الإطار اعتمد المجمّع استراتيجية لمواكبة تطوّر الخدمات من خلال خلق نشاطات جديدة تتكيّف مع طلبات السياح وتسمح بتنويع العروض، وذلك عبر:
– تقديم خدمات ذات نوعية مع الأخذ بعين الاعتبار عاملي السّعر والجودة؛
– اقتراح وسم جودة خاص بالمجمّع من أجل استقطاب السياح الأجانب؛
– التّركيز على الخدمات التي تلقى رواجا كبيراً في مرافق المجمّع، والتحسين من جودتها؛
– العمل على تجديد وتحديث الخدمات العلاجية على مستوى المحطات المعدنية ومراكز المعالجة بمياه البحر.
– خلق نشاطات جديدة وإعادة بعث الرحلات السياحية بالشراكة مع المتعاملين السياحيّين.
وفي إطار مهامه التوجيهية للمؤسّسات الفرعية، أسدى المجمّع تعليمات لهذه الأخيرة من أجل:
– التّعاون والشّراكة مع المؤسّسات النّاشئة المتخصّصة في تكنولوجيات السفر؛
– الاستثمار في أنظمة البيانات ودراسة سلوك الزبائن لتكييف الخدمات المسوّقة مع متطلّباتهم، والعمل على إرساء نظام الوفاء للزبائن.
– تحديد برامج تكوينية متخصّصة حول تطوير وتسويق الخدمات والمنتجات السياحية التي تقدّمها الفنادق التابعة للمجمّع.
عجزنا المالي الكلي في 2020 فاق 7 مليار دينار
إلى أي مدى تعتمد إدارتكم على عامل التّكوين في تطوير اليد العاملة على مستوى المجمّع؟
إنّ مفتاح تطوير الخدمات السياحية يكمن في تكوين اليد العاملة، والظفر بمكانة في السّوق السياحية مرتبط بمستوى المرافق وبتأهيل واحترافية الموارد البشرية، التي تعتبر أحد العوامل الرّئيسية في تحديد القدرة التنافسية للقطاع. من هذا المنطلق خصّصت استراتيجية المجمّع حيّزا هامّا للجانب البشري من خلال وضع برامج تكوينية لفائدة عمال الوحدات الفندقية في مختلف التّخصّصات والمهن المرتبطة بأنشطة المجمّع، حيث سطّرنا من خلال هذه الاستراتيجية عدّة أهداف وهي:
– تكثيف الجهود لتطوير وتحسين الخدمات من خلال تطوير مهارات العمال عن طريق برامج تكوينية؛
– العمل على خلق إطار وظيفي يثمّن الموارد البشرية ويستقطب الكفاءات؛
– إضفاء الطّابع الاحترافي لمهن الفندقة عن طريق التكوين المتوّج بالشّهادة.
لتحقيق هذه الأهداف في مرحلة أولى، وضع المجمّع عدّة ميكانيزمات على غرار:
– وضع مخطّط للتّسيير الاستشرافي للوظائف والمهارات؛
– وضع نظم لتقييم النّجاعة والمردودية للعمال للتمكن من تحديد النقائص وبرمجة دورات تكوينية متخصّصة.
في هذا الإطار، قام المجمّع بتكوين أكثر من 3300 عامل سنة 2018 بالتعاون مع الصندوق الوطني لتطوير المهن والحرف، كما تمّ القيام بدورات تكوينية خاصة بالأنشطة الحموية والمعالجة بمياه البحر نظرا لمكانتها وأهميتها، فالمجمّع يضم 08 محطات معدنية، مركز للمعالجة بمياه البحر، ومركزين للرّاحة والرّفاهية.
هذا ويسعى المجمّع، في إطار برنامجه التّكويني لتعزيز الشّراكة مع مراكز التكوين المتخصّصة في المجال وحتى الجامعات بهدف إعداد مدوّنة للكفاءات الخاصة بالمهن الحموية، ومهن المعالجة بمياه البحر.
أما عن اليد العاملة المتخصّصة التي توجد على مستوى المجمّع كالأطباء على مستوى هذه المحطات المعدنية ومراكز المعالجة بمياه البحر، فالمجمّع سطّر برنامجا تكوينيا متواصلا لهذه الفئة بالشّراكة مع جامعات وأطباء أجانب (على غرار جامعة مونبلييه)، وهذا للتحكم في أحدث التقنيات في مجال العلاج، وتقديم خدمات بنفس مستوى الخدمات التي تقدّم في المراكز على مستوى العالم.
ويبقى الهدف الذي يصبو إليه مجمّع فندقة، سياحة وحمامات معدنية، هو بلوغ مستوى عالي من النّجاعة في التسيير، والرفع من قدرات الاستيعاب في مختلف وحداته للزّيادة من رقم أعماله، دون إغفال السّهر على جودة الخدمات لإرضاء الزبائن وجذب زبائن جدد، وإعطاء وجه يشرّف المرافق السياحية العمومية في الجزائر والوجهة الجزائرية ككل.