تعرف المناولة في البلاد تأخرا ملحوظًا مقارنة بدول الجوار، وهو ما يعد أحد مسببات ارتفاع فاتورة استيراد قطع الغيار، سواء الخاصة بالسيارات السياحية والنفعية،أو حتى العربات الصناعية ولواحق وتجهيزات قطاع الطاقة.
تكلف هذه الواردات الخزينة العمومية ما يقارب 6 مليار دولار سنوياً، يؤكد رئيس المجلس الوطني للتشاور من أجل تطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والرئيس السابق لتكتل مؤسسات الميكانيك الدقيقة، عادل بن ساسي لمجلة “الشعب الاقتصادي” في عددها “5”
وتنشط في السوق الوطنية أكثر من 300 شركة قطع غيارتموّن قطاع الميكانيك والطاقة، وهو رقم لا يعكس قدرات دولة بحجم الجزائر حسب المحلل الاقتصادي عمر هارون، الذي يرى أن هذا القطاع بحاجة لمقاربة متميزة من التشريعات والآليات للنهوض به.
يؤكد الخبير الاقتصادي عمر هارون في تصريح لـ”الشعب الاقتصادي” في عددها “5 ” أن قطاع المناولة في الجزائر شهد تراجعا إلى الوراءخلال السنوات الماضية، فتحول النظام الاقتصادي من اشتراكي إلى رأسمالي ودخول الاقتصاد الوطني مرحلة مظلمة سنوات التسعينيات، كلها عوامل ألقت بظلالها على هذا القطاع،وبدل دعمه من قبل الدولة مطلع سنوات الـ2000، لجأت إلى تبني سياسة الاستيراد، الأمر الذي قضى على بوادر الصناعة الجزائريةالتي أسسها الرئيس الراحل هواري بومدين سنوات السبعينات حسبه.
وقال عمر هارون :” أصبحنا نستورد كل شيء، وفاتورة قطع الغيار فاقت كل التوقعات” ليضيف :” بدل بناء مؤسسات لصناعة المناولة تم القضاء عليها عبر الاستيراد المقنن ودعم المستوردين بدل المنتجين والمصنعين،حيث يتم إعفاؤهم من الرسوم ومنحهم رخصاً لاستيراد ما شاءوا”.
ورغم الخطوة الأخيرة المنتهجة لتشييد مصانع تركيب السيارات حسب -محدثنا- من خلال استحداث عدة وحدات إنتاجية بشراكة أجنبية،لكن كل هذه الخطوات تمت في بيئة قاحلة لا تضمن وجود خبرة ولا تجهيزات ولا أرضية لإقامة صناعة المناولة، حيث بقي الملف يراوح مكانه.
وأشار المتحدث إلى أن عدد شركات المناولة في الجزائر متدنٍ جداًولا يعكسُ حجم احتياجات السوق الوطنية، والدليل فاتورة الاستيراد المسجلة سنوياً، مع العلمأن أغلب شركات المناولة الناشطة في السوق مختصة في قطاع الميكانيك، ويفترض حسب -محدثنا- رفع عدد الشركات الناشطة في المجال على الأقل بنسبة 20 بالمائة.
لهذه الأسباب تعطل “قطار” المناولة
ويؤكد رئيس المجلس الوطني للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عادل بن ساسي أن أساس مشكل قطاع المناولة في الجزائر، يكمن في غياب الإطار القانوني الذي ينظم تطوير هذا القطاع في البلاد خاصة ما يتعلق بغياب دفتر شروط واضح وصارم يحدد طبيعة نشاط هذه المؤسسات، ويفتح المجال أمام اختيار الشركات ذات المستوى والخبرة لدخول السوق الوطنية والاستثمار فيها.
ويرجع الرئيس السابق لجمعية وكلاء السيارات يوسف نباش تأخر المناولة في الجزائر إلى السياسات المهمّشة لهذا القطاع منذ سنوات، مضيفا في تصريحه لمجلة “الشعب الاقتصادي”: “المسؤولون الذين أشرفوا على قطاع الصناعة استهدفوا فرملة قطاع المناولة لتشجيع الاستيراد من الخارج”.
وحسب يوسف نباش فمن غير المعقول أن تستورد الجزائر ما قيمته مليار و200 مليون دولار سنوياً من قطع غيار وتجهيزات خاصة بالسيارات والمركبات فقط، مشيراً إلى وجود أطراف أجنبية لا يخدم مصلحتها تطور صناعة المناولة في الجزائر خاصة في مجال السيارات مصرحاً:”هناك من يريد الاحتفاظ بالسوق الجزائرية وليس من مصلحته أن تقام صناعة في الجزائر، بعض الجهات تعمل على ضرب هذا القطاع في البلاد بمساعدة أطراف داخلية”.
في حين يُرجع الخبير الاقتصادي عمر هارون سبب تأخر قطاع المناولة في الجزائر، لغياب الخبرة وصعوبة دخول الشريك الأجنبي للجزائر بسبب القاعدة الاستثمارية 51/49 التي تم إسقاطها مؤخراً عن القطاعات غير الاستراتيجية عبر قانون المالية لسنة 2020، ولكن لم تصدر نصوصها التطبيقية لحد الساعة، إضافة إلى تأخر صدور قانون الاستثمار.
وحسب أستاذ العلوم الاقتصادية فإن غياب دفتر شروط خاص بهذه الصناعة أحد أسباب تأخرها فقد كان يفترض -حسبه – أن يحترم الدفتر السابق الخاص بصناعة السيارات،إنشاء مصانع مناولة وهو ما لم يحدث، في انتظار أن يصدر دفتر شروط جديد يمنح جرعة أمل -حسبه- لهذا القطاع ويسمح بخلق مصانع مناولة ليس فقط في مجال السيارات بل حتى في مجال الصناعات الصغيرة، ويربط الخبير الاقتصادي بين غياب رؤية واضحة في سوق السيارات وعدم وجود هندسة حقيقية لقطاع المناولة الصناعية في هذا المجال.