أوصت الورشة الثانية من لقاء الحكومة والولاة، بضرورة التنفيذ الفعلي للمنظومة القانونية الجديدة المتعلقة بالاستثمار، بوضع حيز الخدمة الأجهزة المسيرة للاستثمار المنصوص، مع تفعيل الدور الجديد للشباك الوحيد إضفاءً للنجاعة في معالجة ملفات الاستثمار مع استكمال هذا الإجراء قبل نهاية سنة 2022.
شددت التوصيات على ضرورة رسم خارطة توضيحية على مستوى كل ولاية لتبيان المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والقدرات والفرص المتوفرة بما في ذلك الثروات المنجمية والحموية، حيث يمكن التعرف على مختلف النشاطات والمشاريع التي تتوافق مع خصوصيات كل ولاية، مع حتمية وضعها تحت تصرف المستثمرين وحاملي المشاريع، وتكون هذه الخارطة في شكل قاعدة بيانات تساعد المستثمرين على اختيار طبيعة مشاريعهم التنموية وفق مخططات استراتيجية مدروسة، واشترطت الورشة أن تتم هذه العملية قبل نهاية السنة الحالية وفق مذكرة توجيهية موحدة.
كما اقترح المشاركون في الورشة المخصصة لبعث الاستثمار ودور الجماعات المحلية، إعداد دليل وطني خاص بالمؤسسات الاقتصادية في كل الشعب والنشاطات، مع تحيينه دوريا، والعمل على تسهيل عملية التواصل مع المؤسسات الكبرى في إطار المناولة وإدماجها في السوق الوطنية، زيادة على التفكير في استحداث مجلس استشاري ولائي يضم مختلف الفاعلين في مجال التنمية الاقتصادية وتطوير الاستثمار، يتم تكريسه قانونا في إطار مراجعة قانون الولاية الجديد.
وفي ذات السياق، يؤكد عبد القادر سليماني الخبير الاقتصادي والإستراتيجي، أن التوصيات المقترحة ترافق إرساء مناخ عمل مناسب من أجل استقطاب الاستثمارات على المستوى المحلي والتحضير لبيئة اقتصادية مواتية تكرس لمبدإ روح المبادرة والمقاولاتية وتحرير الفعل الاستثماري.
كما عززت ذات التوصيات من مكانة الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار، كأول مروج للاستثمار على المستوى المحلي، خاصة الشبابيك الموحدة، التي من شأنها «تقريب الإدارة الفعلية من المستثمرين من أجل تذليل العقبات وتحييد البيروقراطية العقيمة التي نخرت الاقتصاد الوطني».
ويتابع الخبير عبد القادر سليماني، أن التوصيات جاءت بنقطة أساسية لطالما نادى بها الخبراء الاقتصاديون، والمتمثلة في إعداد خارطة اقتصادية لكل ولايات الوطن، توجه المستثمرين بمختلف تخصصاتهم واهتماماتهم في دراسة جدوى مشاريعهم، خاصة الصناعية والفلاحية منها.
كما أن إنشاء دليل وطني خاص بالمؤسسات الاقتصادية في كل الشعب والنشاطات والذي ينتظر أن يكون حاضراً في الشبابيك الموحدة وفي مختلف الهيئات الاقتصادية التابعة للجماعات المحلية وكذا السفارات والبعثات الجزائرية المتواجدة في الخارج لترقية الدبلوماسية الاقتصادية، حيث سيوفر المعلومة الاقتصادية للمتعاملين الوطنيين والأجانب، وبإمكانه كذلك المساهمة في تقليص استيراد بعض المنتجات من خلال توجيه المستوردين إلى منتجين جزائريين يوفرون نفس الطلب.
من جانبه، يرى يوسف ميلي رئيس منتدى الاستثمار وتطوير المؤسسات، أن التوصيات المقترحة تبين أن هناك معالجة حقيقية للمشاكل التي تعترض العملية الاستثمارية، وهي نقاط من شأنها تغيير وتطوير الواقع الاستثماري لو جسدت بحذافيرها.
كما يشير ميلي إلى أن النقطة المتعلقة بإنشاء مجلس استشاري ولائي يضم كل الفاعلين في مجال التنمية الاقتصادية، تكتسي أهمية كبيرة، بحيث ستمكن من إشراك الفاعلين الحقيقيين في مجال الاستثمار من منتخبين ومؤسسات ومنظمات وجمعيات مهتمة، وستكون بمثابة فضاء لطرح الانشغالات الحقيقية والأخذ بالمقترحات.
واقترحت توصيات لقاء الحكومة والولاة في ورشتها الثانية، وضع إطار للشراكة بين الجماعات المحلية الممثلة في البلديات والولايات، والجامعات الجزائرية، من أجل مرافقة هذه الأخيرة في إرساء قواعد التنمية الاقتصادية والاستفادة من القدرات العلمية للطلاب، إضافة إلى دراسة سبل إنشاء معابر بين الجامعات ومختلف الفاعلين الاقتصاديين تشجيعاً للابتكار وروح المقاولاتية لدى الشباب، على أن يتم هذا قبل نهاية السداسي الأول من سنة 2023.
كما أوصت الورشة بمراجعة مختلف القوانين والنصوص التنظيمية المتعلقة بمعالجة الملفات الخاصة بالاستثمار وتكييفها مع الأطر القانونية الجديدة التي تنظمه، بدءً بالوعاء العقاري الذي شددت التوصية السابعة على حتمية وضع أطر قانونية تسمح باسترجاع أجزائه غير المستغلة، والإسراع في إعادة تدويره لمن يخدمه، مع وضع نص تنظيمي يحدد الميكانيزمات المالية التي تسمح بتهيئة المناطق في إطار تركيبات مالية يساهم فيها أساسا المستثمرون المستفيدون، على أن تدخل العملية حيز التنفيذ قبل نهاية السنة، يضاف إلى هذا وضع تنظيمات تضبط شروط وقواعد استغلال العقار التابع للأملاك الخاصة بالجماعات المحلية وتشجيع البلديات في إنشاء وتهيئة مناطق نشاط مصغرة والمبادرة بمشاريع استثمارية منتجة للثروة.
أما ما تعلق بعصرنة التسيير ورقمنة الإجراءات، فاقترح القائمون على الورشة الثانية، وضع نظام معلوماتي مندمج يضمن إرساء جسور تواصل بين جميع المستويات، مما يستوجب وضع إطار تنظيمي لهذا النظام وتمويل إنجازه عبر تسجيل عملية في ميزانية الدولة، علاوة على الاعتماد على الحلول والأنظمة الذكية لرقمنة الإجراءات الإدارية الخاصة بتسيير الاستثمار.
وفي هذا الصدد، يؤكد رئيس منتدى الاستثمار وتطوير المؤسسات يوسف ميلي، أن تطبيق التوصية المتعلقة بالاعتماد على الحلول والأنظمة الذكية لرقمنة الإجراءات الإدارية الخاصة بتسيير الاستثمار، «سيحدث ثورة حقيقية في مجال الاستثمار، تمكن من تجاوز العراقيل البيروقراطية وتكسبنا الكثير من الوقت».
من جهته، يوضح الخبير الاقتصادي والإستراتيجي عبد القادر سليماني، أن ربط الجامعة بالآلة الاقتصادية والاستثمارية سيمكن من توفير منتجات مبتكرة وإبداعية ذات قيمة مضافة، زيادة على صناعة رواد أعمال ومقاولين مستقبليين.
ويؤكد سليماني، أن هذه التوصيات التي تأتي بعد أيام قليلة من صدور النصوص التنظيمية الخاصة بقانون الاستثمار الجديد، من شأنها أن تمنح دفعة حقيقية للنشاط الاستثماري في الجزائر بعد تذليل الصعاب التي كانت عائقا دون تحقيق التنمية خاصة الإدارية منها، وهذا بمنح الولاة الصلاحيات الكاملة ليكونوا أول فاعل في الاقتصاد المحلي، لتحقيق إحدى الأهداف الأساسية التي تم التطرق إليها في لقاء الحكومة والولاة وهي سبل تحقيق الاستقلالية المالية في البلديات.
واختتمت الورشة الثانية بالإشارة إلى أن تنفيذ هذه التوصيات المقترحة مرتبط بالمتابعة الدورية للاستثمار من طرف الجماعات المحلية وفق مقاربة اقتصادية حديثة، وليس وفق مقاربة إدارية تقليدية، من خلال تفعيل دور الولاة الذين توكل لهم مهمة تسهيل ومرافقة وفق مقاربة تشاركية، عبر ترقية النشاطات الاقتصادية التي من شأنها تثمين الإمكانات والموارد المحلية كروافد لخلق الثروة ومناصب الشغل.