عندما دعا رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال اللقاء الأخير الذي جمع الحكومة بالولاة، أصحاب الأموال المكدسة وغير المستغلة، إلى إدماجها في النسق الرسمي، من خلال ضخها في البنوك واستثمارها في مشاريع تعود بالفائدة عليهم وعلى الاقتصاد الوطني.
قال الرئيس، إنه تم إعطاء ألف ضمان لأصحابها، كما تم تخصيص بنوك إسلامية وفق ما جاء في مشروع القانون النقدي والمصرفي من أجل دمجها بنكيا وفق الطرق المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وكان ذلك «آخر نداء» لأصحاب هذه الأموال قبل اتخاذ الإجراءات الردعية التي تأتي بعد «نفاد الصبر» كما أكد الرئيس.
يوضّح البروفسور عثمان علام، الخبير الاقتصادي وأستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة البويرة، في تصريح خص به «الشعب»، أن الدعوة التي وجهها رئيس الجمهورية لأصحاب رؤوس الأموال المكدسة خارج المنظومة المالية والمصرفية الرسمية، تندرج ضمن الجهود المتسارعة والشاملة التي تبذلها الحكومة من أجل تفعيل أداء الاقتصاد الوطني والرفع من وتيرة التنمية الشاملة، من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة في القطاعين العام والخاص. كما تعكس هذه الخطوة، أيضا، نهجا جديدا يرتكز على أساس تعزيز مشاركة كل أفراد المجتمع في توسيع الاستثمار في مختلف القطاعات ذات الأولوية مثل الصناعة، الزراعة، الفلاحة والطاقات المتجددة، البناء والأشغال العمومية، والسياحة، بما يمكّن من رفع وتيرة النمو الاقتصادي لمستوى يفوق 5٪ وجعله مساندا لمسار التنمية الشاملة، كما أن المتغيرات الدولية الراهنة التي تفرض على الجميع التوجه أكثر نحو الاقتصاد الرقمي، وهو ما يجعل من هذه الخطوة أكثر من ضرورية، على اعتبار أن رقمنة المنظومة المالية والمصرفية تعتبر دعامة أساسية للاقتصاد الرقمي.
ويرى البروفسور علّام، أنه من المتوقع أن يكون لهذه الخطوة آثار إيجابية متعددة على الاقتصاد الوطني، في مقدمتها السماح باستقطاب جزء معتبر من الكتلة النقدية من دائرة الاكتناز والاقتصاد غير الرسمي، إلى دائرة الاقتصاد الحقيقي، من خلال تعبئة هذه المدخرات، بما يتوافق مع سعي الحكومة نحو التحكم في استقرار قيمة الدينار الجزائري، تعزيزا لقدرته الشرائية، وذلك من خلال جعل معدل التضخم في حدود أقل من 4٪ في الأجلين القصير والمتوسط.
ويتوقّع البروفسور علام، أن تساهم هذه الخطوة – في الأجلين المتوسط والطويل – في تخفيف الضغط على الميزانية العمومية وتقليص نسبة ارتباطها بالجباية البترولية، على اعتبار أن إدخال حجم معتبر من الكتلة النقدية من دائرة الاكتناز في دائرة التداول، يسمح بتوسيع قاعدة الاستثمارات بما يمكّن من خلق قيم مضافة جديدة، وما يترتب عنها من توسيع الوعاء الضريبي، بما يعزز تحصيل إيرادات جبائية إضافية (ضرائب على أرباح الشركات وضرائب على الدخل) لفائدة الدولة. إضافة لذلك، فإن توسيع قاعدة الاستثمارات سيمكّن من استحداث مناصب شغل إضافية، الأمر الذي من شأنه أن يدعم الجهود الحكومية الرامية لامتصاص البطالة ودعم الشباب وخاصة خريجي الجامعة.
كما يمكن الاستفادة من هذه الخطوة، بحسب الخبير علام، من خلال توجيه جزء معتبر من الكتلة النقدية الموجودة خارج دائرة التداول نحو استثمارها وفق الطرق المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، خاصة مع التسارع الكبير خلال السنتين الأخيرتين في تحسين بيئة عمل المؤسسات المصرفية والمالية الإسلامية التي استطاعت خلال فترة قصيرة لا تزيد عن سنتين، استقطاب 5000 مليار سنتم. في هذا السياق، جاء مشروع قانون النقد والقرض الجديد، ليقدم هامشا واهتماما أكبر للصناعة المالية الإسلامية، بما يمكنها من استقطاب حجم أكبر من المدخرات المحلية والأجنبية.
علاوة على هذا، يتوقع البروفسور علام أن تساهم الخطوة في تعزيز التوازنات المالية للدولة، من خلال ارتفاع رصيد احتياطي الصرف الأجنبي، من حيث أن توسيع قاعدة الاستثمارات سيعزز النهج المعتمد من طرف الحكومة في تقليص حجم الواردات، عن طريق إعطاء الأولوية للمشاريع الاقتصادية المنتجة لمنتجات بديلة للواردات. ومن جهة ثانية، فإن توسيع قاعدة الاستثمارات، يمكن الاستفادة منها في الرفع من قيمة الصادرات خارج قطاع المحروقات، خاصة مع الدول العربية ودول الساحل الإفريقي.
أما بالنسبة لأصحاب رؤوس الأموال المكدسة، فيرى ذات المتحدث أن هذه الخطوة تمثل فرصة حقيقية لهم من أجل الانخراط في دائرة الاقتصاد الحقيقي، بما يمكنهم من استثمار وتنمية رؤوس أموالهم بطرق قانونية ومشروعة والاستفادة من المزايا الممنوحة، خاصة في القطاعات والمناطق ذات الأولوية.
من جهتها، توضح عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، لامية زبوشي، أن تصريحات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أثناء لقائه المنعقد بمناسبة اللقاءات الدورية مع ولاة الجمهورية فيما يخص الأموال المكدسة خارج الإطار الرسمي، تعبر عن النية الخالصة للسلطات العليا للبلاد في لمّ وجمع السّيولة المالية المكدسة والمخزنة، والتي تنشط في السوق الموازية دون المرور على البنوك الجزائرية، والتي تصل – بحسب تقديرات الخبراء والحكومة – إلى 90 مليار دولار، الأمر الذي من شأنه إلحاق الضّرر بالاقتصاد الوطني، من خلال التسبب في ارتفاع نسبة التضخم ونقص السيولة المالية، وإضعاف قيمة العملة الوطنية. ولعل أهم السبل والمحفزات التي وفرتها الدولة لأصحاب هذه الأموال، هي أولا أسلوب الحوار والنداءات الودية من أجل ضخها في البنوك قبل اللجوء إلى إجراءات ردعية، تفقد أصحابها أحقيتهم فيها، علاوة على توفير بنوك إسلامية غير ربوية، بحكم أن بعض أصحاب رؤوس الأموال يتحججون بعدم تعاملهم مع البنوك بفوائدها الربوية.
وتفيد النائب لامية زبوشي، أن رئيس الجمهورية كان صريحا إلى أبعد الحدود في هذا الجانب، وقد أعطى الضمانات الكافية لأصحاب هذه الأموال، محفزا إياهم على إيداعها في البنوك، واستثمارها في مشاريع تعود عليهم وعلى الاقتصاد الوطني بالربح والفائدة، داعيا الولاة – في نفس الوقت – إلى تغيير النظرة تجاه أصحاب المال، وإلزامية التعامل معهم على أساس شركاء في بناء الاقتصاد الوطني والتنمية المحلية.
أما بالنسبة للفوائد التي يمكن أن تتحقق من وراء دمج هذه الأموال المكدسة في الإطار الرسمي، توضح ذات المتحدثة أنه بالنسبة لأصحابها، فسوف تكون ودائعهم مصونة من جميع مظاهر التلف التي يمكن أن تمسها، تماما مثلما تكون مصونة من تراجع قيمتها بسبب أي إجراء يمكن أن تتخذه الدولة ضد مكدسيها في حال عدم الاستجابة لنداءات التسوية المتكررة، وقد كان آخرها النّداء الذي أطلقه الرئيس في لقاء الحكومة والولاة الأخير.