بتنصيب المجلس الأعلى لضبط الواردات، ينتظر أن تعرف عمليات الاستيراد توازنا وحوكمة، بحيث لا تعرف السوق الوطنية احتياجا ولا إسرافا في المواد المستوردة، وهذا تنفيذا لرؤية رئيس الجمهورية الذي رافع في عديد المرات لوقف الاستيراد العشوائي مع رفضه أيضا لسياسة الحمائية، يأتي هذا بعد يومين على تنصيب الوزير الأول للمجلس الوطني الاستشاري لترقية الصادرات الذي سيسهر على تحديد وتطوير الصادرات وضبط الإستراتيجية الوطنية في هذا المجال والإشراف على تجسيدها.
يؤكد أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر الدكتور العربي الغويني، في تصريح لـ»الشعب» أن استنطاق أرقام الميزان التجاري الجزائري قبل سنة 2019، يؤكد دون أدنى مجال للشك، أن السلطات العمومية في تلك الحقبة كانت رافعة للشعارات الخاصة بضرورة تنويع الصادرات خارج قطاع المحروقات، لكن الواقع والأرقام تقول غير ذلك، بل تؤكد أن دعم عملية الاستيراد استمر للأسف لسنوات طويلة، وتم خلال العهد البائد وسنوات الفوضى و»نفخ العجلات» عرقلة مساعي تنويع الصادرات.
وظل الحال على ما هو عليه ـ أضاف يقول ـ حتى نهاية سنة 2019 حيث جاءت إرادة الدولة الحقيقية لتنويع اقتصاد الجزائر الجديدة، مع تنويع صادراتها، فكان لزاما، رسم إستراتيجية واضحة المعالم تعتمد على منطلقات حقيقية ودراسات ميدانية تضم كل النواحي والمجالات التي من شأنها توفير المناخ الملائم الذي يمكن من رفع قدرات الجزائر الإنتاجية كما ونوعا، لتلبية الطلب المحلي أولا، ومن بعد الانطلاق في تصدير الفوائض الإنتاجية والخدماتية .
ويضيف الدكتور غويني أن من بين الآليات والأسس التي تؤدي إلى التجسيد الفعلي للهدف المنشود والذي يعتبر من التزامات السيد رئيس الجمهورية، وهو تنويع الصادرات، والذي يعتبر كنتيجة حتمية للتنويع الاقتصادي، تم تشكيل مجلس لضبط الواردات ومجلس استشاري لترقية الصادرات خارج قطاع المحروقات.
ويردف المتحدث أن مجلس ضبط الواردات تم تشكيله بغية إضفاء الشفافية والحوكمة في تسيير ملف الاستيراد، بعد سنوات من الفوضى وغياب الشفافية، كما يمكن من خلال هذا المجلس توفير قاعدة بيانات صحيحة لكل المواد الأولية التي يحتاجها الإنتاج الوطني أو حتى البضائع والخدمات التي تحتاجها السوق الجزائرية، لكن دون إفراط أو تفريط، أي بتطبيق الرشادة والعقلانية في عملية الاستيراد، حتى لا يستنزف احتياطي العملة الصعبة كما كان الحال من قبل.
الاقتصاد الجديد..طموح مشروع وموثوق
أما فيما يخص المجلس الاستشاري لترقية الصادرات، فمهمته كبيرة ـ يوضح الدكتور غويني- قياسا إلى سقف الطموح والتحدي الذي يرفعه السيد رئيس الجمهورية، الذي سبق وصرح أن هدف سنة 2023 هو بلوغ رقم 13 مليار دولار كصادرات خارج المحروقات في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية والواقع الاقتصادي للبلاد قبل 3 سنوات.
وينتظر أن يكون المجلس داعما لمسار وتوجه الدولة الساعي لتنويع صادراتها، وسيكون منبرا حقيقيا لكل المصدرين، حيث سيعرضون كل العراقيل والمشاكل التي تعترضهم في سبيل تصدير منتجاتهم أو خدماتهم، كما سيضفي المنافسة النزيهة بينهم، ويعمل على التوزيع العادل لفرص التصدير، كما سيكون قاعدة للمعلومات ستسهل للشركاء الأجانب التعرف على أهم المنتجات والخدمات الجزائرية.
ويمكن القول ـ حسبه ـ إنه من الآن فصاعدا سيكون صوت المصدر مسموعا ومشاكله محلولة، ولا يمكن إقصاء أو تفضيل طرف على طرف، كما يمكن لهذا المجلس أن يثري المنظومة القانونية المتعلقة، إما بعملية التصدير أو حتى تلك التشريعات التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بعملية تصدير المنتجات والخدمات، كما سيكون نعم الرفيق والمدبر لوزارة التجارة وترقية الصادرات وحتى الهيئات الأخرى التي لها علاقة بعملية التصدير كالجمارك، الضرائب وحتى البنوك.
قدرة على مجابهة الصدمات
من جانبه، يوضح رئيس المركز الجزائري للاستشراف الاقتصادي وتطوير الاستثمار والمقاولاتية أكرم زايدي، في حديث مع «الشعب»، أن تنصيب الآليتين المؤسساتيتين الهامتين اللتين تتعلقان بالتجارة الخارجية، جاء لمرافقة وضبط عملية التصدير والاستيراد، الأمر الذي يندرج ضمن تعزيز الإصلاحات الاقتصادية التي باشرتها الدولة الجزائرية، بهدف التأسيس لاقتصاد دولة قوي قادر على مجابهة الصدمات، وكذا بهدف بناء نموذج اقتصادي جديد أساسه التنوع الاقتصادي وتحريك القطاعات البديلة، والابتعاد عن الارتكاز على مداخيل المحروقات، وكذا الابتعاد عن النموذج الاقتصادي التقليدي الذي كان ريعيا بنسبة كبيرة.
ويضيف المتحدث أن التحكم في الميزان التجاري، يستلزم ضبطا للواردات ورفعا لقيمة الصادرات، وعليه كان لزاما أولا وضع إستراتيجية وطنية للرفع مع الصادرات خارج المحروقات من خلال إشراك مختلف الفاعلين في الملف، لمعالجة الاختلالات الاقتصادية التي تعيق تقدم وتيرة ترقية الصادرات، ويأتي هذا استكمالا لإصلاح الإطار القانوني والمؤسساتي المرتبط بالاستثمار والذي تجسد في شكل قانون الاستثمار الجديد.
هذه الإجراءات الإصلاحية ـ يردف أكرم زايدي- تبعتها أيضا آلية ضابطة للواردات بحسب احتياجات السوق الوطنية والعملية الإنتاجية والصناعية المحلية، تفاديا لتجربة المرحلة السابقة، حيث استوردت الجزائر ما تحتاجه وما لا تحتاجه، وعليه فضبط عملية الواردات سيساهم بطبيعة الحال في رفع قيمة الصادرات وتطهير المجال التجاري والذي يعد أيضا إحدى التزامات رئيس الجمهورية، والمحدد في الالتزام 17 القاضي بتطهير المجال الاقتصادي والتجاري، بهدف أخلقة الحياة الاقتصادية، وهو ما تجسد من خلال عملية غربلة المستوردين، التي أدت إلى بقاء 13 ألف مستورد بعدما كان عددهم يتجاوز 43 ألف.