تبرز معادلة التحول الاقتصادي في الجزائر الجديدة كضرورة قصوى لا يمكن المضي من دونها نحو تطوير وترقية البلاد واقتصادها.
القضية تبدو مسألة مصير يجب أن تتجه فيه كل القطاعات نحو ثورة في التسيير والتصنيع والانتاجية.
وفي هذا الاتجاه تبرز مساعي رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لوضع الاقتصاد الوطني على السكة. فما هي أهم الخيارات التي اتخذت في هذا الاتجاه؟
نحو التحول
كان من بين أبرز القرارات التي سنت في عهد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلغاء قرارات اقتصادية من العهد السابق، كبلت الاقتصاد الوطني بينما سُوّق لها آنذاك على أنها تحمي مصالح الجزائر.
لكن ما حدث هو العكس، بحيث جاءت قرارات الرئيس تبون في منحى تحسين مناخ الأعمال بدءا من إلغاء قاعدة 51-49 بالمائة، حيث طلب رئيس الجمهورية بإخضاع القاعدة لنصوص تنظيمية شفافة تجنبا لأي تأويل أو التباس في الحفاظ على الثروة الوطنية باستثناء القطاعات الاستراتيجية وأنشطة شراء وبيع المنتجات، مع استبدال مخطط الشفعة بالترخيص المسبق للاستثمارات الأجنبية وإلغاء إلزامية تمويلها باللجوء إلى التمويلات المحلية، مع رفع معدل الاقتطاع من المصدر للشركات الأجنبية العاملة بعقود تأدية خدمات في الجزائر من 24 بالمائة إلى 30 بالمائة، بهدف تشجيعها على فتح مكاتب بالجزائر.
إنعاش الاقتصاد
وجاء مخطط الإنعاش الاقتصادي لإعادة التوجهات الاقتصادية نحو الرشد في التحول الاقتصادي المرغوب، وهو مافصل فيه آنذاك الوزير الأول عبد العزيز جراد بكل وضوح عن مشكلات الاقتصاد الوطني وقال: “إن اقتصادنا يشهد بشكل عام، إنتاجية منخفضة لوسائل الإنتاج ويعاني بشكل خاص من البطء الإداري، ونقائص في مجال التسيير، وصعوبات في الحصول على التمويل، بل وحتى غياب رؤية قطاعية مشتركة متناسقة طويلة الـمدى، والتي يمكن أن توجه وتشرف على تنفيذ السياسات العمومية”.
من جهة أخرى، قال جراد إن الجزائر لم تكن في منأى عن ظاهرة “الـمرض الهولندي” الذي يربط ركود الصناعات التحويلية بتنمية الصادرات من الـموارد الطبيعية، وفي الجزائر، أدى الثقل الساحق لقطاع الـمحروقات إلى الحيلولة دون أي تنويع للاقتصاد، وتفضيل الواردات على الصادرات (خارج المحروقات) والحد في نهاية الـمطاف من وزن القطاع الصناعي ليبلغ من 6 إلى 7 بالمائة فقط من الناتج المحلي الخام.
وعلى ضوء ما سبق -أضاف جراد- بأنه، سيتعين على الجزائر مواجهة العديد من التحديات الهامة، بما في ذلك التنويع الاقتصادي وتحسين مناخ الاستثمار، والتفكير في السبل والوسائل للقيام، في أحسن الآجال، بوضع عملية التنمية الاقتصادية الوطنية الـمرنة والشاملة والـموحدة، في الـمسار الصحيح.
قرارات هامة
بالمقابل، جاءت قرارات هامة عن مجالس الوزراء التي كانت تعقد بشكل متسارع ودوري كترجمة فعلية عن هذا المخطط من حيث التفصيل والتوجيه، كان أبرز قراراتها إلغاء إبرام عقود الدراسات والخدمات مع المكاتب الأجنبية في مشاريع كلفت الجزائر سنويا 7 مليارات دولار، وتجميد مشاريع كبرى، إلى غاية مراجعة جدواها الاقتصادية وإمكانات البلاد المالية لتمويلها.
وتضمنت قرارات مجلس الوزراء اعتماد اقتراحات وزارة الصناعة والمناجم المتعلقة بإنعاش القطاع الصناعي، وعديد القرارات الأخرى التي مست قطاعات التجارة، الصيد البحري والفلاحة، والتحضير لقانون استثمار مجدي يحسن فعلا من مناخ الأعمال ويعزز تنافسية العمل الاقتصادي، إضافة الى قوانين أخرى في القطاع الاقتصادي والتنظيمي تنتظر الإثراء والمصادقة من السلطة التشريعية في البرلمان.
الجزائر تستحق
تكمن المقاربة الكبرى في الإصلاح الاقتصادي الجاري في الجزائر، في تحقيق تحديث وتنافسية الاقتصاد، الذي يجري إصلاحه بشكل تدريجي ليوضع على السكة، وينطلق نحو النمو والصعود الكبير لجعل الجزائر قوة اقتصادية كبرى لا يستهان بها في إفريقيا والعالم، تستجيب لأهميتها ومكانتها كأكبر بلد إفريقي يمتلك الموارد الطبيعية المعتبرة وكتلة بشرية هامة، لاتزال بحاجة لأن تحول إمكاناتها الطبيعية والبشرية إلى تقدم اقتصادي فعال يحفظ لها مكانا بين الأمم ونهضة حقيقية في مجالات التقدم والرقي.