تستعد السلطات العمومية لإطلاق الإحصاء العام للسكان والإسكان السادس في تاريخ الجزائر، بتسخير إمكانات مادية معتبرة وتجنيد واسع للمسؤولين وجميع القائمين على العملية في المقاطعات الإدارية، لجمع البيانات الإحصائية.
عملية هذا العام ستتم في إطار الحرص التام على ضمان مصداقية الإحصاء العام للسكان بغرض الوصول الى معلومة دقيقة ومضبوطة ونتائج فعالة تساعد على تخطيط أفضل للسياسة العامة للبلاد.
دخلت التحضيرات لإحصاء السكان والإسكان مراحلها الأخيرة قبل انطلاقها بشكل رسمي يوم 25 سبتمبر، حيث شملت العملية 4274 مقاطعة إحصائية تضم أكثر من 4 ملايين نسمة، فيما بلغ عدد الأعوان الذين تم تسخيرهم 4269 عون إلى جانب 583 مراقب في إطار الاستعداد لتنفيذ أعمال التعداد العام للسكان بعد الانتهاء من ترقيم وحصر المباني وعد السكان وجمع خصائصهم الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية لتحقيق أعلى درجة من مراقبة جودة العمل وتطبيق المعايير الدولية التي تساهم بشكل فعال في تقييم النتائج ودراستها بدقة.
التكنولوجيات الرقمية لتصحيح المعلومات المُتناقضة
وعملت السلطات العمومية، تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، على تسخير الإمكانات اللازمة لإنجاح عملية الإحصاء العام للسكان والإسكان التي سيتزامن انطلاقها مع الدخول الاجتماعي المقبل من خلال توفير كل الوسائل المادية والبشرية، خاصة ما تعلق بالاعتماد على لوحات رقمية ذكية لأول مرة في هذه التجربة لجمع البيانات ميدانيا والاستغناء بشكل تام عن النماذج الورقية واستخراج النتائج بصورة دقيقة وآنية بعد تجاوز العملية مرحلة تعداد السكان إلى جمع البيانات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية.
التكنولوجيات الرقمية
ويشكل استعمال التكنولوجيات الرقمية في جمع البيانات ومعالجتها بدلا عن الاستبيانات الورقية وتطبيقها في الإحصاء الوطني للسكان، قفزة نوعية في تاريخ الإحصاء في الجزائر، نظرا للتسهيلات التي تضمنها من حيث السرعة في تحميل البيانات وسلاسة العملية، بالإضافة الى المساهمة في تصحيح المعلومات المتناقضة في الوقت المناسب قبل وصولها الى مرحلة جمع البيانات على المستوى المركزي لتفادي وقوع عراقيل قد تتسبب في تعطيل عملية الإحصاء عن موعدها المحدد، لاسيما ما تعلق بالإدلاء بمعلومات كاذبة بحجة الظفر بسكن إضافي وبالتالي المساهمة في الكشف عن أساليب الكذب والتحايل على العدادين.
كما سمح استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في الإحصاء، بتيسير عملية جمع الـمعلومات الإحصائية المتعلقة بالإحصاء العام للسكان والإسكان وتسهيل استغلال المعطيات، بالإضافة إلى تقليص تكاليف وآجال جمع هذه الـمعلومات ومعالجتها، فضلا عن استنتاج الدروس لتفعيلها في مراحل التعداد الفعلي من خلال الاستفادة من نتائج التجربة في وضع منهجية واستمارات التعداد في صورتها النهائية وفقا للتوصيات الدولية وتلبية لاحتياجات مستخدمي البيانات، ما من شأنه أن يساهم في توفير إحصائيات حول مختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتشمل عملية الإحصاء العام السكان والإسكان، التي شرع في التحضير لها منذ سنتين، كل مكونات المجتمع الجزائري وجميع المؤسسات، مع العمل على تقسيم القطر الوطني إلى مقاطعات إحصائية في إطار بذل جهود كبيرة من أجل السهر على الوصول لمعلومات دقيقة ومضبوطة والحصول على نتائج فعالة تساعد على تسهيل وضع الاستراتيجيات والسياسات واتخاذ القرارات على كل المستويات، بما يضمن تكفلا أمثل بالاحتياجات المتزايدة للسكان وتقديم خدمة عمومية أرقى على جميع المستويات، كما يساعد السلطات على اتخاذ قرارات تتماشى مع الواقع ويعطي دفعة للتنمية في البلاد.
أسلوب العينة
وسبق الإحصاء العام السادس للسكان والإسكان الذي تستعد له الجزائر لإجرائه في غضون الجاري، خمس عمليات نظمت خلال سنوات سابقة كانت أولها في سنة 1966 اعتمادا على أسلوب العينة، ثم أعقبته تعدادات في سنة 1977 و1987 و1998 وكلها اعتمدت على نظام الحصر الشامل للسكان.
4274 مقاطعة إحصائية.. 4269 عون و583 مراقب للتأطير
وأصبحت هذه العملية تقليدا والتزاما للدولة يجرى كل عشر سنوات، نظرا لأهميتها الاقتصادية والاجتماعية، وآخر عملية إحصاء عام للسكان والإسكان نظمت في سنة 2008 والتي أسفرت عن إحصاء 35 مليون نسمة، قبل تنفيذ الحكومة عدة تجارب قبلية أدت نتائجها إلى التحول للتعداد الإلكتروني باستخدام اللوحات الرقمية والرقم المكاني، وذلك لسرعة استخراج النتائج وتحقيق الشمول والدقة في الإحصاء وجمع المعلومات وتطبيق معايير جودة عالية تسهم بشكل فعال في تقييم النتائج ودراستها.
التخطيط الوطني
وما تزال الجهود مستمرة لتوجيه المنظومة الإحصائية نحو الاستجابة الفعالة للاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية وتنفيذ تعليمات رئيس الجمهورية بخصوص تبنى سياسة التخطيط الوطني على أسس صحيحة، مما يساعد على معرفة حجم الاستهلاك الوطني يوميا، ويمكن من تكييف حجم الصادرات والواردات وفق الاحتياجات الحقيقية للاستهلاك ووارداتنا وفق حاجياتنا الحقيقية، بالإضافة الى تجسيد طلبه المتعلق بإعداد شبكة تفاعلية للإحصائيات تمتد عبر مجموع التراب الوطني من أجل تسهيل عملية التحكم في الاقتصاد.
وكان الديوان الوطني للإحصائيات، قد أعلن سابقا عن أرقام تفيد أن عدد سكان الجزائر بلغ 43,9 مليون نسمة مطلع العام 2020، مقابل 43.4 مليونا مع بداية 2019، مع توقعات أن يبلغ عدد سكان البلاد مطلع العام 2021 الجاري 44,7 مليون نسمة، على أن يصل إلى 51,3 مليون نسمة مع حلول العام 2030 و57,6 مليون نسمة العام 2040، في انتظار ما سيسفر عنهN العام المرتقب للسكان والإسكان.
مختصون في الاقتصاد: المنظومة الإحصائية في خدمة الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية
يجمع عدد من المختصين في الشأن الاقتصادي، على أهمية العملية السادسة للإحصاء العام للسكن والسكان، التي ستنطلق شهر سبتمبر الجاري، حيث يؤكد المختصون أن العملية ستساهم في تحديد الاحتياجات والأولويات في رسم مخططات السياسة الاقتصادية العامة ووضع برامج التنمية المحلية.
ويرى الدكتور إسحاق خرشي، المختص في الاقتصاد، أن عملية الإحصاء العام للسكن والسكان مهم جدا من الناحية الاقتصادية، حيث أن من شأن معرفة عدد السكان المساعدة على تحديد احتياجاتنا من الاستهلاك في القطاعات الكبرى وتنوع احتياجاتنا من استهلاك الغاز الطبيعي مثلا، لأن حجم الاستهلاك الوطني ما بين 60 حتى 65٪ من الإنتاج الوطني وهذا يؤثر على حجم الصادرات من الغاز الطبيعي وبالتالي من المهم تحديد تعداد السكان، من أجل توقع حجم الاستهلاك وارتفاع الكميات أو انخفاضها.
وتبرز أهمية عملية إحصاء السكان في قطاع الفلاحة، خاصة شعبة الحبوب، لتحديد احتياجاتنا الحالية والمستقبلية من الحبوب واحتياجاتنا التي يجب أن ننتجها في الداخل، وكم يجب أن نستورد لتغطية الطلب المتزايد على الحبوب نتيجة تزايد الكثافة السكانية وارتفاع معدلات الاستهلاك. وبالتالي فإن تحديد التعداد السكاني ضروري ـ بحسبه ـ من أجل رسم آليات التنمية المحلية ومختلف المشاريع التي تحتاجها هذه الكثافة السكانية. كما يعد هذا الرقم مهما حتى في مخطط انضمام الجزائر إلى منظمة “بريكس”، لأن الأعضاء المتواجدين في هذه المنظمة لديهم كثافة سكانية كبيرة، بحسب ما أشار إليه المتحدث.
واعتبر الدكتور خرشي، أن الأهم ليس فقط الرقم، حيث أننا بحاجة إلى تصنيف التعداد السكاني وفقا للفئات العمرية المعتمدة وهي فئة الرضع وفئة الشباب وفئة الكهول وفئة الشيوخ، حتى نعرف ما هي الفئة العمرية التي تمثل أكبر نسبة من سكان الجزائر وحتى نستهدفها من الناحية الاقتصادية.
وأوضح محدثنا هنا، أن المتوقع أن تكون الكثافة السكانية في الجزائر كبيرة في الفئات العمرية الخاصة بالشباب، مما يتطلب استهدافهم بمشاريع اقتصادية وصناعات ثقيلة وصناعات تتطلب جهدا بدنيا وفكريا وهو أمر ضروري من أجل بناء الجزائر، بالإضافة إلى أن معرفة الفئات العمرية ستساعدنا في معرفة متطلبات عملية التنمية المحلية وحتى نحدد كم نحتاج من ابتدائيات ومتوسطات وثانويات وجامعات، حتى لا تكون النتيجة النهائية، الاكتظاظ ومشكل غياب التنظيم وما إلى ذلك، وكذلك نسبة البطالة في الفئات العمرية التي تعد أيضا مهمة لرسم سياسات التشغيل في الجزائر.
وأضاف، أننا من خلال هذه العملية نحتاج أيضا معرفة المستوى الثقافي في هذه الكثافة السكانية بالنسبة لعدد السكان والفئات العمرية، حتى نعرف كيف نخاطب هذه الفئات العمرية ومن أجل معرفة البرامج الثقافية والإنتاج التلفزيوني وهي جوانب مهمة من ناحية التوعية وتوجيه الرأي العام نحو قضايا معينة تخدم البلاد .
كما أنه من المهم كذلك التعرف على عدد الوفيات في كل سنة، حتى نقف أكثر على أسباب هذه الوفيات ونتمكن من دراسة إمكانية تقديم الحلول.
تفاعل إيجابي
أما الدكتورة آسية قمو الأستاذة بقسم العلوم المالية والمحاسبة بكلية الاقتصاد بجامعة قاصدي مرباح بورقلة، فأكدت من جانبها أن أهمية عملية الإحصاء التي ستنطلق هذا الشهر، تظهر من خلال المساهمة في توفير معلومات كافية حول التعداد السكاني والبيانات الأساسية لكل تطلعات الدولة المتعلقة بالصحة والتعليم والإسكان والبطالة.
كما اعتبرت أن هذا يبقى مرهونا بجدية العملية وتجاوب المواطنين ويعد الأمر ضروريا، خاصة بعد الأزمة العالمية وتفشي وباء كوفيد-19 والتقسيم الإداري الجديد وهو ما سيوضح أيضا معدل الهجرة للسكان الداخلي والخارجي.
ويعتبر توضيح أهمية العملية السادسة لإحصاء السكن والسكان بالنسبة للمواطن أمرا ضروريا، بحسبها، حين نتكلم عن بلوغ الأهداف المرجوة من العملية، كونه يمثل عنصرا فعالا فيها، والتي من شأنها أن تعود بالفائدة في تسيير المال العام، خاصة بعد صدور القانون العضوي الجديد لقوانين المالية قانون 04 رقم 18-15 المؤرخ في 2 سبتمبر 2018 والذي سيدخل حيز التطبيق سنة 2023، حيث أن أهم ما جاء فيه هو ضرورة أن تكون حسابات الدولة منتظمة وصادقة وتعكس بصفة ملخصة ممتلكاتها ووضعيتها الحالية.
كما أشارت المتحدثة إلى أن العملية السادسة للإحصاء ستساهم في تدعيم مفهوم التشاركية والشفافية والمساءلة وتعزيز حكم القانون، بما يحقق الاستجابة لمتطلعات ورغبات المواطنين وبالتالي نجاح تنفيذ العملية مرهون بمدى التفاعل الإيجابي مع المجتمع وتعتبر العملية ضرورية لتحديد وضبط ميزانية كل منطقة وتحديد الأولويات في المشاريع حسب التعداد السكاني لكل منطقة ومعدل العمالة فيها.
إحصائيات لا تقديرات
وركز الدكتور أحمد جعفري، أستاذ الاقتصاد بجامعة المدية، على أهمية عملية إحصاء السكان من أجل ضبط مخططات واستراتيجية الدولة في بناء اقتصادها والتي تتطلب الاعتماد على إحصائيات دقيقة وليس مجرد تقديرات.
وبهذا الخصوص اعتبر أن الإحصاء العام للسكان والإسكان من شأنه أن يوفر قاعدة هامة من المعطيات ويوضح مجموعة من المؤشرات الاجتماعية الاقتصادية التي تسمح بتنوير مسار صنع القرار العمومي من أجل تكفل أفضل باحتياجات السكان المتنامية وتحسين الخدمة العمومية.
وأكد أن لهذا التعداد أهمية كبرى على جميع الأصعدة في الجزائر، إن على المستوى الاجتماعي، الاقتصادي أو غيرهما. كما أن هذا التعداد يتطابق مع أهداف رؤية الجزائر المستقبلية التي تطمح أيضاً لمستقبل أفضل اجتماعيا واقتصاديا، مشيرا إلى أن أهم أهداف إحصاء وتعداد السكان في الجزائر 2022، توفير قاعدة مهمة جداً لأصحاب القرار.
وتؤدي العملية دوراً أساسياً في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية وتوفير البيانات التي تتطلبها الخطط التنموية، كما تساعد أيضاً بيانات التعداد السكاني في تطوير الخدمات العامة ويعمل التعداد السكاني على مساعدة رواد الأعمال والقطاع الخاص في تطوير أعمالهم وكذا الباحثين.
500 مليار سنتيم و 60 ألف عون لإنجاح العملية
سيكون الإحصاء العام للسكن والسكان مصدرا مهما لمعطيات ومؤشرات اقتصادية واجتماعية الحقيقية لكل منطقة باستحداث شبكة تفاعلية للبيانات والإحصاء، تسمح بتوجيه دقيق للسياسة العامة للدولة من خلال تكريس المقومات التنموية العادلة لكافة الفئات والمناطق وتقليص الفوارق التنمية بينها، في إطار التزامها بتحقيق إقلاع اقتصادي في مختلف القطاعات الإستراتيجية، فسياسة الدولة لا تبنى على تقديرات بل على إحصائيات دقيقة وعلمية لمعرفة الحاجيات الحقيقية للاستهلاك وضبط الاستيراد، لنذهب بعدها للإنتاج لتحقيق الهدف الأول للدولة بلوغ السيادة الاقتصادية والأمن الغذائي، وكذا تنمية محلية شاملة ومستدامة، تساهم في خفض نسبة البطالة، وتنعكس إيجابا على مختلف مناحي حياة الساكنة.
قاعدة بيانات دقيقة من أجل وصول الدعم إلى مستحقّيه
يأتي الإحصاء العام للسكن والسكان السادس في تاريخ الجزائر في ظروف اقتصادية واجتماعية مهمة تخطو فيها الجزائر خطوات عملاقة لتحقيق السيادة الاقتصادية والامن الغذائي، بالتزامن مع ذلك تعلن تمسكها ببعدها الاجتماعي من خلال تبنيها الدعم الموجه الذي سيعطي سياسة الدولة الاجتماعية نجاعة بوصول الدعم الى مستحقيه من الفئات الهشة، كل ذلك لن يتحقق الا بوجود قاعدة بيانات دقيقة تسمح بوضع السياسات العامة للبلاد بما يتلاءم مع احتياجات الحاضر واستشراف المستقبل.
وبشأن عملية الإحصاء السكاني لسنة 2022، أمر رئيس الجمهورية جانفي الماضي استخدام تكنولوجيات حديثة مبتكرة منتجة محليا بقدرات شبانيه وطنيا، بما يتناسب مع التزام الدولة بالإقلاع الاقتصادي انطلاقا من اعلان السنة الجارية اقتصادية بامتياز، في نفس السياق ودعما لهذا المسعى، تعكف الحكومة على تقوية شبكة احصائية محلية وانشاء قاعدة بيانات مرجعية حول الامكانيات والمؤهلات المحلية لكل بلدية وكذا مؤشرات الانسجام والتناسق الاجتماعي.
مسح إحصائي شامل
في هذا الصدد قال الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، في وقت سابق “سيتم إدراج مسح إحصائي بلدي شامل، سيساهم في توجيه سياسات التنمية بتكريس المقومات التنموية العادلة لكافة الفئات والمناطق وتقليص الفوارق التنمية بينها، لتأخذ بعين الاعتبار المعطيات والمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية لكل منطقة”
فيما صرح المدير العام للديوان الوطني للإحصائيات، يوسف بوعزيزي، الشهر الماضي ان ضبط الإحصاء العام للسكن والسكان سيسمح بالوصول الى “نتائج مثالية تساعد على تخطيط أفضل في السياسة العامة للبلاد من حيث اتخاذ القرارات المرتبطة بحاجيات المواطنين في مختلف المجالات”، من خلال توفيره “المعطيات الدقيقة للسلطات المركزية والمحلية على حد سواء” وأيضا في “تسهيل وضع الاستراتيجيات والسياسات واتخاذ القرارات على كل المستويات بما يضمن تكفلا أمثل بالاحتياجات المتزايدة للساكنة وتقديم خدمة عمومية أرقى في جميع مناحي الحياة”.
سليماني: اقتصادي بامتياز
في اتصال مع “الشعب”، أكد الخبير الاستراتيجي والاقتصادي عبد القادر سليماني،ضرورة ان يكون الإحصاء العام للسكن والسكان السادس المزمع اجراؤه في 26 سبتمبر الجاري، نوعيا وليس كميا فقط، فإلى جانب معرفة التعداد السكاني للجزائر يجب معرفة ما تملكه الجزائر من مؤهلات بشرية كعدد الأطباء والفلاحين حتى يساعد الدولة على وضع رؤية اقتصادية مبنية على التخطيط والاستشراف.
لذلك أمر رئيس الجمهورية في جانفي الماضي من نفس السنة باستخدام أحدث التكنولوجيات والابتكارات والرقمية المنتجة محليا من طرف مؤسسات ناشئة جزائرية ومؤسسات وجمعيات مقاولاتية شبانيه ليساهموا بالآليات والتكنولوجيا العالية والرقمنة والحلول.
وقال إن الإحصاء العام السادس يستمد أهميته من كونه الأول في العشر ولايات الجديدة لذلك يجب أن يوازي الإحصاء الديمغرافي إحصاء اقتصاديا لمعرفة القطبية الاقتصادية لكل ولاية، من اجل وضع خارطة سكانية واقتصادية تمكننا من التعرف على الخصائص الجغرافية لكل ولاية وطبيعتها ان كانت فلاحية مثلا او زراعية او صناعية او صيد بحري او صحراوية، حتى تكون نظرة الدولة الاستراتيجية بعيدة الأمد اتجاه الولاية، فإلى جانب معرفة عدد سكانها هناك قيمة مضافة هي إحصاء ثرواتها ومقدراتها الاقتصادية.
مخططات تنموية
في ذات السياق، ذكر سليماني بطلب رئيس الحكومة عند لقائه مع الولاة المتمثل في اجراء إحصاء ديمغرافي بمؤشرات اقتصادية لكل بلدية، فاذا كان هناك 1542 بلدية على المستوى الوطني، يجب تحديد ما تملكه كل واحدة منها من قطبية اقتصادية، بمعرفة ما يمكنها تقديمه من قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، من خلال استغلال أمثل لمقدراتها وثرواتها الطبيعية، وكذا ضبط ما يتعلق بتمويل المشاريع سواء كانت تنموية او تلك الموجهة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الناشئة او الشركات المصغرة.
واعتبر الإحصاء السكاني المقبل مهما للتنمية المحلية لأنه يسمح للدولة بوضع مخططات تنموية على مستوى البلديات والولايات، ولوضع مخطط عمل الحكومة على مستوى البلديات، مهم أيضا لإنشاء شبكة إحصاء تفاعلية على مستوى الديوان الوطني للإحصاء مرتبطة بأرضية بيانات لكل ولاية ومنطقة، ما يسمح بوضع مخططات تنموية اجتماعية واقتصادية للساكنة، فيما سيساعد الحكومة في وقت لاحق على إحصاء العقار الفلاحي والصناعي والاقتصادي من أجل نظرة شاملة عن القطبية الاقتصادية لكل منطقة من الوطن.
قاعدة بيلنات
وعن الإحصاء العام للسكن والسكان، قال الخبير الاقتصادي انه سيكلف الخزينة العمومية 500 مليار سنتيم، بينما سيشارك فيه 60 الف عون بالإضافة الى المؤسسات الناشئة والمقاولين الشباب، وستستعمل اللوحة الرقمية للمرة الأولى في هذه العملية، كل ذلك بغية اجراء إحصاء كمي ونوعي للحصول على مؤشرات اقتصادية.
ستشكل قاعدة البيانات التي ستسمح بعد الدراسة التحليلية لها بإعطاء رؤية إستراتيجية شاملة للسياسة العامة للدولة على المدى الطويل والمتوسط، مثلا سيتم دراسة الاحتياجات الاجتماعية لمنطقة الهضاب العليا في 2030 من المستشفيات والمؤسسات التعليمية والجامعات، والاقتصادية، فإذا علمنا أنها منطقة تتميز بالحبوب سيمكن بالإمكان معرفة احتياجاتها من الصناعة الغذائية، والحفر(forage)، الري، الأسمدة.
وعليه كشف الخبير الاقتصادي ان الإحصاء العام للسكن والسكان يهدف الى هدفين مهمين الأول تنموي اجتماعي، فلأن الجزائر دولة اجتماعية هي بحاجة الى تحديد وإحصاء احتياجات المجتمع من سكن ومؤسسات التعليمية وخدمات صحية وغيرها، والثاني اقتصادي بحت يرجى من ورائه معرفة ثروات الجزائر وإنشاء قاعدة بيانات تسمح بإعطاء تمويلات للشباب، ومعرفة حاجة المنطقة الاقتصادية إن كانت فتح مصانع أو الدخول في شراكة مع خواص او أجانب. إضافة الى إنشاء المؤسسات الناشئة وتشجيع المؤسسات، فالكل يعرف القطبية الموجودة خاصة على مستوى القطاعات الاستراتيجية كالطاقة، المناجم، الفلاحة، الصناعة والصناعة الصيدلانية وبناء السفن والصيد البحري.
واستدل في سياق حديثه بالسد الأخضر الذي يرتقب أن ينطلق مشروع إعادة بعث برنامجه عبر 13 ولاية بمناطق السهوب والهضاب العليا بداية من العام المقبل، حيث سيسمح هذا الإحصاء بمعرفة عدد الاشجار الواجب غرسها، وكم شجرة منتجة نريد لها ان تكون أحد مكونات السد كشجرة الارغان، الزيتون، والتين، وهو ما يجعله مهما للتنمية الاجتماعية الاقتصادية.
وسيستمر الإحصاء السادس حسب المتحدث على مدار 15 يوما تحت اشراف الديوان الوطني للإحصاء، سيتم خلال العملية تقسيم المناطق الى قطاعات حيث تقسم الولاية الى بلديات، والبلديات الى قطاعات وكل قطاع الى مسار ، حيث يقوم كل مشارك من الـ 60 ألف بإحصاء من 100 الى 120 عائلة في غضون 15 يوما في المدينة، وبين 60 و80 عائلة في الريف.
وبالإضافة الى انه سيكون لأول مرة بمؤشرات اقتصادية، ستشارك وزارة الرقمنة والاستشراف والاحصاء لأول مرة في هذا الاحصاء، حيث ستقوم بمعالجة البيانات لاستخراج ما تحتاجه الدولة من نسب في مختلف الوزارات والولايات، خاصة فيما تعلق بالاستهلاك كطريقة وسلوك وكذا السلوك الاقتصادي لدى الساكنة في كل ولاية.
وكما يعلم الجميع احصت الجزائر 44 مليون نسمة في 2021، اما في2030 فمن المتوقع بلوغ 51 مليون و57 مليون نسمة في 2040،احصائيات تستوجب حسبه استشراف حاجيات الساكنة من نقل وسكن وتعليم وصحة ومناصب شغل لـ 57 مليون في 2040، بالإضافة الى تحقيق السيادة الاقتصادية من خلال قاعدة البيانات التي تؤسسها الجزائر من الإحصاء السكاني، بمعرفة حاجيات الساكنة من المواد الواسعة الاستهلاك كالسكر والزيت والفرينة والحليب. وعلى هذا الأساس توجه الدولة الشركات مثلا لإنتاج الزيت بإنشاء مصانع تكفي لسد حاجيات السوق من هذه المادة، مع تخصيص مناطق تملك المؤهلات الطبيعية لزراعة السلجم الزيتي او الصوجا او الذرة، ما يعني التحكم في سلسلة القيم وهو ما يسمح به الإحصاء السادس الديمغرافي الاجتماعي والاقتصادي في الجزائر.
توزيع عادل للمال العام
وعن الأبعاد الاجتماعية للإحصاء السادس المزمع اجراؤه في 25 سبتمبر القادم، وأهميته بالنظر إلى الظروف الحالية التي تعيشها الجزائر، اعتبر المختص الاجتماعي المختص بجامعة تامنغست الدكتور نعيم بوعموشة التعداد السكاني أحد أهم مصادر الحصول على البيانات السكانية، وهو عملية إحصائية تقوم بها الدولة كل 10 سنوات غالبا وذلك بإحصاء أو عد جميع السكان على المستوى الوطني عن طريق الزيادة المباشرة لكل شخص أو أسرة في وقت محدد وعلى فترات منتظمة، وتسجيل البيانات الخاصة بهم.
ويمكن من خلالها التعرف على العدد الإجمالي للسكان وتوزيعهم الجغرافي والتغيرات الحاصلة في حجم السكان وعدد الأفراد في مختلف الفئات العمرية وأنواع الأنشطة التي يمارسونها وغير ذلك، وبعد تنسيق المعطيات والبيانات التي جمعت يتم نشرها حتى تستفيد منها الدولة في التخطيط الاجتماعي والاقتصادي ووضع سياسات شاملة للتنمية.
وأكد المختص الاجتماعي، أهميته وضرورته للسياسة الحكومية في المجالات المختلفة لتسهيل نشاطها في الحاضر والمستقبل، فلو نأخذ على سبيل المثال قطاع التجارة والصناعة فإن التقديرات التي يمكن الثقة بها عن طلب المستهلكين على السلع والخدمات التي يتزايد تنوعها باستمرار تتوقف على معلومات دقيقة عن حجم السكان وتوزيعهم حسب العمر والنوع، لأن الخصائص تلك تؤثر بشدة على الطلب في مختلف القطاعات كالسكن والتموين ومرافق الترفيه والخدمات الصحية والتعليمية …الخ.
فعملية اتخاد القرارات فيما يخص التنمية الاجتماعية والاقتصادية لابد أن تكون مدعومة ببيانات دقيقة عن كل منطقة، لتسطير سياسات وبرامج تنموية سليمة تتماشى واحتياجات وتطلعات المواطن.
ومن هذا المنطلق وبالنظر للظروف الراهنة التي تعيشها الجزائر، أوضح بوعموشة إمكانية الاستفادة من التعداد السكاني في توفير المعطيات حول الخصائص المهمة للسكان والتي تحتاجها الحكومة ومختلف الهيئات سواء في التخطيط أو التنفيذ أو في مواجهة وحل المشكلات اليومية الملحة للمواطن الجزائري كالزيادة في الطلب على الاستهلاك، الطلب المتزايد على السكن، ارتفاع الطلب على التعليم بمختلف أطواره، الزيادة في الطلب على العمل، الطلب على الخدمات الصحية وغيرها، لان التعداد السكاني يوفر بيانات إحصائية مفصلة عن كل السكان وخصائصهم ومعدلات ومؤشرات النمو السكاني وتركيبهم.
كما أنه بمثابة رصد لمعدل النمو الاجتماعي والاقتصادي والديموغرافي، وتوفير البيانات الأساسية لكافة القطاعات بهدف المتابعة والتقييم للخطط المتعلق بتوفير الخدمات التي يحتاجها المواطن، وتسليط الضوء على المناطق المحرومة لإعطائها المزيد من الاهتمام وتوفير الاحتياجات والخدمات الغائبة عنها من باب التوزيع العادل للمال العام.
ملف في جريدة الشعب، عدد اليوم من إعداد: