الدول العربية من بين أوائل التجمعات الاقليمية الدولية التي عرفت ظاهرة التكتلات الاقتصادية، يمكن إرجاعها إلى نشأة جامعة الدول العربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
بزر في الوطن العربي مفهوم التكامل الاقتصادي الذي يعبر عن العميلة التاريخية طويلة الأمد، التي تهدف إلى إقامة قاعدة اقتصادية منسجمة ومتطورة في البلدان العربية رغبة في تطوير القوى الإنتاجية الوطنية لتحقيق التحرر الاقتصادي من السيطرة الأجنبية، وبالتالي تقليص حجم التبعية وتقليص الفوارق الاقتصادية بين الدول العربية، وتخفيف حدة التوتر بينها خاصة في ما يتعلق بمشكلة الحدود وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
برغم أن الوطن العربي قد سبق أوروبا في التكوينات الرسمية، إلا أن شعوب المنطقة لم تصل إلى المرحلة التي وصلت إليها الدول الأوربية. فعلى أمد نصف قرن شهد العالم العربي اثني عشر محاولة للتكامل الاقتصادي، أخفقت جميعها، حتى الأن ليس في التحرير التجاري بين الدول العربية فحسب وإنما في تسيير هذا التبادل وتشجيعيه وتنميته، فالواقع العملي يقول إن حجم التجارة البينية لم يتجاوز العشرة في المئة من إجمالي حجم التجارة الخارجية للدول العربية، بفعل ضعف البنيات التشريعية لاتفاقات الوحدة، وضعف الإرادة السياسية، مرورا بغياب الرؤية الجماعية، إلى هشاشة الأجهزة الاقتصادية المسؤولة و تضارب هياكلها.
لكن جدير بالملاحظة ما شهدته الفترة الأخيرة من مؤشرات إيجابية على صعيد صحوة الإرادة السياسية العربية لتفعيل مشروع التكامل العربي، وهي جاءت نتيجة الإدراك المتزايد لخطر المستجدات على الساحة الاقتصادية العالمية المتمثلة في المد العولمي الجارف و النزاعات المحمومة، فالتكتل الاقتصادي صار ضرورة حتمية لا مفر منها لمواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية العملاقة، والتكتلات البديلة في المنطقة العربية والتي تتمثل في المشروع الشرق أوسطي الذي يفسر مطامع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في منطقة الشرق العربي، إضافة إلى مشروع التكتل الأورومتوسطي الذي يحمل في مضمونه سيطرة الاتحاد الأوروبي على اقتصاديات دول جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط .
إن التكامل الاقتصادي هو مسألة سياسية أكثر منها اقتصادية، وأن مدخل التوحد السياسي قد يكون اقتصاديا، وربما كان هذا المنطق أكثر عقلانية من أي مدخل أخر. ولكنه مجرد مدخل لهدف سياسي واضح وهو التقارب أو التعاون أو التوحد سياسيا، ينطبق ذلك على دول السوق الأروبية المشتركة كما ينطبق على غيرها .فإذا لم يكن هناك مثل هذا الهدف السياسي فلن تقوم للتكامل الاقتصادي قائمة، وليس هناك أدل مما أل إليه العمل الاقتصادي العربي المشترك و جهود التكامل الاقتصادي العربي في العقود الأربعة السابقة، فالحوافز باتجاه تحقيقه، والعقبات في سبيله هي بشكل أساسي ذات طبيعة سياسية، فالإرادة السياسية هي شرط أساسي ومسبق لأي تكامل اقتصادي عربي، سواء على المستوى القومي أو على المستوى الإقليمي في التجمعات الإقليمية الثلاثة.
في حين الملاحظ أن دور السوق والقطاع الخاص في مجمل الاقتصادات العربية على اختلافه قد زاد في السنين الأخيرة زيادة ملموسة، وجري دعمه والدعوة إليه على نطاق واسع، بتأييد واضح من مؤسسات دولية معينة، الأمر الذي يمكن معه القول إن اختلاف التوجهات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في الأقطار العربية لم يعد يشكل عائقا مهما أمام العمل الاقتصادي العربي المشترك في مختلف أوجهه، وذاك بسبب التشابه الكبير في المواقف والأهداف العامة المتعلقة بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في جميع الأقطار وبتالي ما يعيق العمل الاقتصادي المشترك في جوانبه المختلفة ليس اختلاف النظم الاقتصادية في البلدان العربية بقدر ما يكمن في عدم توفر الإرادة السياسية الهادفة للوحدة أساسا والملتزمة بالتكامل الاقتصادي.
حتى وإن تصورنا توافر هذه الإرادة اليوم، سيكون من الصعب جدا الحديث عن التكامل الاقتصادي، وإن كان الاقتصاد ملفا خاضعا لسياسة على المستوى التاريخي والواقعي في الوطن العربي، فإنه على مستوى أخر قد يشكل هو في حد ذاته عائقا للتكامل، فالمصالح الاقتصادية القطرية التي ترسخت في قوالب معينة و في ارتباطات أجنبية معينة، قد تكون مثيرة للنزاعات والخلافات وتقف حجرة عثرة أمام النخب العربية التي تتوفر لديها الرغبة المخلصة في التكامل، خاصة أن الوجه الجديد للتكامل الاقتصادي العربي لا يختلف في صورته وأسسه عن الصورة التي صاحبت تلك المسيرة المشوهة منذ نصف قرن.