تطبيقا لسياسة ترشيد نفقات العملة الصعبة، والحدّ من نزيف العملة التي تعرّضت له بحجّة الاستيراد، باشرت الحكومة الجزائرية، ومنذ تولي رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون شؤون البلاد، سلسلة من الإجراءات الصّارمة لتنظيم عملية الاستيراد والمستوردين، أدّت إلى غربلة المستوردين الصّوريّين من المستوردين الحقيقيّين، وساهمت في تخفيض فاتورة الاستيراد من 63 إلى 38 مليار دولار.
الأرقام والإحصائيات الصّادرة عن المصالح التّجارية ومصالح الجمارك المتعلّقة بالاستيراد، وبالرغم ممّا حملته من إيجابيات ومؤشّرات بانتعاش في الاقتصاد، وترجيح لكفّة الميزان التجاري لصالح الجزائر، إلاّ أنها لم تنل أهدافها، خاصة وأنّ الدولة ماضية في سياستها الاجتماعية، والسهر على رفاهية المواطن وعدم حرمانه من أي شيء، مثلما أكّد الرّئيس تبون في أكثر من مناسبة.
الحديث عن الاستيراد بالجزائر، يقودنا إلى الحديث عن أولى النّصوص التنظيمية للتجارة الخارجية، والمتعلقة بالقانون 78- 02، والذي ينص على احتكار الدولة للتجارة الخارجية، والذي ظلّ متسيّدا للمشهد الاقتصادي في الجزائر لأكثر من 12 عاما، وإلى غاية تحرير التجارة الخارجية سنة 1990 بفضل قانون المالية لسنة 1990، تعزّز هذا المبدأ وأصبح مكرّسا دستوريا بموجب المادة 37 من التعديل الدستوري لسنة 1996.
المعايير الدّولية هي السّبيل الوحيد لتنظيم الاستيراد
يرى الخبير الدولي في المالية والاقتصاد، الدكتور نبيل جمعة، أنّ الجزائر فضّلت انتهاج سياسة منح تراخيص الاستيراد في الآونة الأخيرة، مع الحفاظ على ما جاء به الأمر رقم 03- 04 المتعلق بالقواعد العامة المطبّقة على عمليات استيراد البضائع وتصديرها، وأضاف أنّ الحل في تنظيم الاستيراد والقدرة على التوفيق بين تقليص فاتورة الاستيراد، مع الحفاظ على وفرة المنتوج في الأسواق.
وأشار محدّثنا إلى وجود شبكة عالمية تعرض أسعار كل المنتجات المتداولة في السوق الدولية، بإمكان الجزائر الانضمام إليها، وتمكين البنوك الجزائرية من الولوج إليها، والتحقق من أسعار المنتجات التي يتم استيرادها من طرف الخواص، وذكر الخبير في التجارة الدولية أنّ هناك العديد من الأصوات التي نادت بانضمام الجزائر لهذه الشبكة، خلال المنتدى الوطني للتجارة الخارجية سنة 2015 من أجل شفافية أكثر في الاستيراد.
وأضاف جمعة يقول إنّ هناك عدة حلول أخرى لتنظيم عملية الاستيراد، والحد من ظاهرة تضخيم الفواتير التي تشكّل صداعا لـ «الخزينة»، وساهمت في نزيف العملة الصعبة، وذكر محدثنا بأنّ من بين الحلول، الفاتورة القنصلية، فمنذ تولي الرئيس تبّون سدّة الحكم، عادت الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية للواجهة من خلال عدة خطوات، بينها الملحق الاقتصادي للسفارة، حيث أنّ من بين مهام هذا الأخير، التحقق من فاتورة المنتجات التي يتم اقتناؤها من طرف المستوردين الجزائريين.
وأفاد الخبير الدولي في المالية والاقتصاد، أنّ المنتج الأجنبي يخشى تضخيم الفواتير في بلده تجنّبا للأثر الجبائي المترتب عنها، لهذا، فإن من بين أهم السبل التي بالإمكان اتباعها للتحكم في عملية الاستيراد، هو تفعيل دور القسم الاقتصادي بالسفارات الجزائرية والقنصليات المتواجدة عبر الدول المصدّرة للمنتجات الأساسية.
وفي ذات السياق، أوضح جمعة نبيل أنّ الرّئيس تبّون يدرك جيّدا ضرورة التوجه نحو الرقمنة التي تعد من بين الحلول الواعدة لتنظيم عملية الاستيراد، فالرقمنة تسمح بتحديد المتطلّبات الحقيقية للسوق الجزائرية، والاطلاع على السعر الحقيقي للمنتجات والسلع المستوردة سواء عن طريق الشبكة السالفة الذكر، أو عن طريق سهولة الإطلاع عليها للمراقبة والمتابعة.
وأوضح الخبير الدولي في المالية والاقتصاد جمعة نبيل، أنّ دراسة قام بها كشفت عن ارتفاع فاتورة الاستيراد خلال العشر سنوات الأولى بأكثر من 6 مرات، حيث سجلت الجزائر سنة 2000 ما بين 8 إلى 9 مليار دولار، لتصعد بعد عشر سنوات (سنة 2010) إلى أكثر من 60 مليار دولار، وتساءل محدّثنا عن حقيقة هذه الأرقام التي تمثّل زيادة رهيبة لا تعكس النمو بالجزائر خلال تلك الفترة.