أطلق الإتحاد الإفريقي مرحلة تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية بحجم 3,4 تريليون دولار، وصادقت عليه 34 دولة، بعد جهود حثيثة دامت أكثر من ثلاثة عقود، حيث عرفت عدة عقبات اقتصادية وتحديات سياسية وأمنية.
تهدف الاتفاقية إلى زيادة التجارة البينية بين الدول الأعضاء وتعزيز القدرة التنافسية للصناعة في إفريقيا من خلال إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية بالاستغلال الواسع للفرص الإنتاجية، والوصول إلى الأسواق القارية والإسهام في تعزيز مكانة إفريقيا في التجارة العالمية.
ومن الممكن أن يؤدي تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية إلى زيادة حجم التبادل التجاري بين الدول الإفريقية بنسبة 52 % بداية عام 2022 مقارنة بمستويات الأعوام السابقة وفقا لتقديرات اللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة.
تسعى دول القارة في إطار منطقة التجارة الحرة الإفريقية إلى إنشاء تكتل إقليمي وتوحيد القارة السمراء وتحقيق الأهداف الإنمائية في إطار صورة الاتحاد الإفريقي لقارة متكاملة ومزدهرة سلمية، فضلاً عن السعي الحثيث لتحقيق أهداف مهمة في مجال حقوق الإنسان ومكافحة الفقر.
الجزائر من الدول الإفريقية الداعمة للتكامل الإفريقي، باعتباره منفذا لإثبات الوجود وبناء قاعدة اقتصادية إقليمية افريقية لاكتساب القدرة على مجابهة التغيرات التي تشهدها الساحة الدولية، من تنامي التكتلات الاقتصادية وتزايد الاتفاقيات التجارية الإقليمية في ظل التطورات التكنولوجية وارتفاع القدرات التصنيعية، وتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية والتجارية الإفريقية كما يعتبر الاندماج الصحيح والفعال للاقتصاد الجزائري في المنطقة التجارية الإفريقية خطوة هامة لتحقيق دعم وتنويع اقتصادي وإيجاد بدائل خارج قطاع المحروقات ذلك يتطلب وضع إستراتيجية لتعزيز تنافسية المؤسسات الوطنية، والاستعداد لانتزاع حصة لها في الأسواق.
تجسيد ذلك يعد مكسبا اقتصاديا هاما وضروريا، بل هو فرصة حقيقية لتطوير وترقية التجارة الخارجية وإنشاء فضاءات اقتصادية قادرة على تفعيل الاندماج في سلاسل القيمة الإقليمية، على غرار سلسلة القيمة في آسيا وأمريكا وأوروبا، والتي تعد مدخلا ضروريا لتسهيل الاندماج في حقول التجارة والاستثمار والإنتاج الدولية، وذلك بتقليل الحواجز أمام سلاسل التوريد، وإلغاء الحواجز الجمركية التعريفية وغير التعريفية خاصة تلك المتعلقة بقواعد المنشأ، ما يسمح بتعزيز القيم المضافة وتنويع مصادر الدخل فيها. مما سيساعد على تخفيف الأثار السلبية للجائحة الصحية على النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
إلى جانب هذه الفرص، هناك تحديات متنوعة تعترض الجزائر لتحقيق أهدافها الاقتصادية في القارة الإفريقية، كالقدرة الإنتاجية والقدرة التنافسية وترقية البنية التحتية، يضاف لذلك الصراع الدولي المحموم على القارة لأكثر من عقود، وصدام اقتصادي حديث أميركي وأوروبي وصهيوني، مع تنامي واستفحال النفوذ الصيني والروسي، فضلا على نظرة الدول الغربية الاستعمارية لإفريقيا وتكالبها المستمر على مواردها بذات الاستراتيجية أحادية المنفعة. كما لا ينبغي إغفال نفوذ دول نامية كتركيا والسعودية والإمارات فهي أيضا شكلت زحفا حديثا على بلدان المنطقةّ، بحثا عن مصالح ونفوذ جديد لها فيها للاستحواذ على نصيب من موارد القارة الإفريقية وجعل بلدانها سوقًا لمنتجاتها وصادراتهاـ
إن تحقيق الحلم الإفريقي يمر بالضرورة عبر هذه الخطوة الهامة في مسار تطوير ديناميكية التبادل التجاري الحر الإفريقي، وهذا يتوقف بدرجة كبيرة على الجهود القارية لإحراز الأمن والاستقرار وعلى إرادة سياسية حازمة وقوية لدى الدول والشعوب الإفريقية ونخبها، واكتسابها إصراراً وتنسيقاً قوياً بين القادة الأفارقة من أجل إعداد و تنفيذ برامج تنمية طموحة وبناء شراكة سياسية واقتصادية فاعلة وقوية بين الدول الإفريقية لاستغلال كافة الموارد المتوافرة و المتاحة لتحقيق الرفاه لشعوب القارة وتعزيز تموضعها في الساحة الاقتصادية العالمية لتحقيق أقصى المنافع والقضاء على الفساد الاقتصادي والبيروقراطية المفرطة داخليا ورفع القيود على حدود الدول.
دون ذلك لن تتجسد هذه الاتفاقية ولن تستطيع القارة النهوض والتوجه قدما إلى الأمام والتخلص من كل أشكال التبعية ومن بقايا الهيمنة الاستعمارية على مقدراتها.