تسير الجزائر بخطى ثابتة نحو تعميق وفرة كميات الإنتاج الغذائي عبر أسواقها، مصمّمة على التفوق على مختلف العوامل المبطئة لمسار أمنها الغذائي، بعد أن انطلق بريتم متسارع، مرتكزة في تحقيق أهداف ذات أولوية وفق أجندة تنموية اقتصادية يحتل فيها الغذاء أولوية قصوى في المخططات الإستراتيجية، وفق نظرة استشرافية، كما تعتزم الجزائر مواجهة أي ندرة بإرساء وفرة مسبقة في الإنتاج، خاصة عندما يشتد الطلب ويقفز إلى ذروته في مناسبات يتصدّرها شهر رمضان الفضيل.
اللاّفت أنّ الدولة تولي اهتماما كبيرا لقطاع الفلاحة، خاصة منذ الجائحة، وما تبعها بفعل التوترات الجيواستراتجية التي شهدها العالم، ولقد تجلى هذا الاهتمام في ما يضخ قطاع الفلاحة من إنتاج يمثل كمّا لا يستهان به من القيمة المضافة، ويؤمّن نسبا معتبرة من المواد الغذائية، في وقت ما زالت الدولة تبذل الجهود من أجل مضاعفة الإنتاج، بفضل القدرات الكبيرة المتاحة، من أراض زراعية ويد عاملة ومناخ ملائم، وكل ذلك يحظى بدعم الدولة المطلق، من خلال التسهيلات والتوجيهات والتمويلات المخصصة للفلاحين. وبالتوازي مع ذلك، تهتم الجزائر كثيرا بالبحث العلمي في المجال الفلاحي، بل تعوّل عليه في تكثيف الإنتاج، وجعل جزء معتبر يسير بطريقة تكنولوجية، وفق تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل ضمان استمرارية الدورة الفلاحية والحفاظ على مستويات عالية من الإنتاج، على خلفية أن العرض الوفير من شأنه أن يخفض الأسعار في السوق المحلية، ويرفع من حجم الصادرات نحو الخارج.
ولقد تمكّن المنتوج الفلاحي الجزائري من فرض جودته بقوة في الأسواق العالمية، مؤكدا تنافسيته العالية، وأبان عن قدرته على اكتساح المزيد من الأسواق الخارجية، في ظل خبرات متراكمة في الأداء، وتجارب تعد علامة فارقة في القطاع، لاسيما في إنتاج التمور وزيت الزيتون والفواكه والعديد من الخضر الطازجة، بالإضافة إلى جودة الحبوب، كل ذلك أثبت أن كل أنواع المنتجات الفلاحية، بما فيها الخضر والفواكه، يمكن إنتاجها بالجزائر، خاصة في صحرائها الشاسعة، وكذا بمنطقة الهضاب العليا، فتكثيف الفلاحة لم يعد يقتصر على المدن الشمالية والداخلية، لذا ينتظر أن تحقّق الجزائر المزيد من النمو والتطور في المجال الفلاحي، وكذا مختلف الصناعات الغذائية التي برهنت على قدرتها على تعويض المنتجات المستوردة.
بالفعل، يبقى الغذاء منتوجا استراتيجيا يكتسي أهمية قصوى، وتوفيره يعد رهانا يطرح العديد من المفاتيح القادرة على تحقيق الأمن الغذائي والاستقرار بشكل مستمر خاصة في المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك، على غرار الحبوب والخضر والفواكه والألبان واللحوم، وتلعب الزراعة دورا كبيرا في تحقيق موارد مالية إضافية معتبرة، تأتي بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وينبغي الاعتراف بأنّ الحصيلة المحققة في إنتاج الحبوب، تعد جد إيجابية، بل وينتظر منها تحقيق الاكتفاء الذاتي في محصول الحبوب؛ فقد قدّر في الموسم الفلاحي 2021 و2022، بما لا يقل عن 41 مليون قنطار، أي بتحقيق زيادة تقارب النصف، وكانت أزمة الغذاء العالمية المشتعلة في السنوات الماضية على مستوى الأسواق العالمية، دافعا للمسارعة إلى اتخاذ عدّة إجراءات استباقية ذات بعد استشرافي، من خلال دعم الفلاحين، مع دعم الأسمدة واستعادة العقارات الفلاحية غير المستغلة.
ولا يخفى أنّه خلال المرحلة الراهنة، يسجل دعم غير مسبوق لإنتاج وصناعة الأغذية ببعد استشرافي، علما أنّ الوفرة في العرض والصرامة في تنظيم الأسواق، من شأنها أن تفضي إلى مواجهة الندرة، والقضاء على تذبذب التموين، في ظل وجود أجندة تنموية اقتصادية يحتل فيها الغذاء قلب المخططات الإستراتجية.