مع زيادة النمو الديموغرافي والاستهلاك وتعدّد أشكال النفايات المطروحة في البيئة، أنشأ المُشرع الجزائري هيئة وطنية باسم الوكالة الوطنية للنفايات، أوكلت لها مهمة تسيير وتثمين النفايات وفق المناهج الحديثة في ميدان الرسكلة بما يخدم البيئة والاقتصاد الوطني في إطار ما يعرف بالتسيير المستدام للنفايات، هذه الأخيرة تعرف تغييرا في نظرة المجتمع نحوها، فإن كان هناك من يرى في كومة القمامة تأثيرا على جمالية المكان وسلامة البيئة، فإن هناك من يرى فيها ثروة قابلة للاستثمار بعد إعادة التدوير أو الرسكلة.
الوكالة الوطنية للنفايات هيئة عمومية تحت وصاية وزارة البيئة، أنشئت عن طريق مرسوم تنفيذي، من مهامها الأساسية مرافقة الجماعات المحلية لتحسين الأداء في مجال تسيير النفايات المنزلية، والمؤشرات في هذا المجال، فلا يمكن التسيير أو التخطيط أو وضع استراتيجيات بدون مؤشرات في هذا الميدان، لذلك أنشأت الوكالة منظومة معلوماتية متكاملة، تجمع كل الفاعلين الذين يزوّدون الوكالة بكل المعلومات حول النفايات ومرافقة الجانب العلمي، من خلال اتفاقيات مع عدة جامعات على المستوى الوطني، إضافة إلى الجانب التوعوي والتحسيس.
أوضح المدير العام للوكالة الوطنية للنفايات محمد كريم وامان في حديثه لـ”الشعب الاقتصادي” أن الوكالة الوطنية للنفايات حُددت مهامها سنة 2002 بمرسوم تنفيذي تطبيقا لأحكام وبنود القانون 01 المتعلّق بتسيير النفايات بالجزائر والذي مهّد سنة 2001 لإنشاء وكالة وطنية لمرافقة وتنفيذ السياسة الوطنية في هذا المجال.
وأضاف وامان أنه ومن صفة “الوكالة” التي أطلقت على الهيئة التي يُديرها أن من مهامها مرافقة الجماعات المحلية تقنيا في مجال التسيير النفايات، بالإضافة إلى تشغيل منظومة لتحيين المعلومات لتسيير النفايات ورصد كل المؤشرات التي لها علاقة بجانب إدارة النفايات من أجل وضع لوحة معلوماتية تُعطي نظرة حقيقية تسمح بالاطلاع على كل ما يجري في هذا الجانب.
كما تعمل الوكالة على مرافقة البحوث العلمية في مجال تسيير النفايات وكذلك إدراج وتنفيذ مخططات التحسيس والتوعية في المجال.
وأشار المدير العام للوكالة، أن النصوص التي تعمل بها الوكالة وُضعت سنة 2002، ويجري حاليا تحيين هذه النصوص مع تغيّر فلسفة تسيير النفايات في العالم والجزائر، فما كان موجود في 2001 و2002 ليس ما هو موجود حاليا في 2022، لذلك نحن مطالبون كهيئات مختصة بمواكبة التغيّرات، من أجل نجاعة وفاعلية أكثر في هذا المجال.
المعلومة أساس عمل الوكالة
أوضح محمد كريم وامان، أنه فخور بكوادره وما حقّقوه في مجال الرقمنة التي هي مفتاح الوصول إلى نجاعة أكثر في التسيير والعصرنة.
وأضاف أن الجميع واع بأنه لا يوجد تسيير من دون معلومة دقيقة وصحيحة في وقتها، لذلك عمل عناصر الوكالة على تطوير بنك المعلومات والمؤشرات لتصبح منظومة وطنية معلوماتية لتسيير النفايات بالجزائر.
وتمتلك الوكالة الوطنية للنفايات مركز بيانات، كما تحوز على شبكة واسعة من آليات تزويد منظومتها بالمعلومات التي تتعلّق بالنفايات سواء بأماكن جمعها وحجمها ونوعيتها والمؤسسات التي تُعنى بجمع النفايات في كل أنحاء الوطن، والمنشآت الخاصة بمعالجة النفايات، وحتى النشاطات التي تعنى بالاقتصاد الدائري.
وأشار إلى أن هذه المنظومة تسمح بتزويد كل الفاعلين بالمؤشرات والمعلومة الدقيقة والصحيحة وفق ما يجري على المستوى الوطني في جانب تسيير النفايات.
ودعا محمد كريم وامان إلى تقنين كل ما يتعلّق بالتعامل مع المعلومة في مجال النفايات من أجل تسهيل وصولها إلى الوكالة في الوقت المناسب، مُشيرا إلى أن المعلومة حول النفايات توصف بالحسّاسة وذات بعد استراتيجي.
وقال مُحدثنا، إن أي نشاط تُنتج عنه نفايات، وهذه النفايات عبارة عن مواد خام، لذلك قد تتحفظ بعض المُؤسسات في الكشف عن حقيقة حجم نفاياتها حتى تَحمي بياناتها الداخلية وحجم نشاطها الحقيقي، لذا تجد الوكالة أحيانا صُعوبات في الوصول إلى معلومات دقيقة وآنية حول النفايات الصناعية، بالرغم من طابع الوكالة العمومي وخصوصيتها في حماية المعلومة.
مرافقة عمل الجماعات المحلية
أُولى مهام الوكالة هو مرافقة الجماعات المحلية، والمُرافقة لا تعني التدخّل والعمل في الميدان بل لها مهمة تتمثل في تفعيل السياسة الوطنية في الميدان وخاصة بالنسبة للنفايات المنزلية على مستوى الجماعات المحلية، ويقتصر دور الوكالة على الجانب التقني من أجل تجسيد منظومة تسيير النفايات المنزلية في المحيط.
وفي هذا الصدد، قال وامان أنه عندما نتكلّم عن البلديات فإنها مطالبة بتحيين مُخطط بلدي لتسيير النفايات كل 10 سنوات، ما يجعلها تتوافق مع الأهداف الوطنية وإستراتيجية الدولة.
وأضاف وامان أن دور الوكالة يُعنى كذلك بتحيين المعلومة من أجل الدخول في مقاربة جديدة تتسم بمرونة أكثر، والملاحظ أن الإشكالية تغيّرت اليوم من جانب نظرتنا نحو النفايات إذ أصبحنا اليوم نرى النفايات أكثر من جانبها الاقتصادي، فاليوم صرنا عندما نرى النفايات لا نفكر في تداعياتها البيئية أو جمالية المنظر الذي قد تُشوّهه، مثلما نُفكر في الجانب الاقتصادي لهذه النفايات.
وأضاف ذات المسؤول، أن أول ما يتبادر لذهن المُتلقي لكلمة النفايات هي مراكز الردم التقني للنفايات، وفي الواقع مراكز الردم التقني ما هي سوى حلقة صغيرة في سلسلة تسيير النفايات.
وذكر مُحدثنا أن جميع الدول تحوز على مراكز للردم التقني بما فيه الدول المتقدّمة وتلك التي أحرزت تقدّما كبيرا في مجال الرسكلة وإعادة التدوير، لكن الكميات التي تُوجّه إلى مراكز الردم التقني أقل بكثير من النفايات التي تستقبلها مراكز الردم عندنا.
وأوضح وامان أن الدول التي لها باع طويل في الرسكلة وتدوير النفايات أخذت ملاحظة تشبّع الخنادق التابعة لمراكز الردم التقني بسرعة، لذلك قامت بوضع منظومات تسيير أكثر اقتصادية فيها جانب استرجاع وتثمين كبير.
بالمقابل، قال محاورنا أن كل النشاطات تُخلّف نفايات حتى تلك التي تتعلّق بفرز وتدوير النفايات، لذلك تجد جميع دول العالم نفسها أمام حتمية إيجاد مكان لدفن النفايات التي لم يعد لها أي جدوى أو منفعة في المستقبل.
من جانب آخر، تحدّث مدير الوكالة الوطنية للنفايات حول نسبة النفايات المنزلية القابلة للتثمين قائلا: “إذا تكلّمنا عن النفايات في الجزائر فيجب معرفة أن 80 بالمائة من النفايات المنزلية قابلة للتثمين”، وأشار إلى أن النسبة المتبقّية والتي تبلغ 20 بالمائة، لن تعجل بامتلاء خنادق مراكز الردم.
بالمقابل، أوضح أنه ينبغي على المسير أن يكون على دراية بما يدور في فلك النفايات، فالأمر يتطلّب تحيين المنظومة بشكل عام وحتى الذهنيات التي يجب أن تتغيّر، مشيرا إلى أن سياسة التملّص من المهام وتحميل المواطن المسؤولية لن تُجدي نفعا، فعلى المنتخبين تحمل مسؤولياتهم ووضع منظومة متكاملة تسمح للمواطن بالانصهار في سياسة تسيير النفايات.
وأضاف وامان بأن منظومة تسيير النفايات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل منطقة، لذا لا يمكن عزل بعض التقاليد والسلوكيات عن سياسة تسيير النفايات، لذا فمنظومة تسيير النفايات يجب أن تستجيب للواقع المعاش، فلا يمكن أن تقوم بجلب سياسة أو أفكار من دول أجنبية ونطبقها حرفيا على الجزائر.
وحسب ذات المتحدث، فإنه يختلف تسيير النفايات من منطقة لأخرى، فما يوجد في المفارز بالمدن الكبرى يختلف عن ما يوجد في مفارز النفايات بالمدن الداخلية والموجودة بأقصى الجنوب، بحيث إن النفايات الموجودة في المدن الصحراوية تكاد تخلو من النفايات العضوية، بينما تتميز المدن الكبرى مثل العاصمة بارتفاع نسبة النفايات العضوية بالمفارز والتي تفوق 53 بالمائة.
وأضاف وامان أن النفايات العضوية تمثل مشكلة في حدّ ذاتها بمراكز الردم التقني فهي تأخذ مكانا بالإضافة إلى إفرازها للعصارة، وأكد أن أهلنا في الجنوب غير مُبذرين ويظهر هذا من خلال فرز النفايات، إذ أن أغلب ما يوجد فيها هو نفايات بلاستيكية.
400 هكتار سنويا للتكفّل بالنفايات
وفي سياق ذي صلة، قال المدير العام للوكالة الوطنية للنفايات حول نتائج إحدى الدراسات التي قامت بها الوكالة حول طريقة التخلص من النفايات، قائلا: “في حال واصلنا على نفس النهج في التخلّص من النفايات عن طريق مراكز الردم التقني سنحتاج كل سنة لـ400 هكتار لاحتواء إجمالي النفايات التي تنتج في الجزائر”.
وأضاف محمد كريم وامان أن نسبة 64 بالمائة من النفايات في الجزائر يتمركز في 4 بالمائة من مساحة البلاد أي في المنطقة الشمالية، وهذه الأخيرة تتطلّب 260 هكتار سنويا لاحتواء نفايتها، وهي مساحة كبيرة بل وغير متوفرة في الوقت الحالي.
لذا فالتوجّه الجديد ينبغي أن يمر عبر نمط استهلاكي جديد، وهو ما يتطلّب وقت لأنه يتضمّن مسألة إقناع المستهلك، والمُنتج في حدّ ذاته، بالإضافة إلى ضرورة ترقية منظومة تسيير النفايات إلى مستوى التحديات الجديدة.
وأشار محدثنا إلى أن دولة مثل المملكة المتحدة لم تتخل عن مراكز الردم التقني، التي بقيت وفق منظومة ومقاربة جديدة في التسيير تتضمن الحرق التقني والفرز والرسكلة، لتبقى كمية قليلة من النفايات التي تُوجه نحو مركز الردم لدفنها، وأضاف وامان مثالا آخر وهي الولايات المتحدة الأمريكية أكبر منتج للنفايات في العالم، والتي لا تزال إلى يومنا هذا تعتمد على مراكز الردم التقني لكن بنمط تسيير وحتى نوعية نفايات مختلفة عمّا هو عليه في بعض البلدان حاليا.
وأوضح بأن التحدي الكبير الذي يواجه الجزائر حاليا هو كيف نأخذ بعين الاعتبار الشقّ العضوي من النفايات المنزلية التي تنتج بالجزائر.
ليست كل النفايات الصناعية خطيرة
بالمقابل، دعا المدير العام للوكالة الوطنية للنفايات إلى ضرورة التخلي عن مفهوم أن كل النفايات الصناعية خطيرة، مُشيرا إلى أن المُشرع الجزائري شَرّع لثلاث عائلات للنفايات، وهي النفايات الخطرة والنفايات الخاصة الخطرة، والنفايات المنزلية والنفايات المشابهة للنفايات المنزلية، والنفايات الهامدة.
وأوضح أن النفايات الصناعية تتضمن هذه العائلات الثلاث، ضاربا مثالا بالنفايات الاستشفائية التي يرى الجميع أنها نفايات خطيرة، إلا أن أغلب النفايات التي تنتجها المستشفيات هي نفايات المُشابهة للنفايات المنزلية، لذا فأي نشاط يمكن أن تنتج عنه نفايات تضمّّ جميع أصناف النفايات.
من جانب آخر، أوضح وامان، بأن 80 في المائة من كمية النفايات المُسترجعة تنتج عبر نشاطات غير رسمية، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها وهي موجودة في كل الميادين والمجالات “السوق الموازي أبرز مثال”، لذلك وجب وضع تحفيزات وابتكارات في إطار التسيير لاستقطاب هذا النشاط غير الموازي من أجل تقنينه.
وأضاف مُحدثنا أن ما يُعزز مُقترح احتواء النشاطات الجارية خارج الإطار القانوني في جمع النفايات، هو وعي الناشطين فيه بقيمة هذا التوجّه وإلمامهم بكل ما يتعلق بجمع النفايات، لذلك وجب وضع ميكانيزمات لاستقطاب هؤلاء، وتوفير المناخ الملائم لولوجهم بسهولة للسوق الرسمي لهذا النشاط، وأشار مُحدثنا إلى أن هذه الميكانيزمات لا تتعلّق فقط بالجانب المادي فقط، بل بالجانب الإداري كذلك.
المؤسسات الناشئة تبحث عن حلول لإشكاليات تسيير النفايات
وفي سياق ذي صلة، قال المسؤول الأول عن الوكالة الوطنية للنفايات بالجزائر أن الدعم الذي تنتظره المؤسسات الناشئة لا يتعلّق بالجانب المّادي فقط، وإنما أبرز دعم يُمكن تقديمه لهذا النوع من المؤسسات هو إبراز الإشكاليات التي تواجه مؤسسات تسيير النفايات أو طُرق جمعها وكل ما يتعلّق بجمع المعلومات حول ميدان النفايات.
وأضاف بأنه في هاته الحالة تظهر القيمة المضافة لـ”ستارت آب” إذ بعد تعرفهم على الإشكال الواقع في الميدان، ننتظر من أمثال هؤلاء جلب الحلول بذكائهم وأفكارهم التي تُساعد على إيجاد حلول للإشكاليات التي تُعيق التقدّم في هذا المجال.
وأوضح وامان أن التمويل يأتي في آخر المطاف، فـ”ستارت آب” لما تأته فكرة أو ابتكار ذو فاعلية، فإنه يسعى لجلب التمويل، فحتى المؤسسات الكبرى تحتاج للحلول والأفكار التي تأتي بها هذه المؤسسات الناشئة.
وفي ذات السياق، قال مُحدثنا أن ملف تسيير النفايات يحتاج إلى عدد كبير من الإطارات المُتخصّصة في الميدان، وهو الجانب الذي تُعاني فيه الجزائر من نقص كبير حاليا فالتكوين في هذا المجال لا يعرف انتشارا واسعا بما يكفي لتغطية السوق الحقيقية في مسألة تسيير النفايات.
وأوضح وامان أنه في الآونة الأخيرة تسعى الجزائر إلى إعطاء بُعد علمي وتقني لتسيير النفايات، وأي نشاط تقني أو علمي يتطلّب كفاءات، وحتى الأفكار التي يأتي بها أصحاب “ستارت آب” لا يشترط فيها أن يكون صاحبها جامعيا، إلا أن بلورة الفكرة تتمّ عن طريق بحوث وتجارب وهذا ما يتطلّب مخابر ومعاهد جامعية مُختصة في هذا الجانب.
لذلك تعقد الوكالة الوطنية للنفايات اتفاقيات عديدة بالإضافة إلى فتح أبوابها أمام الطلبة المهتمين بالمجال التطبيقي لإنجاز مذكرات التخرّج.
وتستعد الوكالة للإعلان عن فتح مركز توثيق عبر الموقع الرسمي لها على الشبكة العنكبوتية يضمّ كل الإصدارات العلمية المُتعلقة بمجال تسيير النفايات، بحيث أصبحت الوكالة مركز اهتمام للكثير من الفاعلين، سواء من جانب المعلومة المُؤشرة في تسيير النفايات، وكذلك بكل ما يتعلّق بالجانب البيئي الاقتصادي والاجتماعي الخاص بتسيير النفايات.
وحسب وامان، فإن الوكالة تطمح إلى تغيير أو تحيين معلوماتها لمواكبة ما يجري في العالم ككل بالنسبة لتسيير النفايات، بما في ذلك السوق الخدماتي الكبير الذي يُرافق مجال تسيير هذا الميدان.