تعمل الجزائر على تطوير علاقاتها الإفريقية وفق منظور أكثر انسجاما مع رؤية المصالح الثنائية المتكاملة، بغية تطوير بنية التعاون السياسي والاقتصادي وترقيته إلى مستوى أعمق من الشراكة، حيث تأتي زيارة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ضمن هذا التوجه الحيوي، لتطوير سبل التعاون والتنسيق مع أصدقاء الجزائر في إفريقيا.
يقول البروفيسور ميلود ولد الصديق، لـ «الشعب»، إن الجزائر أخذت منذ مجيء الرئيس عبد المجيد تبون في استعادة الدور النشط المنوط بها إقليميا وإفريقيا، فإذا كانت بحكم الانتماء العربي فمنحاها نحو ريادة قاطرة العالم العربي وقضاياه الأساسية من خلال ترؤسها لجامعة الدول العربية قد استوفى شروطه الطبيعية، لأنها بحكم الأبعاد الجيوـ إستراتيجية البلد الأكبر قاريا وإفريقيا، ترسم مسارها المتعلق بأهمية الدائرة الإفريقية التي تمثل عمقها الإستراتيجي، فهي البلد الأكبر قاريا من حيث المساحة والأكبر تاريخيا من حيث دعمه المتواصل لقضايا إفريقيا لاسيما قضايا التحرر والاستقلال.
باستثناء العشريتين التي انكفأت فيهما سياسة الجزائر الخارجية بفعل العوامل الداخلية والخارجية، وهي تعمل اليوم على الأخذ بزمام المبادرة والعودة الطبيعية إلى قيادة إفريقيا.
وحسب ولد الصديق، فإنه على المستوى الجيو استراتيجي تبني الجزائر توجها جديدا لتحقيق التنمية الشاملة مع الدول التي تتقاسم معها الساحل الإفريقي بغية تمتين بنياتها التحتية والخدماتية لتحقيق الانسجام والتواصل مع شعوبها المختلفة ( النيجر، مالي تشاد، مالي، نيجيريا وموريتانيا) وعلى المستوى الاقتصادي تسعى الجزائر لتكون شريكا حيا ضمن المنتظمات الإقليمية الاقتصادية الإفريقية وعنصرا فاعلا ضمنها.
خلال السنة الماضية، عرفت الجزائر نشاطا حيويا بزيارات دوؤبة لوزراء حكومات وخارجية ورؤساء أفارقة لتأتي زيارة الرئيس الأوغندي مطلع هذا الأسبوع، كتتويج لمختلف صيغ التعاون الذي هندسته اللجان المشتركة بين البلدين خلال السنتين الماضيتين، فالحاصل أن الجزائر من خلال وكالة التعاون التي أنشأت خصيصا لتمويل المشاريع الإنمائية والاقتصادية في إفريقيا، تبدو أوغندا البلد الزراعي الغني بثرواته في حاجة ماسة إلى الشريك الجزائري وسوقا واعدة لتسويق منتوجاتها بدءا بالصيدلانية وصولا إلى الصناعية والتجارية.
وفق رأي المتحدث، فإن هناك توافقا بين البلدين في الرؤى وتوحدهما مظلة عن الاتحاد الإفريقي لاسيما الإيمان بضرورة تحرير إفريقيا من الاستعمار وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ويتقاسمان نفس وجهات النظر الدولية فيما يتعلق بالحياد الإيجابي تجاه الصراع الروسي الأوكراني، خاصة وأن إفريقيا هي عُمق الجزائر الحقيقي وامتدادها الطبيعي الذي يمكن التعويل عليه في المحافل الدولية والإقليمية، وهي المشتلة الواعدة التي بإمكانها أن تعيد رسم مكانة الجزائرية الحقيقية المسلوبة بحكم الظروف التاريخية قبيل العشر سنوات الماضية.
من جانبه، قال الدكتور عثمان عثامنية أستاذ الاقتصاد بجامعة تبسة، لـ «الشعب»، أن الاقتصاد الجزائري يشهد حركية واسعة، تجعله يبحث عن هويته في عالم سريع التحول وشديد التعقيد. وتعد محاولة الاندماج أكثر فأكثر في بعده الإفريقي، خطوة لا غنى عنها في تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع دول إفريقيا، وستنعكس بكل تأكيد في دفع عجلة التصدير والتنمية الاقتصادية على مستوى الداخل، ويمكن أن نعتبر الطريق العابر للصحراء والذي يربط الجزائر بدول إفريقيا، وكذلك أنبوب الغاز القادم من نيجيريا خطوات ملموسة لهذا المسعى.
في هذا الإطار، تندرج زيارة الرئيس الأوغندي يوري كاغوتا موسيفيني للجزائر، وهي زيارة تكتسي أهمية خاصة. وقد جاءت لتعزيز الالتزام المشترك للبلدين لصالح القضايا الإفريقية، مع وجود العديد من أوجه التقارب الاقتصادي الممكنة مستقبلا، والتي يمكن أن تنعكس إيجابا على البلدين.
فقد تستفيد حركية التصدير خارج المحروقات التي انطلقت في الجزائر منذ سنتين من الاقتصاد الأوغندي الذي يعتمد على الخارج في توريد أغلب المنتجات المصنعة، والتي تمثل ما يقارب 60% من إجمالي الواردات، وتمثل فيها المواد الصيدلانية والكيمياوية حوالي 17%، وهذه فرصة هامة لقطاع الصناعات الصيدلانية في الجزائر، والذي يشهد اهتماما كبيرا من السلطات، التي خصصت له وزارة خاصة به خلال السنوات الماضية. وفي هذا الإطار يمكن الاستفادة من منطقة التجارة الحرة الإفريقية التي صادق عليها البلدان سابقا.
كما يعرف الاقتصاد الأوغندي بأنّه اقتصاد يعتمد أساسا على الفلاحة، بما تتطلبه من أسمدة ومواد كيمياوية، يمكن لمشروع مناجم الفوسفات بتبسة والمصانع الملحقة به أن توفرها مستقبلا.
في مجال الطاقة أيضا قد تعتبر أوغندا مجالا واعدا لعمل الشركات الجزائرية، على غرار شركة سوناطراك، إذ نجحت في اكتشاف احتياطات نفطية تقدر بحوالي 6.5 ملايير برميل قبل عقدين من الآن، ولا تزال هناك العديد من التحديات المالية واللوجستية التي تواجه استغلال تلك الاحتياطات. كما تشكل واردات المنتجات البترولية والمنجمية ما يصل إلى 20 % من إجمالي الواردات الأوغندية، وهذا ما تمتلك فيه الجزائر ميزة القرب الجغرافي (نفس القارة) وأيضا التقارب السياسي والدبلوماسي.
وحسب عثمانية، قد تمتد العلاقة الاقتصادية أيضا إلى مجال تزويد أوغندا بتجهيزات النقل وقطع الغيار، والتي تأخذ نسبة هامة من واردات البلد. والرهان هنا على الإسراع في تجسيد مصانع تركيب السيارات وتحقيق نسب إدماج عالية، حتى نتمكن من الاستفادة من الطلب العالي للسوق الإفريقية على السيارات ووسائل النقل عامة وقطع الغيار.
هناك عدة مجالات للشراكة الاقتصادية بين الجزائر وأوغندا، خاصة وأن هناك تقاربا سياسيا ودبلوماسيا بشأن أغلب القضايا التي تخص القارة الإفريقية. حيث تحظى الجزائر بأفضلية القرب الجغرافي والمواقف التاريخية المشرفة لأن تعزز تواجدها الاقتصادي في القارة السمراء.