تطرح نسبة معتبرة من القيمة المضافة، وتستحدث الآلاف من مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة، وفوق ذلك، تشكل مصدرا مهما للمادة الأولية الخام لتموين صناعة «التغليف» بكميات معتبرة ونوعية ذات طراز رفيع، إنها الصناعة التدويرية للورق، تساهم في حماية البيئة وتخفض من فاتورة استيراد الورق، وتنعش سوقا حيوية لمادة رئيسية اشتعلت أسعارها بالأسواق العالمية.
إنها عملية استرجاع الأطنان من الورق في مختلف المجالات، وهي الرافعة المتينة لتحقيق التنمية المستدامة، وانتهاج مسار تثمين الثروات المتوفرة من دون استغلال.. نعم من النفايات يمكن أن ننتج ثروة بواسطة توفير تغليف وتوضيب نوعي للصناعة الغذائية، هذا ما أكده الخبير إبراهيم قندوزي في حديثه لـ»الشعب»، ويرى أن التقليص من استعمال الورق بفضل الحواسيب والأنترنيت سينعكس على خفض حجم الصادرات في هذه المادة الأساسية، إلى جانب السعي نحو تعميم الرقمنة على مختلف القطاعات.
في البداية اعترف الخبير ابراهيم قندوزي، أن استيراد الجزائر إلى كل ما تحتاجه من مادة الورق، يكلفها غلافا ماليا معتبرا من العملة الصعبة، مشددا على ضرورة ترشيد استعمال مادة الورق بالنظر إلى تكلفتها العالية في الأسواق العالمية في الوقت الحالي، وخاصة بعد جائحة كورونا، عبر الاستعمال العقلاني للمادة وتطوير الطاقة الإنتاجية والانفتاح على منتجين جدد، خاصة على صعيد تشجيع الخواص على إعادة رسكلة الورق والكرتون، بالنظر إلى أهمية هذه الصناعة في الاقتصاد الدائري.
ولما تحمله هذه الصناعة التدويرية من آثار إيجابية على سوق الشغل والبيئة، والحد من تبذير الموارد، دعا الخبير إلى إرساء سياسة مشجعة، يمكن انتهاجها في عملية استرجاع الورق من النفايات، وحتى بالنسبة إلى عدة مواد أولية أخرى على غرار النحاس والحديد، وما إلى ذلك، كما اقترح تقديم مساعدة من طرف وزارة البيئة لفائدة المؤسسات الصغيرة الناشطة في مجال الاسترجاع، بهدف التحفيز على المساهمة في توسيع وتفعيل نشاط الاسترجاع، عبر طرح تسهيلات وتمويلات لمثل هذه المؤسسات التي عادة ما يلجأ إلى إنشائها الشباب البطال.
إن استيراد مادة الورق، مازال يمثل هاجسا حقيقيا والتخفيض من مستوى ذلك، لا يتحقق إلا بتفعيل عمليات الاسترجاع، ونجد أنه على مستوى ورشات البناء عدد هائل من أكياس الاسمنت يتم التخلص منها بينما في الحقيقة تمثل ثروة ورقية قابلة لإعادة التدوير، وصارت شركات إعادة الرسكلة تبحث عنها، إذ يمكن استغلالها بالشكل المطلوب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يرى الخبير أن عملية التغليف لديها دور كبير في الحفاظ على نوعية وجودة المواد الغذائية، عندما يتم تسويقها وتثبيت العلامة على واجهات العلب، وهذا يتطلب تغليفا وتوضيبا يحتاج إلى الورق والكرتون، خاصة في حالة تصديرها، عملية التغليف لا تقل أهمية عن جودة المنتوج الغذائي في الصناعات الغذائية، لأن الجزائر رائدة في هذه الصناعة، بالنظر إلى قوة تنافسية ما تنتجه فلاحيا، وذكر الخبير في هذا المقام، أن جودة التغليف (لومبالاج) تسهل من عملية تصدير المنتوج، ولأن الأمر يتطلب التحكم في النوعية الجيدة للتغليف، من أجل النجاح في الرفع من التنافسية للمنتوج الوطني عبر الأسواق الخارجية.
ولأن مادة الورق الأولية تنتج من الأشجار، وبهدف الحفاظ على الأشجار، ارتفعت أسعار الورق في الأسواق العالمية بشكل صاروخي، يتطلب الأمر – في الوقت الحالي – حسب تأكيد الخبير، التعجيل بتبني سياسة الاستهلاك العقلاني والتسيير الجيد للورق، في ظل الانتقال إلى تجسيد مشروع «صفر ورق» في الإدارات والجامعات، واغتنم الخبير قندوزي الفرصة ليذكر بتجربة الجزائر الناجحة في الماضي، بعد أن كانت تستعمل مادة «الحلفة» في إنتاج الورق والذي كان آنذاك بجودة عالية، بينما في الوقت الراهن، من الحلول الممكنة والضرورية، شدد على أهمية التوجه نحو إرساء الاقتصاد الدائري القادر على القضاء على أي مظاهر للتبذير، وضخ ثروة معتبرة من شأنها أن تعزز جهود حماية البيئة في ظل تحديات الاحتباس الحراري القائمة.
يذكر أنه من بين النفايات الورقية المجمعة والقابلة لإعادة التدوير من طرف أصحاب الشاحنات المتوافدة على عدة مصانع، سواء تعلق الأمر بالمؤسسات الخاصة أو العمومية، نجد كل من مادة الكرطون والبقايا الصناعية على غرار الورق المقوى المضغوط، بالإضافة إلى أرشيف المكاتب والمؤسسات، ويضاف إليها الجرائد والمجلات وأوراق المكتب، ونجد كذلك – يقول الخبير – ما يصلح في مجال التعبئة والتغليف، من الورق والكرتون والأكياس والكتب والدفاتر المدرسية وعلب الأدوية و أوراق الإدارات والمدارس والمؤسسات وغيرها.