التغيرات المناخية التي يشهدها العالم وحوض المتوسط بشكل خاص، أثرت على المورد المائي بالجزائر ودفعت الحكومة الجزائرية الى تبنّي استراتيجية وصفها العديد من المتابعين بالمتكاملة، في حين يرى آخرون ان تجسيد الخطوات التي تنتهجها الدولة لبلوغ أعلى درجات ما يعرف بـ«الأمن المائي” تتطلب مرافقة ومتابعة من أعلى سلطة في البلاد وهو ما تجسّد في آخر مجلس للوزراء الأحد الماضي.
أوضح المستشار والخبير الفلاحي أحمد مالحة في تصريحات لـ “الشعب”، أنّ الرهان على مياه محطات تصفية المياه للاستعمال الفلاحي والصناعي كبير، ونستطيع بلوغ مساحة معتبرة تتراوح مابين 200 الف هكتار الى 300 الف هكتار، داعيا الى ضرورة وضع مقاربة شاملة ومتكاملة تتضمن تحلية مياه البحر واستغلال مياه الأمطار وغيرها من موارد المياه غير المستغلة بشكل متكامل لتجسيد هذه الإستراتيجية.
وأشار محدثنا أن مقاربة رئيس الجمهورية، تجسد ما دعا له منذ عقدين من الزمن المهندس مالحة ومختصون من خلال بحوثهم وكتاباتهم حول رهانات إعادة استرجاع مياه الصرف الصحّي، وأشار محدثنا أن هناك دولا تسترجع المياه المستعملة بنسبة 100 بالمئة، في حين هناك دولا تسترجع هذه المياه وتستعملها حتى للاستهلاك البشري.
وأضاف المهندس مالحة ان التغيرات المناخية تفرض علينا وضع إستراتيجية جديدة والتوجه نحو استغلال كل الموارد المائية والحفاظ على المياه الصالحة للشرب قدر المستطاع، مشيرا الى أنه من الضروري التوجه لاستغلال المياه المستعملة بعد تصفيتها لسقي الحبوب وأنواع عديدة من الأشجار المثمرة والخضروات.
وذكر محدثنا أن معالجة المياه المستعملة تفرز نفايات صلبة بالإمكان استغلالها كأسمدة قد تكون أكثر فعالية من الأسمدة الكيميائية، وفي ذات السياق أوضح مالحة أن معالجة المياه تتم بدرجات متفاوتة وكل ما تقدمت مرحلة التصفية كلما توسع نطاق استغلال المياه حتى تصل الى نسبة صفاء تكون فيها صالحة للشرب.
ويرى خبراء ومختصون أن الوقت حان للانتقال بمحطات تصفية المياه من حماية البيئة الى إنتاج ما يسمى “الذهب الأزرق”، فالمياه المستخدمة تعتبر مورد أساسي لدى العديد من الدول خاصة فيما يتعلق بالسقي الفلاحي والاستغلال في الصناعة، كما أن المياه المستعملة تعتبر أحد أفضل أنواع المياه التي تسهم في تقديم انتاج وفير بالنسبة للحبوب والعديد من المساحات المسقية.
ويذكر مختصون أن بالجزائر أكثر من 1.6 مليار متر مكعب سنويا ولا يتم الاستغلال منها سوى 6 أو7 ملايين متر مكعب، وفي تصريحات سابقة لـ “الشّعب” أوضح مدير استغلال المحيطات بالديوان الوطني للسقي وصرف المياه يحياوي رشيد، أنّ حجم كميات المياه المستعملة المصفّاة ضخم لكن عدم استغلاله يطرح أكثر من تساؤل، إذ تشير آخر الاحصائيات للمخطط الوطني للمياه سنة 2018 إلى ضياع 400 مليون متر مكعب سنويا في الاودية والبحار دون استغلالها في المساحات المسقية.
وفي ذات السياق يؤكد خبراء أن ثلثي المياه المستعملة في الجزائر والتي تجاوزت 1.6 مليار متر مكعب تصب مباشرة في الاودية والبحار دون مرورها عبر أي محطة تصفية ا وإعادة استغلالها، في حين ان استراتيجية الرئيس تبون في قطاع الري تعتمد على ضرورة الاستغلال الامثل لكل الإمكانيات بطرق رشيدة وسياسة حكيمة.
وبالرغم ما تزخر به الجزائر من موارد مائية جوفية هائلة، إلاّ أنّ مقاربة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون تعتمد على تنويع موارد المياه من أجل تنمية مستدامة، فإلى جانب السدود تعكف الحكومة على المضي قدما في مشاريع لتحلية مياه البحر على طول الشريط الساحلي، واليوم تتجه نحو تثمين المياه المستعملة ومحطات التصفية لسقي المحيطات الفلاحية وفي المجال الصناعي.
ويعتبر متابعون للشأن المحلّي أنّ هذه الاستراتيجية متكاملة، الهدف منها تحقيق الأمن المائي الذي يعتبر شرارة مشاكل سياسية ودبلوماسية بين عديد الدول سواء في القارة الافريقية أو خارجها.
ويرى آخرون أنّ المياه المستعملة المصفّاة تعتبر مورد سقي آمن لعديد من المزروعات، فالتغيرات المناخية في السنوات الأخيرة تدفعنا لتسريع وتيرة التوجه نحوالسقي الغير تقليدي، والذي يعد أبرز الحلول التي تتلائم والتقلبات المناخية المسجلة.وحسب الديوان الوطني للسقي وصرف المياه فإن عملية تزويد الفلاحين بالمياه المستعملة التي شرع فيها الديوان منذ 2012، لم يدفع مقابلها الفلاحون المستفيدون دينارا واحدا، بسبب عدم توفر مرسوم قانوني يحدد تسعيرة هذا النوع من مياه السقي، وهو ما يطالب به الفلاحون في حد ذاتهم حفاظا على هذا المورد الذي يتطلب هو الآخر صيانة لشبكات التوزيع والربط بمياه السقي من محطات التصفية.