اتجهت الجزائر في الآونة الأخيرة إلى الدبلوماسية الاقتصادية لدعم المقاربة الجديدة للاقتصاد الوطني، القائمة على التنوع والانفتاح على الاقتصاد العالمي، وفق ما هو حاصل من متغيرات.
حوار: فايزة بلعريبي
الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي الدكتور سليمان ناصر، في اتصال مع “الشعب”، أوضح أن الجزائر عملت على تنشيط الدبلوماسية الاقتصادية عن طريق سفاراتها وقنصلياتها الموزعة عبر العالم. ويرى أن مهام هذه الأخيرة كان مقتصرا على الإجراءات الإدارية المتعلقة بمختلف شؤون الجالية الجزائرية بالخارج، دون التفكير في تنشيط التعاون الاقتصادي بين الدول الأجنبية والجزائر. وسعت الجزائر الجديدة لتداركه باستحداث منصب “ملحق اقتصادي”، بالموازاة مع سياسة اقتصادية جديدة تسعى إلى استقطاب المستثمر الأجنبي وقانون جديد للاستثمار.
وفود رفيعة المستوى لاستقطاب المستثمرين
أشار المتحدث إلى أن وجهات الزيارات الأخيرة لرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، التي تدخل في إطار النشاط المكثف للدبلوماسية الجزائرية من أجل تعزيز علاقات الصداقة مع العديد من الدول الصديقة والحليفة اقتصاديا، كانت مدروسة استراتيجيا، كتلك الزيارات التي قام بها إلى كل من قطر وتركيا رفقة وفد مهم من رجال الأعمال والمنظمات الوطنية التي تنشط في مجال الاستثمار، وكذا زيارته إلى إيطاليا التي تعتبر الشريك الاقتصادي الأول للجزائر من حيث الصادرات المتمثلة في المحروقات ومدخلاتها والعديد من المنتجات خارج المحروقات، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الجزائر وإيطاليا سنة 2020، 6 ملايير دولار، بحسب آخر تقرير لمديرية الجمارك، في انتظار الإفراج عن آخر الأرقام المتعلقة بالسنة الحالية من طرف هذه الأخيرة.
الاستثمار الأجنبي.. حجر بناء الاقتصادات الناشئة
قانون الاستثمار الذي تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان وصدر منذ يومين في العدد 50 من الجريدة الرسمية، يعطي امتيازات كبيرة للمستثمر الأجنبي أوالمحلي من القطاعين العام والخاص، حيث اعتمدت كل مواده على توفير مناخ استثماري مشجع ومستقطب للشريك الأجنبي، كما هو الحال بالنسبة للإستراتيجية المتبعة من طرف الاقتصادات الناشئة، كتركيا، البرازيل وماليزيا والهند التي تعتمد على فتح المجال أمام الاستثمار الأجنبي، من خلال تقديم ضمانات وتسهيلات جبائية وجمركية واستحداث الشباك الوحيد وغيرها من التفاصيل التي وردت في قانون الاستثمار.
مواد اتفقت في مضمونها على أن تحمل رسالة أمان واضحة للمستثمر، خاصة ما تعلق بمدة صلاحيتها التي لا تقل عن عشر سنوات ومرافقته بالنصوص والمراسيم التنفيذية المتممة له وكذا إعادة النظر في قانون الصفقات العمومية وقانون البلدية، ليصبح المجال التنظيمي كلاّ متكاملا، من أجل إنجاح الإستراتيجية الاقتصادية التي انتهجتها الجزائر منذ سنتين، عزما منها على إعادة بناء الاقتصاد الوطني واغتنام المعطيات الدولية الراهنة لصالح هذا الأخير.
الجزائر- تركيا.. امتداد تاريخي شجع الشراكة
بالنسبة للاستثمارات الأجنبية بالجزائر، يذكر الخبير، الشريك التركي، الذي تعتبر علاقتنا به امتدادا تاريخيا ساهم كثيرا في تمتين العلاقة بين الحكومتين وكذا الشعبين التركي والجزائري اللذين يتقاسمان الكثير من العادات والتقاليد، وهذا ما أكده رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في لقائه الدوري مع الصحافة.
وعبر عنه عدد الشركات التركية الناشطة بالجزائر الذي بلغ 1400 شركة، كما بلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين 4 ملايير دولار، و4.5 ملايير دولار حجم الاستثمارات التركية بالجزائر، بحسب تصريح لسفيرة تركيا بالجزائر؛ رقم يعمل البلدان على تطويره من خلال شراكة قوية، خاصة في مجال الصلب والنسيج، كمصنع النسيج بغليزان.
الاستثمارات القطرية هي الأخرى، يضيف الدكتور ناصر، عززتها العلاقات السياسية الطيبة بين البلدين. وتأتي زيارة رئيس الجمهورية إلى قطر، التي تلتها زيارة الأمير القطري إلى الجزائر وحضوره حفل افتتاح ألعاب البحر المتوسط، وحضور الأشقاء من القيادة الفلسطينية ورؤساء دول إفريقية الاحتفالات بستينية الاستقلال، لاسيما منها الاستعراض العسكري، رسالة قوية من الجزائر الجديدة. وقد تجسدت هذه الاستثمارات في أضخم صيغها في استثمار الحديد والصلب بجيجل.
أما بالنسبة للاستثمارات السعودية، يواصل المتحدث، والمتواجدة في الكثير من البلدان العربية، كفاعل قوي في منطقة الشرق الأوسط، تبقى محل اهتمام الجزائر. وأن الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين ستؤتي بثمارها، خاصة ما تعلق بالاستثمار في المجال السياحي ومجال الصناعات الضخمة وكذا مجال النقل البري والبحري، حيث يعتقد المتحدث أن تنشيط المبادلات الاقتصادية بين البلدين سيعطي دفعا كبيرا للتبادل الاقتصادي الواعد بين البلدين.
البيروقراطية، النظام المصرفي والسوق الموازية
يعترف الخبير الاقتصادي، أن هناك جهودا حثيثة وإرادة سياسية حقيقية في تنويع الاقتصاد وتحويله من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج، يقوم على تشجيع الاستثمارات الأجنبية وتنويع الصادرات خارج المحروقات، حيث سجلنا تطورا في حجم هذه الأخيرة وصل إلى 5 ملايير دولار صادرات خارج المحروقات سنة 2021 وطموح بلوغ 7 ملايير دولار سنة 2022.
يقول سليمان ناصر، إن تعديل قانون الاستثمار، لابد أن يرفق بإصلاح النظام المصرفي الذي لم يعد يساير التحولات العالمية، القضاء على السوق الموازية للعملة وتوحيد سعر الصرف من أجل استقطاب السائح الأجنبي والاستفادة من عائدات الجالية الجزائرية بالخارج من العملة الصعبة.
ويعتبر الدكتور سليمان ناصر أن الاقتصاد الموازي المقدر بـ40% من حجم الاقتصاد الوطني يعرقل الإقلاع الاقتصادي.
كما أكد المتحدث على مشكل البيروقراطية القاتلة التي تفتك بالمعاملات الإدارية وتجعل المستثمر الأجنبي أوالمحلي ينفر من فكرة الاستثمار ببلادنا، وبالنسبة لمشكل العقار الفلاحي أو الصناعي على حد سواء، لابد، برأيه، من استئصال المشاكل العالقة به وتطهير مناخ الاستثمار.