تميزت خرجات الرئيس تبون الأخيرة التي قادته إلى كل من قطر والصين وتركيا، بكونها تحمل شقا اقتصاديا وسياسيا معروفا بأن الاقتصاد هو التعبير المكثف للسياسة. فالرئيس تبون حرص على أن تتميز خرجاته بتنظيم ملتقيات لرجال الأعمال، سعيا منه لافتكاك شراكات واتفاقيات اقتصادية، خاصة وأن مناخ الاقتصاد في الجزائر يشهد ثورة في الإصلاحات تستهدف في مجملها الاستثمار ورأس المال الأجنبي.
أوضح أستاذ علوم الإعلام والاتصال الدكتور حكيم بوغرارة، أن زيارة رئيس الجمهورية إلى قطر والصين وتركيا، تندرج في سياق دعم الجزائر لاقتصادها، خاصة خارج المحروقات، من خلال البحث عن تمويل للمشاريع العملاقة، مثل إنجاز السكك الحديدية، وبالتالي فالاهتمام بقطر يستهدف توطيد العلاقات مع بلد عربي شقيق ورفع مستويات العلاقات الاقتصادية بالاستثمار أكثر، خاصة في مجال الخدمات، خاصة وأنها أبدت اهتمامها بالسياحة والخدمات الفندقية.
في السياق، أوضح بوغرارة أن قطر، ومن خلال صندوقها السيادي الذي تستثمر به في الخارج، تسعى لافتكاك نسب تمويل محترمة منه حفاظا على احتياطات الصرف وعملا بجلب الشراكات التي تخدم مصالح كلا البلدين.
وأضاف بوغرارة، أن هذا الجانب مهم جدا، فحتى الصينيون يرون في السياحة الجزائرية سوق استثمار واعدة.
وبالعودة إلى دولة قطر، قال أستاذ علوم الإعلام والاتصال، إنه «بالإضافة الى مصنع «بلارة» والمستشفى الجزائري القطري الألماني والكثير من المشاريع في الأفق، وقد تكون قطر مصدر تمويل مهما جدّا، خاصة وأنها أبدت اهتماما أيضا بالجانب الفلاحي.
وأشار محدثنا إلى نقطة مهمّة، هي عامل الاستقرار الذي يميز مناخ الأعمال الجزائري، فقد أدارت قطر بوصلتها للجزائر التي ستكون سلّة غذاء عربية وإفريقية. مضيفا، أن الجزائر تعوّل على جلب التكنولوجيا من البلدان التي كانت محطّ زيارة الرئيس الأخيرة، واستغلال الاتفاقية الاستراتيجية للفلاحة الموقعة مع روسيا في الأشهر القليلة الماضية، وبالتالي فالزيارة الى قطر كانت مهمّة جدّا.
من جانب آخر، أوضح بوغرارة أن زيارة الرئيس عبد المجيد تبون للصين كانت بأبعاد اقتصادية محض، فالزيارة جاءت في وقت مهم جدّا، خاصة وأن الجزائر تسعى إلى دعم ملفها للانضمام لمجموعة «بريكس» ومنظمة شنغهاي للتعاون، فالجانب الاقتصادي خارج المحروقات مهم جدا.
وأضاف المتحدث قائلا: «أعتقد أن قيمة الاتفاقات بين الصين والجزائر التي بلغت 36 مليار دولار، هي لإعطاء دفع للاقتصاد الجزائري خارج المحروقات، وتقديم أوراق مهمة لدعم انضمامها لمجموعة «بريكس»، والدعم السياسي من الصين ومن روسيا وجنوب إفريقيا كبير والبرازيل، إلا أن الشق الاقتصادي يجب أن تتوفر فيه عوامل موضوعية وعوامل ملموسة. فالجزائر والصين ترغبان في تجسيد المشاريع المشتركة بينهما، خاصة «غارا جبيلات» المتعلق بالتعدين والصلب، و»جبل الهدبة» بتبسة، المتعلق بالفوسفات وإنجاز الأسمدة الآزوتية؛ استثمارات يمكن أن ترفع الاستثمارات في الجزائر خارج المحروقات إلى نحو 25 مليار دولار في غضون 2027 وهي أوراق استشرافية لتعزيز طلب الجزائر للانضمام للمنظمات السالف ذكرها.
وذكر محدثنا، أن المهم في زيارة الرئيس تبون إلى الصين هو البحث عن شراكات، لأن الشراكات في المجال الاقتصادي تسمح برفع مستويات الصناعة وبعدها يمكن تصدير الكثير من المنتجات المصنعة بالجزائر باسم الجزائر في حال كانت نسبة الإدماج مرتفعة، وهذا ما تعمل الجزائر على بلوغه.
من جهة أخرى، يرى بوغرارة أن الجزائر اكتسبت مزايا في السوق الصينية، بعد أن تعهدت الصين بتسهيل مرور المنتجات الجزائرية، خاصة الفلاحية، الى السوق الصينية، وهو ما سيجلب عائدات مهمة بالعملة الصعبة ويمكن الفلاحين من إيجاد فضاءات للتسويق وتطوير الإنتاج وتوظيف اليد العاملة واستغلال الأراضي الزراعية بشكل أكثر فعالية.
فيما يخص زيارة تركيا، أشار محدثنا إلى أن ذلك ما تحاول الجزائر استغلاله بعقد شراكات مع تركيا وتوسيعها والانتقال بالمبادلات التجارية من 5 ملايير دولار إلى 10 ملايير دولار في الأمد القريب، وكذا رفع الاستثمارات التركية التي تتجاوز حاليا 6 ملايير دولار ويمكن أن تصل إلى 15 مليار دولار.
وذكر المتحدث، بأن تركيا قطعت خطوات كبيرة في الاستثمار خارج المحروقات في النسيج في الصناعات الغذائية والالكترونية وما تعلق بالذكاء الاصطناعي، ما يعني أن الفرصة مهمة للجزائر لنقل استثمارات تركيا إلى الجزائر. كما أن الزيارة كانت فرصة لتبادل الآراء حول ما تعلق بالقضايا التي تميز الساحة الإقليمية وملفات مكافحة الإرهاب ومعالجة القضايا بهيئة الأمم المتحدة، خاصة فيما تعلق بالصحراء الغربية وفلسطين.