تطرح مسألة الأمن الغذائي نفسها بشدة على الدول والحكومات والمحللين، كلما وقعت أزمة إقليمية أو دولية، أو وقعت دولة تحت طائلة آثار اقتصادية، ناجمة عن أوضاع استثنائية يعرفها العالم.
أثرت العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، بشكل عام على أسعار السلع، التي ترتفع، دون مكابح، خاصة مع إضافة تكاليف النقل والخدمات المرتبطة بها، خصوصا، في النفط والغاز.
يقول الخبير الاقتصادي محفوظ كاويي، لـ”الشعب الاقتصادي”، إن أوضاع العالم من شح الأسواق للموارد التي باتت لا تلبي حاجيات الأفراد والساكنة في العالم، أصبحت محل مضاربة بين الحكومات التي أضحت توفر الكثير من الأحيان حاجيات تفوق المدة التي كانت عادة توفرها سواء في 3 أو 4 أشهر. وبالتالي، أصبحت كل الدول تحاول تغطية حاجياتها مدة تتجاوز 6 أشهر، ما يؤدي إلى نقص في المعروض من الإنتاج العالمي للمواد الغذائية، وهو أمر ينتج عنه الزيادة في الأسعار وميلاد منطق مضاربتي في العالم.
أولويات
يرى الخبير كاوبي “إذا أقرينا أن المخزون الحالي من المواد الأساسية يغطي أكثر من ستة أشهر مثلما صرح به مسؤولون في الحكومة، لكن الأمن الغذائي يطرح أمور أكثر أهمية أو ما نسميه في الاقتصاد بالأساسيات.
وأوضح محدثنا أن الأمر يتعدى الأولويات على المدى القصير والآني، ويتعلق بتنظيم سلسلة التوزيع، لأن الأمر مهم للغاية، لقوله “كل ما كانت فيه سلسة توزيع تتميز بالتنظيم والفعالية كلما كانت الأمور المرتبطة بالتوزيع، وبالتالي الأمن الغذائي موفر أو على الأقل تتفادى الحكومة مشاكل الانفجار على المستوى الاجتماعي”.
الرشد الاقتصادي
الأمر الثاني -حسب كاوبي- هو أن تذهب الحكومة إلى الترشد الاقتصادي في عمليات الإنتاج، “بمعنى نعطي للسعر أهميته كعامل أساسي في المعادلة الاقتصادية في الجزائر، مثل الدعم اللاعقلاني للاستهلاك وعملية الدعم العشوائي لبعض قطاعات الإنتاج أدت إلى تغييب أو تحييد السعر على العملية الاقتصادية”، ما أدى إلى تخلي العديد من الفلاحين والمنتجين الفلاحين والصناعيين عن قطاعات، التي باتت ليست لها المردودية اللازمة، مثل قطاع إنتاج الحبوب، وإنتاج الحليب، إنتاج المواد الأساسية التي تدخل في إنتاج الزيوت، والتي كان إستيرادها ولايزال عملية أنجع من ناحية الاقتصادية والتجارية للأفراد من عملية إنتاجها.
وخلص المحدث إلى ضرورة تبسيط عملية الإنتاج من خلال تسهيل الإنتاج وتنظيم السوق على المستوى الفلاحي، إضافة إلى الزيادة في المساحات المنتجة وتوفير التقنيات السقي، باعتباره أمر أساسي للغاية، وبشكل يجعل من السعر أمرا مهما وفعالا في العملية الاقتصادية.
“إن أبقينا على منظومة الدعم كمنظومة الحالية، لا ننتظر أن يكون فيه إنتاج في المواد الأساسية أو المواد الإستراتيجية مثل القمح، الزيت، حليب، أو سواء مواد أساسية التي تدخل في تصنيع أو تسمين الحيوانات”.
تنظيم السوق
وأضح الخبير كاوبي ان تنظيم الأسواق أمر ضروري في هذه المرحلة “أسواقنا منذ مدة طويلة لم تشهد عملية تنظيم في الإنتاجي التحويلي سواء بالجملة أو البيع بالتجزئة وهو أمر أساسي في سلسلة التوزيع لأن العملية الإنتاجية لامعنى لها إلا بعملية تسويق ولا معنى إلا من خلال إحداث توازن بين الأهداف التجارية والاقتصادية للمنتج”.
وقال إن الأهداف التجارية والاقتصادية للمستهلك، هي “عدم وجود توازن بين الكفتين، حيث يؤدي لاضطراب سلسلة الإنتاج وسلسلة التسويق وينجر عنه تغليب عملية الاستيراد على عملية الإنتاج”.
وأضاف ” على المستوى المتوسط وبعيد المدى فإنها إعادة جوهرية في إستراتيجية الإنتاج الفلاحي”، وأكد انه ينبغي العودة إلى تحويل المنتجات الفلاحية، بفتح مجالات ومسارات إستراتيجية للاستثمار في البلاد، والاستثمار الأجنبي بطريقة تؤدي إلى عصرنة طرق الإنتاج وطرق الاستغلال وإلى إعطاء أكثر احترافية لعملية الإنتاج سواء في القطاع الفلاحي أو في التصنيع.