تمتلك القارة السمراء آفاقا واسعة لتنشيط التبادل التجاري، وتشجيع المنظومة الإنتاجية، والاستغلال أمثل للثروات الباطنية وللموارد البشرية، غير أن قوتها تظل مرتبطة بتكتل دولها – في عالم لا يترك فرصة إلا للمجموعات القويّة.
هذا يبدأ من تعزيز التعاون التجاري و تفعيل التكامل الاقتصادي، فالقارة بدأت تنهض وتسير بخطى متسارعة نحو التّطور، والجزائر ظلت على الدّوام إفريقية الروح، قريبة من جميع الأفارقة، يشهد بهذا انفتاحها تجاريا واقتصاديا على جميع دول القارة، وحرصها على توجيه اهتمامها في المبادلات التجارية والاستثمارات الاقتصادية صوب إفريقيا، ما سينعكس على جميع دولها بالتنمية والاستقرار، وهذا ما يهتم به الأفارقة، ولعل من بين العوامل الأساسية للنجاح، تنشيط التجارة البينية وتفعيلها. ولقد ذكر مجموعة من الخبراء والمتعاملين الاقتصاديين أن هذا يكفله الانتماء الإفريقي؛ خاصة وأن العالم اليوم يتغير، وحتى ميدان الاقتصاد العالمي، لم يعد يستوعب من يأتيه منفردا..فما هي آفاق مستقبل التبادل البيني بين دول القارة السمراء؟
الانتماء الإفريقي.. دافع التعاون البيني
يرى البروفيسور فريد كورتل الخبير الاقتصادي، أن آفاق التجارة البينية للدول الإفريقية، صارت أحسن بكثير من الماضي، بفضل العديد من المؤشرات، ووصفها الخبير بـ “الآفاق الواعدة”، ويرى هذه التجارة الواعدة نوعين، شق المقايضة الذي يربط التجارة عبر ولايات الجنوب مثل تندوف وأدرار وتمنراست وغيرها، بكل من موريتانيا والنيجر ومالي، وهذه التجارة مدعمة بنصوص قانونية من طرف وزارة التجارة التي شجعت هذا النوع الأعمال، لأن له الأثر الكبير على سكان الجنوب، وفي النوع الثاني، ذكر كورتل التجارة التقليدية التي تكون قائمة على أساس التعامل بالدولار مع مختلف الدول الإفريقية وخاصة مع موريتانيا خلال هذه السنة، علما أنّ الصادرات الجزائرية نحو موريتانيا قاربت 189 مليون دولار، بعد أن كانت في الماضي لا تتجاوز 60 مليون دولار.
واعتبر الخبير أنّه في الوقت الحالي، بات يسجل نشاطا تجاريا كثيفا مع دول الجوار، أي على امتداد العمق الإفريقي، وعلى سبيل المثال، ذكر كلا من السنغال ودول غرب إفريقيا، خاصة أنّ هذه التجارة مرشّحة اليوم للانتعاش وازدياد حجمها بصورة كبيرة، بعد دخول اتفاقية التبادل الحر الإفريقية حيز السريان، مشيرا إلى أن الجزائر – في الوقت الراهن – تتجه نحو السوق الإفريقية، فهي السوق الواعدة، والتجربة التي خاضتها الجزائر مع دول الجوار، أسفرت عن نتائج جد إيجابية في مجال التجارة البينية، وهذا ما يشجّع على الدخول إلى عمق الأسواق الإفريقية الأخرى، من خلال فتح فروع للبنوك لتسهيل التعاملات التجارية بين الطرفين، كالبنك الوطني الجزائري والبنك الوطني الخارجي اللذين سيتواجدان بفروعهما في موريتانيا والسنغال كمرحلة لتسهيل المبادلات التجارية ما بين الجزائر والدول الإفريقية. ولا يخفى أن المساعي مستمرة – يقول كورتل – وحتى في توجهات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، فإن الدخول لأسواق الدول الإفريقية بات حتمية وأولوية، للتموقع بالمكانة الطبيعية، ممّا يسمح بتنشيط الصادرات تجاه الدول الإفريقية، ذلك أن دول القارة السمراء بحاجة للجزائر، والجزائر بدورها في حاجة إلى الدول الإفريقية، وهذا ما تركز عليه الجزائر بصورة واضحة من خلال الاتحاد الإفريقي واتفاقيات التجارة الحرة.
ويعتقد البرويفسور كورتل أن أول عامل أساسي للتنشيط وتفعيل التجارة البينية، يتمثل في الإتحاد والانتماء الإفريقي، لأن العالم اليوم يتغير وحتى اللعبة الاقتصادية في العالم لم تعد كما كانت سابقا، ما يعني أن التوجه نحو تكتلات جديدة في العالم، خاصة التكتلات الاقتصادية، بات ضرورة، على خلفية أن الاقتصاد يعد أساس كل شيء، وبالتالي، فإن الانتماء الإفريقي من خلال الاتحاد الإفريقي، يعد أكبر عامل يشجع على التعاون البيني بين الدول الإفريقية وتنمية التجارة البينية الإفريقية، يضاف إلى ذلك ترابط الدول الإفريقية فيما بينها والحدود التي تجمعها، بعكس القارات الأخرى، وهذا يشجع على النمو والتبادل بين هذه الدول، فالهدف واحد، ويتمثل في النهوض بإفريقيا وباقتصاديات دولها.
الدكتور حسين حسن: الرهان على سلاسل القيمة والتعاون
الخبير المصري حسين حسن حسين، المكلف سابقا بالصناعة والموارد المعدنية على مستوى مفوضية الإتحاد الإفريقي بأديس أبابا، قال إن إفريقيا قارة يطلق عليها اسم “أرض الفرص”، لأن مجالات الاستثمار بها متعددة ومتنوعة وكبيرة، بها تنوع كبير في الموارد الطبيعية والبشرية وفرص متنوعة للاستثمار، بينما لا تتعدى التجارة البينية في إفريقيا نسبة 15 بالمائة من إجمالي تجارة إفريقيا مع العالم، في حين، التجارة البينية غير الرسمية في إفريقيا توازي تقريبا نفس النسبة أي 15 بالمائة، أي غير مرصودة، وبحساب التجارة البينية الرسمية وغير الرسمية في القارة الإفريقية ستقترب من حدود 30 بالمائة.
وأكّد حسين حسن، أنّ هناك تحديات كبيرة للتجارة في إفريقيا، ومن أهمها – حسب اعتقاده – تشابه الهياكل الإنتاجية وتشابه منتجات هذه الدول، وعلى سبيل المثال، معظم الدول الإفريقية تنتج المواد الخام وتصدرها إلى الخارج، أي مثل المواد المعدنية والمنتجات الزراعية وتصدرها بنسبة كبيرة جدا، كما هي ومن دون تصنيعها، وأوضح الدكتور أن هناك انتعاش كبير في الجزائر من فترة، وتوجه واضح نحو التصنيع، وهذا مفتاح هام لتنشيط وتفعيل التجارة الإفريقية، وتفعيل فوائد هذه التجارة البينية، فليس ينفع كثيرا تصدير المواد الخام، ومعظم الدول تتجه صادراتها إلى خارج القارة، ويتم عمل التصنيع اللازم على هذه المواد الخام ويعاد استيرادها بأسعار مضاعفة، وهذا ليس في صالح اقتصاد أي دولة في العالم. فنحن عندما نصدر المواد الخام، إنما نصدر معها فرص عمل شبابنا، وهكذا لا نخسر مواردنا الخام فقط، بل نخسر فرص العمل، وهذا ما يؤدي إلى البطالة، وقال الخبير إن تفادي هذا يعد مفتاحا للقضاء على الفقر والمشاكل الاجتماعية الأخرى.
ويعتقد الخبير المصري أن مفتاح إنعاش التجارة والرفع من عائداتها يكمن في التنوع الاقتصادي والهياكل الاقتصادية والاتجاه نحو التصنيع، إلى جانب تعاون الدول فيما بينها ومشاركتها مع بعضها البعض، أو فيما يعرف بسلاسل القيمة المضافة، أي مجموعة من الدول تتعاون وتنتج منتجا واحد، وكل دولة تنتج بما يتناسب مع المزايا النسبية لإنتاج جزء من المنتج بأقل تكلفة وأعلى عائد، وبجودة عالية، فالعالم كله يعمل بهذا المنطق، أي سلاسل القيمة والتعاون مع دول الجوار.
وأوضح الخبير نفسه أنّ الجزائر مهتمة بتقوية التعاون والتبادل، وتشهد نهضة كبيرة في هذا المجال، وفي عدة مجالات، أي في التصنيع الزراعي وصناعة الأدوية والصناعات البترولية، مبرزا تمنياته أن يستمر هذا الزخم والروح العالي كي يأتي بمردوده، كما أنه وقف عند الانفتاح الكبير بين الجزائر دول الجوار، وكذا دول القارة الإفريقية بشكل عام، في مجال البنى التحتية وربط الجزائر بمختلف دول إفريقيا خاصة بغرب ووسط إفريقيا، بحكم الموقع الجغرافي الفريد للجزائر.
وبخصوص مستقبل التعاون البيني وتوسيع نطاق التجارة والتبادل، قال المكلف بالصناعة والموارد المعدنية بمفوضية الإتحاد الإفريقي بأديس ابابا سابقا، أن منطقة التجارة الحرة الإفريقية التي تم إطلاقها وتفعيلها عام 2019، كانت بمثابة أرضية مشتركة للدول الإفريقية، يتم فيها التنسيق والتعاون وتفعيل نظم التجارة الفعالة، على أساس الربح المشترك والاحترام المتبادل، وتنسيق كل ما يتعلق بشؤون التجارة، بما في ذلك مسألة الجمارك والعوائق الجمركية وحتى الأمور غير الجمركية، في حين، فإن المعايير والجودة وكل ما يرتبط بها من المسائل تم الاتفاق عليها والتنسيق بشأنها بين الدول، وكذا البنى التحتية والطاقة، كونها مستلزمات لدفق التجارة بين الدول الإفريقية وتفعيلها وتوسيعها، والأهم من كل هذا تنويع اقتصادياتنا، وتصنيع المواد الأولية التي ننتجها كدول إفريقية.
مدير “إيكوراب”: الحرص على تشجيع الشّاكـة جنوب- جنوب
كشف حميد بن دراجي، رئيس مدير عام مؤسسة بناء وإصلاح السفن “إيكوراب”، كمؤسسة عمومية وطنية تنشط في بناء وإصلاح السفن بخبرة وتجربة تمكنها من صنع السفن الفولاذية بالألمنيوم وبالألياف الزجاجية والخشب، أن مؤسسته متحمّسة للانفتاح على الأسواق الإفريقية وربط علاقات مع دول إفريقية والتواجد في قلب هذه القارة، ليس فقط لتصدير المنتوج، بل التواجد في الدول الشريكة كمؤسسة مستثمرة تنتج على مستوى بعض البلدان الإفريقية على غرار موريتانيا والسينغال وليبيا وتونس ودول غرب إفريقيا، لأنّ الشركة منفتحة، كونها تمتلك إمكانات هائلة بمدينة بوهارون تسمح بصناعة السفن
وتحدّث بن دراجي عن تثمينه للعلاقات السياسية والاقتصادية الجيدة التي تربط الجزائر بالدول الإفريقية، وهذا ما يسهل التواجد بالدول الإفريقية كشريك اقتصادي، لأن العلاقات السياسية الجيدة يجب أن تستكمل بالتعاون الاقتصادي، وفي نفس الوقت، نعمل على تطوير إمكانات الشركة والرفع من قدرات الاستثمار بهذه الدول الإفريقية لتشجيع الشراكة جنوب – جنوب.
ولم يخف الرئيس المدير العام لشركة “إيكوراب”، أن مؤسّسته تبحث عن فرص تبادل المعلومات، ورصد وتقصي الأسواق ومعرفة احتياجاتها، حتى يرى التبادل التجاري البيني النور، ثم يأتي دور البنوك وشركات التأمين، إضافة إلى دور الدبلوماسية الاقتصادية بين الدول الإفريقية، وهذا ما تحدث عنه رئيس الجمهورية، وفي ظل تحولات التجارة العالمية الكبرى، نجد أن القارة الإفريقية لها كل الإمكانات لتكون صانعة للثروة، وكون الاقتصاد الإفريقي سيتطوّر، لهذا أكّد بن دراجي قائلا: يجب أن تكون الجزائر سبّاقة ورائدة.
متعامل اقتصادي ليبي: التّبادل التّجاري الإفريقي.. دون وسطاء
حسين محمد بازينة، مدير الشؤون التجارية بالشركة الليبية للحديد والصلب، وتنتج مجموعة كبيرة من المنتجات الحديدية، من بينها الحديد المقاوم الساخن، تصدر كميات من منتجاتها للجزائر عن طريق وسيط يتمثل في شريك أجنبي، وينتج هذا المصنع العروق والبلاطات وحديد البناء واللفات، ويتم تصدير بعض الأنواع.
دعا بازينة إلى عدم ترك الوسطاء الأجانب غير الأفارقة، ليتدخلوا في التجارة بين الدول، لأن الأجنبي – حسب رأيه – يأخذ الفرق ويستفيد كثيرا، لذا دعا إلى تعاون وتجارة تكون بشكل مباشر بين الدول الإفريقية، عبر تكاتف جهود المؤسسات الإفريقية مع بعضها البعض، وتقوية الثقة بينها، ولم يخف أن شركته تبحث عن أسواق في هيئة تعاون سواء عن طريق التبادل التجاري أو عبر الاستثمار.