بالرّغم من التّرسانة القانونية واللّوائح التّنظيميّة في سوق الشّغل، تواجه الطّبقة العمالية متاعب بسبب خروق تطال علاقات العمل في بعض المؤسّسات.
قال الخبير الاقتصادي محفوظ كاوبي، في تصريح لـ”الشعب الاقتصادي”: بعد تحرير الاقتصاد سنة 1988، أصبح القطاع الخاص يحوز على أكبر قسط من سوق الشغل. تغيّرت طبيعة العلاقة بين العامل وصاحب العمل، وظهرت معها تقاليد جديدة، بعيدة عن احترام المنظومة القانونية في الكثير من الأحيان، من خلال عدم التصريح بالعامل لدى مصالح الضمان الاجتماعي.
واضاف :”معظم مؤسّسات القطاع الخاص لا تحترم القوانين. أكثر من 65 بالمائة لا يمتثل للمنظومة القانونية، لأنّ أرباب المال يرون أنّها غير متكافئة”.
يقول الخبير كاوبي، إن ذلك يؤدّي إلى اشتراكات كبيرة يدفعها أصحاب العمل في حالة تمّ تصريح كل العمال لدى مصالح الضمان الاجتماعي والتقيد بالمنظومة القانونية، فإنّ العديد من المؤسّسات والشّركات ستغلق أبوابها.
هنا يطرح محدّثنا التّساؤل التالي: “هل الخطأ في المنظومة القانونية وعدم توازنها مع الواقع العملي، أم سنذهب إلى حكم قيمي يقول بأنّ القطاع الخاص بعيد كل البعد عن احترام القانون؟”.
ويستدل الخبير الاقتصادي بالنّموذج الصّيني في الوقت الذي كانت أوروبا تعطي دروسا في التصريح ودفع الاشتراكات وحماية حقوق العمال في منتصف الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي.
كان رئيس الوزراء الصيني في ذلك الوقت يقول: “إذا خُيِّر العامل بين أن يعمل أو يكون بطّالا، فإنّ الصين تفضّل أن يكون العامل مستغلاًّ عوض أن يكون بطّالا”، مضيفا أنّ الصين عملت بهذا المنطق لزيادة إنتاجها وتقوية اقتصادها، ثن ذهبت نحو منظومة اجتماعية أكثر عدالة.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي محمد حميدوش، لـ”الشعب الاقتصادي”، “في غياب دراسات حقيقية وتقارير مفتشية العمل لا يمكن تعميم بعض الخروقات على أصحاب المؤسّسات الخاصة في تعاملها مع العمال هضم حقوقهم”؟
ودعا المتحدث إلى عدم المبالغة في الحكم على القطاع الخاص بسبب نفور طالبي الشّغل من الولوج إليه.
وأكّد حميدوش أنّ من يؤمن باقتصاد السّوق يعي قيمة اليد العاملة المؤهّلة، وهنا تدخل معادلة القوة العاملة وتوفّرها في سوق طلبات الشّغل، فإذا كانت القوى العاملة نادرة. الكفّة تميل لصالحها في اشتراط ظروف العمل والرّاتب المحترم، ولكن إذا كان سوق الشّغل مشبّعا بالقوى العاملة المؤهّلة، فإنّ ميزان القوّة سيميل لصاحب العمل في فرض رواتب يمكن وصفها بالزهيدة بحكم وجود البديل في حال رفض طالبي الشغل الوظيفة.
وأعاب الخبير حميدوش غياب المرونة في سوق العمل، وهو ما يهدر الكثير من مناصب شغل، ويساهم التكوين بمستوييه العالي والمهني بصفة كبيرة في توفير يد العاملة المؤهّلة في العديد من الاختصاصات، والتي قد تتكيّف مع طلبات المؤسّسات الخاصة رغم افتقادها للتّجربة في الاختصاص المراد شغل منصب عمل فيه.
إستثناء في الإقتصاد الحر
يؤكّد الخبير الاقتصادي محمد حميدوش، على ضرورة تحديد المفاهيم قبل الحديث عن العمل في القطاع الخاص، الذي من المفروض أن يشكّل النّواة الكليّة للاقتصاد الحر في أي بلد، باعتبار أنّ القطاع العام يوجد في حالات استثنائية عند غياب القطاع الخاص بفعل حجم السّوق أو بفعل متطلّبات قطاع استراتيجي يستلزم استثمارات كبيرة كصناعة السّفن والطّائرات، وهي من بين الحالات التي نجد فيها مؤسّسات عمومية في اقتصاد حرّ ببعض الدول، لذا قد لا نجد مصطلح القطاع العام في دواليب الاقتصاد الحر.
وأضاف حميدوش أنّ وجود القطاع العام في بعض الدول عادة ما يكون لدواعٍ سياسية، لكنه قد يضيّع فرصا كثيرة في تطوير القطاع الخاص بفعل ولوج السّوق بمعايير غير متكافئة، مثل سوق التّأمين الذي يضم ترسانة من الإجراءات المحفّزة للقطاع العام، الذي يسيطر على سوق التأمينات ويصعب ولوج القطاع الخاص إليه.
من جانبه، تأسّف الخبير كاويي لحال القطاع العمومي، الذي وصفه بأنّه قطاع غير مبني على الإنتاجية التنافسية، عكس القطاع الخاص، لعدم احترام المنظومة القانونية الخاصة بسوق الشغل، يقول “كاوبي”.
هنا تطرح مشكلة التنافسية والفعالية في العمل، لأنّ الاقتصاد العمومي بمؤسّساته يسير بمنطق الإدارات التي تضخ رواتبها من الخزينة العمومية، وتحترم فيها القانون تقريبا 100 بالمائة، على عكس القطاع الخاص، تكون مداخيل المؤسّسة من السّوق والتنافسية وبيع السلع والخدمات على أكبر قدر ممكن يكون فيها الراتب مقابل العمل.
ويؤكّد كاوبي أنّ حماية العامل أمر مهم جدا مع إعطاء حرية أكثر لصاحب العمل، وتمكينه من عقود أكثر مرونة مرتبطة بالسوق والتنافسية، أي بمنطق الاقتصاد الليبرالي وأضاف قائلا ”مشكلتنا في الجزائر تكمن في عدم تجانس المنظومة القانونية التي هي موروث لمنطق اقتصادي عمومي موجّه مع الواقع الجديد، الذي يضم قطاعا خاصا معروفا عليه القرصنة، حُتّمت عليه التّنافسية والعيش من مردودية عمله ليس كالقطاع العام”.
وعلى هذا الأساس، يرى محفوظ كاوبي أنّه يجب على السّلطات العمومية أن تنظر إلى ضرورة تحرير الاقتصاد، وإعطاء الأولوية للمنطق التّعاقدي.
العقود في عالم الشّـغل
أشار محمد حميدوش إلى أنّ الجزائر وبعد الاستقلال انتهجت النّظام الاشتراكي، وشرعت في إنشاء مؤسّسات عمومية، في حين ظهر القطاع الاقتصادي في حالات خاصة في السبعينات من القرن الماضي، ومن ثم ظهر بشكل واسع في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات.
لكن السياق التاريخي لعالم الشغل بالجزائر ساهم في تكوين ثقافة العمل لدى القطاع العام على حساب الخاص، نظرا لسياسة المؤسّسات العمومية التي ترتكز على نظرة إدارية أكثر ممّا هي نظرة فاعلية أو تبحث عن اقتصاد السوق، إضافة إلى العقود ذات الآجال غير المحدّدة، والتي يوفّرها القطاع العام بصفة أكبر من القطاع الخاص، إضافة إلى أن الأجور في كثير من الأحيان غير مرتبطة بالأداء أو الفعالية، وكل هذه الأمور تشجّع على تفضيل القطاع العام على حساب القطاع الخاص.
ويرى كاوبي، أنّ دور مفتشية العمل اقتصر على النصح وليس الرّقابة، وإن تمّت فهي تكون عن طريق تغريم صاحب العمل، ولهذا فإنّ طبيعة العلاقة بين العامل وصاحب العمل في الجزائر هي علاقة في إطار التكوين، ولهذا يجب تبسيط الإجراءات والتقليل من نسبة الاشتراكات لأنّ نسبتها كبيرة إذا قارناها بما يتحصّل عليه العامل أو صاحب العمل، لأنّ منظومة الحماية الاجتماعية غير فعّالة إذا تمّت مقارنتها بنسبة الاشتراكات.
ويقول كاوبي إنّ الجزائر ستدخل مرحلة جديدة ستنقص فيها فرص العمل بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد مند سنوات، ولهذا ينبغي أن تكون الأفضلية لخلق فرص العمل وتبسيط أكثر للإجراءات، والعمل على المديين المتوسط والبعيد من أجل إحداث ثقافة اجتماعية لدى صاحب العمل أو العامل من أجل ترقية العلاقة بينهما.