يرى الباحث في جامعة تلمسان ومسؤول التكوين في النفايات بالمدرسة الوطنية لمهندسي المدينة التابعة لوزارة الداخلية محمد الأمين زناسي، في الزراعة بالمباني أو ما يعرف بـ«الزراعة العمودية”، أحد الحلول الناجعة لتحقيق مردود وفير، في مساحة أقل ودون استعمال الأسمدة الكيميائية، وهو مشروع واعد قال إنه “يمكن تجسيده في الجزائر على أسطح المباني أو عبر تخصيص مساحات داخلية، ويعطي نتائج مبهرة، إذ تنتج مساحة 200 متر مربع ما تنتجه مساحة 20 هكتارا”، ما يسمح بضمان الغذاء لأكبر عدد من الساكنة، وباستعمال أقل للموارد الطبيعية.
أوضح محمد الأمين زناسي الباحث في جامعة تلمسان، لـ«الشعب” أنه “يمكن تطبيق الفلاحة في المدينة، بعدة طرق من بينها الفلاحة في الأسطح” مشيرا إلى توفر عدة منشآت أسطحها خالية يمكن استغلالها لتنفيذ هذا المشروع.
أما بخصوص الذين يتخوفون من أن تؤثر هذه الفلاحة على الأسطح، فطمأن المتحدث أنها لا تؤثر على المباني لأن هناك طريقة تحمي هذه المنشآت، منها وضع البلاسيتيك، وقنوات تصريف مياه السقي، كما أنه تم وضع دراسات آمنة للقيام بالفلاحة في الأسطح.
وأشار إلى أن الجزائر بإمكانها سن قانون بالفلاحة في العمارات، وهي تجربة أثبتت نجاحها في عدة دول أوروبية ومدن أمريكية، بحيث أصدرت تلك الدول قوانين تشترط تخصيص مساحات خضراء في المباني، وتسلم رخصة البناء إلا بعد الالتزام بتحديد مساحة خضراء ليس في المحيط الخارجي، بل في جزء من المساحة المخصّصة للبناء، وهو ما دفع الكثيرين إلى تخصيصها بالأسطح.
وأوضح زناسي، أنه يمكن تطبيق هذا القانون في الجزائر، فإذا كانت القوانين الخاصة تشترط مساحة محددة للمساحة الخضراء، يمكن التأكد من هذا قبل منح رخص البناء، وبهذا ستتغير النظرة اتجاه هذا المشروع، معددا وجود مشاريع ناجحة مثل مطار سنغفورة الذي هو عبارة عن غابة بأكملها، بها شلالات وحتى طيور، وهي أفكار يمكن تطبيقها على مستوى الولايات والبلديات.
لماذا ينبغي تطبيق هذه الفكرة؟!
يبرر الباحث زناسي، الدوافع لإعتماد هذا النوع من الزراعة في الجزائر، بالحاجة إلى استغلال كل الوسائل لتأمين غذاء السكان المتزايد سنويا، وقال “الجزائر لديها مساحة شاسعة صحيح، ويتم الاتجاه إلى تطوير الزراعة الصحراوية، ولكن لماذا لا نعمل على تطوير الفلاحة الشمالية، خاصة وأن المباني توسعت كثيرا، وهذا يسمح بتطبيق الفلاحة الداخلية، للتجاوب مع الطلب المتزايد للغذاء، وتأمين توفيره بأقل التكاليف”.
وأشار إلى وجود عدة دراسات تتعلق بالفلاحة العمودية، ولكنها لم تطبق في الجزائر بعد، بالرغم من أن امتيازاتها كثيرة، إذ يمكن أن تمنح مساحة 200 متر مربع، نفس المردودية التي تعطيها مساحة 20 هكتارا، وهنا نربح المساحة وتكون زراعة طبيعية بحيث لا تحتاج إلى استعمال المواد الكيميائية”.
ومن بين مميزات الزراعة العمودية-يضيف الباحث- هي قدرتها على إنتاج كم كبير من المحاصيل الزراعية على مساحة صغيرة ومن دون عناء نقل المنتجات مسافات بعيدة لتصل إلى المستهلك، وبالتالي بإمكانها مضاعفة الإنتاج إلى عشرات الأضعاف، كما أن الزراعة العمودية داخل العمارات هي صديقة للبيئة، إذ تتطلب طاقة أقل بكثير مقارنة بنظيرتها التقليدية، بينما تقلل من التلوث المصاحب للعملية الزراعية في الوقت نفسه.
شروط النجاح
ومن أجل تطبيق زراعة المدينة، قال الباحث زناسي “كان لابد البحث عن مصدر المواد الأولية الخاصة بها والعمل على توفيرها، وعلى هذا الأساس قمنا بمشروع مع طلبة الدكتوراه، والمدرسة الوطنية لمهندسي المدينة، والمركز التقني لرمي النفايات بتلمسان، لأن المشروع الوحيد لإنتاج الكومبوست والذي انطلق في 1986 واستمر لمدة عامين توقف، لأن أصحاب المشروع (سويسري) لم يقوموا بدراسة جيدة عن مصدر المادة الأولية، وفي غياب هذه المادة بسبب عدم وجود الفرز الأولي تعرض المصنع للإفلاس بسبب كساد سلعته، واضطر صاحب المصنع لمنحها مجانا، ومع ذلك لم يجد من يأخذها، لأن الكمبوست المصنع كان عبارة عن خليط من الزجاج والبلاستيك والفلاحين رفضوا شراءه.
وأشار زناسي، إلى أن العديد من مشاريع الصناعة الغذائية، فشلت لأنها لم تعتمد على دراسة جدوى، لمدى توفر المادة الأولية.
ويربط الباحث زناسي، نجاح مثل مشاريع الصناعة الغذائية، بتوفر المادة الأولية، سواء منتجات زراعية، أو عضوية قادمة من الفرز الأولي للنفايات، مشيرا إلى أن إعادة تشغيل هذه الصناعة من طرف وزارة البيئة على مستوى ولاية تلمسان، دفع الصناعيين إلى التقرب من الباحثين لإعداد دراسة حول مشروع إنتاج الكمبوست وإعادة بعث هذا النشاط، في بلدية تلمسان الكبرى، التي تضم تلمسان، شتوان، عمورة.
الدراسة تضمنت عملية سبر أراء مع المواطنين للمساعدة على الفرز المنزلي للنفايات، ودراسة أخرى لتحديد مصدر المواد العضوية، التي تطلب من سوق الجملة، الاقامات الجامعية، وتتمثل في بقايا الأكل، الكرتون، مخلفات الحدائق، لأن الكوموسبت من خصائصه أنه يجمع بين البقايا الرطبة، وأخرى جافة، للحصول على إنتاج جيد ونوعي.
من جهة أخرى، سجل زناسي، وجود صعوبة في التعامل مع المياه الناتجة عن النفايات بالجزائر، وهذه المياه تراكمت لسنوات مكونة مخزون من مئات الأمتار المكعبة، وهو ما بات يشكل خطرا على البيئة، لأن هذا النوع من المخلفات سام ويقتل الأخضر واليابس لذلك يمنع القانون رميه منعا باتا في البيئة.
وأضاف أن جميع مراكز الردم، تجمع هذه المياه، ولم تجد لها حل، سوى بردمها، ولكن لو تتساقط الأمطار بغزارة لأحدثت مشاكل جمة بفيضانها.
وذكر الباحث، أن الجزائر سبق وأن اشترت محطات لمعالجة هذه المياه ولكنها مكلفة جدا، وهو ما دفعنا كباحثين يقول “إلى البحث عن صناعة آلة محلية تقوم بالمعالجة بمواد رسكلة بسيطة ومتوفرة لتنقية هذه المياه وتوجيهها للفلاحة أو إعادة استعمالها في قطاعات أخرى”.
وتحدث زناسي، عن تنسيق دائم مع المدرسة الوطنية لمهندسي المدينة، لتحسيس مسؤولي الجماعات المحلية، بأهمية الاستثمار في تحويل النفايات وإنشاء صناعات تحويلية لإنتاج الأسمدة العضوية (كومبوست)، وخلق الثروة، خاصة وأن بلدان عديدة نجحت في هذا المسعى، بالرغم من عدم امتلاكها حجم كبير من النفايات سيما العضوية، لأنها أسهل شيء يمكن استرجاعه وبأقل تكلفة
وسجل زناسي، تنامي اهتمام الباحثين الجامعيين، بهذه الصناعات المفيدة للاقتصاد الوطني، خاصة بعد سنة 2020 حيث تم سن قانون يلزم مخابر البحث بتمويل نفسها، وهو ما دفع المخابر إلى الانفتاح على المؤسسات الاقتصادية، وتقديم منتوج يضمن مداخيل للمخبر، وينعش الاقتصاد الوطني، بحلول متطورة، كما أن المخابر أصبحت بإمكانها وضع قائمة للتكوينات الممكن القيام بها على مستوى الجامعة، ليصبح المخبر مكتب دراسات، وهذا لم يكن معمولا به من قبل.