حظي قانون الاستثمار الجديد، بالتنقيح والمناقشة قبل المصادقة عليه، بالتركيز على 8 نقاط أساسية تعتبر من أولويات الحكومة الجزائرية في المخططات التنموية التي شدد عليها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في مراجعته لمحتوى القانون الجديد.
يتحدث الدكتور في العلوم الاقتصادية بجامعة سعيدة عبد القادر لحول، في حوار مع “الشعب”، عن ظروف إعداد القانون الجديد للاستثمار في الجزائر والإضافة التي يقدمها من أجل الدفع بعجلة الاقتصاد الوطني.
الشعب: لماذا إعداد قانون جديد للاستثمار في الجزائر؟
د.لحول عبد القادر: “عهد جديد” هي الرؤية والرسالة التي ركز عليها رئيس الجمهورية في مختلف خطاباته وتوصياته وحتى قراراته الموجهة ضمن اجتماعات مجلس الوزراء لوضع أسس بناء جزائر جديدة قوية على مختلف الأصعدة، نابعة من إرادة سياسية لوضع الجزائر في مكانها الحقيقي في الخارطة الجيوسياسية، وذلك من خلال رسم معالم جزائر المستقبل التي تعزز ثقة المستثمرين في مناخ ملائم للاستثمار، بالإجراءات الجديدة المتخذة بمزيد من النزاهة والشفافية والوضوح، وذلك ما ميز المرحلة الأخيرة من تاريخ الجزائر في محاربة الفساد بشتى أنواعه.
لماذا التركيز على ثماني نقاط أساسية كأهم أوليات للاستثمار؟
لقد ركز القانون الجديد للاستثمار في الجزائر على قطاعات معينة تعتبر بمثابة القطاعات الإستراتيجية أمام الحكومة الجزائرية، أهمها ضمان الأمن الغذائي والأمن الصحي، الأمن الطاقوي، تعميم استخدام التكنولوجيا واقتصاد المعرفة. في الحقيقة هي تحديات جد صعبة أمام الحكومة الجزائرية من أجل تجسيدها على أرض الواقع، سواء باستثمارات محلية أو أجنبية. والمتفق عليه أن اعتماد هذه النقاط الأساسية يضمن للجزائر الإقلاع الاقتصادي الفعلي ومنه الخروج من التبعية الاقتصادية للمحروقات باستحداث قطاعات بديلة تعتبر المؤسسات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي نواتها الأساسية.
ما هي الإضافة التي قد يقدمها القانون الجديد للاستثمار في الجزائر؟
يساعد الشباك الوحيد بدرجة كبيرة في تقليص المركزية الإدارية ومنح تفويض أكثر في اتخاذ القرارات مع القضاء على البيروقراطية والمحسوبية.
كما يسهم قانون الاستثمار الجديد، في إرساء تنافسية أكبر على مستوى الاقتصاد الجزائري، من خلال فتح باب الاستثمار للأجانب في قطاعات هامة مع تقديم كافة الامتيازات والتحفيزات، في إطار سلسلة من الاتفاقيات والشراكات المبرمة مؤخرا بين الجزائر وشركائها الاستراتيجيين، على غرار الصين وروسيا وتركيا وكذا إيطاليا.
أعتقد أن قانون الاستثمار الجديد هو محرك أساسي لجذب المستثمر الأجنبي، الذي يرى بوضوح أن هناك استقرار سياسي كبير وعودة المكانة القارية والدولية للجزائر، من خلال ما سيتيحه دخول الجزائر ضمن مشروع طريق الحرير الضخم، والذي يمهد لبناء خطوط تجارية جوية وبرية ضخمة بين الجزائر ودول إفريقيا، تكتمل باكتمال الموانئ الهامة التي تسعى الدولة لتشييدها أو إعادة تهيئتها.
هل من مواضع خلل أو قصور في قانون الاستثمار الجديد في الجزائر؟
أعتقد أن مضمون قانون الاستثمار الجديد في الجزائر، مغرٍ جدا ومحفز للمستثمر الأجنبي خاصة. ولكن من زاوية أخرى نجد أن هنالك مشكل في إهمال دور ومساهمة الاستثمار الأجنبي غير المباشر في تحقيق الإنعاش الاقتصادي ودفع عجلة التنمية في الجزائر.
فعلى سبيل المثال، نتوخى اتخاذ قرارات صارمة تتعلق بإعداد إجراءات جديدة لدفع بورصة الجزائر نحو النشاط والبحث عن آليات أخرى لتفعيل مجال الاستثمار المالي- باعتباره المرافق الرئيسي للمنظومة المصرفية الجزائرية-، لذلك نرى أنه من الضروري التركيز على الاستثمار المالي في الجزائر، باعتباره مستقطبا لرؤوس الأموال الأجنبية، التي من شأنها القضاء على مشكلة نقص السيولة أو سوء تسييرها على مستوى البنوك المتواجدة محليا، من خلال عرض فرص استثمارية متنوعة أمام المؤسسات التي تعاني من نقص في التمويل من جهة، وكذا توفير فرص أخرى لمؤسسات استثمارية تستفيد من تلك الفرص الأولى.
أي مقترحات وتوصيات بخصوص القانون الجديد للاستثمار في الجزائر؟
التسريع في إنشاء مؤسسات اقتصادية من حيث الكم والنوع، لإرساء ديناميكية أكبر على مستوى الاقتصاد الجزائري وكذا رفع درجة تنافسية المؤسسات لطرح منتجات عابرة للحدود بمواصفات معيارية.
إلى جانب ذلك، توسيع الوعاء الضريبي من خلال تقنين الأنشطة غير الرسمية أو الموازية والقضاء على كل أشكال السوق السوداء، لأنها مهددة لتواجد المستثمر الأجنبي؛ ذلك ما يرفع حجم التحصيل الجبائي لضخ موارد مالية في الخزينة العمومية.
فضلا عن منح كل التسهيلات أمام الاستثمار المحلي، خاصة المشاريع الصغيرة والمبتكرة، لفتح وظائف جديدة وكذا المساهمة في التنمية المحلية. وفي هذا الإطار، يجب التقليص من حجم الاستثمارات العمومية المحلية، خاصة من خلال اعتماد الاستثمار قطاع (عام- خاص) كشكل جديد ضمن فكرة “البلدية المنتجة للثروة”، وهنا يمكن القول إن هنالك انتقالا جزئيا في مفهوم البلدية من “جماعة محلية تنفق اعتمادات” إلى “جماعة محلية تستثمر وتوظف أموالا”.
وهنا يجب التشجيع على توجيه فوائض وموارد بعض البلديات الغنية- إن صح التعبير- إلى توظيفها واستثمارها في مناطق مختلفة، وفق مبدإ إعادة توزيع المدخول والثروات خدمة للتنمية الإقليمية.
كما لابد من التحول الفوري نحو الرقمنة ووضع منصات رقمية للإدارات العمومية، تساهم في القضاء على البيروقراطية وتحقق مصداقية تلك الهيئات العمومية في التعامل مع ملفات الاستثمار رغم اختلافها.
في الأخير، أرى أن الإقلاع الاقتصادي في الجزائر وإرساء قواعد اقتصاد حقيقي يتم من خلال التحول التدريجي من وضع أثبت فشله سابقا على جميع المستويات، إلى مستوى آخر أحسن يتطلب التشخيص العقلاني للمشاكل الاقتصادية ومحاولة إيجاد الآليات الملائمة لحلها.