يعتبر قطاع المؤسسات الناشئة من أكثر القطاعات سرعة في النمو وتحريكا للاقتصاد، لذلك ركز رئيس الجمهورية على أهمية هذا القطاع في الاقتصاد الوطني وخصص له دائرة وزارية تسهر على الإقلاع به وجعله في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال، بالإضافة الى الاتفاقيات التي أبرمتها الجزائر في كل خرجات ولقاءات رئيس الجمهورية مع رؤساء دول أخرى مثل ايطاليا، تركيا وآخرها مع فرنسا.
المادة الخام في قطاع المؤسسات الناشئة هو المورد البشري، وهو ما تمتلكه الجزائر، شباب مؤهل مطلع على ما يجري في العالم يحتاج فقط التأطير، وهذا ما يصر عليه رئيس الجمهورية في كل تدخلاته.
خبراء: استحداث مناصب عمل في مدة قصيرة وتوفير احتياجات اقتصادية
أجمع عدد من الأستاذة وخبراء الاقتصاد أن الاهتمام بالمؤسسات الناشئة أخذ بعدا جديدا لعدة أسباب تتعلق بقدرتها على استحداث مناصب عمل في مدة قصيرة وتوفير احتياجات الاقتصاد الوطني، ما دفع السلطات إلى استحداث آلية جديدة لدعم هذه المؤسسات من خلال الصناديق الاستثمارية على مستوى 58 ولاية، وضخ أكثر من 58 مليار دينار، أي ما يقارب نصف مليار دولار لأجل إعطاء دفع قوي للحركية الاقتصادية وتنويع الاستثمار.
عزيزو : تحسين بيئة الأعمال
قال المدير العام لحاضنة الأعمال» المستدام «عبد السلام عزيزو، لـ «الشعب»: إن الصندوق الجزائري للمؤسسات الناشئة وباقتراحه لآلية تمويل تعتبر جديدة في الجزائر «صناديق الاستثمار « سواء من خلال اعتماد آلية رأس مال المخاطر الذي لا يعمل بالطرق التقليدية التي تنتهجها البنوك أو من خلال دخوله في رأس مال الشركات ومساعدة أصحاب المشاريع في تسيير مؤسساتهم، يكون قد ساهم فعليا في تحسين بيئة الأعمال في الجزائر
وصرح المتحدث أن طريقة عمله في البداية كانت ممركزة مما أخر معالجة الملفات والرد على الطلبات ، كما أنه مهما كانت كفاءة أعضاء اللجنة المعنية بدراسة الملفات ،لا يمكن أن تكون على علم بخصوصية كل منطقة من مناطق وطننا الشاسع والمتنوع، وباعتماد على الصناديق الاستثمارية الولائية يتم تسريع إجراءات الاستفادة وكذا التمكن من استغلال هذه المبالغ لتمويل أكبر قدر من الشركات الذي يعتبر ضروريا لإقتصايات البلدان النامية.
وأوضح في سياق موصول أن هذه الشركات لها ميزة نمو رقم أعمالها بسرعة كبيرة وتحتاج لانطلاقها التمويل الضروري،غير أنها مطالبة بإنجاح مشروعها بشكل سريع لأن لها تأثير على السوق الذي ترغب في التعامل معه ،حيث أن الصندوق من خلال تمويله لهذه المؤسسات سيساهم في رفع حجم الاستثمارات مع زيادة رقم أعمال المؤسسات، كما أنه يمكن لها حتى التصدير الى الخارج، خاصة في ميدان تكنولوجيا المعلومات. وأكد عبد السلام عزيزو، أن الخطوات التي تخطوها السلطات لتشجيع هذه الشركات في الاتجاه الصحيح، تستدعي اشراك كل الفاعلين لمرافقة حملة الافكار والمشاريع وتحضيرهم وتكوينهم لولوج عالم المقاولاتية، مع ضرورة دعم و مرافقة الجامعات في إنشاء حاضنات أعمال في مختلف القطاعات وتذليل العقبات من خلال تقديم الدعم من مصادر الدعم وضمان متابعة المشاريع المنجزة.
خبراء: رفع قدرات صندوق تمويل الشركات الناشئة
قرار تفعيل الصناديق الاستثمارية الولائية، اعتبره الخبراء في الاقتصاد الذي تحدثت إليهم “الشعب” أمرا إيجابيا، يساهم في إعطاء الفرص لأصحاب المشاريع المبتكرة، يخفف العبء على الخزينة العمومية.
بالنسبة للخبير الاقتصادي عمر هارون فإن هذه الصناديق تندرج في إطار ما يعرف بـ«تمويل المخاطر”، وهو تمويل يقدّم للشركات الناشئة، خاصة أن نسبة المخاطرة في هذه الأخيرة كبيرة، حيث أن نسبة النجاح فيها لا تتجاوز 10 بالمائة.
قال الخبير هارون، إن مبلغ 58 مليار دينار الذي يقسم على كل ولاية، نصيب كل واحدة منها 1 مليار دينار، يضاف الى الصندوق الأساسي المعروف بـ “الصندوق الجزائري للشركات الناشئة”، وهو الصندوق الذي أنشئ منذ سنة تقريبا، والذي موّل لحد الآن 76 شركة من إجمالي 760 شركة، التي تحصلت على وسم الشركة الناشئة أو المشروع المبتكر.
وأبرز المتحدث، في هذا الإطار أن آليات التمويل في الجزائر تمر عبر مرحلتين، تتمثل الأولى في ضرورة الحصول على وسم شركة ناشئة أو مشروع مبتكر أو حاضنة أعمال، ويتم في المرحلة الثانية تقديم الملف للصندوق، الذي يدرس إمكانية التمويل، بحسب النجاعة الاقتصادية لكل شركة.
هارون: الصندوق الجزائري للشركات الناشئة موّل 76 شركة
ويعتقد الخبير هارون، أن رفع التجميد على الصناديق الولائية التي أنشأت، منذ سنوات، أنه سيرفع قدرات صندوق تمويل الشركات الناشئة على المستوى الوطني، ليحوّل بذلك التمويل من البعد من مركزي الى لا مركزي بالنسبة للشباب الطموح الذي يمتلك أفكار مبتكرة.
وتساءل الخبير في سياق متصل، عن الكيفية التي تتم بها عملية التمويل، وإن كان القرار يتخذ على المستوى المركزي أو عن طريق لجان ولائية، وهو يفضّل أن تتم العملية من خلال هذه الأخيرة، التي ينبغي أن تتشكل من مختصين، وتضطلع بوظيفة مرافقة وتمويل الشركات الناشئة على المستوى المحلي والولائي.
لكن الخبير هارون يتوقع أن تكون هناك صعوبة في التعامل مع كل الملفات، كل ملف بحسب خصوصيته، ويرى أنه من الأحسن أن تكون هناك لجان ولائية، تربط بحاضنات الأعمال الجامعية، ومن المهم ـ بالنسبة له ـ أن يكون لها دورا في هذا الأمر، وأن تعمل بالتنسيق مع الوزارة المنتدبة لاقتصاد المعرفة، من أجل تطوير مناخ الأعمال، وتقديم التمويل لكل من تمتلك فرصة الشركات الناشئة.
ومن أهم النقاط التي ركز عليها هارون هي العلاقة التي لا بد ان تقام وتوطد بين وزارة اقتصاد المعرفة والشركات الناشئة، على ان تكون مباشرة مع الجامعة والمخابر ودور المقاولاتية، وهذا ما سيؤدي ـ بحسبه ـ إلى إرساء ديناميكية اقتصادية، مشيرا الى الشركات الناشئة يمكن للواحدة منها ان تحقق 1 مليار دينار من الأرباح خلال سنة واحدة.
عية: التقليص من البطالة
من جهته، يعتبر أستاذ في الاقتصاد عبد الرحمان عية، أن هذه الصناديق أمر ايجابي بالنسبة للشركات الناشئة، غير أنه يرى من نظرة اقتصادية أن يعاد النظر في القيمة المالية المخصصة لكل صندوق على مستوى الولايات، وذلك بأخذ في الحسبان الكثافة السكانية، لتفادي إمكانية حدوث خلل في التوازن الجهوي، مشيرا الى أن ولاية كبيرة قد لا تكفيها قيمة التمويل هذه.
ولفت في سياق متصل أهمية التمويل لصناعة وتطوير الشركات الناشئة، لأنها ستوظف عمالا وبالتالي ستساهم ولو بقليل في التقليص من البطالة، كما ستساهم في الإنتاج، وتخفف كذلك على الخزينة العمومية، حيث تتحوّل الى دافعي ضرائب، وهي بذلك تدعم الجباية المحلية.
ويقترح المتحدث أن تنشئ الخزينة العمومية مؤسسات لإدارة المشاريع الاستثمارية العمومية تشبه صناديق المساهمة أو الشركات القابضة “الهولدينغ” التي كانت موجودة سابقا، على أن تكون ذات بعد تسييري، ومقاولاتي وتتمتع بالنجاعة، ولا بد أن تعتمد الرقمنة، مشيرا الى أن 80 بالمائة من المؤسسات الناشئة تعمل بهذه الأخيرة، مع ضرورة تهيئة كل الظروف أهمها التخلص من البيروقراطية.
صناديق الاستثمار الولائية.. نهاية مشكلة تمويل المؤسسات الصغيرة
تخطو الجزائر بثبات نحو تحقيق الإقلاع الاقتصادي من خلال الاتجاه نحو اقتصاد المعرفة، وفق منظومة رقمية تؤسسها مؤسسات ناشئة أنشئت صناديق استثمار ولائية لتمويلها بغية تحريك عجلة التنمية المحلية، ما يحقق مرونة كبيرة لتجاوز العوائق والعقبات البيروقراطية، فيما تمنح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة دورا محوريا، لتكون قاطرة محركة ودافعة لعجلة الاقتصاد الوطني للخروج من التبعية للمحروقات والتحوّل من الريع الى الإنتاج والتنوّع، حيث أعلن رئيس الجمهورية سنة 2022 اقتصادية بامتياز، بعد الانتهاء من مرحلة البناء المؤسساتي، ليكون الشباب في صلب معادلة التنمية المحلية والوطنية.
في إطار تجسيد التزاماته لـ 54، أعطى رئيس الجمهورية أولوية وأهمية كبرى لانخراط الشباب في عجلة التنمية والإقلاع الاقتصادي الذي تعوّل عليه الجزائر من أجل الخروج من التبعية للمحروقات، في سياق بناء جزائر جديدة باقتصاد رقمي متطور يؤسس لمرحلة جديدة يخطوها الاقتصاد الوطني نحو الإنتاج والتنوّع، حيث اعتبر رئيس الجمهورية في كلمة ألقاها، خلال افتتاح الندوة الوطنية للمؤسسات الناشئة في 2020 أن تنظيم هذه التظاهرة «يؤكد إيماننا المطلق بأنموذج اقتصادي جديد لوطننا، مبني على المعرفة، تكون فيه الشركات الناشئة قاطرة حقيقية له».
مُقاربة جديدة
وقد أعلن رئيس الجمهورية في أكتوبر 2020، بمناسبة الطبعة الأولى عن إنشاء الصندوق الجزائري لتمويل المؤسسات الناشئة، عن تمكين أصحاب المشاريع المبتكرة من إنشاء مؤسساتهم بعيداً عن العراقيل البيروقراطية لآليات التمويل التقليدية، وذلك باعتماد آلية رأس المال المُخاطر كمقاربة جديدة لتمويل الشركات الناشئة، لتعلن الحكومة لاحقا عن عدة قرارات جديدة لتنفيذ إستراتيجية تطوير الـمؤسسات الناشئة وطرق تمويلها كان على رأسها إنشاء صندوق استثماري لدعمها.
فكانت أول خطوة استحداث حقيبة وزارية مكلفة باقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، ليتم بعد ذلك الإطلاق الرسمي لصندوق تمويل المؤسسات الناشئة، كآلية تمويل جديدة لدفع الاستثمار في مجال اقتصاد المعرفة، وأكد وزير المؤسسات الناشئة وليد ياسين آلية التمويل قائمة على الاستثمار في رؤوس الأموال وليس على ميكانيزمات التمويل التقليدية المختلفة القائمة على القروض، ما يجعلها تمثل قوّة دافعة للنظام البيئي للمقاولاتية والابتكار في الجزائر.
تقاسم الأرباح والخسائر
بمعنى تمويل الشباب عن طريق المخاطر مع تقاسم الأرباح والخسائر، دون مطالبتهم بتقديم ضمانات عينية هم أصلا لا يمتلكونها، أي أنه يتضمن تحمل الخطر، وهو أمر جد مهم، مؤكدا إذ أنه لا يمكن تصور مؤسسة ناشئة دون التكلم عن المخاطرة في رؤوس الأموال، إذ تم استحداث هذا الصندوق للمخاطر التي قد تواجهها الشركات الناشئة.
أما القطاعات التي تمولها صناديق الاستثمار الولائية من خلال دعم الشباب وتمويل شركاتهم الناشئة في اقتصاد المعرفة كالزراعة الذكية والصناعة الذكية والسياحة والخدمات، يقوم الصندوق بدراسة الأخطار والمشروع من الشروط الواجب توفرها في صاحب المشروع في انتظار وضع آليات تطبيقية لها.
مليار دينار لكل ولاية
وتمثل قيمة هذه الصناديق الاستثمارية، بحسب مدير للصندوق عقبة حشاني ما مجموعهُ 58 مليار دينار جزائري، ما يعني 1 مليار دينار جزائري لكل ولاية، توضع تحت تصرف الصندوق الوطني للمؤسسات الناشئة للاستثمار في الشركات الناشئة، بتمويل قد يصل إلى 150 مليون دينار جزائري للمشروع الواحد، ما يجعلها مرحلة جديدة في مسار الصندوق العمومي الاستثماري الأول في الجزائر لصالح المؤسسات الناشئة.
ويسمح الصندوق بمواكبة متطلبات السوق المتنامية في اقتصاد المعرفة لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني، بالإضافة الى مساهمته في التعرف على المواهب الموجودة في مختلف الولايات، خاصة وان الدولة تتجه نحو اللامركزية لتحقيق تنمية محلية حقيقية تقوم على الخصائص البشرية، الجغرافية والمقدرات الطبيعية لكل ولاية، وكذا تكافؤ الفرص بين الشباب في مختلف مناطق الوطن دون ترجيح كفة منطقة على أخرى، بابتكار الحلول بما يتلاءم والطبيعة البشرية والجغرافية لكل منطقة.
ويعد دعم المؤسسات الناشئة بإنشاء صندوق الاستثمار الولائي وسيلة ناجعة لرفع العراقيل البيروقراطية عن هـذه المؤسسات، ويسهل إجراءات إنشائها، مما يمكنها مـن دور أساسي في تعزيز الاقتصاد الوطني، خاصة وان هذا النوع من المؤسسات وبسبب تبنيه أفكارا إبداعية مستحدثة يواجه صعوبات عدة حتى في الدول المتقدمة.
مشاتل وحاضنات أعمال
واستحدثت مجموعة من الهيئات الحكومية لدعم إنشاء حيث أنشأت مجموعة متكاملة من الهيئات الحكومية والمؤسسات المتخصصة بهدف تنمية وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، تعد المشاتل وحاضنات الأعمال أحدها، بالإضافة الى مراكز التسهيل تسعى الى وضع شباك يتكيف مع احتياجات أصحاب المؤسسات والمقاولين وتقليص آجال إنشاء المشاريع، وكذا بورصات المناولة والشراكة لتكثيف النسيج الصناعي وإنشاء صناعة جوارية، كل ذلك لترقية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال المناولة لتكثيف النسيج الصناعي في الجزائر.
وتبعت هذه الخطوات إنشاء مجلس أعلى للابتكار بحيث يكون حجر الزاوية للتوجه الاستراتيجي «في مجال تثمين الأفكار والمبادرات المبتكرة والإمكانيات الوطنية في مجال البحث العلمي» من أجل خدمة تنمية اقتصاد المعرفة.»
الى جانب المؤسسات الناشئة وضعت المؤسسات المصغرة والمتوسطة في صلب المعادلة الاقتصادية لما لها من دور محوري واستراتيجي في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، خاصة فيما يتعلق بصناعة الثروة ومناصب شغل جديدة، لذلك تم استحداث وزارة منتدبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة حيث أعرب رئيس الجمهورية أثناء زيارته الى ايطاليا عن تفاؤله بـ»تحقيق نتائج حقيقية إيجابية وميدانية لتعزيز الصناعة الجزائرية عبر المؤسسات الصغيرة المتوسطة مع إيطاليا»، فيما أشار الى «أن الجزائر قد أرسلت وزراء جزائريين إلى إيطاليا من أجل تعزيز هذا النوع من الصناعات». وكخطوة ميدانية لإطلاق هذا النوع من المؤسسات تم استحداث الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية خلفا لما كان يعرف سابقا بـ «أونساج»، من أجل دعم وتمويل الشباب الراغب في إنشاء مؤسسات مصغرة في مختلف القطاعات، على اعتبار أن الاقتصادات العالمية تعتمد في مخطط تنميتها على هذا النوع من المؤسسات في تحريك عجلة التنمية على جميع المستويات، قصد إحداث تنمية شاملة في الاقتصاد الوطني.
تأسيس منظومة اقتصادية رقمية
اعتبر رئيس المؤسسة الجزائرية للمقاولين الشباب أنيس بن طيب إنشاء صناديق الاستثمار الولائية بمثابة خطوة مهمة ومرحلة محورية لتأسيس منظومة اقتصادية رقمية، فيما قال عن القرار الأخير في منح هذه الصناديق ميزانية تساوي مليار سنتيم لتمويل المؤسسات الناشئة على مستوى ولايات الجزائر الـ58، يساهم في تحقيق اللامركزية في التسيير الى جانب العمل التمويلي الجواري، وكذا في فتح قوس كبير حول التنمية المحلية التي تمثل محورا مهما في إستراتيجية الدولة في سياق سياستها للإقلاع الاقتصادي، خاصة وان كل ولاية لها خصوصيتها الاستثمارية وتطلعاتها المميزة لها في الاقتصاد الرقمي.
في الإطار نفسه، أكد بن طيب أن السؤال المهم هو إن كانت ميزانية مليار دينار لكل ولاية قادرة على تلبية طلبات الشباب الذي يتوجه بقوة الى المؤسسات الناشئة، حيث يجدها منخفضة مقارنة مع حجم الطلبات الموجودة، لكن في الوقت نفسه يمكن اعتبارها كبداية خطوة إيجابية ومبشرة. فيما دعا الشباب على المستوى المحلي بالتوجه الى الابتكار والى انشاء مؤسساتهم الخاصة من أجل تجسيد مشاريع لتحقيق تنمية محلية، خاصة في ظل التحوّل الرقمي الذي تعيشه الجزائر، في انتظار وضع آليات تطبيق تمويل هذا الصندوق، لذلك «ندائي اليوم الى المصالح المحلية والولائية من زجل العمل على طريقة تسويقية لجلب أكبر عدد من الشباب لاغتنام هذه الفرصة الممنوحة من طرف الدولة ولكل راغب في الابتكار والإبداع في مجال المؤسسات الناشئة، على اعتبار ان الصندوق الوطني لتمويل المؤسسات الناشئة هو بمثابة الحلقة المفقودة في سلسلة الاستثمار، حيث كان من الضروري إيجاد جهة تقبل المغامرة وتحمل مخاطر الفشل أكثر مما تتحملها البنوك. فيما أثار المتحدث في الوقت نفسه الفوارق الموجودة بين الولايات، فولاية مثل وهران المعروفة بكثافة سكانية كبيرة وعدد كبير من الشباب مهتم بالرقميات ومجمع جامعي يضم 185 ألف طالب لا يمكن مقارنته مع ولاية تضم 15 أو 20 ألف طالب، لذلك من الضروري مراجعة ميزانية صناديق الاستثمار الولائية بما يتلاءم مع المعطيات والمؤشرات وحجم الشباب الناشط في مجال الرقميات في كل ولاية.
وأكد على التفكير في إعطاء بعض الولايات التي تعرف تواجدا كبيرا للمؤسسات الناشئة ميزانية أكبر مقارنة بتلك التي تضم عددا أقل، أو ليست بنفس الحركية في الاقتصاد الرقمي، بحسب ما هو معمول به في كل دول.
دليلة مسدوي: صناديق الاستثمار المحلية ضمانة للمؤسسات الناشئة
اعتبرت الأستاذة المتخصصة في الدراسات الاقتصادية دليلة مسدوي، مشروع انشاء صناديق ولائية لدعم المؤسسات الناشئة، “خطوة هامة نحو دعم ومرافقة الشباب، خاصة منهم خريجي الجامعات ومراكز التكوين المهني من أجل مساعدتهم في إنشاء مؤسسات مصغرة وتجسيد أفكارهم المبتكرة التي ستبقى رهينة التمويل حتى تتجسد على أرض الواقع والمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني وبأقل تكاليف.
أكدت أستاذة الاقتصاد، بجامعة بومرداس، “أن مشروع إنشاء صناديق استثمار ولائية جاءت استجابة لانشغالات حاملي الأفكار والمشاريع الطموحة التي تبقى بحاجة الى مرافقة ودعم مالي خاصة على المستوى المحلي أو الولائي حتى تتجسد في شكل مؤسسة منتجة للثروة ومساعدة على إنشاء مناصب الشغل، وأيضا تماشيا مع التحديات الاقتصادية والتحولات الراهنة في مجال الإنعاش الاقتصادي ومسار دعم الاستثمار الوطني والمحلي الذي تبنته الدولة للدفع بعجلة التنمية نحو الأمام.
كما اعتبرت الباحثة “صناديق الاستثمار الولائية الموجهة لدعم المؤسسات الناشئة، قناة تمويل جديدة مكمّلة لنظام البنوك، لكن بتسهيلات أكثر ومرافقة من قبل القائمين على مثل هذه المشاريع، منها الحاضنة التكنولوجية المتواجدة بالجامعات التي تعمل بالتنسيق مع وكالة “اناد” لتأطير واحتضان المشاريع المبتكرة التي اقترحها عدد من الطلبة تحضيرا لولوج عالم الشغل وتوسيع النشاط في الميدان.
بالمقابل شدّدت الباحثة “على ضرورة المتابعة الصارمة لتجسيد المشروع وتفعيل مثل هذه الصناديق الاستثمارية لإنجاح الإستراتيجية الاقتصادية الجديدة التي سطرتها الدولة، وأيضا الحرص على تقديم كل التسهيلات للشباب من حاملي المشاريع لتشجيعهم على الاستثمار وبناء مؤسساتهم الناشئة الطموحة، وهذا حتى لا تتكرّر بعض التجارب السابقة على غرار تجربة “أونساج” التي عرفت الكثير من العراقيل والصعوبات، بسبب النتائج السلبية والعدد الكبير من المؤسسات الفاشلة أو العاجزة نتيجة التسرّع وعدم دراسة السوق بصفة جيدة ودقيقة.
مع ذلك ثمنت الباحثة مثل هذا المشروع الذي يعتبر، بحسب تقديرها “الضامن والدافع القوّي لتشجيع الشباب الجامعي وخريجي مراكز التكوين لإنشاء مؤسسات ناشئة تراعي وضعية السوق والاحتياجات الوطنية”.
وجزمت “أن صناديق الاستثمار المحلية قد تساهم بشكل فعّال في دعم وانعاش المؤسسات المحلية والاقتصاد الوطني على الأمد الطويل، في حين ستحمل الكثير من الامتيازات في الشق الاجتماعي المتعلق بإنشاء مناصب شغل جديدة للتقليص من ظاهرة البطالة المتفشية وسط الشباب الجامعي”.
وعن أهمية المشروع وميزة المؤسسة الناشئة المعنية بالدعم والمرافقة مقارنة مع المؤسسات الاقتصادية المتوسطة وكبيرة الحجم، أكدت الأستاذة مسدوي “أن مشروع إنشاء ودعم المؤسسات المصغرة يشكل أحد التوجهات الاقتصادية الجديدة ليس في الجزائر فقط بالنظر لأهمية ونجاعة مثل هذه المؤسسات التي تعتبر سهلة الإنشاء ولا تتطلب إمكانيات كبيرة وموارد بشرية متعددة.
وهي في الغالب ـ أضافت تقول ـ تتشكل من 1 الى 3 عمال ولا تتجاوز 9 بالنسبة للصغيرة، وبالتالي يمكن التحكم في تسييرها وتمويلها وأيضا مرافقتها ومتابعتها المستمرة الى غاية إنجاح المشروع الاستثماري وإطلاقه في ميدان الإنتاج للمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني وبدون تكاليف كبيرة وبضمانات أكبر للنجاح نتيجة عملية التحكم والتوجيه الدائم”.
عبد القادر سليماني: الصناديق الاستثمارية ترسّخ لمبدأ لامركزية القرار
أكد الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني، لـ “الشعب” أن توقيع صندوق المؤسسات الناشئة لاتفاقية تفعيل الاستثمار عبر 58 ولاية أمرا صائبا، يرسّخ لمبدأ اللامركزية في اتخاذ القرار على المستوى المركزي، ويسمح بالسلاسة الانسيابية وربح الوقت في دراسة الملفات، وكذا الشباك الموحّد لإزالة البيروقراطية وتذليل العقبات أمام المستثمرين.
في هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي، إن العملية تسمح بعصرنة الشباك الموحد عن طريق الرقمنة، خاصة وأن الصناديق الاستثمارية تسرّع تمويل الشركات الناشئة التي تبحث عن رأسمال المخاطرة، بالموازاة مع الديناميكية التي يشهدها الاقتصاد الوطني، خاصة ونحن في الإقلاع الاقتصادي وسنة 2022 سنة اقتصادية بامتياز.
بشأن المبلغ المخصص للولايات المقدّر بـ 58 مليار دينار،أي ما يقارب 1 مليار دينار جزائري لكل ولاية، ستكون موضوعة تحت تصرف الصندوق الوطني للمؤسسات الناشئة للاستثمار في الشركات الناشئة، بتمويل قد يصل إلى 150 مليون دينار جزائري للمشروع الواحد، صرّح المتحدث أنها قليلة، خاصّة في المناطق الكبرى على غرار العاصمة وهران قسنطينة التي تعرف عدد كبير من حاملي المشاريع، أملا بوجود آليات أخرى، خاصة حاضنات الأعمال أو المؤسسات الناشئة لتكون فكرة راسخة لدى النسيج الاقتصادي للبلاد، معرّجا في حديثه على الأنموذج الإيطالي الذي يحتذى به في هذا المجال، كونها تملك أحسن المؤسسات في العالم شاركت باختراعاتها وابتكاراتها في معارض دبي وسنغافورة.
وأبرز عبد القادر سليماني أهمية إشراك القطاع الخاص الذي من المفروض يوازي أو يواكب الديناميكية الاقتصادية والرؤية الاقتصادية كل في بيئته وولايته، بمعنى أن توجيه المؤسسات الناشئة يكون بحسب خارطة وطبيعة الولايات.
وأشار المتحدث إلى ضرورة التفريق بين حاضنات الأعمال ومسرعات الشركات الناشئة، حيث أن حاضنات الأعمال هي برامج تشاركية مصممة لتساعد المشاريع الريادية الجديدة في النجاح، فهي تساعد رائد الأعمال في تقديم التدريب والإرشاد وحل المشكلات المرتبطة بمشروعه الناشئ، كما توفر له إمكانية الوصول للتمويل بربطه بالمستثمرين، بينما مسرعات الأعمال تشبه حاضنات الأعمال، لكن مع وجود مدة محددة لفترة الاحتضان ونوعية المشاريع المحتضنة،حيث تقدم مسرعات الأعمال برامجها في مدة زمنية محددة، وهذا ما تحتاجه المؤسسات الناشئة إلى جانب التمويل.
واعتبر الأستاذ الخطوة لصالح المؤسسات الناشئة التي وصل عددها اليوم، إلى أكثر من 750 مؤسسة ناشئة في قرابة سنتين، بينما استفادت حوالي 400 مؤسسة من الدعم، في حين حاضنات الأعمال تقدر بحوالي 630 حاضنة، لكن من الأفضل وجود مسرعات أعمال تضمن التسويق والديمومة في الحياة الاقتصادية، مع استحداث مناصب عمل للشباب، حيث تراهن عليها الحكومة كقاطرة للتنمية المستدامة للإبداع والابتكار ونسخ التجربة عن شباب آخرين خاصة خريجي الجامعات.
وأشاد الخبير بجهود الدولة في البحث عن بيئة أعمال الحاضنات والمؤسسات الناشئة من خلال التوجه للجامعات التي تضم عشرات الآلاف من الأساتذة الجامعيين و 1600 مخبر، لكن دون نسيان الطابع الاقتصادي للمؤسسات التي تحتاج لشريك اقتصادي من القطاع الخاص، مع ضرورة توجيه الطاقات الشبانية للقيام بحلول في القطاعات الإستراتيجية التي توليها الدولة أهمية، على غرار التعدين المناجم، وكذا الانتقال الطاقوي، الكيمياء وغيرها.
وأكد المتحدث ضرورة مساهمة المؤسسات الناشئة في الاقتصاد الوطني وإعطاء قيمة مضافة وأن لا يبقى التمويل لمجرد التمويل، وأن تكون المتابعة لأجل تحقيق الأهداف المرجوة في مختلف المجالات، الطاقة الشمسية، الفلاحة، الصناعة، تقديم حلول في مختلف القطاعات، خاصة وأن السيادة الاقتصادية تقوم على خمسة أركان تتعلق بالأمن الغذائي، الطاقوي، الرقمي، مشيرا أن الجزائر يجب أن تمتلك مؤسسات يقتحم شبابها مختلف المجالات، ليحقق الإبداع والقيمة المضافة.
وخلص الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني، إلى ضرورة تقديم مشاريع في إطار الشراكة مع دول أجنبية رائدة في مجال المؤسسات الناشئة من أجل تقديم حلول والتوجه الى التمويل من الشركات الكبرى، مشيرا أن آليات التمويل التي تقدمها الدولة، جاءت لدعم الاستثمار وهيكلة مناخ الأعمال لأجل تحقيق الأهداف التي تخدم الاقتصاد الوطني وتصنع الثروة وتوطن الإنتاج وتخفض فاتورة الخدمات والسلع.
ملف: خالدة بن تركي وحياة كبياش وفتيحة كلواز وكمال زقاي