تعمل السلطات العليا، من خلال مشروع قانون الصفقات العمومية الجديدة، على وضع رؤية تجديدية لطرق منح الصفقات العمومية، من خلال قواعد وأطر جديدة في منح الصفقات العمومية تحقق النزاهة والشفافية وتحد من الفساد والتلاعب بالمال العام وكل أشكال التسيب والانتهازية والمماطلة.
جرى استحداث مجلس وطني للصفقات العمومية بصلاحيات واسعة، كما تم إلغاء منح الصفقات بالتراضي وتعويضها بالاستشارة بدون منافسة وفي حالات محدودة جدا، كما فرضت على الموظفين والمتعاملين التحلي بالنزاهة عمليا ورقمنة إجراءات الصفقات العمومية. ويهدف مشروع القانون، الذي تحصلت “الشعب” على نسخة منه، على مواكبة التحول الاقتصادي الجديد، وتسهيل عمل المؤسسات الاقتصادية والعمومية والخاصة.
يقول البروفيسور فارس هباش أستاذ الاقتصاد بجامعة سطيف، إن المتتبع لمسار الصفقات العمومية في الجزائر في السنوات الماضية، يلاحظ مدى الاختلال والفجوات الكبيرة التي واكبت قانون الصفقات العمومية، مما انجر عنه عديد المتابعات القضائية، سواءً بالنسبة للمسؤولين وممثلي الجماعات المحلية والولائية، أو بالنسبة للمتعاملين الاقتصاديين من مؤسسات صغيرة ومتوسطة ومؤسسات كبرى ومقاولات.. إلخ.
وحسب هباش، فإنه في ظل كل هذه المعطيات والرهانات التي يطمح الاقتصاد الجزائري إلى تحقيقها، من خلال الرشادة والعقلانية والحوكمة في إدارة كل ما يتعلق بالموارد المالية للدولة واستغلالها الاستغلال الأمثل من أجل بناء اقتصاد منتج وتنافسي وإنتاج الثروة وفق مبدإ العدالة والشفافية بين جميع الأطراف والمتعاملين، تسعى السلطات العليا في البلاد إلى تفعيل مشروع قانون جديد للصفقات العمومية يرتكز على مبدإ النجاعة المالية وتكريسا للشفافية في إطار متطلبات النموذج الاقتصادي الجديد الذي تسعى الدولة الى تحقيقه من جهة، وكذا محاولة تجنب كل الاختلالات والثغرات وما انجر عليها من فساد وهدر مالي كبير في القانون القديم.
وعليه فإن المشروع الجديد للصفقات العمومية، الذي تم عرضه في اجتماع الحكومة وعلى مجلس الوزراء من قبل وزير المالية، تضمن عديد الإصلاحات التي تكرس لشفافية أكبر ورشادة وعقلانية في استغلال الموارد المالية العمومية من جهة، ونوعية الصفقات المنجزة من جهة أخرى.
ومن بين الإصلاحات التي جاء بها هذا المشروع – يضيف ذات المتحدث – التخلي عن المعاملات أو الصفقات بالتراضي واستبداله بتوجه جديد قائم على أساس الاستشارة في حالات وفق معايير ومتطلبات خاصة، على أن تمر هذه الاستشارة على المجلس الوطني للصفقات العمومية الذي سوف يتم استحداثه بموجب هذا المشروع الجديد.
بالمقابل، قال البروفيسور هباش فارس إنه وفي إطار تكريس مبدإ الشفافية والعدالة بين جميع المتعاملين، قامت السلطات المختصة بإطلاق بوابة رقمية خاصة للصفقات العمومية تمكن من متابعة جميع الطلبات بكل شفافية، مما سيقضي على الكثير من التلاعبات التي كانت في السابق، خاصة أن النظام الجديد لإدارة الصفقات العمومية يرتكز ويشجع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وكذا المؤسسات الناشئة في إطار تشجيع وتطوير المنتج المحلي وهذا وفق مبدإ العدالة والمساواة بين الجميع، خاصة في ظل استحداث مدونة للأخلاقيات والسلوك المهني من قبل الوزير المكلف بالمالية موجهة للأعوان والموظفين العموميين المتدخلين في الصفقة من جهة، وإلزامية إبرام المتعامل الاقتصادي لميثاق النزاهة من جهة أخرى، مما سيساهم بشكل جلي في التقليل والقضاء على الحالات التي يشوبها الفساد والتي عادة ما تكون المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عرضة لها.
ووفق ما جاء كذلك من إصلاحات في هذا المشروع الجديد، فإن تحديد الاحتياجات يجب أن يكون وفق مقاربة اقتصادية حقيقية تستند لأسس ودراسات الجدوى والنجاعة الاقتصادية، مع مراعاة مبادئ ومتطلبات التنمية المستدامة بعيدا عن المشاريع الوهمية غير المنتجة أو المشاريع والصفقات التي لا تراعي الحاجات والمتطلبات الحقيقية للمشتري العمومي.
وعليه، يؤكد هباش أنه وفي هذا الإطار يجب أن تكون هناك استراتيجية واضحة وخارطة طريق معلومة لإرساء آليات وبرامج علمية فعالة لتدريب وتحيين دوري لمختلف المعارف والخبرات لكافة الموظفين والإطارات المتدخلين في العملية، لأنهم يعتبرون المصدر والعامل الرئيس في خلق وتوجيه وإدارة هذه الصفقات وفق معالم الإستراتيجية الوطنية الرامية إلى خلق اقتصاد منتج وتنافسي، كما سبقت الإشارة إليه.
ويضيف ذات المتحدث، ما جاء به المشروع الجديد كذلك، هو أن الصفقات العمومية المبرمة لن تكون نهائية إلا بمصادقة المسؤول الأول عن الهيئة العمومية مثل الوزير، أو الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي أو مدير المؤسسة العمومية..الخ وهذا ماجاء به نص المادة رقم 10 من مشروع القانون. ومن أجل مرونة وفعالية أكبر في تسيير فترات الأزمات التي يصعب التنبؤ بها، خاصة في حالات عدم التأكد من مثل ما حصل في أزمة كوفيد-19، فإن مشروع القانون الجديد يعطي للمسؤول الحق في تنفيذ الخدمات قبل إبرام الصفقة العمومية وذلك بموجب قرار مفصل ومفسر يعد من قبل مسؤول الهيئة العمومية، هذا ما من شأنه أن يعطي الإمكانية للتدخل في الوقت المناسب لتسيير أمثل لحالات الأزمات ومواجهة أي انقطاعات ممكنة، على أن يتم إبرام الصفقة في آجال أقصاها ستة أشهر ابتداء من تاريخ التنفيذ.
وفي إطار إضفاء الشفافية التي يركز عليها هذا المشروع الجديد، فإن الهيئات العمومية التي أبرمت الصفقات العمومية، ملزمة بالإشهار عن الصفقة في وسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية المعتمدة.
ويشير البروفيسور فارس هباش، إلى أن مشروع القانون الجديد للصفقات العمومية يحمل في طياته الكثير من النقاط المنيرة التي من شأنها أن تضيء العديد من الزوايا المظلمة التي اكتنفت القانون القديم ومن ثم الانطلاق نحو الاندماج في الإستراتيجية الوطنية الرامية لخلق اقتصاد منتج وتنافسي تعطى فيه الفرصة للجميع للمساهمة وفق مبدإ الشفافية من جهة، والجودة والنوعيه في العرض من جهة أخرى، مع ترشيد أمثل في استغلال وإدارة المقدرات المالية للدولة، خاصة أن هذا القانون الجديد الذي سيرى النور بعد المصادقة عليه من قبل البرلمان بغرفتيه سترافقه مجموعة قوانين مثل قانون البلدية والمجالس المحلية المنتخبة والهيئات العمومية التنفيذية وهذا ما من شأنه أن يعطي فعالية ومرونة أكبر لهذا القانون وفق التصورات والتطلعات التي يرمي إليها المسؤولون في إطار تجسيد التوجه الاقتصادي الجديد وفق المعالم التي أسداها السيد رئيس الجمهورية، خاصة وأن النتائج الميدانية الايجابية التي تحققت لحد الآن على أرض الواقع أثبتت مدى نجاعة وكفاءة هذا التصور والتوجه الجديد للاقتصاد الجزائري.