تدخل عملية الزيادات في الأجور مرحلتها الرابعة منذ تولي الرئيس تبون سدة الحكم بالجزائر، وستمس الزيادة الجديدة التي يتم صبها يوم 10 مارس بأثر رجعي منذ جانفي، هذه المرة، أزيد من مليونين و800 ألف موظف عمومي، ومليونين و980 ألف متقاعد بالنسبة لرفع المعاشات، فقرار رفع الأجور سيبلغ نسبة 47 بالمائة بحلول سنة 2024، وهو الأمر الاستثنائي غير المسبوق في تاريخ الجزائر المستقلّة.
استقبل الجزائريون خبر دخول الزيادات المقررة في الأجور ابتداء من شهر مارس بارتياح كبير، أياما معدودة قبيل حلول شهر رمضان الكريم، والذي يتميز بمتطلبات خاصة، وعادات تنفق عليها الأسر الجزائرية بشكل أكبر من باقي الشهور، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار بالرغم من جهود الحكومة لضبط السوق ومحاربة الاحتكار والمضاربة غير المشروعة.
قال الرئيس تبون خلال لقائه الدوري مع ممثلي الصحافة الوطنية، إن الزيادات ستصب كلّها قبل حلول شهر رمضان المعظم، وإن الدولة “تخوض معركة حقيقية لحماية القدرة الشرائية للمواطن، من خلال مكافحة كل أشكال المضاربة ومحاربة الفساد بكل مظاهره”.
ويرى كثيرون ان المعركة التي تحدّث عنها الرئيس تبّون تتجلى في ثورة من النصوص القانونية التي أكدت فاعليتها من خلال سهر أجهزة الدولة على كشف المتلاعبين بأقوات الجزائريين، وساهمت في كبح المضاربة غير المشروعة، خاصة فيما يتعلق بالسلع المدعمة من طرف الدولة.
وفي نفس اللقاء، وصف رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قرار رفع الأجور بنسبة 47 بالمائة بحلول سنة 2024، ورفع منحة التقاعد وتخفيض الضرائب على الدخل بـ “الأمر الاستثنائي الذي لا مثيل له”، وأشار الرئيس إلى أنه يهدف أساسا إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطن.
وذكّر الرئيس تبّون أنه لم يسجل في الجزائر أي رفع للأجور منذ نحو 10 سنوات إلى 15 سنة، وأن الرّفع التدريجي لها حاليا، سينعكس بالتأكيد على مستوى معيشة المواطن، في انتظار الرفع النهائي للأجور خلال العام المقبل.
يرى الخبير الاقتصادي عمر هارون، في تصريح لجريدة “الشعب”، أنّ الجزائر واجهت ارتفاع الأسعار الناجم عن تداعيات الجائحة الصحية والأزمة الروسية – الأوكرانية بثلاث خطوات أساسية ارتبطت الأولى بدعم الدولة لمختلف السلع خاصة ما يتعلق بالسلع الفلاحية، حيث يستفيد الفلاحون من دعم كبير، وهذا من خلال خفض في أسعار البذور والأسمدة بنسبة خمسين بالمائة، والزيادة في سعر شراء محصول الفلاحين من الحبوب.
وأضاف محدّثنا إن الخطوة الأساسية الثانية التي قامت بها الدولة هي الرفع من قيمة الدينار الجزائري، وهذا تجنبا للتضخم الموجود بالخارج وتفادي ما يعرف بالتضخم المستورد، خاصة وأننا نشهد ارتفاعا كبيرا في الأسعار حيث ارتفعت في أوروبا الى ما فوق 10 بالمائة، وبلغت الزيادة في أسعار السلع الواسعة الاستهلاك في بعض الدول الى حدود 80 بالمائة مثلما حدث في دولة تركيا، فيما بلغ ارتفاع الأسعار بالولايات المتحدة الأمريكية إلى حدود 10 بالمائة، بالإضافة الى ارتفاع أسعار النقل بعد ارتفاع أسعار المحروقات بصفة عامة، وهو ما ولّد ارتفاعا جنونيا في مختلف أسعار السلع والبضائع والخدمات.
رفع الأجور يدعّم السوق المحليّة
ويرى الخبير الاقتصادي عمر هارون أن الخطوة الثالثة تعتبر أهم الخطوات التي قامت بها الدولة من أجل دعم القدرة الشرائية ومجابهة ظاهرة التضخم، وهي الرفع من أجور ورواتب العمّال والموظفين من مختلف الأصناف والرتب، حيث ستبلغ نسبة رفع الأجور 47 بالمائة بحلول سنة 2024، بالإضافة الى رفع منحة التقاعد وتخفيض الضرائب على الدخل، وستكون مقسّمة حسب المعطيات الاقتصادية الكليّة والعالمية نظرا الى كون التضخم ظاهرة عالمية ولا تتعلق بالجزائر فقط.
وأفاد الدكتور هارون، أن الجميع يترقب دخول عملية الرفع في الأجور حيز التنفيذ شهر مارس الجاري، حيث يتوقع أن تكون زيادات معتبرة تتراوح الزيادات ما بين 3 آلاف دينار جزائري و7 آلاف دينار جزائري حسب مستوى تصنيف كل موظف، وقد تصل في بعض المناصب الى 9 آلاف دينار جزائري، وهذا باحتساب ارتفاع الأجور وتأثيره على منحة المردودية.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن المواطن الجزائري سوف يحظى بمرافقة متميزة من الدولة في أثناء هذه المرحلة الصعبة التي يتميز بها الاقتصاد العالمي، فما يتصف به العالم اليوم من وضعية صعبة اقتصادية مسّت جميع الدول، حتى تلك الدول التي تتميز بمعدل دخل مرتفع للمواطن ومستوى معيشي محترم، وما قد يلاحظ أكثر في ارتفاع الأسعار على مستوى هذه الدول، هو غياب أي دعم للمواد الأساسية من طرف حكوماتها، فقد يرتفع سعر البنزين والطاقة وبعض المواد واسعة الاستهلاك الى مستويات قياسية، تؤثر على حياة المواطن هناك.
من جهة أخرى، أوضح عمر هارون أن الجزائر بصدد بناء الاقتصاد الوطني، وفي مرحلة كهذه، من الصعب أن تكون هناك زيادة في الأجور لو لم تكن هناك زيادة في مداخيل الدولة الجزائرية من المحروقات، حيث سجلت الجزائر زيادة معتبرة من مداخيل النفط بلغت أكثر من 20 مليار دولار، والجزائر تصبو الى تطوير هذه المداخيل خاصة مع الاستثمارات الكبرى في قطاع الطاقة التي تعمل عليها الجزائر من تصدير للأمونياك والهيديروجين والطاقة الكهربائية، بالإضافة الى هدف الرفع من صادرات الجزائر من الغاز بنسبة 100 بالمائة.
وفي ذات السياق، يرى الخبير هارون أن هذه القدرات التي تتمتع بها الجزائر تسمح لها بالزيادة في أجور الموظفين، وهو ما سينعكس بالإيجاب على الاقتصاد الوطني، فالرفع من الأجور سيؤدي حتما الى زيادة الطلب على السلع، بالإضافة الى الديناميكية التي تم خلقها على مستوى المؤسسات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومع الاستثمارات الأجنبية في السنوات الأخيرة، سيُنتج لنا سوقا محلية قوية وقادرة على الرفع من الطلب واستقبال السلع المختلفة. وهو ما سيعود بالنفع على الاقتصاد الوطني وعلى دفع عجلة الاقتصاد، وقال الأستاذ هارون: “في السابق، كنا نعتمد على الاستثمار العمومي فقط، واليوم، من خلال هذه الحركية الاقتصادية، سيتشكل لنا سوق في الاستثمار العمومي والاستثمار الخاص”.