يأتي قرار انطلاق استغلال منجم الحديد، غار جبيلات، بولاية تندوف، ليؤكد، برأي مراقبين ومختصين، أن طفرة اقتصادية تاريخية وشيكة الحدوث في الجزائر الجديدة، فإلى جانب المكاسب التنموية للمشروع الهيكلي، ستصبح أحد الأقطاب الرئيسية لصناعة الصلب في العالم.
طفرة اقتصادية تاريخية في الجزائر الجديدة
الآن، وفي ظل قانون الاستثمار الجديد، لن تفقد 2022، بحسب خبراء، زخمها كسنة اقتصادية بامتياز ولن تكون أبدا عاما أبيض في مجال الاقتصاد، لأن قرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بالشروع في استغلال منجم خامات الحديد غار جبيلات، يضاهي من حيث دلالته قرار تأميم المحروقات عام 1971، لأن الأمر يتعلق بأكبر منجم لخام الحديد في العالم، بحسب تقديرات المختصين.
وبالنظر إلى الخلفيات والروايات التي ارتبطت بالمنجم لأزيد من 7 عقود، يكون الرئيس تبون قد اتخذ واحدا من أقوى القرارات الاقتصادية في تاريخ البلاد، خاصة وأنه (القرار) يأتي والجزائر في غمرة الاحتفالات المخلدة لستينية استرجاع السيادة الوطنية. واستغلال عملاق الحديد، في ظل السياقات الداخلية والخارجية، يضع الجزائر على طريق تحول اقتصادي غير مسبوق، إذ يجعلها في أعلى مراتب الدول القليلة جدا المنتجة لهذا المورد الاستراتيجي، ويؤهلها لتكون لاعبا رئيسيا في كافة الصناعات التحويلية المرتبطة بصناعة الصلب في العالم.
تشييد أحد الأقطاب الرئيسية لصناعة الصلب في العالم
الكثير من العناوين تفاعلت مع زيارة وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب إلى ولاية تندوف، أين أعطى إشارة انطلاق عملية استغلال المنجم بالقول: “الحلم أصبح حقيقة”، غير أن الأمر يتعلق في الواقع بأحلام كثيرة.
فقد كانت رؤية الآليات والشاحنات المزنجرة، تتجه صوب حقول الحديد الفسيحة بالمنطقة، حلما بعيد المنال. كما ارتبطت أحلام آلاف الشباب بالمنطقة بالوظائف التي سيوفرها المنجم والتي تتراوح ما بين 30.000 إلى 50.000 منصب عمل مباشر وغير مباشر، في كامل سلسلة الإنتاج والتسويق.
أما الحلم الأكبر، فظل دائما بناء اقتصادي خارج قطاع المحروقات، وضمان سيادة اقتصادية وتحقيق نهضة حقيقية، وسيمكن المشروع العملاق من قطع خطوة كبيرة للغاية في هذا الاتجاه.
مرحلة أولى
ما حصل، أمس الأول، انطلاق المرحلة الأولى من الاستغلال الفعلي لمكمن الخام، والتي تمتد إلى سنة 2025، بقدرة إنتاج تتراوح ما بين 2 مليونين إلى 4 ملايين طن، يتم نقلها برا لتسوق إلى مصانع الصلب.
أما المرحلة الثانية، فتبدأ من سنة 2026 وتمتد إلى 2040، حيث سيتم بلوغ القدرة الكاملة بإنتاج 40 مليون طن من خامات الحديد، وفق ما صرح به وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، الذي أكد بأن مخابر مختصة ستتولى دراسة وتحديد الاستغلال الصناعي لهذه الخامات.
وفي انتظار انطلاق إنجاز خط السكة الحديدية، بين تندوف وبشار على مسافة تناهز 1000 كلم، مطلع السنة المقبلة، ستتم عملية نقل المادة الأولية للحديد عن طريق الشاحنات برا، لتموين مصانع الصلب الموزعة عبر مختلف ولايات الوطن.
أرقام ضخمة
ووفق المعطيات التي حازت عليها “الشعب”، فإن غار جبيلات سيلبي احتياجات المادة الأولية لمصانع الحديد والصلب في الجزائر، ليوفر للخزينة العمومية مبلغا معتبرا من العملة الصعبة، ليتحول في مرحلة مقبلة إلى مصدر أساسي مدر للعملة الصعبة من عمليات التصدير نحو مختلف أقطاب هذه الصناعة في العالم.
وبحسب المعطيات ذاتها، يمتد المنجم العملاق على مساحة تقدر بـ42 ألف هكتار، مقسمة عمليا إلى 3 مساحات هي: غار جبيلات شرق بـ17 ألف هكتار، غار جبيلات وسط بـ18 ألف هكتار، غار جبيلات شرق بـ7 آلاف هكتار، وكلها باحتياطي إجمالي يناهز 3,5 ملايير طن.
الاحتياطات المؤكدة للمنجم كلها سطحية، ما يجعلها سهلة الاستغلال عن طريق الرفع والشحن، نحو وحدة المعالجة ثم تموين المصانع.
ومع تقدم عملية الاستغلال سيوفر احتياجات لإنتاج بحوالي 14 مليون طن سنويا من المادة للمصانع المعنية بالتحويل، ويتصدر مصنع توسيالي (وهران) القائمة باحتياج سنوي لإنتاج 9 ملايين طن (بعد عمليات التوسيع)، يليه مصنع بلارة (جيجل) بـ2,5 مليون طن، ثم شركات أخرى خاصة للتحويل بـ2,75 مليون طن.
أما المسار الذي سيسلكه خام الحديد من منجم غار جبيلات، فيمتد على مسافة إجمالية قدرها 1670 كلم، موزعة من موقع الاستغلال إلى بشار بـ950 كلم، ثم بشار وادي تليلات (وهران) 650 كلم، ثم وادي تليلات، ميناء أرزيو 70 كلم، ثم تتكفل السفن بالشحن نحو موانئ جيجل وعنابة وموانئ الدول الأخرى المصدر لها.
يذكر، أن استغلال المنجم، يتم بشراكة بين مجمع مناجم الجزائر (منال) وائتلاف للشركات الصينية.