من المقرر أن يدخل قرار الاتحاد الأوروبي بتسقيف أسعار الغاز حيز التنفيذ شهر فيفري 2023، إذ تعدّه أوروبا وسيلة أكثر شمولًا لجعل أسعار الطاقة في متناول أيدي المواطنين لأطول وقت ممكن. وأعلنت الجزائر، على لسان وزير الطاقة المناجم، محمد عرقاب، أنها لا تدعم فكرة تسقيف أسعار الغاز الطبيعي في السوق الطاقوية. وسبق للوزير التأكيد أن ذلك سيؤثر مباشرة على الاستثمارات في المنبع، مضيفا أن أسواق الطاقة يجب أن تبقى حرة لمواصلة الإنجازات والاستثمارات في المنبع.
في هذا الصدد، يؤكد البروفسور علام عثمان، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة البويرة، لـ «الشعب»، أن اتفاق دول الاتحاد الأوروبي على وضع حد أقصى لأسعار الغاز، هو اتفاق سياسي بامتياز، يعكس حالة الغموض التي تتخبط فيها هذه الدول نتيجة تقليص شحنات الغاز الروسي لأوروبا منذ فيفري الماضي، وما صاحبه من ارتفاع في الأسعار. ونتيجة لذلك، جاء هذا الإجراء في سياق محاولة دول الاتحاد الأوربي استحداث آليات للتعامل مع أزمة الطاقة التي تفاقمت مع بداية الحرب الروسية- الأوكرانية، في محاولة لحماية شعوبها واقتصادياتها، خاصة مع كبر حجم أزمة التضخم، والذي بلغ مستويات قياسية لم تسجل منذ عقود، بفعل ارتفاع أسعار الطاقة.
علام: تسقيف الأسعار سيعطّل سوق الطاقة بأوروبا
ولقد صاحب هذا القرار جدل كبير على الصعيد العالمي – يقول البروفسور علام – خاصة مع المخاوف والملاحظات المقدمة من طرف بعض دول الاتحاد الأوربي، مثل ألمانيا، هولندا والنمسا، المتمثلة في احتمالية أن يؤدي وضع أي سقف إلى تعقيد الأزمة، من خلال تعطيل سوق الطاقة في أوروبا وتحويل شحنات الغاز إلى مناطق وأسواق خارج الحيز الأوروبي، حيث تقبل أسعاراً أعلى.
وضمن نفس السياق، حذرت بورصة «انتركونتيننتال» من كون هذا المقترح قد يؤدي إلى نتائج عكسية -ارتفاع كبير في الأسعار – في حالة توقف مزودي السيولة عن بيع العقود الآجلة للغاز في المنصة الهولندية لتداول عقود الغاز (T.T.F) وهو ما يدفع بالأسعار نحو الارتفاع. من هذا المنطلق أيضا، أشار اتحاد بورصات الطاقة الأوروبية إلى أن هذا الإجراء يمكن أن يشكل خطرا كبيرا على الاستقرار المالي في أسواق الطاقة الأوروبية.
ويوضح الأستاذ علام، أن روسيا اعتبرت القرار غير مقبول ويعتبر انتهاكا صارخا للقانون الدولي والاتفاقيات متعددة الأطراف، كما يمثل انتهاكا للسوق وتناقضا مع قواعده وآلياته، واعتبرت أن كل ذلك سيؤدي إلى عواقب سيئة كتدهور الأسواق، محذرة – في الوقت ذاته – بأنه سيتمّ اتخاذ قرار ملائم لهذه الخطوة الخطيرة، كما هي الحال بشأن النفط.
وإلى جانب روسيا، أكدت الجزائر، باعتبارها أحد أهم مصدري الغاز في العالم، وشريكا أساسيا موثوقا بالنسبة لأوروبا، من خلال وزير الطاقة، أن أسواق الطاقة يجب أن تبقى حرة لمواصلة الإنجازات والاستثمارات في المنبع، كما أعلنت عن رفضها لهذه المبادرة التي تمثل إجراءً أحادي الجانب ومزعزعا لاستقرار الأسواق.
من جهته، يوضح البروفسور لعلا رمضاني، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الأغواط، في تصريح لجريدة «الشعب»، أن هذه الخطوة أتت في إطار العقوبات الاقتصادية المتواصلة على الاقتصاد الروسي، إذ أعلن الاتحاد الأوروبي، بداية من شهر ديسمبر، على خيار آخر من العقوبات الاقتصادية، بالتوصل إلى اتفاق يهدف إلى تسقيف أسعار النفط والغاز الروسي، كإحدى الآليات الجديدة لشل تمويل موسكو الحرب على أوكرانيا، بحيث ينص هذا الاتفاق على فرض دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وأستراليا تطبيق تسقيف السعر على النفط الروسي، وحدد بـ60 دولاراً أمريكياً للبرميل.
رمضاني: القرار الأوروبي الانفرادي سيأتي بنتائج عكسية
ويفيد البروفسور رمضاني أن هذه الخطوة، تطرح عدة تساؤلات حول مدى تأثيرها على أسعار المحروقات في السوق الدولية، بحكم أن روسيا تعتبر أحد أكبر مصدري المحروقات في العالم. وبحسب عديد التقارير الدولية الصادرة عن مختلف الهيئات الاقتصادية، فإن هذا الإجراء سيؤدي، لا محالة، إلى إحداث اضطراب وتذبذب في سوق النفط، وسيؤثر بالضرورة على الاقتصاد العالمي، حيث أن عملية التسقيف التي اتخذتها دول الاتحاد الأوروبي، ستتسبب في خلق فوضى على مستوى أسعار النفط، وستؤدي إلى الارتفاع أكثر، نظرا لتأثرها في جانب العرض على المديين القصير والمتوسط، مما سيدفع إلى تباطؤ معدلات النمو العالمية وارتفاع نسب التضخم، التي ستؤثر على اقتصادات الاتحاد الأوروبي المعتمدة بصفة كلية على النفط الروسي، ما سيجعلها تلجأ إلى البحث عن إمدادات بديلة من الولايات المتحدة والشرق الأوسط وإفريقيا، وبأسعار مرتفعة.
ويؤكد رمضاني، أن ارتفاع أسعار النفط جراء التسقيف على المديين القصير والمتوسط، سيؤثر أيضا على اقتصاديات الدول الصناعية الكبرى الأخرى، مثل الصين والهند، من خلال ارتفاع تكاليف الإنتاج، نظرا للحاجة المتزايدة إلى النفط.
أما بالنسبة للجزائر، فارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية جراء التسقيف، يجعلها تستفيد من فوائض مالية إضافية لتمويل المشاريع الاقتصادية، ويتوقع أن يجعلها هذا تنوّع من شركائها، من خلال إبرام اتفاقيات جديدة في مجال استكشاف واستغلال النفط والغاز.