أفاد مدير جامعة محمد بوضياف بالمسيلة، البروفيسور كمال بداري، في مداخلة له بعنوان ” الجامعة باعتبارها قاطرة لمسار التحول في القرن الـ 21 ومهن المستقبل”، أن الجامعة ينبغي أن تكون قائدة لتحقيق النمو الاقتصادي، مُعتبرا أن الحجم لا يعني شيئا في الاستثمار، بل الأهم في ذلك هو جودة الاستثمار وفعاليته، أين أكد أننا نعيش في مرحلة يأتي فيها قانون الاستثمار في وسط مناخ اقتصادي متميز ومحيط صناعي كذلك مختلف عن المراحل السابقة.
قال مدير الجامعة التي تحتل المرتبة الأولى في الجزائر للعام الخامس على التوالي وفق تصنيف “ويبومتريكس” الإسباني، البروفيسور كمال بداري، أننا نلاحظ تراجع التصنيع بالغرب، كما نُسجل الصعود اللافت للصين ودول جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى ظهور الانعزالية التجارية والاقتصادية، وفي هذا تعطي الأزمة الروسية – الأوكرانية، إضافة إلى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة خير مثال على ذلك.
وفي ذات السياق، أضاف بداري أنه من ناحية الصناعة نسجل تراجع ما يسمى بالصناعة المادية أو الأصول المادية واستبدالها بما هو رقمي، فالرقمنة أضحت تلعب دورا هاما في تطوير اقتصاد المعرفة، من خلال الذكاء الصناعي، الصناعة من الجيل الرابع إلى غير ذلك، وبالتالي علينا أن ندخل بقوة في الثورة الصناعية الرابعة التي ترتكز في حيثياتها على اقتصاد المعرفة و على رأس المال البشري، ولتحقيق استثمار ناجع يهدف إلى التنمية الاقتصادية، لا يمكن أن يتم ذلك من دون البحث العلمي و الابتكار، بحيث لا يمكننا أن نواكب التقدم الحالي دون الدمج بين البحث العلمي والابتكار، والتنمية وتحقيق الثروة من خلال توفير مناصب شغل، إذ الابتكار والبحث العلمي هم واجهة تدخل فيهما الجامعة، المؤسسة الاقتصادية وكذلك الجماعات المحلية.
وفي هذا الصدد استشهد بداري بجامعة المسيلة التي تعد الأولى وطنيا من ناحية مشاريع الابتكار، وهذا أدى إلى أن تكون ولاية المسيلة في المرتبة الأولى الثانية وطنيا بعد ولاية الجزائر الكبرى، بحيث تتفوق على جامعات وهران ، قسنطينة وعنابة، لأن جامعة مسيلة وجهت أبحاثها من خلال طلابها وباحثيها إلى الابتكار والاعتناء بمتطلبات المواطن، من حيث أن الجمهور لن يكون راضيا على مؤسسة عمومية مثل الجامعة إذا لم تكن الجامعة تقوم بالاستجابة لمتطلبات المواطن يضيف بداري.
من جانب آخر أشار بداري إلى ضرورة تدعيم نشاط المقاولاتية من خلال الجامعة بالنظر إلى معطيات وزارة الصناعة الصادرة في 2019، هناك 1.2 مليون مؤسسة اقتصادية، منها 97 بالمائة صغيرة جدا، منها 17 بالمائة في الصناعات التحويلية، والباقي في قطاع الخدمات أغلبها في الشمال بنسبة 81 بالمائة، 21 بالمائة في الهضاب العليا و 8 بالمائة في الجنوب، وبالتالي لايمكن لهذا النسيج الصناعي أن يمتص هذه الأعداد المعتبرة من الخريجين، وبالتالي يجب على الجامعة أن تمتص هذه الأعداد الهائلة من المتخرجين، من خلال إنشاء المؤسسات الاقتصادية، التي تساهم في تحقيق الثروة، وفي هذا الصدد ضرب بداري كمثال بجامعة المسيلة التي احتضنت 12 مؤسسة ناشئة “Start-up”، أين تم تمويل 5 مؤسسات منها، من الصندوق الوطني لتمويل المؤسسات الناشئة وهذا يُعد خلق للثروة، وبالتالي توفير مناصب عمل وتحقيق نمو اقتصادي.
بالمقابل، تحدث بداري عن المُربع السحري المتمثل في التعليم، البحث العلمي التنمية، والابتكار، فبتالي الجامعة يجب أن تكون قاطرة للبناء والتنمية الاقتصادية في محيطها، بالتلاحم والتعاون مع المؤسسات الاقتصادية والجماعات المحلية بحيث يتقاسم إيجابيات الابتكار ويعالج هذا الثالوث النقائص حتى تمكن الجامعة الجزائرية من لعب دورها في مجال الابتكار وخلق الثروة.
وبينما نحن على أبواب الاحتفاء بستينية الاستقلال، أشار بداري إلى العدد المعتبر من مؤسسات التعليم والرأسمال البشري المؤطر له، الذي يجب أن نتجه بواسطته إلى اقتصاد المعرفة، وصناعة الجيل الرابع، الذي من شأنه أن يمكن الجزائر من خدمات لا متناهية، لا تتأثر بالتذبذبات المالية، ولا بالأزمات الظرفية فعلى سبيل المثال، نسبة النمو في الولايات المتحدة الأمريكية هي 1/3 في مجال الرقمنة واستعمال تكنولوجيا الإعلام والاتصال، والنصف في مجال الصناعات عالية التكنولوجيا وهذا ما يجب أن نذهب إليه، بحيث تكون للمتخرج الجامعي مؤسسته الناشئة فعوضا عن أن يكون أن لدينا باحث عن فرصة عمل، يكون لدينا شباب منتج لمناصب الشغل وبالتالي سنبني الجزائر ونحسن من التنمية في الإطار العام لقانون الاستثمار الجديد.
وفي سياق رده على بعض الأسئلة، أفاد بداري أنه علينا اعتماد فلسفة جديدة في الاستثمار بناء على تجارب دول المتحضرة والمتقدمة جدا مثل سنغافورة، كوريا الجنوبية وما إلى ذلك، من خلال محددات التنمية في البحث العلمي والابتكار، لتطوير الجزائر، وبالتالي فإنه وبالنظر للصادرات الجزائرية هناك، 1200 مؤسسة صدرت للخارج، لكن السؤال المطروح ..ماذا نصدر؟، هل نصدر المنتجات الابتكارية .. طبعا لا- يضيف بداري – وبالتالي حسبه فإنه إذا أردنا أن نقوي ونحسن الميزان التجاري، يجب أن نذهب نحو تصدير المنتوجات الابتكارية، لأن أي استثمار مستقبلي يجب أن يكون في العنصر البشري بالنظر للبحث العلمي الابتكار النمو، وهو المربع السحري للتنمية وخلق الثروة.
وضرب بداري المثال بالصين وجامعته الأهم –شنغهاي – التي تُزاوج بين البحث العلمي والمعامل الصناعية، بحيث أن هذا الوضع يملي ضرورة الاندماج بين القطاع الاقتصادي والجامعي، وهو ما تسعى إليه الجامعة في الجزائر وفق بداري، من خلال أقطاب الامتياز.
ووفق بداري فإن هناك خلل بحكم عدم توفر الجزائر على قانون للابتكار والملكية الفكرية، بحيث لا يوجد قانون ينظم بيع الابتكارات والبحوث العلمية للخواص حاليا، وهو ضرورة هامة ، وحول الاستثمار في الأدمغة،ى أكد بداري على أن الجزائر يجب أن تبحث عن فرص وطرق لإدماجهم.
من جانب آخر، أكد ضرورة اندماج الجامعة الجزائرية مع محيطها الإفريقي من خلال استقطاب الطلبة الأفارقة لتوفير العملة الصعبة وتكوين قوى ناعمة صديقة للجزائر تكتسب الثقافة والأبعاد الجزائرية، وأشار بداري إلى توفير قطاع التعليم العالي في الولايات المتحدة 42 مليار دولار أمريكي، ودعا بداري إلى تأسيس علاقة رابح – رابح بين الجامعة والمؤسسات الاقتصادية، وفي هذا الشأن دعا بداري إلى ضرورة اهتمام المؤسسات الاقتصادية بالبحث العلمي بحكم أنه حجر أساس لتحقيق النمو الاقتصادي والتطوير.