صدر في العدد 16 من الجريدة الرسمية مرسوم تنفيذي يتضمن إنشاء الوكالة الوطنية لتحلية المياه وتنظيمها وسيرها.
تعتبر الوكالة الجديدة «وسيلة لتنفيذ السياسة الوطنية في مجال تحلية المياه»، حيث يهدف نشاطها الى تدعيم القدرات الوطنية في إنتاج المياه قصد توفير الأمن المائي، حسبما ورد في هذا المرسوم التنفيذي، رقم 23-103، الموقع في 7 مارس الجاري من طرف الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان.
وفي هذا الإطار، تكلف الوكالة بإنجاز واستغلال وضمان صيانة محطات تحلية المياه والمنشآت والمعدات المتعلقة بها، والقيام بجميع الأعمال والعمليات التي تساهم في تحقيق هذا الغرض، فضلا عن القيام بكل الدراسات والتحاليل المتعلقة بتحلية المياه، ووضع المياه المنتجة على مستوى محطات تحلية المياه تحت تصرف الهيئات المكلفة بتوزيع المياه.
كما تساهم الوكالة في إعداد الإستراتيجية الوطنية في مجال تحلية المياه، وتشجيع البحث العلمي والادماج الصناعي لفرع التحلية في إطار انجاز واستغلال محطات التحلية بالتنسيق مع المؤسسات والهيئات المعنية.
وتقوم الوكالة أيضا بمسك معلومات محينة لأحجام المياه المنتجة والسهر على احترام نوعيتها، والسهر على احترام القواعد والمعايير التقنية لتصميم وبناء وتهيئة واستغلال منشات التحلية والمعدات المتعلقة بها.
وتعد هذه الوكالة التي تتخذ من الجزائر العاصمة مقرا لها، والموضوعة تحت وصاية الوزير المكلف بالري، مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي.
وتضمن الوكالة تبعات الخدمة العمومية طبقا لبنود دفتر الشروط الذي ألحق بنص هذا المرسوم، وتستفيد الوكالة من تخصيص أولي تمنحه اياها الدولة ويحدد مبلغه بموجب قرار مشترك بين الوزيرين المكلفين بالمالية والري، حسب النص.
وتتضمن ميزانية الوكالة فيما يخص الايرادات، التخصيص الاولي الممنوح من طرف الدولة، ومداخيل بيع المياه المنتجة على مستوى محطات التحلية، ومداخيل الخدمات المقدمة والمرتبطة بموضوعها، ومكافآت تبعات الخدمة العمومية التي اوكلتها الدولة للوكالة طبقا لبنود دفتر الشروط.
كما تتضمن المساهمات والاعانات المحتملة من طرف الجماعات المحلية والاقتراضات والاعانات المحتملة المقدمة من الهيئات الوطنية والدولية وكل الموارد الاخرى المرتبطة بنشاطاتها.
ورشات تحويل عملاقة لكسب معركة المياه
شكلت تعبئة المياه الشروب للسكان وتوزيعها العادل والمتوازن وتوفيرها للأنشطة الفلاحية والصناعية سيما بفضل مشاريع التحويل الكبرى بين السدود، المعركة الأخرى التي كان من الضروري كسبها غداة استعادة السيادة الوطنية من أجل ضمان الأمن المائي المستدام.
فإضافة إلى بناء السدود عبر مناطق مختلفة من الوطن وانجاز الآبار ومحطات معالجة المياه وتوسيع شبكة المياه الشروب، تم غداة الاستقلال اعتماد استراتيجية تعبئة هذا المورد الحيوي في شكل أنظمة جهوية عبر مشاريع تحويل المياه بين السدود قصد ضمان حصول الجميع على الماء الشروب.
ومنذ ثمانينات القرن الماضي، برزت في الأفق أنظمة التحويل المائي «بني هارون» في شرق البلاد و»مستغانم-أرزيو-وهران» في الغرب ثم عمليات تحويل أخرى ضمن المخطط الوطني لتهيئة الاقليم مما أفضى إلى إعادة هيكلة الحياة الاقتصادية والاجتماعية لعدة مناطق من الوطن ورصد ميزانيات ضخمة وأعداد هائلة من الكفاءات الوطنية في مختلف التخصصات بالإضافة إلى إقامة شراكات على المستوى الدولي.
وقد مكنت الجهود المبذولة بإنجاز ميدانيا حوالي عشر منشئات للتحويلات الكبرى يتم من خلالها تعبئة الملايين من الأمتار المكعبة من المياه وهي جهود كبيرة لاتزال مستمرة ومدعمة اليوم بفضل الالتزام الراسخ لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون بهدف «وضع حد لانقطاع المياه وضمان الاستفادة المتساوية للمواطنين من خدمات المياه المختلفة عبر كامل التراب الوطني».
ضمان تنمية محلية عادلة
وعند اكتمال مشروع سد بني هارون العملاق في ولاية ميلة الذي شرع في انجازه نهاية تسعينيات القرن الماضي وانتهى سنة 2003، كانت الجهود مركزة بالفعل على إطلاق شبكات معقدة وضخمة لتحويل المياه انطلاقا من هذا السد الذي يشكل أكبر منشأة قاعدية خاصة بالري في الجزائر والثانية في إفريقيا بسعة تخزين تقدر ب 1 مليار متر مكعب.
وعليه تم الانطلاق تدريجيا في إيصال المياه إلى خمس ولايات تضاف إلى ولاية ميلة بالموازاة مع الشروع في إنشاء سدود وأنابيب ضخمة ومحطات ضخ تعتبر إحداها واحدة من أكبر محطات الضخ في العالم بقوة 180 ميغاواط تقوم بصرف أكثر من 1،5 مليون متر مكعب يوميا.
ويوفر نظام تحويل المياه لسد بني هارون 500 مليون متر مكعب من المياه/سنويا لقرابة 6 ملايين نسمة في ولايات قسنطينة وأم البواقي وباتنة وخنشلة وجيجل إضافة إلى ميلة اذ يسمح بسقي 42.000 هكتار من الأراضي الفلاحية بكل من تلاغمة وشمورة وعين توتة وتوفانة وأولاد فاضل.
وفي الغرب الجزائري، تجلى الاهتمام بضمان هذا المورد الثمين لسكان ولاية وهران وتلبية الاحتياجات الخاصة بالأنشطة الصناعية لمنطقة أرزيو في ظهور نظام التحويل مستغانم-أرزيو-وهران الذي تحولت الباهية وهران بفضله من ولاية تعاني من نقص في مجال المياه الشروب إلى ولاية لا تتمتع فقط بالاكتفاء الذاتي فحسب بل أيضا بـ «مصدرة» لهذا المورد الحيوي إلى عدة ولايات مجاورة.
ومنذ سنة 2010، يوفر نظام التحويل هذا 155 مليون متر مكعب من المياه/سنويا لولايتي وهران ومستغانم والمنطقة الصناعية لأرزيو وجزء من معسكر وولاية غليزان وعين تيموشنت.
ومن جهة اخرى، يضمن نظام التحويل من شط غربي نحو مناطق تلمسان وسيدي بلعباس والسعيدة والنعامة 60 مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب والموجهة لري أكثر من 1600 هكتار من الأراضي الزراعية، علاوة على تنمية الثروة الحيوانية.
وفي وسط البلاد، تأتي عملية تحويل المياه من سد كدية أسردون بولاية البويرة نحو ولايات تيزي وزو والمسيلة والمدية بالإضافة الى تأمين التموين بالماء الشروب لفائدة الجزائر العاصمة في اطار تعزيز عزم الدولة على كسب معركة المياه.
ويعتبر سد كدية اسردون ثاني أكبر سد على المستوى الوطني، بعد بني هارون، حيث يقع في اعالي معالة بالأخضرية بسعة 640 مليون متر مكعب من المياه، ويحشد أكثر من 170 مليون متر مكعب/سنة.
كما يوفر السد المياه الشروب لقرابة 4 ملايين نسمة ويساعد على تطوير الأنشطة الزراعية والصناعية في عدة ولايات.
وفي الجنوب، لا يعكس المشروع الضخم لنقل المياه من عين صالح إلى تمنراست على مسافة 750 كم الاهتمام الذي تمنحه الدولة لتوفير مياه الشرب الجيدة لتلبية حاجيات المواطنين فحسب، بل يبين كذلك الجهود الدؤوبة للفوز بمعركة المياه.
ويعتبر هذا المشروع أكبر مشروع لتحويل المياه في الجزائر من حيث الحجم، حيث يشمل 48 بئرا ويسمح بنقل 100 الف متر مكعب يوميا من عين صالح إلى تمنراست لتموين مئات الآلاف من سكان هذه المنطقة الواقعة جنوب الجزائر ودعم التنمية المحلية.
كما يضاف إلى أنظمة تحويل المياه هذه نظام التحويل الواقع بالهضاب العليا في سطيف من خلال ممريها الشرقي والغربي اللذين يحشدان على التوالي 313 مليون متر مكعب من المياه و122 مليون متر مكعب شرقا، لتزويد أزيد من مليون نسمة.
وعلاوة على ذلك، يمكن نظام نقل المياه انطلاقا من سد تاكسبت من تيزي وزو إلى ولايتي بومرداس والجزائر العاصمة، من حشد 180 مليون متر مكعب من المياه، منها 136 مليون متر مكعب مخصصة للتموين بالماء الشروب في العاصمة وضواحيها.