حقّقت الجزائر منذ عام 1971 أكثر من 600 اكتشاف للنفط والغاز على أرضها، واستثمرت لأجل ذلك ما يقرب من 185 مليار دولار منذ 1985، ما جعل إنتاج النفط والغاز في الجزائر يصل إلى 164 مليون طن من النفط المكافئ بحلول نهاية عام 2021، أي بارتفاع قُدّر بـ 14% مقارنة بعام 2020، وبأكثر من 3 أضعاف مقارنة مع مستويات 1971. تجربة طاقوية كبيرة اكتسبتها الجزائر خلال هذه السنوات، تسعى من خلالها إلى المرور إلى مرحلة جديدة بإعطاء القطاع دفعة أقوى.
كان الرئيس المدير العام لشركة «سوناطراك»، أوضح في حديث خصّ به النشرية المختصة في المسائل الطاقوية (ميدل ايست ايكونوميك سورفاي)، أنه في الشركة ستستثمر ما قيمته 40 مليار دولار خلال المخطّط الخماسي للاستثمار الخاص بـ»سوناطراك» (2023-2027)، حيث سيتمّ تخصيص أكثر من 30 مليار دولار للاستكشاف والإنتاج بهدف الرفع من الإنتاج على المدى القصير والمتوسّط وإعداد حافظة مشاريع مستقبلية لاسيما فيما يخصّ الغاز الطبيعي، وينتظر حسب حكار أن تدخل العديد من المشاريع التي هي قيد الإنجاز الخدمة في السنتين القادمتين، ويتعلق الأمر باستغلال حقول حاسي موينة وحاسي باحمو في الجنوب الغربي وبحقول ايسارين وتين فويي تبنكوت في الجنوب الشرقي للوطن، كما يرتقب تجسيد مشاريع أخرى في 2023 و2024، لاسيما في حاسي الرمل وحمراء وأوهانات وتوات.
علاوة على ذلك، رصدت «سوناطراك» أكثر من 7 مليار دولار لمشاريع التكرير والبتروكيمياء وتمييع الغاز وهي المشاريع التي ستمكن من خلق القيمة المضافة في الجزائر وتعزيز قدراتها في مجال التصدير، كما ستخصّص الشركة، 1 مليار دولار لتمويل مشاريع في سياق مساهمتها في الانتقال الطاقوي، ويتعلّق الأمر أساسا بمشاريع استرجاع الغاز المحروق على مستوى مواقع الإنتاج ومجمعات الغاز الطبيعي المميع ومشاريع الطاقة الشمسية بالصفائح الضوئية لتزويد مواقع الإنتاج وكذا المشاريع النموذجية لإنتاج ونقل الهيدروجين الأخضر.
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير الدولي في مجال البترول والغاز، الناشط بولاية ألبيرتا في كندا، كمال بن عسكر، في تصريح لـ»الشعب» ، أن الميزانية المخصّصة للخطة
الاستثمارية التي أعلنت عنها شركة «سوناطراك» خلال الفترة الممتدة من 2023 إلى غاية 2027 عرفت انخفاضا مقارنة مع خطة الإنفاق الخماسية التي اعتمدت بين 2018 و2022، وخصّصت الشركة آنذاك ما قيمته 56 مليار دولار للمشاريع الاستثمارية، وسجلت ذات الميزانية انخفاضا أيضا مقارنة مع خطة الإنفاق الاستثماري للفترة الممتدة بين 2017 و2021، حيث تمّ تخصيص ميزانية قدرت بـ75 مليار دولار، والتي تراجعت بدورها مقارنة مع خطة 2014 ـ 2018، أين تمّ تخصيص ميزانية استثمارية بقيمة 100 مليار دولار. لكن رغم رصد ميزانيات استثمارية ضخمة في الماضي ـ يؤكد الخبير- إلا أنها لم تصرف وفق ما كان مخططاً له، فعلى سبيل المثال لم يتجاوز حجم الإنفاق الاستثماري لسوناطراك في عام 2019 ما قيمته 8.8 مليار دولار، و5.7 مليار دولار في 2020، وعليه فإذا وصلت مستويات الإنفاق الفعلي إلى 10 مليار دولار سنويا حتى عام 2027، كما هو مخطّط له،
فستفوق بذلك مستويات السنوات الماضية، ما يعني تحقيق النجاعة الاستثمارية المنشودة. يذكر أن شركة سوناطراك سبق وأن تُوّجت باكتشافاتها الثلاثة الجديدة خلال الثلاثي الأول من عام 2022، كأول شركة في العالم العربي، وقد استطاعت بفعل نشاطها المكثف من رفع حجم الإنتاج الأولي التجاري من المحروقات بـ 14% مع نهاية عام 2021 مقارنة بسنة 2020، وبأكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة مع مستوى سنة 1971، كما أنجزت الشركة العديد من المشاريع الاستثمارية الكبرى، مثل مصفاة المكثفات في سكيكدة بطاقة إنتاجية تقدر بـ5.5 مليون طن السنة والتي تضاف إلى الخمس المصافي الموجودة حاليا ليصل إجمالي طاقة التكرير الجزائرية إلى 30 مليون طن في السنة، ما سمح بتلبية الطلب الداخلي المتزايد على المواد البترولية من جهة ومنه تقليص نسبة الواردات وتصدير الفائض من جهة أخرى.
وفي قطاع البتروكيماويات، أطلقت الشركة عدة مشاريع استثمارية، من خلال إنشاء مصنعان للبولي ايثيلان والهيليوم، بالإضافة إلى مركبان للأمونياك واليوريا، تمّ تطويرهما بالشراكة مع كل من مصر وعمان، للمساهمة في جهود التصنيع وتنويع الاقتصاد الوطني، وقد سمحت هذه الإنجازات من رفع قيمة صادرات الجزائر خارج المحروقات إلى حوالي 2 مليار دولار أمريكي في سنة 2021، أي ما يقارب 40% من قيمة إجمالي الصادرات خارج المحروقات التي بلغت الخمس مليارات دولار أمريكي في نفس السنة.
أما فيما يخصّ تطوير النقل الدولي عبر خطوط الأنابيب، فتقوم الجزائر متمثلة في مجمع سوناطراك، بدور فعّال باعتبارها مورد موثوق من خلال إطلاق مشاريع هيكلية كبرى ذات أهمية إقليمية، مثل خطي أنابيب الغاز Gazoduc Enrico Mattei و MEDGAZ اللذان يربطان الجزائر بأوروبا بطاقة تصديرية تتعدى 40 مليار متر مكعب سنويا، يضاف إليها 4 مركبات لتمييع الغاز الطبيعي المسال بطاقة إجمالية تقارب 56 مليون متر مكعب سنويا ومركبين لفصل غاز البترول المسال. وبفضل استثمارات المجمع، أصبحت الجزائر من موردي الغاز الأساسيين في السوق الأوروبية بحصة تفوق 11% من واردات أوروبا من الغاز لعدة عقود، حرصت من خلالها سوناطراك على احترام التزاماتها التعاقدية ما مكّنها من كسب ثقة الشركاء الأوروبيين، وعليه و بالموازاة مع ارتفاع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي، عرفت صادرات الغاز سنة 2021 ارتفاعا معتبرا قدر بـ 40 % (54% بالنسبة للغاز الطبيعي و13% بالنسبة للغاز الطبيعي المسال) ليصل الاجمالي إلى قرابة 56 مليار متر مكعب، إضافة إلى هذا تعمل الشركة على ولوج أسواق أخرى للرفع من صادراتها من الغاز الطبيعي المسال بالنظر إلى إمكاناتها وباعتباره تحديا كبيرا، نظرا لصعوبة المنافسة في هذه الأسواق التي تنشط فيها كبريات الشركات العالمية التي تمتلك قدرات تصديرية كبيرة، ورغم ذلك استطاعت «سوناطراك» في السداسي الأول من 2022 أن تصدر كميات من الغاز الطبيعي المسال في السوق الفورية مستفيدة من ارتفاع الأسعار التي كانت مستوياتها أعلى بثلاث أو حتى خمس مرات من الأسعار التعاقدية.