الغايات الاقتصادية المحددة في مخطط الإنعاش الاقتصادي العام هامة جدا وينبغي توفير شروط تجسيدها فعلا.
وتبعا لذلك نتساءل: هل الأدوات التشريعية والتنظيمية و التسييرية كافية من أجل قيادة عمل اقتصادي متكامل لتجسيد غايات الإنعاش؟
وهل مناخات الاستثمار في كل المجالات مهيأة حتى ترافق مرافقة فاعلة وناجعة السياسة الاقتصادية الجديدة؟
أليس هناك عوامل قصور وهناك تقصير وهناك قوى تعمل على رفض كل تغيير وهناك أنانيات مصلحية وهناك تحالفات تعمل على إعاقة بناء الاقتصاد الجديد، ومنها كل المستفيدين من فضاءات اللاقانون وكل الذين احتكروا نشاطات إنتاجية أو تجارية؟
إن استعادة الدولة، ومختلف إداراتها، لمصداقيتها وهيبتها، ووضع حد لاستقواء المصالح عليها، هو مسألة ضرورية وأكيدة، بل هو مقدمة لا مندوحة منها من أجل قيام الجزائر الجديدة في كل المجالات.
لقد تحسنت كثيرا مناخات العمل الاقتصادي والتجاري، ولكن ما زال أمام السلطات العمومية مستلزمات تقوية دولة القانون وتقليص إمكانية الإفلات من الضوابط القانونية والإفلات من قواعد الجباية ومن الرسوم الجمركية وغيرها.
نعم إن تقوية الإدارات الدائمة للدولة من جمارك وضرائب وأملاك دولة وإحصاء، فضلا عن تقوية الرقابة، كل أشكال الرقابة والمراقبة، هو مهمة غاية في الأهمية من أجل منع عوامل الإفساد التي سادت قبل 2019 من أن تقف حجر عثرة في وجه تجسيد السياسة الاقتصادية الجديدة.
إن الأموال التي تفلت من قنوات التداول الرسمي للعملة والثروة هي مشكلة اقتصادية وقانونية وأخلاقية، وهي ينبغي أن تجد العلاج الملائم في أقرب الآجال لأنها شرط أساسي من شروط بناء الاقتصاد الجديد في الجزائر الجديدة.
من ناحية أخرى ينبغي العمل بلا هوادة على فرض احترام المعايير واحترام القواعد وعلى حماية المستهلك من التلاعب بنوعية السلع والخدمات واستعادة الدولة وإداراتها مصداقيتها وهيبتها في هذه المجالات.
إن التعليم، في مختلف المستويات، والتكوين، في شتى المجالات، هو الآخر محور هام ينبغي أن يعرف الكثير من الترقية والتكييف، حتى يكون عاملا إيجابيا يرفد جهود التنمية وبرامجها ويوفر للمبادرات عوامل نجاحها.
كما أن كل مناخات العمل السياسي والجمعوي والنقابي ينبغي أن تتحسن، وينبغي لهذه التنظيمات أن تستعيد دورها الحقيقي ومصداقيتها في علاقتها بمختلف فئات المجتمع، حتى تكتمل شروط انطلاقة اقتصادية جديدة.
لهذا يمكن الاستنتاج منطقيا أن الكثير من إدارات الدولة، والكثير من مجالات النشاط، في حاجة للترقية ولتحسين أدائها واستعادتها لمصداقيتها، من أجل قيام عوامل التنمية الحقيقية.
هناك طبعا عوامل خارجية متنوعة كثيرها ضاغط على سياساتنا الاقتصادية الداخلية، وهناك تحولات عميقة في موازين القوة الاقتصادية وهناك حروب ظاهرة وأخرى خفية من أجل مناطق النفوذ وتدافع متزايد الحدة على الاستحواذ على المنافع، لهذا لا بد من عمل دبلوماسي واسع النطاق من أجل بناء قوى إقليمية وقارية ودولية من أجل وضع معايير وقواعد جديدة للتبادل وانتزاع عدالة وانصاف أكبر في توزيع الثروة في العالم.
إن كل هذه المشكلات والإشكاليات في حاجة للكثير من النقاش والجدل المنظم والمنتظم ومجلتنا الاقتصادي تفتح فضاءاتها لذلك وتشجع عليه لأن تجنيد الذكاء الاجتماعي، وفي شتى المجالات، هو شرط من شروط التمكن من التغلب على عوامل التعطيل وعلى كل ذرائعه وعلى كل عوامل القصور وألوان التقصير.