بعد الانتهاء من ورشة التعديلات التشريعية المؤطرة للعملية الاستثمارية، عرف النشاط الاستثماري في الجزائر انتعاشاً محسوساً، تماماً كما جاء في توقعات البنك الدولي الصادرة في إحدى تقاريره التي نشرها بداية العام، حيث توقع أن يعرف الاستثمار انتعاشاً في 2023، يقوده القطاع العام وقطاع المحروقات.
تعتزم الجزائر الدفع بالعجلة الاستثمارية والرقي بها من خلال تحيينها للمنظومة القانونية للاستثمار، وكذا الدفع والشروع الميداني في انجاز مشاريع مهيكلة واعدة، على غرار الصناعة المنجمية والاستثمارات الفلاحية.
ويعد قانون الاستثمار الجديد اللبنة الأساسية للتوجه الاقتصادي الجديد الذي يهدف إلى تحديد القواعد التي تنظم الاستثمار وحقوق المستثمرين والتزاماتهم والأنظمة التحفيزية المطبقة على الاستثمارات في الأنشطة الاقتصادية الممارسة من طرف المستثمرين الوطنيين أو الأجانب، وهذا تكريسا لمبدإ المساواة وحرية العمل، لكن شريطة الوفاء بمجموعة من الالتزامات الضامنة لمصالح الدولة ولجدية العملية الاستثمارية، حيث يفرض قانون الاستثمار، برؤيته الإصلاحية الجديدة، على المستثمر، الالتزام بمجموعة من المعايير لاسيما منها تلك المتعلقة بحماية البيئة والصحة العمومية والمنافسة والعمل وشفافية المعلومات المحاسبية والجبائية والمالية وحماية لمصالح الدولة.
عمل قانون الاستثمار على تسقيف فترة مرحلة إنجاز المشاريع من 3 سنوات إلى 5 سنوات بالنسبة للاستثمارات المدرجة ضمن نظام المناطق ونظام الاستثمارات المهيكلة، وهذا من أجل دفع المستثمر لتسريع أشغال الإنجاز والدخول في الاستغلال في أقصر الآجال إضافة إلى حصر تمديد فترة الاستفادة من مزايا الإنجاز لمدة 12 شهرا بهدف تفادي إعادة التقييم المالي للمشاريع الاستثمارية.
وسبق لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، التأكيد أن الجزائر تشهد اليوم عهدا جديداً بعد توفير كافة الضمانات لاستقطاب الاستثمار الأجنبي في مختلف القطاعات، مشيرا إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تجسيد عديد المشاريع الاستثمارية، بعد أن تيقن مختلف الشركاء أن الاستثمار في الجزائر مربح وهو ليس بمغامرة، إنما هو استثمار آمن بفضل إمكانية تحويل الأرباح والاحتياطات التي تتمتع بها البلاد وتوفر الثروات، خاصة بعد صدور القانون المؤطر للاستثمار والذي سيطبق وفق مبدإ رابح ـ رابح لتعميم الفائدة المتبادلة بعيدا عن كل إيديولوجية.
ولقد قادت السياسة الاستثمارية الجديدة، الجزائر إلى تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة في 2022 قدرت بـ4.1 %، وهذا رغم الأوضاع الاقتصادية الدولية التي تميزت بالكساد والتضخم الكبير الذي يشهده الاقتصاد العالمي، ويعود هذا أساسا إلى تضافر جهود مختلف القطاعات ودعم الصادرات خارج المحروقات وزيادة عدد الاستثمارات، وكذا الإفراج عن عدد كبير من المشاريع الاستثمارية التي كانت مجمدة.
ولعل من بين أهم الاستثمارات المهيكلة والكبيرة التي أطلقتها الدولة، تلك المتعلقة بقطاع المناجم، بحيث تسعى من خلالها إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي خاصة من المنتجات الحديدية، ثم التوجه للتصدير مستقبلاً وفق خطة جديدة تقضي بتجنب تصدير الحديد في شكله الخام، والعمل بالأحرى على تصديره في شكل منتجات نصف محولة، عن طريق تزويد المنتجين الجزائريين بالمادة الأولية الخام، والذي سيعملون بدورهم على معالجتها وتحويلها ثم تصديرها.
من جهة أخرى، وترقية لفلاحة الشعب الإستراتيجية، حظيت الزراعات الإستراتيجية ببرنامج خاص، على أساس الحافظة العقارية الموكلة من قبل الدولة إلى ديوان تنمية الزراعة الصناعية بالأراضي الصحراوية، حيث بلغت مساحتها 550 ألف هكتار، مكنت من تنفيذ برنامج لانجاز 140 مشروعا استثماريا معتمدا على مساحة 97 ألف هكتار.
وتخوض الجزائر تحدي إطلاق صناعة حقيقية للمركبات بالشراكة مع مختلف المتعاملين الأجانب المهتمين بالاستثمار في الجزائر، بوضع حجر أساس متين لبناء أسس صلبة لصناعة جزائرية حقيقية داعمة للاقتصاد الوطني، وهذا ما شجع الكثير من المتعاملين على التوجه إلى الاستثمار في مجال صناعة قطاع غيار السيارات.
هذه الإمكانات الاستثمارية الكبيرة للجزائر، هي التي مكنتها من أن تحظى بترحاب سريع من طرف دول أعضاء منظمة «بريكس»، بعد تقديم الجزائر لطلب الانضمام الرسمي إليها، لتعبر بذلك عن مكانة الجزائر وقدراتها الاقتصادية، وحاجة التكتل الاقتصادي لمؤهلاتها، ويدعمها في ذلك موقعها الجغرافي المتميز والاستراتيجي بشمال إفريقيا وجنوب أوروبا، المسهل للعمليات اللوجستية، علاوة على الاستثمارات الإستراتيجية في البنى التحية التي تتوفر عليها أو تعمل على إنجازها
السياسة الاستثمارية الجديدة التي اعتمدها رئيس الجمهورية، تجاوزت بعدها الوطني، بمساهمة الجزائر في إطلاق استثمارات ذات أبعاد وأهمية إقليمية، وقد تجسد ذلك بعد اقرار الرئيس تخصيص مليار دولار لدعم المشاريع التنموية في البلدان الإفريقية، لتعزيز التكافؤ والتضامن بين الدول الإفريقية على المستوى السياسي، والمساهمة في إطلاق ديناميكية تنموية في البلدان المعنية بمثل هذه الاستثمارات، خاصة وأن معظم دول القارة متعثرة تنموياً، وتعاني من نقص مشاريع البنى التحتية سواء في الفلاحة أو الأشغال العمومية، الصحة والتعليم والقواعد المنجمية والطاقوية والمائية، والتي ستنعكس على التنمية في إفريقيا، ضمن منظور الاتحاد الإفريقي لسنة 2063، كما ستسد هذه المبادرة كذلك الطريق أمام التدخلات الأجنبية في الشأن الإفريقي.
ن الجزائر تعمل على تحقيق صناعة حقيقية ووضع قوانين لجلب المستثمرين وتحفيزيهم