تسعى الجزائر لضبط الإحصائيات الحقيقية للثروة الحيوانية قبل نهاية العام الجاري، إذ تعتبر هذه الشعبة الفلاحية أحد أهم الأنشطة الفرعية لقطاع الفلاحة، إذ تسهم في تشغيل عشرات الآلاف من اليد العاملة إضافة إلى ما تقدمه من منتوجات أساسية موجهة للمستهلك بشكل مباشر.
انطلقت المصالح الفلاحية رفقة شركاءها من وزارة الداخلية والمهنيين ومندوبي المصالح الفلاحية، في عملية مسح وطني للثروة الحيوانية في الجزائر، تهدف التحكم في إحصائيات الثروة الحيوانية ورسم معطيات جغرافية لهذه الثروة حسب كل صنف.
وباشرت الغرفة الوطنية للفلاحة بتسخير أعوانها والأطباء البيطريين وممثلي المهنيين في تقييد رؤوس الماشية بنظام تعريفي مع تطبيق معلوماتي لكل أصناف الثروة الحيوانية، من أجل مراقبة وضبط حركة المنتجات الحيوانية.
وتأتي هذه الخطوة امتثالا لتعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال اجتماع مجلس الوزراء منتصف العام الماضي، أين أمر بإحصاء شامل للثروة الحيوانية من أجل التخفيف من استيراد اللحوم، ومن أجل تمكين السلطات العمومية على تكييف السياسات المنتهجة في هذا القطاع الحيوي، والعمل مع مختلف الفاعلين لاسيما ممثلي الموالين، من أجل إيجاد آلية تضمن بشكل متوازن ودائم التوزيع الشفاف للأعلاف وتغذية الأنعام المدعمة، بالموازاة مع تموين منتظم وبأسعار معقولة للسوق الوطنية.
أكد رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة محمد يزيد حنبلي، في تصريحات لـ “الشعب”، أن أي اقتصاد قوي يستند دائما على معطيات وإحصائيات دقيقة، لذا “فإذا أردنا امتلاك إستراتيجية مبنية على حقائق وإحصائيات علمية دقيقة جدّا من أجل الذهاب نحو اقتصاد قوي، يجب الاهتمام بكل ما يتعلق بالإحصاء، كما أن شعبة تربية المواشي لها مكانة هامة في الاقتصاد الوطني”.
وأضاف حنبلي أن هذه الشعبة تستقطب عشرات الآلاف من اليد العاملة وتسهم في امتصاص البطالة، وهو رقم كبير يتطلب وضع إستراتيجية تنموية حقيقية من أجل رفع المردودية في هذه الشعبة، كما أن هذا الإحصاء سيعود بالفائدة على المهنيين والمربّيين.
وأوضح حنبلي أن الهدف الأساسي من الإحصاء هو حماية هذه الثروة الحيوانية من الأمراض ومن التقلبات المناخية وشبح الجفاف الذي أصبح يهدد مساحات الرعي، وتعويضها بالدعم الموجه نحو الموّالين الحقيقيين وفي وقته المناسب.
وأشار رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة أن هذه العملية التي انطلقت قبل أسبوع وتتواصل الى غاية نهاية هذا العام الجاري، تسير تحت إشراف الولاّة، التي تتوّلى تسيير اللجان المكونة من عدة هيئات تضم خبراء من ميدان القطاع الفلاحي والغرف الفلاحية وأطباء بياطرة.
وفي ذات السياق ذكر محدثنا بأن الغرفة الوطنية للفلاحة هي المسؤولة عن منح بطاقات مهنية الفلاّح تحمل رموزا خاصة تشير الى اختصاص كل فلاّح سواء كان يشتغل في شعبة تربية الحيوانات، أو الزراعة، أو في ميدان الأشجار المثمرة..الخ، مؤكدا أن الحصول على هذه البطاقة وبالتالي الاستفادة من كل المزايا والدعم الذي يناله الفلاّح يتطلب ملفا إداريا.
وأضاف حنبلي أن هنالك مندوبي المصالح الفلاحية المنتشرين عبر بلديات الوطن بالإضافة الى الأعوان بالغرف الفلاحية هم من يحملون على عاتقهم مهمّة التحقّق من الأرقام والإحصائيات التي يقدمها الفلاح والتي تؤهله للحصول على البطاقة المهنية والدعم.
وكشف رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة محمد يزيد حنبلي، أن هذه العملية تعتبر إحصاء أوليا وثم يليها عملية أخرى للتعريف بالقطيع، مشيرا الى تنوع أصناف الماشية بالجزائر وهذه العملية ستسمح بمعرفة دقيقة للعدد الحقيقي لكل صنف، كما أنها ستساعد في الحفاظ على بعض السلالات التي تعرف تراجعا كبيرا نتيجة التهجين العشوائي، الذي استفادة من سهولة نقل رؤوس الماشية من منطقة لأخرى.
وأكد حنبلي أن الموّالين الحقيقيين رحبوا بعملية إحصاء رؤوس الماشية، وهذا ما سيمهّد للانطلاق في عمليات أخرى تتعلق بتنظيم هذه الشعبة حتى من ناحية القوانين والإجراءات المعمول بها في التنقل والدعم.
من جهته، أوضح رئيس الفدرالية الوطنية للموالين جيلالي عزّاوي، أن الإحصاء للثروة الحيوانية بالجزائر من أهم المطالب التي نادت بها الفدرالية لسنوات عديدة، وتحمل العملية عديد الأهداف من وجهة نظر الموّالين وعلى رأسها الكشف عن الرقم الحقيقي للثروة الحيوانية بالجزائر، ومن جهة أخرى فالعملية بإمكانها تحرير الموّال الحقيقي بعد أن تعرض لاكتساح حقيقي من طرف أشباه الفلاحين والموّالين المزيفين الذين لا هم لهم سوى الاستفادة من الأعلاف المدعمة وإعادة بيعها بأثمان خيالية.
وأضاف عزّاوي أن العملية ستنظم السوق وستسمح باتخاذ القرارات المناسبة من أجل التحكم في أسعار اللحوم الحمراء والتي تتطلب وفرة في العرض، وأضاف أن أي تشويش على هذه العملية مصدره الفئات التي كانت تستفيد من الدعم بغير وجه حق، مشيرا إلى أن كل الموالين الحقيقيين يرحبون بالإحصاء، وبأقراط الأذن المرقمّة التي توضع في أذن رؤوس الحيوانات قصد تعريفها.
ويرى رئيس الفدرالية الوطنية للموالين، أن الجفاف الذي ضرب البلاد في السنوات الأخيرة قلص كثيرا من المساحات الرعوية، وهو ما تطلب تدخل الدولة من اجل دعم الفلاح المربي للماشية وهنا يقول عزّاوي “ إن الهدف الأسمى من هذه العملية هو عصرنة هذه الشعبة، والاستفادة من المساحات الشاسعة التي تزخر بها بلادنا بطريقة علمية ودقيقة”.
وأكد رئيس الفدرالية أن الموّالين المزيفين أو بالأحرى الفلاّح المزيف لن يسير في أي برنامج لا سيعرقل أي خطوة تهدف للنهوض بالقطاع او الشعبة، فبطبيعة الحال فإن أي تطوير للشعبة خاصة من ناحية الرقمنة لا يخدم أشباه الموّالين.
وأضاف محدثنا أنّ آخر رقم مقدّم عن الثروة الحيوانية قبل سنتين كان يشير الى تجاوزها 28 مليون، لكن الأوضاع المناخية الذي يعرفها العام والخاص أدت الى تراجع هذا الرقم الذي سنتأكد منه من خلال الإحصاء الحقيقي الذي تعكف عليها المصالح الفلاحية والشركاء خلال هذه الفترة.
يرى عضو الأمانة العام للفيدرالية الوطنية للموّالين بوكارابيلا محمد، أن الغطاء النباتي في تراجع والحصة التي تقدم للموّالين على أساس دعم لا تغطّي حتى ثلث ما تستهلكه الماشية المعنية بالدعم، ودعا محدثنا الى اعتماد آليات أكثر صرامة في توزيع بطاقات الموّالين من اجل حصر الدعم الموجه في الأعلاف لمستحقيه.
واقترح عضو الأمانة العامة للفدرالية الوطنية للموالين، إقامة شراكة بين الغرفة الوطنية للفلاحة والصندوق الوطني للتعاون الفلاحي، من اجل تمويل هذه العملية في وقت سابق، مشيرا الى أن الإحصاء الدقيق سيرفع الضغط على الحكومة في عملية دعم أسعار الأعلاف، التي بلغت أسعارا خيالية في الآونة الأخيرة.
وأكد بوكارابيلا أن الموّالين لطالما وجهت لهم أصابع الاتهام بشأن ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، في حين أن هؤلاء يعانون من غلاء فاحش في أسعار الأعلاف تصل الى 4500 دينار جزائري للقنطار الواحدة من النخاّلة، في حين بلغ سعر منتوج الشعير 6000 دينار جزائري للقنطار الواحد.
وأشار محدثنا أن هذا الارتفاع مرّده كثرة الموّالين الوهميين الذين يتاجرون بالعلف المدعم ويزاحمون الموّال الحقيقي الذي يضطر لشراء العلف مهما كان ثمنه.