أجمع مختصون من رجال القانون والاقتصاد والمجتمع المدني أن الآلية القانونية لمكافحة المضاربة والتهريب من بين أهم الآليات التي تستند عليها الدول لضمان تنظيم السوق، خاصة في السلع والمواد التي تدعمها الدولة من الخزينة العمومية.
أوضح أستاذ القانون بجامعة باتنة والمحامي نجيب بيطام، أن الاجتماع الخاص الذي ترأسه رئيس الجمهورية الثلاثاء، انعقد مع الجهات التي لديها صلة مباشرة بمسألة مكافحة جريمة المضاربة غير المشروعة، مؤكدا أن هذه الخطوة بمثابة ترسيم الصرامة من أعلى سلطة في البلاد في مكافحة هذه الظاهرة، التي أضحت في الأيام الأخيرة تنخر الاقتصاد الوطني والخزينة العمومية.
وأضاف محدثنا، أن الجميع يعي بأن المواد الإستراتيجية الأساسية التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية كلها مواد مدعمة من قِبل الدولة، فهذه الأخيرة تشتري مواد الاستهلاك الأساسية بثمن مرتفع وتبيعها بسعر في متناول المواطن البسيط.
ومن جهة أخرى ذكّر رجل القانون بأن هناك من يتربص بسوء نية وبأغراض إجرامية بالسوق الوطنية، من خلال استنزاف هذه المواد الأساسية ومحاولة تهريبها عبر الحدود وبيعها بأثمان جد مرتفعة، وهو ما يمس بالدرجة الأولى المواطن الجزائري ذا الدخل الضعيف.
وحسب تصريحات الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن ووزير العدل عبد الرشيد طبّي، فإن هذه الجريمة أصبحت تتم في إطار منظم لتهريب هذه المواد المدعمة، وهو الأمر الذي يستلزم المرور الى السرعة القصوى لمكافحة هذه الظاهرة استنادا الى أحكام القانون 21/15 .
وبالعودة للمادة 15 من هذا القانون يقول رجل القانون بيطام، إنها تنص على أنّه في حالة ارتكاب جريمة المضاربة غير المشروعة في إطار جماعة منظمة فإن العقوبة هي السجن المؤبد.
وأضاف بيطام أن هذه اللّوبيات أزعجتها كثيرا سياسة الدولة في تقليص فاتورة الاستيراد، قائلا «الأمور واضحة من خلال المؤشرات، فهذا التذبذب والمضاربة لا يقف وراءها تجار بسطاء بل يقف وراءها لوبيّات كانت في وقت سابق هي المهيمنة وصاحبة «المونوبول» في عملية الاستيراد، وهذه الأخيرة كانت تُستغل لتهريب العملة الصعبة من خلال تضخيم الفواتير».
وأضاف محدثنا « لما قامت الدولة بقيادة رئيس الجمهورية بغلق الطريق أمام هذه اللّوبيات، ها هي تحاول اليوم التوجه نحو استنزاف السوق الداخلية من خلال تجميع وتخزين المواد الأساسية وبيعها بأثمان عالية، ومن جهة ثانية تهريبها نحو الحدود وهو ما يمس بالاقتصاد الوطني في ظروف اقتصادية عالمية جد صعبة».
وأشار أستاذ القانون أنه وبالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم اليوم، إلاّ أن الجزائر أخذت كل احتياطاتها والحكومة تعمل على توفير كل الضروريات للمواطن البسيط، لكن هناك من يتربص بمساعي الدولة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ويحاول ضرب هذا الاستقرار لأغراض سياسية ولأغراض ربحية على حساب جيب المواطن البسيط.
لذا فالدولة الآن ترّسم الصرامة في مكافحة هذه السلوكيات، ومن شأن هذه القرارات أن تردع الضالعين في هذه الجريمة، وأضاف المحامي بيطام أن تداعيات الأزمات الدولية تلقي بظلالها على جميع الدول وأسواقها الداخلية بما لا يدع مجالا لتضييع أي مورد غذائي استراتيجي.
وأضاف أن هذا الوضع يستدعي تنظيم السوق، فقاعدة العرض والطلب قد تخص بدرجة أكثر المواد التي تنتج محليا، أما المواد الأساسية المستوردة والمدعمة من طرف الدولة حفاظا على القدرة الشرائية للمواطن البسيط فللدولة الحق في التدخل لحمايتها، من منطلق حماية المواد الإستراتيجية المدعمة، لذا من حق الحكومة أن تدخل بصورة أو بأخرى في تنظيم السوق، ومن حقها تنظيم مسار التعامل داخل السوق مع هذه المواد المدعمة.
من جهته، ثمّن رئيس المكتب الولائي للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه سطيف ساتة رضوان، آخر خرجة لرئيس الجمهورية من أجل التحكم في السوق ومواجهة المضاربة.
وأشاد ساتة رضوان بالتحركات الأخيرة لأجهزة الدولة، التي أطاحت بالمضاربين وتم تسليمهم للعدالة والبت في قضاياهم ضمن قسم مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وهي الخطوة التي من شأنها ردع كل من يقف وراء هذه السلوكيات الدخيلة على المجتمع الجزائري.
وذكر محدثنا بما جاء على لسان رئيس الجمهورية بأن قوت الجزائريين خط أحمر، وأضاف ساتة أن المنظمة تأسست في عدة قضايا تخص المضاربة تثمينا لجهود أعلى هرم في السلطة ومساهمة في القضاء على مثل هذه الممارسات، بآليات قانونية تضاف إليها آليات أخرى كالإحصاء، الذي يعد خطوة على طريق ترشيد الدعم والتوجه نحو الدعم المباشر.
وأضاف ساتة أن الآلية القانونية مهمة جدا في مكافحة هكذا جرائم وهي إحدى أهم السبل التي تطبقها مختلف دول العالم لضمان عدم التلاعب بالمواد سواء الغذائية أو سلع أخرى، لذا فالقانون هو الذي يضمن تسيير الأمور بشكل عادي في مختلف مجالات حياة المواطن، لكن التساهل الذي كان في الفترة السابقة هو من أوصلنا الى إقدام البعض على التلاعب في مثل هذه الأمور، لكن عندما تشهر الدولة «سيف الحجاج» في وجه هؤلاء فهو ما سيساهم بشكل كبير في القضاء على مثل هذه الممارسات.
من جهة أخرى، يرى عضو لجنة الشؤون الاقتصادية بالمجلس الشعبي الوطني حمسي سعيد، أن الصرامة التي حث عليها رئيس الجمهورية في اجتماعه الأخير، وهي آلية من آليات الردع وفعالة الى ابعد الحدود خاصة حينما تكون هناك صور وأمثلة عن معاقبة من ثبت في حقهم أي شكل من أشكال المضاربة بطرق منظمة.
وأضاف حمسي انه ينبغي وضع آليات للتأكد من كميات الإنتاج الحقيقة بالمصانع وتتبع مسارها في أسواق الجملة والتجزئة الى غاية وصولها للمستهلك.