الانتقال من الزّراعة «المعاشية» لأشجار الزيتون، إلى التشجير الاقتصادي الاحترافي لهذه المنتجات «الأصيلة» و»الموطنية»، ظهر جليا في السنوات الأخيرة، حيث حظي باهتمام الدولة في برامجها القطاعية، بمنح تسهيلات ودعم لسكان المناطق الريفية والجبلية، والمهتمين بالاستثمار الفلاحي حتى في عمق الصحراء، لتوسيع نطاق غراسة شتلات أشجار الزيتون بمختلف أصنافها، وإدخال التقنيات الحديثة في الزراعة والتحويل، لتحصيل منتوج كمي ونوعي، ينافس منتجات الدول العربية والأجنبية، سواء الموجّهة للاستهلاك أو للاستعمال كمادة أولية في صناعة منتجات طبية وتجميلية، ومواد تنظيف.
توصف شجرة الزيتون بأنّها «الموروث الطبيعي الأصيل» للجزائريين، وهي ترتبط بحياتهم منذ قرون، وانتقلت غراستها من جيل إلى جيل، بل اتّسع نطاقها إلى غير المناطق الجبلية التي اشتهرت بها، إذ باتت تغرس في الهضاب والصحراء، وتعطي منتوجا كميا ونوعيا، توّج بالذهب في مسابقات عالمية، نظير جودته وخصائصه المتفرّدة، وأصبح مصدرا للثروة خارج المحروقات، يمكن أن يحقّق أرقاما خيالية، برفع الكميات المصدّرة، خاصة وأن الطلب يكثر على الأصناف الجزائرية المحلية في أسواق أمريكا وأوروبا ودول الخليج.
وتشير دراسة أنجزتها الخبيرة الأمريكية نيكول ماس مع جامعات أمريكية، إلى أنّ الجزائر بإمكانها تصدير أكثر من 2000 مليار دولار من المنتجات الزراعية سنويا، من بينها أزيد من 200 مليار دولار خاصة بسوق زيت الزيتون فقط.
توسّع نطاق الغرس بثلاث أضعاف
يصنّف ميلود تريعة، مكلّف بالدراسات والتلخيص بوزارة الفلاحة في حديثه لـ «الشعب»، شعبة الزيتون ضمن أهم الشعب الفلاحية، ويصفها بـ «المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي الفلاحي»، ليس على صعيد إنتاج الزيتون فحسب، بل على مستوى تكثيفه من خلال تعزيز وتطوير الصناعات التحويلية بغرض تشجيع الصادرات خارج المحروقات.
ويؤكّد محدّثنا أنّ جهود الدولة لتشجيع الاستثمار الفلاحي عن طريق برنامج استصلاح الأراضي الفلاحية، تضاعفت بهدف تقليص الواردات، وكذا رفع المساحات الصالحة للزراعة، والمحافظة على الإمكانات العقارية الفلاحية الموجودة.
ويقول تريعة، في حديثه إنّ «زراعة الزيتون بالجزائر، عرفت نموا كبيرا، فهي تعد من أحد أهم الزراعات الاستراتيجية نظرا لأهميتها الاقتصادية والاجتماعية»، حيث تضاعفت مساحتها ثلاث مرات خلال العقدين الماضيين، ممّا أدّى إلى زيادة في كمية الإنتاج ونوعيته بالنسبة لزيت الزيتون وزيتون المائدة، ممّا مكّن المنتوج الوطني بلوغ الأسواق العالمية ولو بصفة نسبية مؤقتا.
من بين الأهداف المسطّرة في خارطة طريق القطاع، تتمثل في الاهتمام البالغ الذي توليه الدولة لتوسيع زراعة الزيتون في جميع الفضاءات الملائمة من حيث الطبيعة والمناخ لاسيما في مناطق السهوب والصحراء، وكذا تجديد بساتين أشجار الزيتون القديمة، وتحديث معاصر الزيت وتحديث قدرات التخزين والمعالجة.
7 ٪ مساهمة في الدّخل الاقتصادي الفلاحي
إنّ زراعة الزيتون بالجزائر تحتل حاليا مساحة قدرها أكثر من 480 ألف هكتار، مقابل 168 ألف هكتار سنة 2000، بزيادة قدرها 160 بالمائة، وهي تساهم حاليا بنسبة 7 بالمائة في الدخل الاقتصادي الفلاحي، بقيمة إنتاج فاقت 285 مليار دينار جزائري، فيما بلغ إنتاج زيت الزيتون في 2022 حوالي 10 مليون قنطار، أي بزيادة قدرها 30 بالمائة، مقارنة بسنة 2021، منها 3.2 مليون قنطار زيتون المائدة و 7.4 مليون قنطار زيتون الزيت، ومع ذلك يقدّر إنتاج زيت الزيتون بنحو 1.3 مليون هكتولتر.
ولم تعد غراسة الزيتون، تقتصر على المناطق الجبلية بولايات الشمال، بل انتشرت عبر جميع أنحاء التراب الوطني بما فيها الولايات الجنوبية، حيث كان الاعتقاد السائد قديما باستحالة نجاح غراسة الزيتون في مناطق حارة وجافة، غير أن التجربة أثبتت عكس ذلك، وأظهرت نجاح زراعة بعض الأصناف من أشجار الزيتون، في كل من الوادي وبسكرة.
وتتوفر الجزائر على 66 مليون شجرة زيتون، ترتكز بشكل أساسي في المناطق والولايات التالية: منطقة الوسط 42 بالمائة من المساحة الإجمالية، منها 28 بالمائة في ولايات بجاية، البويرة، تيزي وزو، المنطقة الشرقية 33 بالمائة من المساحة الإجمالية، منها 19 بالمائة في ولايات سطيف، جيجل سكيكدة وبرج بوعريريج، أيضا بالنسبة للمنطقة الغربية، 22 بالمائة من المساحة الإجمالية، منها 14 بالمائة بولايات معسكر، عين تموشنت، تلمسان، وسيدي بلعباس، أما المنطقة الجنوبية تقدّر بـ 4 بالمائة من المساحة الإجمالية، منها 3 بالمائة في ولايات النعامة، بسكرة والوادي.