بخلاف سنوات مضت، تُشكل السياسة العامة للحكومة، أولوية بالغة لدى السلطات العليا في البلاد، تجسيدا لمقاربة جديدة تتضمن توجهات ومحاور كبرى يُرجى بلوغها لتحقيق إقلاع اقتصادي وتُترجم نتائجه على أصعدة كثيرة.
قبل 48 ساعة من عرض مشروع بيان السياسة العامة للحكومة بالبرلمان، حسب ما تنص عليه الشروط المنصوص في المواد 106 (الفقرات الأولى و3 و4) و107 و108 من الدستور، أسدى رئيس الجمهورية توجيهات لأعضاء الحكومة، تراعي مرتكزات النهوض باقتصاد البلاد، تماشيا ونموذج يقوم على تعزيز القدرات المالية بتوسيع مصادر دخل الخزينة العمومية خارج قطاع المحروقات.
توجيهات
ومن خلال توجيهات الرئيس تبون، في اجتماع مجلس الوزراء (الأحد المنقضي)، تتجلى أبرز محاور السياسة العامة للحكومة والتحديات المرفوعة، لاسيما ما يخص التوفيق بين تجسيد مشاريع اقتصادية نوعية تتطلب استثمارات ضخمة تعود بالفائدة على خزينة الدولة، وبين المحافظة على مكتسبات اجتماعية وضمان الالتزام المستمر بحماية القدرة الشرائية للمواطنين، وتحصينها من تداعيات ما تشهده الأسواق الدولية من تقلبات.
ووفقا لبيان اجتماع مجلس الوزراء، شدد الرئيس تبون على ضرورة أن “يراعي بيان السياسة العامة إستراتيجية الدولة، في النهوض بالاقتصاد الوطني، من خلال تعزيز قدراتها المالية، بتشجيع التصدير خارج المحروقات كموارد مالية جديدة، وترشيد النفقات الحكومية، فضلا عن التزام الدولة المستمر، بحماية القدرة الشرائية للمواطنين.”
إقلاع اقتصادي..
بعد استكمال الصرح الدستوري والمؤسساتي للبلاد، بات واضحا تعويل السلطات العليا على توفير متطلبات تحقيق إقلاع اقتصادي، انطلاقا من التكفل بكبرى الملفات الاقتصادية في إطار مقاربة جديدة، وهو ما أعلنه الرئيس تبون في ندوة الإنعاش الصناعي (نهاية السنة الماضية)، وأكد أن 2022 ستكون سنة اقتصادية بامتياز.
تركيز العمل الحكومي في هذا الاتجاه، مع بداية السنة الجارية، تُوج بمؤشرات وأرقام مشجعة، في النصف الثاني من سنة 20220.
في مجال التجارة الخارجية ارتفعت قيمة صادرات الجزائر إلى 25,922 مليار دولار خلال السداسي الأول من سنة 2022، أي بزيادة قدرها 48,3 بالمائة مقارنة بنفس الفترة لسنة 2021، منها 3,507 مليار دولار من الصادرات خارج المحروقات، أي بنحو50 بالمائة من الهدف المسطر لسنة 2022.
وسجل الميزان التجاري فائضا بالنسبة للسداسي الأول لـ2022 بـ5.689 مليار دولار بعد عجز في السداسي الأول لـ2021، قدر بـ1.348 مليار دولار، وبلغت نسبة تغطية الواردات بالصادرات خلال هذا السداسي 128.2 بالمائة مقابل 92.8 بالمائة خلال السداسي الأول لسنة 2021.
مؤشرات ومحاور
يرى متابعون، أن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع، بالنظر إلى تركيز العمل الحكومي -وفقا توجيه الرئيس تبون- على مضاعفة أداء النشاط الاقتصادي وحث أعضاء الحكومة على تلبية تطلعات الجزائريين، بالنظر إلى حزمة تدابير وإصلاحات قيد التنفيذ، لاسيما تلك المتعلقة بالنصوص التطبيقية الخاصة بقانون الاستثمار.
ويربط الخبير الاقتصادي، نبيل جمعة، في اتصال مع “الشعب أونلاين”، محاور السياسة العامة للحكومة، في الفترة المقبلة بالملف الاقتصادي أساسا. ويرى أن تجسيد استثمارات ضخمة مثل مشروع غار جبيلات، وتوفير آلاف مناصب الشغل، والالتزام بمراجعة رواتب العمال، إضافة رفع قيمة الصادرات خارج قطاع المحروقات، يندرج في صلب برنامج العمل الحكومي.
ويشير المتحدث، أيضا، إلى أن ما تحقق في النصف الثاني من السنة الجارية يعد بمثابة معالم ترتكز عليها الحكومة في مواصلة محطة التشييد الاقتصادي، خصوصا مع تسجيل أولى مؤشرات تحسن قيمة الدينار مقابل الأورو والدولار بفضل الديناميكية الاقتصادية، وفق المصدر.
حركية اقتصادية
ومن ضمن التحديات الكبرى، حسب نبيل جمعة، المحافظة على الحركية الاقتصادية المسجلة هذه السنة وضمان تنافسية أكبر لاقتصاد البلاد، وهو ما ترجم بمؤشرات ايجابية لميزان المدفوعات وتجاوز عجز الميزان التجاري.
وينتظر من الحكومة، أيضا، مواصلة رفع العراقيل عن المشاريع الاقتصادية، وكل ما من شأنه التشويش على مناخ الأعمال، تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، وذلك بمواصلة سياسة الإصلاحات في مجالات الرقمنة، المالية، الضرائب،..الخ، والعمل على تمويل وإعادة تنشيط مشاريع شهدت ركودا في السابق، في مجالات حيوية مثل الطاقة، النقل، الصناعة..
في مجلس الوزراء الأخير، رئيس الجمهورية كان واضحا عندما حث أعضاء الحكومة، خصوصا الوزراء الجدد، “للعمل بكل جهد بما يخدم تطلعات المواطنين، خاصة وأن حجم التحديات، يتطلب الخبرة والفعالية والإخلاص واحترام المعايير”.
رخيلة: وكالة استرجاع الممتلكات والأموال المُصادرة هيئة ردعية لكل من يفكر في سرقة المال العام
أمر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بإنشاء وكالة وطنية، بعد إصدار المحاكم الجزائرية أحكاما نهاية تخص استرجاع الممتلكات والأموال المُصادرة.
يرى مختصون أن هذه الهيئة ستكون هيئة تضع حدا للإشاعة في هذا المجال، من قبيل تلك التي تشيع بصعوبة استرجاع الأموال المنهوبة، مثلا، وانها آلية فيها جانب ردعي لكل من يفكر في مد يده إلى المال العام.
يرى العضو السابق في المجلس الدستوري والمحامي، عامر رخيلة، أن استحداث وكالة وطنية لاسترجاع الممتلكات والأموال المُصادرة، مسألة حساسة بالنسبة للاقتصاد البلاد وسمعة الجزائر ومصداقية العدالة والسلطة فيما يخص الالتزام بالقانون وتطبيقه.
وقال المحامي رخيلة، في اتصال مع “الشعب الاقتصادي”، “إن للوكالة المزمع استحداثها لها، هدفين: أولا، إضفاء الشفافية في استرجاع الأموال وصرفها، وثانيا، وضع حد للإشاعة التي تقول “ليست هناك أموال مصادرة” وأن الموال لم تسترجع”.
وتابع قائلا: “ستكون لها قيمة مضافة من الجانب الردعي إلى كل من يفكر في مد يده إلى المال العام، ومنهم المؤتمنون على تسيير الشؤون المالية والاقتصادية، حتى يأخذون عبرة ودرسا من الذين أثبتوا كثيرا أثناء المرافعات والجلسات أنهم مدوا أيديهم إلى المال العام، إضافة إلى الجانب الإعلامي” .
ويُعد قانون 06-01 المعمول به مطبق في محاربة العبث بالمال العام بالنسبة لرجال الأعمال والمقاولين، وخيانة الأمانة السياسية لبعض المسئولين في المناصب السامية، وهو قانون يحدد العقوبات، ولكن فيما يخص الآليات – حسب رخيلة – التي تتكلم على مصادرة الأموال، تحتاج النصوص القانونية إلى آليات عملية.
منذ بداية إصدار المحاكم أحكاما نهاية، أصبح من الضروري تجسيدها من خلال تنفيذ مضمونها في الدعوة المدنية، حيث بدأت السلطة تخطط لذلك، من خلال استحداث صندوق خاص.
وفي هذا الصدد، قال رخيلة “إن طرح هذا الموضوع لدى مجلس الوزراء لانه منذ بداية المحاكمات تصدر أحكام نهاية ولابد من تجسيدها من خلال تنفيذ مضمونها في الدعوة المدنية. هذا يقتضي إجراءات عملية فيما يخص الأموال أو كيفية التصرف فيها او فتح صندوق لها مما يجعها أموال تضخ في شرايين اقتصاد البلاد “.
وأكد المحامي أنها مسؤولية كبيرة، خاصة إذا كان القضاء اصدر أحكاما نهائية والمعنيون صاروا مقتنعون أنهم مدانون في ما يخص الدعوة المدنية، وصُودرت أموالهم طبقا للقانون والأحكام القضائية، وتبقى مسألة الإجراءات لدى السلطة التنفيذية.
وتحدث الرئيس الجمهورية منذ شهور عن إنشاء وكالة، –حسب رخيلة – لكن تجسيد الوكالة يتطلب إعداد نظام ينظمها، حيث تكون بمثابة هيئة وطنية ذات سيادة في اتخاذ قراراتها، خاصة أن المسائلة حساسة بالنسبة للاقتصاد البلاد وسمعة الجزائر ومصداقية السلطة والعدالة فيما يخص التزام بالقانون وتطبيقه.
وأوضح محدثنا انه من المهم جدا انه يكون للوكالة نظام داخلي منظم لعملها، وذلك ليس مستحيلا، كما يقول، حيث أن هذه الهيئة يمكنها أن تلعب الدور المنوط بها، من اجل وضع حد لتساؤلات المواطنين حول النتائج المحققة في هذا الباب، واطلاع الرأي العام من خلال تقديم حصيلة حول الأموال المصادرة، عن كل مرحلة من المراحل في إطار الشفافية، مثلا عن طريق ندوات صحفية لتقديم شروحات وحصيلة ما أنجزته في إطار تنفيذ الأحكام القضائية”.
وأسدى رئيس الجمهورية، أثناء مناقشة قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، توجيهات باستحداث وكالة وطنية، في مجلس الوزراء، الأحد، لاسترجاع الممتلكات والأموال المُصادرة “كآلية جديدة تكون تحت وصاية وزارتي المالية والعدل.”
وينتظر أن تستحدث آلية جديدة لاسترجاع الممتلكات والأموال المُصادرة، في إطار مشروع قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، المصادق عليه،
وحسب ما جاء في بيان اجتماع مجلس الوزراء، فإن “القضاء هو السلطة الوحيدة، المخول لها، الفصل في قضايا الفساد، وهي المصدر الأوحد لوضع الآليات القضائية، لوقاية المجتمع منه.”