ثمن خبراء اقتصاديون ومختصون، ما جاء في تصريح رئيس الجمهورية حول التسريع في فتح المناطق التجارية الحرة على مستوى عدد من الولايات الحدودية، بالنظر الى الدور الفعال الذي تلعبه في تعزيز النمو الاقتصادي ودفع الصادرات خارج المحروقات.
أبرز الخبراء أهمية ترقية هذا النوع من المناطق لأجل تحفيز الإنتاج الوطني، مؤكدين أن وزارة التجارة، منذ تنصيب أول وزارة في عهد الرئيس تبون، كان من بين أولوياتها تنظيم ومرافقة المصدرين.
المناطق الحرة جاذبة الاستثمارات
أشار الخبير الاقتصادي ورئيس المنظمة الوطنية للتنمية الاقتصادية روبعي نصر الدين منير في تصريح لـ«الشعب”، إلى الأهمية القصوى التي يوليها رئيس الجمهورية لهذا الموضوع وللمتعاملين الاقتصاديين المصدرين، وهذا من خلال أمرية تنصيب المجلس الأعلى للمصدرين، مؤكدا أن صادرات الجزائر خارج المحروقات سترتفع من 07 ملايير دولار إلى 13 مليار دولار نهاية السنة.
وتوقف الخبير عند تصريح وزير التجارة الذي قدم عرضا حول التقدم المحرز في الملف المتعلق بإنشاء المناطق الحرة، المكرسة بموجب القانون رقم 22 ـ 15 المؤرخ في 20 جويلية 2022 الذي يحدد القواعد المنظمة للمناطق الحرة”، وجاء القرار تماشيا مع قرارات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون منذ تنصيب أول حكومة، حيث عملت وزارة التجارة وترقية الصادرات على إصدار منظومة قانونية تعمل على حماية ومرافقة المصدرين.
وذكّر الخبير روبعي بتوقع التقرير الأخير للبنك الدولي حول الجزائر، تحقيق الحساب الجاري فائضا قدره 5.7 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي، بعد ما تم تسجيل عجز نسبته 2.9 بالمائة في 2021، وعلى الرغم من نقص الاستثمارات المحلية وسياسات الاستيراد الأكثر صرامة، ارتفعت الواردات السلعية بنسبة 7.4 بالمائة في عام 2022، في أعقاب الزيادة في الأسعار العالمية للسلع، علما أن مؤشرات البنك الدولي لم تكن إيجابية في السابق.
ومند توقيع الجزائر على اتفاق منطقة التجارة الحرة الإفريقية – يقول الخبير- خلال أشغال القمة الاستثنائية للاتحاد الإفريقي بكيغالي العاصمة الرواندية سنة 2018، فيما صادقت بصفة رسمية على الاتفاق ذاته في 2021، بدأت في تجسيد مشاريع هامة في المناطق الإفريقية من أجل نجاح التبادل التجاري مع هذه الدول، وتحقيق الأهداف المسطرة، وتمثلت أولى خطواتها في فتح معابر برية حدودية لتسهيل التجارة، تعزيز تجارة المقايضة، وتشغيل خط بحري تجاري مع موريتانيا، وإعادة فتح خطوط جوية مع بلدان إفريقية بعد جائحة كورونا.
سوق واعدة
اعتبر رئيس منظمة التنمية الاقتصادية، منطقة التجارة الحرة الإفريقية، سوقا واعدة بضمها 1.2 مليار نسمة، وناتج محلي إجمالي يعادل 2500 مليار دولار، ما يجعل منها فضاء مهما لأي دولة إفريقية تبحث عن تعزيز تواجدها الاقتصادي في ربوع القارة، حيث تعتبر مناطق التجارة الحرة، واحدة أو أكثر من المناطق الخاصة بالبلد يتم فيها تقليل المعوقات التجارية المفروضة على حركة التجارية، مثل رسوم المرور، وتهدف هذه التجارة إلى تشجيع الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية الحرة، وهي ذات كثافة عمالية عالية وتشمل كل نشاطات استيراد المواد الخام والعناصر المكونة وتصدير المنتجات المصنعة.
وستشهد هاته المناطق حركية عالية على مستوى برج باجي مختار وتيمياوين نحو مالي، عين قزام نحو النيجر، وموريتانيا عبر منطقة الحرة تندوف، على نحو سيُبرز جودة المنتجات الوطنية، ويتيح لها اقتحام أسواق دول الساحل ومختلف الدول الإفريقية لاحقًا.
إطار قانوني مشجع للاستثمارات
ولا يفوتنا أن قانون الاستثمار الجديد، وفر إطارا قانونيا يسمح للمستثمرين الوطنيين والأجانب بالاستفادة من الضمانات اللازمة لاستثماراتهم في الجنوب، حيث يشجع على صناعة الثروة واستحداث مناصب الشغل، وتثمين مختلف المقومات الفلاحية والسياحية والمعدنية والصناعية، ويسعى رئيس الجمهورية إلى تعزيز التنمية من خلال تشجيع المقاولاتية والاستثمار، وخلق بيئة استثمار حقيقية.
وحددت خلال مشاركة المنظمة في فعاليات الملتقى المنظم من طرف المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول التوجهات لإستراتيجية وآفاق تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، المحاور الإستراتيجية الرئيسية المتاحة أمام الجزائر في سياق منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، من خلال تقييم المخاطر والفرص وعوامل النجاح الأساسية والمزايا الهامة التي تتمتع بها الجزائر.
ونعمل كشركاء اقتصاديين – يضيف المتحدث – على إنجاح المناطق الحرة، وقد ساهمنا مع مكاتبنا بالولايات الحدودية المعنية، في تطوير تجارة المقايضة بالتعاون مع السلطات المحلية وإنشاء استثمارات بهذه المناطق، سواء من المستثمرين المحليين، أو من باقي المناطق، خاصة في المجال الفلاحي والصناعي، بالإضافة الى عقد عدة لقاءات مع البعثات الدبلوماسية لأغلبية الدول الإفريقية، ولقد استقبلنا وفودا من رجال الأعمال والغرف التجارية، وبرأيه، فإن بلوغ 13 مليار دولار صادرات خارج المحروقات نهاية السنة، إنجاز كبير يحسب لرئيس الجمهورية ونطلب من كل الفاعلين الاقتصاديين المشاركة بفعالية وإيجابية من أجل استمرارية نمو اقتصاد بلادنا.
نموذج ناجح
قال الخبير الاقتصادي بوشيخي بوخوص، إن المناطق الحرة في الاستثمار، نظام معمول به في عدة دول، خاصة في جنوب شرق آسيا والصين، وهي توفر محفزات الإنتاج والإنتاجية، والإعفاءات الضريبية من أجل إقناع كبريات الشركات العالمية للإنتاج ببناء المصانع الكبرى.
وأوضح محدثنا أنه تم تقديم دراسات للحكومة تخص إنشاء المناطق الحرة في الجزائر، سواء للإنتاج العالمي أو للتخزين بحكم الموقع الجغرافي الاستراتيجي لبلدنا، وقربه من القارات الثلاثة إفريقيا، اوروبا وآسيا، مشيرا الى أمر رئيس الجمهورية للحكومة بالإسراع في معالجة هذا الملف، خاصة بعد نجاح تجربة المستثمرين الأتراك في مجال صناعة الحديد، وصناعة النسيج، فالحديد المنتج بالجزائر – على سبيل المثال – يعتبر الأقل سعرا في العالم، إضافة إلى توفر المواد الأولية، اليد العاملة، الطاقة، المساحات الشاسعة والعقار، جعلت مصنع الحديد التركي بوهران يضاعف حجم الإنتاج 5 مرات من مائتي ألف طن الى مليون طن، في أقل من ثلاث سنوات، وأشار أيضا إلى أن مصنع النسيج التركي بغليزان، يصدر منتجاته للعالم كله، وأصبح ينافس حتى العلامات العالمية ودول جنوب شرق آسيا، ومثله مشروع الفوسفات في تبسة الذي منح الريادة للجزائر في هذا المجال، إضافة إلى انطلاق مشروع واعد في بشار وتندوف، يمثل استثمارا كبيرا يبلغ حوالي7 ملايير دولار في مجال الحديد والصلب، وهكذا يمكن بكل سهولة الوصول إلى رقم 18 مليار دولار صادرات خارج المحروقات، ومنه تحقق الجزائر معدل النمو برقمين، مما يسمح لها بالدخول إلى “بريكس”، وزيادة الإنتاج المحلي الإجمالي إلى حوالي 300 مليار دولار سنويا.
نحو تحقيق 8 ملايير دولار في قطاع الفلاحة
يعتبر القطاع الفلاحي من بين القطاعات الإستراتيجية في تحقيق التنمية الاقتصادية، لما يتوفر عليه من إمكانات طبيعية وبشرية تسمح بتوفير مختلف المنتجات الغذائية والمدخلات الوسيطة للعديد من الصناعات التحويلية، بالإضافة الى زيادة الناتج المحلي الخام، وتحسين مستوى المعيشي للسكان.
وأشار الخبير الى إمكانية مفتوحة أمام قطاع الفلاحة من أجل تحقيق رقم 5 إلى 8 ملايير دولار، في حين القطاع الصناعي الجزائري يمكن ان يحقق في ميدان الاسمنت والحديد 4 الى 6 ملايير دولار، بينما يمكن الوصول في المنتجات الصناعية والأدوية إلى 4 ملايير دولار، وفي مجال المواد الطبيعية والأتربة النادرة والهيدروجين الأخضر، يمكن أن تبلغ الصادرات الرقم المتبقي أي 4 ملايير دولار سنويا.
ولتحقيق صادرات 18 مليار دولار خارج النفط، يقترح الخبير بعث نظام الشركات الوطنية الذي أثبت فعاليته في الإنتاج والإنتاجية والتوظيف واستيعاب خريجي الجامعات، كما أشار إلى أهمية قطاع السياحة في تحقيق مداخيل مهمة، كونه يحتكم على شريط ساحلي يقدر بـ 1.600 كلم، ناهيك عن السياحة الحموية والداخلية والصحراء الشاسعة ومنطقة الأهقار المشهور عالميا والتي يمكن من خلالها أن تحقق الدولة تحقق على أقل 3 ملايير دولار.
وأشار الخبير في الختام الى إمكانية توطين هذه القطاعات في المناطق الحرة، خاصة وأن قانون الاستثمار يشجع على الانفتاح، وقد أشاد به كل الخبراء الاقتصاديين لما يساهم في تشجيع الاستثمار، والأهم أن الجزائر تملك المادة الرمادية حيث يوجد أكثر من 8 ملايين عامل مؤهل بإمكانه المساهمة في تطوير وتنمية الاقتصاد الوطني.