تتجه السلطات العمومية – منذ سنتين- نحو تطوير الصناعة المالية الإسلامية بالجزائر بإطلاق شبابيك معاملات “حلال” في عدد من البنوك العمومية، تجسيدا لمقاربة اقتصادية تهدف إلى تفعيل السوق المالية وامتصاص الكتلة النقدية خارج المؤسسات البنكية، وأهداف أخرى..
إلى غاية الثلاثي الأول من سنة 2022، تحوز عدد من البنوك العمومية ( البنك الوطني الجزائري، القرض الشعبي الجزائري، الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط، البنك الجزائري للتنمية الفلاحية، البنك الجزائري الخارجي) على ترخيص من طرف بنك الجزائر لتسويق خدمات إسلامية، ما سمح بإطلاق عشرات الشبابيك توفر منتجات وخدمات مالية تطابق قواعد الشريعة الإسلامية.
التوجه نحو تطوير الصناعة المالية الإسلامية بالجزائر، تعزز مع بداية 2022 بإطلاق أولى الوكالات الإسلامية كاملة الصفة، بدل شبابيك في وكالات تقليدية، مثلما هو الحال بالنسبة للبنك الوطني الجزائري، خطوة تهدف إلى فصل الخدمات المالية المطابقة للشريعة الإسلامية عن الخدمات التقليدية قصد كسب ثقة أكبر لدى الجزائيين..
من جهتها، توقعت وزارة المالية بلوغ عدد الشبابيك الإسلامية في البنوك العمومية التي اعتمدت نظام الصيرفة الإسلامية 320 شباكا نهاية 2021، مع أن عددها لم يتجاوز 130 شباكا مارس 2021، أرقام تشير إلى مساعي السلطات العمومية لتوسيع معاملات “حلال” تلقى قبولا لدى غالبية الجزائريين..
يظهر جليا تعويل السلطات العليا في البلاد على نظام الصيرفة الإسلامية كإحدى آليات امتصاص الكتلة النقدية خارج المؤسسات المصرفية، مثلما أكد عليه الرئيس تبون: “من الممكن امتصاص أموال السوق الموازية، بألف طريقة وطريقة، من بينها الصيرفة الإسلامية التي ينبغي أن توسع شبكتها من خلال فتح بنوك أخرى”.
في موضوع تجربة الشبابيك الإسلامية، يتحدث الأستاذ الجامعي والمختص في الصناعة المالية الإسلامية، ناصر سليمان:” بالفعل يوجد عمل لتطوير الصيرفة الإسلامية منذ عامين، لكن قبل ذلك توجد بنوك توفر خدمات توافق الشريعة الإسلامية منذ سنوات”.
تفعيل السوق واستقطاب الأموال
برأي سليمان ناصر لا يمكن إطلاق تقييم أولي لتجربة الشبابيك الإسلامية في البنوك العمومية لعدم توفر إلى غاية الآن أي أرقام وإحصائيات تخص – على سبيل المثال- عدد الحسابات البنكية، أو حجم والأموال المتداولة في هذه الشبابيك، وأضاف:” لكن حسب ما يتوفر لدي من معلومات، الإقبال ليس مثلما هو مأمول وهذا يرجع لعديد الأسباب”.
ويعتقد المتحدث أن هامش الربح في الخدمات الإسلامية من بين أسباب عدم تسجيل إقبال كبير في طلب التمويل (ليس الإيداع)، الذي يبقى -حسبه- مرتفعا مقارنة مع فوائد البنوك التقليدية، خاصة ما تعلق بتمويل العقار.
وعن استقطاب الكتلة النقدية خارج المؤسسات المصرفية (منها أموال السوق الموازية)، أوضح المتحدث أنه لا توجد مؤشرات وأرقام تسمح بتقييم دور الشبابيك الإسلامية في هذا الجانب:” تشير آخر الأرقام التي قدمها بنك الجزائر إلى أن الكتلة النقدية خارج البنوك تقدر ب 6 آلاف مليار دينار، لذلك لو توفرت إحصائيات تخص حجم الأموال المجمعة أو تلك التي استقبلتها الشباب الإسلامية يمكن وضع تقييم”.
تطوير معاملات “حلال”
تطوير الصناعة المالية الإسلامية بالجزائر، يستوجب حسب المتحدث التركيز على جوانب مهمة، أولها ما يخص الترويج لهذه المعاملات بداية من استغلال نفور الجزائريين من خدمات البنوك التقليدية، بالمقابل، الخدمات الإسلامية تلقى قبولا عند غالبية الجزائريين لاعتبارات عديدة..
وفي هذا الصدد، أشار إلى أهمية تناسق الغاية في تحقيق أهداف اقتصادية مع الوسيلة التي هي الصيرفة الإسلامية:” من الخطأ أن نركز على التسويق لمعاملات حلال بالحديث عن استقطاب أموال السوق الموازية، توجد وسائل كثيرة يمكن اتخاذها غاية لتحقيق الأهداف، مثل التسويق للمعاملات الإسلامية من باب القبول لدى الجزائريين..”
ويركز المختص سليمان ناصر، على ضرورة الترويج الجيد للصيرفة الإسلامية قصد تحقيق الأهداف المرجوة، مشيرا إلى أنه في السابق تم اللجوء إلى طرق أخرى لاستقطاب الكتلة النقدية خارج البنوك، مثل التصريح الضريبي الطوعي والقرض السندي.. الخ، غير أنها – يتابع- كان مصيرها الفشل، لذلك يبقى خيار الصيرفة الإسلامية إحدى الآليات الناجعة لو يتم تسويقه بالشكل الأنسب.
بنوك إسلامية..
في إجابته عن سؤال يخص معوقات تواجه الصيرفة الإسلامية بالجزائر، أشار المصدر إلى جانب فقدان الثقة في البنوك عموما والتي يستلزم استرجاعها (في الصيرفة الإسلامية) كفاءات شرعية مختصة:” المعاملات الإسلامية تحتاج إلى مختصين يفقهون في تكنولوجيا المالية، ولهم أبحاث علمية سابقة في مجال الصيرفة الإسلامية، حبث لو يعاد النظر في بعض النقاط التي تخص هذا الجانب..”
ومن منظور سليمان ناصر، تطوير الصيرفة الإسلامية بالجزائر بحاجة -أيضا- إلى بنوك إسلامية كاملة الصفة:” الجزائر بلد إسلامي، ومثلما قلنا هذه المعاملات الإسلامية تجد قبولا كبيرا لدى الجزائريين مقارنة مع خدمات البنوك التقليدية..”.
وأشار المتحدث إلى حصة الصيرفة الإسلامية التي لا تتجاوز 2 % من السوق المصرفية بـالجزائر، وتابع:” وهذه نسبة ضعيفة جدا، لذلك يجب تعزيز تواجد البنوك الإسلامية”.