نشرت يومية “الشعب”، اليوم الثلاثاء، ملفا عن النقل البحري والجوي، تناولت فيه جوانب مهمة في هذا القطاع، الذي كان محل دراسة وتدقيق في مجلس الوزراء الأخير، الذي انتهى بأوامر من الرئيس عبد المجدي تبون بفتح تحقيق لمحاسبة المتسببين في تدهور آداء النقلين البحري والجوي، والنظر في مراجعة الجوانب التي تحتاج مراجعة في هذا الجانب الاستراتيجي في النقل.
سيف القانون ضد من يُحاول تكسير المؤسسات الإستراتيجية
قرر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، فتح تحقيق فوري لمحاسبة كل المسؤولين عن تدهور قطاع النقل البحري، على جميع المستويات والمسؤوليات.
وقد أكد رئيس الجمهورية في وقت سابق، أن “إعادة بعث قطاع النقل البحري، يقتضي محاربة الإهمال ومحاولات تكسير هذه المؤسسة العمومية الاستراتيجية منذ عام”.
في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد الأحد، وبعد دراسة ورقة طريق لتطوير الأسطول الوطني للنقل البحري والجوي للبضائع، أمر الرئيس تبون بـ “فتح تحقيق فوري” لمحاسبة كل المسؤولين عن تدهور هذا القطاع الاستراتيجي، في جميع المستويات والمسؤوليات.
كما أمر الرئيس بدمج الشركتين الوطنيتين “كنان متوسطية” و«كنان شمال” المتخصصتين في النقل البحري في شركة واحدة، مع إعادة النظر “جذريا” في هيكلة وسياسة النقل البحري للبضائع، على كل المستويات، من أجل تأهيله، وعرض مشروع استراتيجية التسيير الجديدة “في غضون شهر”.
وأسدى رئيس الجمهورية تعليمات بالعمل بكل الوسائل، من أجل تسوية تقنية للبواخر الجزائرية في الموانئ الدولية، بالتعاون بين سفراء الجزائر في الدول المعنية، ومسؤولي قطاع النقل، إلى جانب فسح المجال أمام الخبرات الجزائرية المتخصصة في البحرية، ولاسيما الشباب المؤهل والقدماء في هذا المجال، لاستحداث شركات في مجال إصلاح السفن.
حجز سفن جزائرية بالخارج يكشف المستور
إصدار هذه التعليمات لم يأت من فراغ، فقد كشفت عمليات حجز سفن جزائرية في موانئ عالمية، السنة الماضية، وعودة سفن نقل المسافرين شبه فارغة من رحلات دولية، عن “إهمال” مفضوح و«تواطؤ مسؤولين” لتحطيم الأسطول البحري الجزائري وإبقائه في تبعية لشركات دولية. وقد أثارت هذه الحوادث غير البريئة جدلا واسعا، نظرا لربطها بمشاكل مالية وتقنية، في وقت كانت فيه معظم شركات النقل العالمية تعاني من وضع مشابه بسبب تأثيرات الجائحة الصحية التي امتدت لثلاث سنوات.
وتعرضت سفن جزائرية، تابعة للشركة الوطنية للملاحة البحرية شمال والشركة الوطنية للملاحة البحرية متوسط، السنة المنصرمة، إلى عمليات احتجاز على مستوى بعض الموانئ في الخارج، أنشأت على إثرها خلية أزمة قطاعية على مستوى الوزارة الوصية لأجل متابعة هذا المشكل التجاري، الذي كبّد الاقتصاد الوطني خسائر باهظة.
تولت هذه اللجنة تحليل ومعالجة جميع المعلومات المتعلقة بوضعية السفن المحجوزة على مستوى الموانئ في الخارج، تقديم مقترحات عملياتية لإيجاد حلول للإشكالات التقنية والمالية المطروحة، تحديد جدول زمني لرفع الحجز عن هذه السفن، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتفادي وقوع مثل هذه الحالات مستقبلا.
وأثمرت جهود الجزائر المتواصلة يومها، بحسب تصريحات وزير النقل السابق أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، عن رفع الحجز عن ثلاث سفن شحن كانت محجوزة بموانئ أوروبية، هي سفينة تمنراست (احتجزت يوم 28 أكتوبر 2021، وتم استرجاعها في 25 نوفمبر 2021)، وسفينة الساورة (احتجزت في 29 أكتوبر 2021 وتم استرجاعها يوم 14 نوفمبر 2021)، وتيزيران (احتجزت بإسبانيا في 18 أكتوبر وتم استرجاعها 30 نوفمبر 2021)، والسفينة الرابعة تيمقاد التي احتجزت في بلجيكا.
وقال الوزير يومها، “إن جوهر قضية حجز السفن الجزائرية في أوروبا، هو سوء التسيير وعدم مراقبة هذه الشركات”. وقد أعقبت هذه التجاوزات، تغيير مسؤولين على رأس هذه المؤسسات، وفتح تحقيق حول الحوادث التي وقعت في الخارج، كما تم عزل ربان كل سفينة تم احتجازها، كما تم توجيه تعليمات صارمة لضمان مطابقة السفن الجزائرية للمعايير الدولية وعدم السماح بإبحار أي سفينة دون تراخيص المراقبة والصيانة اللازمة. وعلى إثر ذلك، اتخذت الوزارة الوصية عدة إجراءات وتوجيهات لضمان مطابقة السفن الجزائرية لمعايير النقل العالمية.
وكان رئيس الجمهورية، قد أمر في مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 14 نوفمبر، بإعادة تجديد حظيرة النقل البحري، وذلك من خلال اقتناء سفن جديدة، وإعداد تقرير شامل ومفصل عن وضعية هذا القطاع، الذي يقتضي إعادة بعثه من جديد، “محاربة الإهمال ومحاولات تكسير هذه المؤسسة العمومية الإستراتيجية” مثلما جاء في بيان مجلس الوزراء.
وتملك الجزائر أسطولا للنقل البحري للبضائع تابعا للقطاع العمومي، يقدر بـ12 باخرة، 7 بواخر لشركة “كنان شمال”، و5 بواخر لـ«كنان ماد”، بالإضافة إلى الأسطول الذي يحوزه القطاع الخاص والذي يقدر بباخرتين.
أما أسطول النقل البحري للمسافرين التابع للقطاع العمومي، فيقدر بـ3 بواخر متوسطة وقديمة، والذي تعزز مؤخرا بباخرة جديدة بسعة 1800 مسافر و600 عربة.
في حين توجد قاعدة لصيانة وتصليح البواخر التابعة للمؤسسة الوطنية لتصليح البواخر “أروناف”، وتم تقديم عدد معتبر من طلبات الاستثمار في مجال النقل البحري للمسافرين والبضائع، ومجال النقل البحري الحضري والنزهة.
30 يوما لتقديم إستراتيجية التسيير الجديدة
منح رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الحكومة مهلة شهر لتقديم مشروع إستراتيجية التسيير الجديدة لقطاع النقل البحري، خاصة وأن منظومة النقل تضطلع بدور مهم في إنجاح برنامج الإنعاش الاقتصادي، ضمن مسعى متكامل وسياسة قطاعية متناسقة، تستجيب للرهانات الكبرى في الوقت الحالي، والتي تتمثل في الاستدامة وتحسين منظومة النقل وتكامله وأمن وسلامة أنظمة النقل وتجسيد فتح النقل الجوي والبحري على رؤوس أموال خاصة وطنية وأجنبية.
وعليه اضطلاع قطاع النقل بدوره الجديد، في ظل تطورات الاقتصاد العالمي، وتسجيل احتياجات تنقل حادة وطلبات لوجيسيتة أكثر تعقيدا، لا يمكن أن يتحقق دون تحيين وتطوير المنشآت الأساسية للنقل، والاعتماد على برامج الصيانة لضمان منشآت وعتاد آمن ومؤمّن.
ويرى أستاذ الاقتصاد الدكتور عمر هارون، في تصريح لـ “الشعب”، أن تنظيم قطاع النقل ككل بشكل جيد، سيخفض تكاليف واردات الغذاء والمواد الأولية والصناعية، على الأمدين المتوسط والبعيد. كما يسمح للجزائر مستقبلا بفتح باب الاستثمار في هذا المجال، وتصبح هي التي تقدم هذه الخدمة للدول والشركات، وهذا ما سيجعل قطاع النقل مدرا للعملة الصعبة.
وأكد أستاذ الاقتصاد، أنه “لا يمكن الحديث عن تطوير الاقتصاد الوطني، ولا إنجاح أي برنامج كان، إذا لم تكن هناك منظومة قوية للنقل، سواء النقل البحري أو الجوي أو البري”. وأضاف، “أظن أن الجزائر باشرت مشاريع جد طموحة في هذا الإطار، طرق برية سريعة، ومدّ خطوط النقل بالسكك الحديدية وموانئ عصرية”.
واعتبر الأستاذ هارون، أن قرارات رئيس الجمهورية ترمي لتفعيل مخطط النقل البحري، خاصة أن هذا القطاع يمتص حجما كبيرا من العملة الصعبة، نظرا لأن تكاليف النقل البحري أصبحت جد مرتفعة، وإمكانات الجزائر لو تم إعادة تنظيمها والاستثمار في شراء بواخر جديدة، ستمكن من تخفيف تكاليف النقل البحري وهذا ما سيساعدنا على تخفيض تكلفة الواردات، ودخول عالم تقديم هذه الخدمات إلى شركائنا بمختلف أنواعهم”.
أما تعزيز الرقابة التقنية، فقال إنها “قضية تنظيمية وتحتاج إلى إطار تنظيمي يستحدث هيئات لمساعدة ومتابعة كل البواخر الجزائرية على المستوى التقني”، مشيرا إلى ضرورة إصدار نصوص تطبيقية لقرارات الرئيس التي وصفها بـ “الشجاعة والمنطقية والفعالة”، والعمل على جذب الكفاءات الوطنية، ووضع برامج لتكوين كفاءات أخرى حتى نضمن الاستمرارية في هذا المجال وعدم التعرض لمثل مشاكل حجز البواخر الجزائرية التي حدثت في موانئ عالمية لأسباب تقنية.
تحقيق موسعّ لتحديد المسؤوليات.. مراجعة جذريـة لملف النقل الجوي
يشغل النقل الجوي حيزا هاما من اهتمام السلطات العليا للبلاد وفق برنامج رئيس الجمهورية الإصلاحي الهادف إلى النهوض بالقطاع الذي يحتل أهمية قصوى في ربط الجزائر بالعالم، حيث جاء مجلس الوزراء الأخير بتوصيات استثنائية في هذا الجانب.
قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد القادر سليماني، إن توجهات مراجعة وضع الجوية الجزائرية نابعة من نظرة واقعية فمن غير المعقول حسبه وبكل وضوح أن يتم استخدام 9000 موظف وخمسين طائرة بمستوى خدمات وتنافسية متدن في شركة اقتصادية تسعى للربحية، بينما يتم كراء وكالات تجارية بموظفين في الخارج تنخر الخزينة العمومية ومالية الخطوط الجوية الجزائرية ونحن في عصر الرقمنة والتذاكر الالكترونية، وبالتالي يجب تطوير تنافسية الشركة بالاقتصاد والعمل برشد في التسيير وفق مخطط تنموي وتطوير حقيقي في شقي نقل المسافرين أو البضائع.
في ذات السياق، وحول توجه الحكومة لاستغلال المطارات الوطنية بشكل أفضل، قال سليماني إن الجزائر تتوفر على عدد معتبر من المطارات خاصة في جنوبنا الكبير، بحيث يمكن أن تتحول الجزائر إلى محطة عبور، تستفيد منه الرحلات الدولية خاصة الأوروبية نحو إفريقيا، مطارات تمنراست وتندوف وأدرار للولوج إلى مختلف الوجهات الإفريقية.
وحسب المتحدث، القضية تخص أيضا شحن التصدير وخدمات جوية من تموين وإطعام، كما أنه من الضروري في ضوء التوجه الحكومي لتطوير التصدير الاهتمام بجوانب الشحن بشكل كبير، بحيث تكون خدماته منافسة وسلسة وذات قدرات تنافسية.
ونوّه سليماني بتوجيهات رئيس الجمهورية من خلال أمره بمراجعة جذرية لطرق وهيكلة وسياسة تسيير النقل الجوي معطيا مهلة شهر لوضع هذه الإستراتيجية قيد التنفيذ، حيث ثبت أنه يتابع كل صغيرة وكبيرة في هذا الشأن في مجال برمجة رحلات بحيث انه أمرها بعودة نشاط الجوية لما قبل كوفيد-19، مع تفعيل رحلات العمرة والسياحية من أوروبا للصحراء الجزائرية (باريس ـ جانت)، وهذا من أجل تفعيل الملاحة الجوية من مختلف مطارات الوطن بغية إحداث وثبة في النقل الجوي الذي تسخّر له الجزائر إمكانيات كبيرة لكنه لم يحقق النتائج المرجوة.
في ذات الشأن، قال سليماني إنّ توجيهات الرئيس بترشيد الملاحة الجوية في كل مطارات البلاد، راجع لكونها هياكل إستراتيجية قادرة على بعث حركة الطيران في مسألة نقل البضائع والمسافرين، وعلى سبيل المثال لدينا مطار وادي سوف الذي يستحق أن يكون منصة لتصدير الخضر والفواكه الجزائرية على غرار مطار بسكرة، لمنيعة، أدرار وورقلة من أجل ترقية التصدير لأن النقل الجوي هو شريان الاقتصاد الوطني، كما أنه أحد المحفزات لزيادة الصادرات خارج المحروقات.
وحسب ذات المتحدث، فإن تجديد أسطول الخطوط الجوية الجزائرية يندرج ضمن إستراتيجية الدولة الجزائرية لعصرنة ووضع إستراتيجية نقل شاملة ومستدامة للدخول في الأسواق الجديدة في إفريقيا، لكي يكون النقل الجوي مساهما بشكل فعال في الإقلاع الاقتصادي من خلال زيادة الصادرات، وتطوير السياحة الوطنية في مختلف المواسم من ضمنها موسم السياحة الصحراوي، وتلبية حاجة الجالية الجزائرية للتنقل لأرض الوطن من خلال أريح وأفضل العروض والمساهمة في ترقية السياحة عامة والصحراوية خاصة وتحقيق تنمية اقتصادية كبيرة.
من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد أحمد الحيدوسي إن توجيهات رئيس الجمهورية، جاءت من أجل تطوير النقل الجوي لأنه من غير الممكن أن تستمر المؤسسة في ظل سوق واعد بنفس السياسات القديمة وبخسائر لسنوات متتالية، تضطر الحكومة للتدخل لإنقاذها رغم وجود سوق داخلي وخارجي مهم خاصة في الخطوط الأوروبية والإفريقية التي توجد بينها وجهات ذات مردودية عالية.
وأشار الحيدوسي بأن الحكومة تعمل حاليا على أن تكون الشركة الحالية ذات خدمات راقية ونجاعة تنافس الشركات والخطوط الجوية الدولية المتواجدة في السوق الإقليمي والعالمي، عبر مراجعة التسيير من خلال طرح خطط جديدة وعصرية، وتطوير التجهيز من خلال اقتناء 15 طائرة جديدة بأفضل العروض، لزيادة قدرات الشركة من أجل الوصول إلى وجهات ومناطق جديدة قصد تعزيز تنافسيتها وتحقيق مداخيل أكبر.
الجوية الجزائرية.. من أجل شركة عصرية ومحترمة
أعطى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بمجلس الوزراء الأحد، تعليمات بإعادة النظر في طريقة تسيير الخطوط الجوية الجزائرية وفق مخطط عصري يستجيب للمعايير التي وضعتها منظمة الطيران العالمية، باعتبارها المؤسسة الأم التي تتولى النقل الجوي بالجزائر بحصص كبيرة.
يأتي القرار من أجل إعادة الاعتبار لهذا القطاع الاستراتيجي، وفي إطار جملة من الإجراءات تم اتخاذها في الآونة الأخيرة، بهدف تعزيز قدرات الجزائر في مجال النقل الجوي لتحويله من عبء على خزينة الدولة إلى قطاع مدرّ للعملة الصعبة.
وفي إطار مخطط التطوير والإصلاحات قامت الحكومة بحركة واسعة في الطاقم الإداري لهذه المؤسسة، لاسيما المسؤولين التنفيذيين عن تسيير الجوية الجزائرية وكذا مؤسسة تسيير مطارات الجزائر لمطار الجزائر الدولي، وإنشاء الوكالة الوطنية للطيران المدني لضمان تسيير السلامة والأمن المدني، بهدف إعطاء نفس ودفع جديدين للنقل الجوي، وتمكينه من القيام بدوره الاقتصادي لاسيما التنموي وتنشيط الملاحة الجوية ونقل البضائع وفق إستراتيجية قادرة على بعث حركة الطيران بالجزائر.
وتم أيضا في هذا الإطار فتح النقل الجوي بمنح تراخيص للمستثمرين ورجال أعمال تخولهم إنشاء شركات نقل جزائرية أو مختلطة مع شركاء أجانب، وقد طالب رئيس الجمهورية بالفصل في الملفات المودعة لفتح شركات نقل خاصة، وبالفعل تم الموافقة مبدئيا على 16 مشروعا استثماريا للقطاع الخاص، وسيتم الإعلان عن العروض فور المصادقة على دفتر الشروط الخاص باستثمار الخواص، مع تحويل الطائرات الخاصة المصادرة بموجب أحكام قضائية في إطار المنفعة العامة بسبب تورط أصحابها في قضايا فساد.
كما تم الإعلان عن إطلاق مناقصة دولية لشراء 15 طائرة جديدة إلى جانب استئجار 7 طائرات بهدف تدعيم أسطول الجوية الجزائرية التي تصر الدولة على الحفاظ عليها وتلبية الطلب المتزايد على الخطوط التي تعمل بها، والتي تكتسي أهمية سياسية واقتصادية للجزائر.
وحسب وثيقة الاستشارة الدولية التي تعنى بصانعي الطائرات المستغلين في النقل التجاري والمدني المتوفرين على الشهادات والاعتمادات المنظمة للنشاط، فيتعلق الأمر بخمس طائرات نموذج 200 أ، وثلاث طائرات 200 ب، وخمس طائرات نموذج 300 وطائرتين نموذج 400.
إلى جانب ذلك فقد تم فتح خطوط نقل جديدة في إطار الشراكة والاتفاقات التي تربط الجزائر بعدة دول افريقية كإثيوبيا، السنغال، نيجيريا، ومن أمريكا اللاتينية كفنزويلا، في إطار توسيع أسواق الجوية الجزائرية، وتدعيم خطوط أخرى تجاه قطر، تركيا، فرنسا، وإيطاليا.
في هذا السياق، طالب رئيس الجمهورية بتنشيط الملاحة الجوية بمختلف المطارات الوطنية لبعث حركة الطيران، حيث ينشط الأسطول الجوي الجزائري بـ 34 مطارا بعدما كان قبل أزمة كوفيد 36 مطارا منها ما هو مصنف ضمن المطارات الدولية ومنها مطارات داخلية، والعمل على العودة الى معدلات الرحلات السابقة للجوية الجزائرية قبل الأزمة الصحية وتكثيف رحلات العمرة وذات الطابع السياحي باريس- جانت دعما للسياحة الصحراوية التي انطلق موسمها مؤخرا.
في انتظار إنشاء محور إقليمي بولاية تمنراست ليكون قطبا وبوابة للانفتاح على عدة بلدان وعواصم إفريقية، والذي تم إطلاق بخصوصه دراسة جدوى اقتصادية، لتحديد الإمكانيات الاقتصادية وطرق إنشائه، بالإضافة إلى انجاز خمس أبراج مراقبة على مستوى مطارات الجزائر، وهران، قسنطينة، غرداية وتمنراست.
بن يحيى: وضع الكفاءات والثقة كفيل بصنع الفارق
في هذا الإطار، يرى الخبير الاقتصادي فريد بن يحيى أنه لكي يؤدي قطاع النقل دوره الاقتصادي والاستراتيجي، لابد من وضع إستراتيجية واضحة ومحددة الأهداف والآجال، وتسخير الكفاءات البشرية القادرة على منح تسيير عصري ومتطور وتشجيعها بالثقة ومنحها الوقت لتنفيذ خطة عملها.
واقترح بن يحيى في تصريح لـ«الشعب”، اعتماد التسيير العصري المتطور والابتعاد عن التسيير الإداري لهكذا قطاع حيوي بما فيها الجوية الجزائرية، لأن الجزائر تتوفر على كفاءات عالية جدا قادرة على قيادة هذا القطاع ووضعه على السكة وتحويله إلى قطاع منتج على غرار الدول الأوروبية والخليجية.
وشدّد الخبير الاقتصادي على أهمية الاستفادة من عمليات التدقيق التي جرت، وكذا الدراسات الموجودة، دون إهمال التكوين وإعادة تأهيل العنصر البشري لاسيما للجوية الجزائرية الذي يبقى ضعيفا مقارنة بالمعايير العالمية، إذ لابد من تكوين مكثف وشامل، بما في ذلك رفع مستواهم في اللغة الإنجليزية إلى المستوى الرابع.
وفيما تعلق بفتح المجال أمام الاستثمار الخاص في النقل الجوي، قال بن يحيى بعدم وجود المستحيل في الاستثمار، حيث أوضح أن الجزائر لديها الخبرة الكافية لإنشاء شركات خاصة أو مختلطة مع الأجانب أو الخليجيين ناجحة قادرة أن تكون قيمة مضافة للنقل الجوي وتساهم في إعادة الحياة والحركية إليه.
وأشار في هذا السياق إلى ضرورة أن تكون سلطة ضبط الطيران في المستوى وتكون قادرة على وضع دفتر شروط يلائم هذا النوع من الاستثمار الذي يجب أن يتجاوب مع أهداف القطاع في هذا المجال ومصلحة الجزائر، وهذا لا يكون إلا بفتح المجال أمام الكفاءات الخيّرة القادرة الى إحداث الفارق من خلال التسيير العصري والمتطور والمتحكم في التكنولوجيات والتقنيات الحديثة بعيدا عن التسيير الإداري الممل.
دمج الشركتين الوطنيتين “كنان”.. الملاحة البحرية انطلاقــة قويّة في الأفق
يُتوقع أن تؤدي عملية دمج كْنان متوسطية “Cnan Med” التي تحوز على شريك إيطالي وتعرف تقدماً ثابتاً في أرباحها، مع كْنان شمال “Cnan Nord” التي عانت مؤخرا من صعوبات مالية، إلى الاستغلال تركيز قدرات الشركتين اللوجستية في رؤية واستراتيجية موحّدة بهدف التأسيس لنشاط شحن بحري وطني تنافسي على المستوى الإقليمي وقادر على توفير خدمات النقل والشحن البحري بصفة مستدامة.
للشركة الوطنية الجزائرية للملاحة تاريخ حافل في مجال النقل والشحن البحري، إذ يعود تأسيسها إلى سنة 1963. ورغم باعها الطويل في الملاحة، إلاّ أن أداءها التجاري تراجع السنوات الماضية لأسباب عدة، تعود أساساً إلى تمسك الشركة، في وقت مضى، بنظام عمل روتيني وتقليدي وغير تنافسي، فاعتمدت بذلك على وجهات ثابتة ومحددة سلفاً من دون البحث عن تنويع الخدمات أو التكيف مع تطورات قطاع الشحن البحري العالمي. ففي الوقت الذي عملت الشركات المنافسة على تطوير خدماتها وأدائها، اعتماداً على البحث العلمي والدراسات الاقتصادية المعمقة لمتطلبات السوق التجارية العالمية، بقيت “كنان” حبيسة الروتين.
وتعوّل السلطات العمومية على تطوير قطاع الشحن البحري ورفع حصة الجزائر منه في السوق الدولية. ولأجل ذلك، وضعت خططاً وأهدافاً تسعى من خلالها لزيادة حصص شركة “كنان” في سوق الشحن (من وإلى الجزائر) على الأمد القصير. غير أن تجسيد هذه الأهداف يحتاج إلى إطلاق استثمارات جديدة، تتمثل في اقتناء مزيد من السفن الناقلة للحاويات مستقبلاً، وهي الاستثمارات التي ستمنح الشركة مجالاً للتوسع، ومكانة لدى المتعاملين الاقتصاديين الوطنيين والأجانب، خصوصاً وأن فرص التوسع جد متاحة. فالسوق الإقليمية تحصي حالياً مليون حاوية ذات 20 قدما تصل الجزائر سنوياً في شكل واردات.
وسبق للمدير العام للشركة الوطنية الجزائرية للملاحة- ميد، نورالدين كوديل في تصريح لـ«الشعب”، أن أكد على أن توسيع وجهات وخطوط النقل هو هدف حيوي لكل شركات الشحن البحري الراغبة في الاستمرار والبقاء على مضمار المنافسة، وذلك بمواكبة التغيرات الحاصلة في مجال الشحن البحري العالمي، مشيراً إلى أن “الروتين دائماً ما يقتل النشاط ويبعد الشركة عن المنافسة، لتفتح بذلك المجال أمام المنافسين للاستفادة من غيابها عن الساحة، هذا ما حصل مع “كنان” في وقت مضى، لكننا نعمل الآن وفق استراتيجية وسياسة اقتصادية جديدة”.
كما أكد أن الانفتاح على السوق الدولية والتكيف مع متغيراتها الدائمة، بات أمراً محتوماً على الشركة الوطنية الجزائرية للملاحة- ميد، التي وإن كانت تحمل وسم شركة وطنية، فهي غير ملزمة بحصر خدماتها نحو الجزائر فحسب وجعلها وجهة وحيدة وإجبارية، بل عليها حمل الراية الوطنية إلى كل مكان، فهي في الأخير ذات طابع تجاري ويُستلزمُ أن يكون منطلق عملها تجارياً واقتصادياً بالدرجة الأولى.
وتركز الشركة في استراتيجية تطوير الأداء التي تعتمدها حالياً على التكيف مع التوجهات الاقتصادية العالمية في مجال الشحن البحري، وذلك بجعل خدماتها وكفاءاتها البشرية في مستوى يمكنها من تقديم خدمات جذابة للمتعاملين، وكذا البحث عن شركاء وبدائل للوجهات التقليدية المحكومة بعوامل اقتصادية غير ثابتة (الاستيراد والتصدير)، في حين أن الانفتاح على السوق الدولية يمكن أن يكسبها أسواقاً وعقوداً أفضل، إضافة إلى ضمان مكانة بين المتعاملين.
وتسعى الشركة بسياستها الجديدة إلى حجز مكان لها في مصاف الشركات العاملة على رحلات الشحن المتجهة نحو الجزائر من موانئ الشحن الإقليمية اعتماداً على نشاط Feeding الذي يهتم بنقل الحاويات في خطوط منتظمة. وقد أقامت لهذا الغرض عدة شراكات مع شركات مستأجرة للسفن، وهو النشاط الذي كان في وقد مضى حكراً على الشركات الكبرى التي تنقل البضائع من مصدرها الرئيسي إلى وجهتها النهائية. وبدخولنا هذه السوق، ينتظر أن تقلل بصفة كبيرة من فاتورة الشحن التي كانت تذهب لفائدة شركات أجنبية.
ويحصي النشاط البحري، الذي تسعى الشركة الوطنية للتخصص فيه، بحسب مديرها العام نورالدين كويل، نحو 700 ألف حاوية تنقل سنوياً إلى الجزائر من موانئ الشحن. وفي حال ظفرها بنسبة 20% فقط من إجمالي هذا العدد، فستضمن بذلك تعبئة دائمة لكافة أسطولها طيلة السنة، ومداخيل معتبرة تسمح لها بتوسيع نشاطها وإقامة استثمارات جديدة، ومنه العودة إلى نشاط الشحن ذي البعد العالمي (World-wide).
النقل البحري والجوي للبضائع.. قاعـدة صلبـة لانطلاق الاقتصـاد الجديـد
شدد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في آخر اجتماع للوزراء يوم الأحد الماضي على ضرورة الاهتمام بقطاع نقل البضائع في شقيه البحري والجوي.
وجاء في بيان اجتماع مجلس الوزراء: “ إعادة النظر جذريا في هيكلة وسياسة النقل البحري للبضائع على كل المستويات، من أجل تأهيله وعرض مشروع استراتيجية التسيير الجديدة في غضون شهر” كما أمر رئيس الجمهورية بفتح تحقيق فوري لمحاسبة كل المسؤولين عن تدهور هذا القطاع الاستراتيجي في جميع المستويات والمسؤوليات.
من الناحية الاقتصادية يُدرج مجال نقل البضائع بحريا وجويا ضمن قطاع الخدمات، ويكلف نقل البضائع الجزائر ملايير الدولارات سنويا، ففي سنة 2016 وحسب الموقع المتخصص (oec.world) بلغت واردات الجزائر الخدماتية في مجال نقل البضائع عبر البحر والجو أكثر من 3.6 مليار دولار، وهو ما يمثل 36٪ تقريبا من مجمل واردات الجزائر في مجال الخدمات والتي بلغت في نفس السنة 10 ملايير دولار.
وبالتالي فالاهتمام بهذا القطاع الاستراتيجي من شأنه أن يخفض فاتورة نقل البضائع بشكل كبير ويساعد في المحافظة على احتياطي الصرف من العملة الصعبة، لاسيما وأن أسعار الشحن العالمية قد تضاعفت منذ ذلك الوقت بشكل كبير بسبب جائحة كورونا، أضف الى ذلك زيادة أسعار الطاقة بعد الأزمة الروسية ـ الأوكرانية، وتعطل سلاسل التوريد العالمية وما نتج عن ذلك من موجة تضخم عالمية تعرفها جل دول العالم بمستويات مختلفة.
علاوة على ذلك يعد هذا القطاع المهم مصدرا للدخل والنمو الاقتصادي للعديد من الدول، فقد حققت سنغافورة مثلا سنة 2020 ما مقداره 68 مليار دولار (oec.world) عوائد نظير الخدمات التي تقدمها في هذا المجال تحديدا نقل البضائع عبر البحر، والموقع الاستراتيجي للجزائر باعتبارها بوابة إفريقيا يمكنها الاستفادة من هذا المجال وتحويله إلى مصدر دخل مستدام، لاسيما بعد تجسيد المشاريع المستقبلية خاصة ميناء الحمدانية الجديد والذي يعد أحد أكبر الموانئ البحرية في افريقيا.
وفي نفس السياق أمر رئيس الجمهورية بضرورة فتح المجال أمام الشباب المؤهل والقدماء في هذا المجال لاستحداث شركات في مجال إصلاح السفن، وجاء في بيان مجلس الوزراء كذلك دمج الشركتين الوطنيتين المتخصصتين في نقل البضائع في شركة واحدة وهما “كنان” متوسطية و«كنان” شمال.
ملف: زهرة بن دحمان، جمال الدين بوراس، سعاد بوعبوش، سيف الدين قداش، وعلي مجالدي