تعمل الجزائر على تعميق علاقاتها الإستراتيجية على امتداد محيطها الإقليمي في إفريقيا من خلال توزيع التّوازن في المصالح، وتضخيمها في السّاحل وما وراء الصحراء.
دولة النيجر المحاذية لحدودنا الجنوبية الصحراوية على طول 956 كلم مربع، كإحدى أبرز المحاور الهامّة التي تعمل الجزائر على بناء علاقة ثقة وتعاون اقتصادي أكبر معها، وسط تمدّد دولي عالمي في إفريقيا.
وتسعى الجزائر بشكل دؤوب من أجل تفعيل دبلوماسيتها الاقتصادية وعلاقاتها الجيو-استراتيجية بعد قرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إنشاء “وكالة جزائرية للتعاون الدولي لأجل التضامن والتنمية – ALDEC”، ذات البعد الإفريقي، لإعادة الوهج من جديد لعلاقات الجزائر ودول إفريقيا، خاصة تلك التي كانت تمثّل لها الجزائر في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي، الحاضنة الأساسية للتحرر والتنمية والتعليم.
تحدّيات الفقر والسّـاحل
تحتل النيجر موقعا إستراتيجيا في إفريقيا، وهي بوّابة كبرى للصحراء ومنطقة الساحل التي تشهد حركة أمنية مضطربة منذ عقود، وهي دولة حبيسة (لا تطل على سواحل)، تبلغ المساحة الصّحراوية فيها نسبة 80 بالمائة من المساحة الكلية للبلاد البالغة 1.26 مليون كلم مربع، بتعداد سكاني يصل لـ 24.21 مليون نسمة، وفق تقديرات الأمم المتحدة خلال عام 2021، منهم نسبة 96 بالمائة مسلمون، وأطلق عليها اسم النيجر نسبة إلى نهر النيجر الذي يعبر أراضيها.
وتحدّث تقرير لوكالة الأناضول، على أنّ دولة النيجر تبدو بلدا للمفارقات، فالبلد الكبير والغني بالثروات من يورانيوم، بترول وذهب، إضافة للأراضي الخصبة يقع تحت وطأة البؤس ومشاق الحياة، ويُعد من أفقر دول العالم بينما ثروات النيجر تساهم في تمويل مشروعات فرنسا من الطاقة، في مفاعلاتها النّووية من أجل إنتاج الكهرباء، وتزويد الاقتصاد والمجتمع الفرنسي بها.
وقال إدريس آيات وهو كاتب في الدّراسات الاستراتيجية، ومُتخصّص في الشؤون الإفريقية من النيجر إنّه “غنّي عن البيان أنّ النيجر هي أغنى دولة في المعادن بغرب إفريقيا، فهي دولة شاسعة، تبلغ مساحتها 000. 267. 1 كيلومتر مربع، وهي واحدة من أغنى أنواع التربة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مع احتياطيات كبيرة من اليورانيوم في “جبال آير” شمال البلاد، وتوفّرها على الفوسفات، ومعدن الذهب الهائل، المتواجدة مناجمه في “ليبتاكو” النيجري، والفحم في “أنو-أرارين” بمنطقة أغاديز، قُدّرت احتياطاته بـ 150 مليون طن، إضافةً إلى القصدير في منطقة “المكي”، بإقليم أغاديز”.
وتمد النيجر فرنسا بمادة اليورانيوم لإنتاج 35 بالمائة من الطاقة النووية، التي تُنتج من خلالها باريس 75 بالمائة من طاقتها الكهربائية، كما تعد النيجر سادس منتج عالمي لمادة اليورانيوم بـحوالي 3000 طن، تتحكّم في إنتاجه شركة فرنسية عملاقة مُختصّة في الطاقة النووية تدعى “أريفا”.
وقد وضعت الإحصائيات العالمية تعدين اليورانيوم في النيجر في المرتبة الثالثة على مستوى العالم بعد كل من كندا وأستراليا، وفي حين يُمثّل تعدين اليورانيوم 70 بالمائة من صادرات البلاد. ويقول الباحث في الشؤون السياسية النيجيري إدريس آيات، “إنّ الشّركة النّووية الفرنسية ” أريڤا” استحوذت على نصيب الأسد منه، تاركة للنيجر ما نسبته تتراوح بين 10 إلى 12 بالمائة، وذلك منذ عهد الاستقلال، وفي جانفي 2009، وقّعت المجموعة النووية الفرنسية “أريڤا” اتفاقية أخرى مع الحكومة النيجرية تمنح المجموعة رخصة تشغيل منجم اليورانيوم العملاق في “إيمورارين” أهم منجم يورانيوم في كل إفريقيا والثاني في العالم، على شروط وصفت بـ “الاستغلالية” لأنّ العائدات تتدفّق للخارج لتصبّ في نهاية المطاف في جيوب المستثمر الفرنسي”.
ويبلغ إجمالي دخل الناتج المحلي العام لدولة نيجر 13.68 مليار دولار، وفق تقديرات البنك الدولي، وهو ما يوازي مداخيل موريتانيا بحوالي مرتين التي يبلغ تعداد سكانها أربع ملايين نسمة، وهم سدس سكان النيجر 1/6، في ظل مُعدّل فقر كبير يبلغ 48.9 بالمائة من تعداد السكان الكلي، وحصة من الدخل الفردي تبلغ 420 دولار أمريكي سنويا، وتُعد النيجر واحدة من أفقر دول العالم، حيث احتلت عام 2015 المرتبة الأخيرة بين 188 بلد في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية.
ويذكر آيات أنّه “على الرغم من جميع ما سبق، ورغم آفاق الثروة المتخيلة من دولة بالموارد الطبيعية المذكورة، إلاّ أنّ التقارير الرسمية من وزارة الداخلية في النيجر تشير إلى أنّ قرابة 43 بالمائة من النيجريين يعيشون حالة الفقر المُدقع، ما يجسّد أمثل رسمٍ إيضاحي لعبارة “أرضٌ غنية، وشعب فقير”، ويضيف آيات أنه “وبدل إيعاز أسبابه إلى القوى الدولية الناهبة للمعادن النيجرية، راحت منظّمات إغاثية وإنسانية على غرار الأمم المتحدة و”شركة السكان الدولية “(PIS) تُفسّران ذلك في إطار النمو السكّاني السريع وتغيّر المناخ، والعديد من الإلهاءات التحليلية التي تُوظّفها المؤسّسات العالمية في تبريرها لنسق نظام الافتراس الاقتصادي من الشركات العملاقة في العوالم الثالثة”.
وحول القلاقل والأزمات الجارية في منطقة الساحل التي تشغل فيها النيجر مساحة شاسعة، قال وزير العدل النيجري، “مورو أمادو” في خواتيم عام 2021، في إطار التشكيك في العلاقات النيجرية-الفرنسية والقوات الأوروبية المتواجدة في الساحل – وفق سرد آيات – “بأنّ الاكتشافات الحديثة عن معادن نفيسة وصناعية هي السبب الحقيقي لتواجد الغرب – وفرنسا – في النيجر، لا لمكافحة الإرهاب”، مؤكّدًا اكتشاف “كميات ضخمة من المنغنيز، والحجر الجيري لصناعة الاسمنت، ومعدن الماس في منطقة “ساي” جنوب – غرب البلاد، هذا عدا عن اليورانيوم والذهب، واحتياط النفط، والغاز “المعتبرة”.
وتتوزّع قطاعات النشاط الاقتصادي في النيجر، بين القطاع الزراعي الذي يشكّل أساس الناتج القومي الإجمالي للبلاد بنحو 43.4 بالمائة، حيث تُعد مصدرا هام لإيرادات التصدير، تليها الخدمات بنسبة 34 بالمائة، والصناعات بما في ذلك التعدين التي يُساهم بنسبة 14.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وتعمل النيجر في عهد الرئيس الحالي محمد بازوم على إجراء إصلاحات اقتصادية لتعزيز وترقية المجتمع النيجيرياني، ويذكر في هذا السياق إدريس آيات قيام “الرّئيس، محمد بازوم، بتدشين خطّة اقتصادية متكاملة شاملة، تتعاون مع اقتصادات دول غرب إفريقيا، ودول الجوار على غرار الجزائر، تبدأ الخطّة بالاستثمار في العنصر البشري النيجري عبر محو الأميّة الاقتصادية بحيث يشارك الفرد في الصناعة المحلية، ما سيفضي إلى خلق ثروة وطنية لا تعتمد فقط على اقتصاد الموارد الطبيعية، وقد عرضت الجارة الجزائر – على لسان كمال بلجود، وزير الداخلية والتهيئة العمرانية – التعاون في هذا الإطار، خاصةً في مجال التكوين وعصرنة الإدارة والتنمية المحلية”.
وحسب ذات المتحدّث، فإنّ الخطّة الاقتصادية الجاري تنفيذها في النيجر تشمل “أيضًا تشييد الطرق التي ستسهل ربط الأرياف بالمدن، وتوصل النيجر بدول الجوار التي تستخدم البلاد موانئها، باعتبار النيجر دولة حبيسة، كما أن هناك برنامج آخر يطمح إلى إعادة التفاوض حول النِسب النيجرية في الموارد الطبيعية التي تستغلها الشركات العابرة للقارات، وبحسب الرئيس، فإنّ الغرض من وراء هذه الخطّة الشاملة هو رفع متوسط معدل النمو السنوي إلى 8 ٪، ومعدل العبء الضريبي إلى 20 ٪، وخفض معدل الفقر من 43 ٪ إلى 25 ٪ بحلول عام 2025، والحفاظ على معدل التضخم عند أقل من 3٪ وتحسين حصة القطاعين الثانوي
والثالثي في الاقتصاد، بحيث تصل إلى 45 ٪ و35 ٪ على التوالي من الناتج المحلي الإجمالي النيجري لعام 2025”.
وحسب ما ذكره الباحث في الشأن الافريقي إدريس آيات، حريّ بالذكر أنّ خطّة الرئيس بازوم “تعطي آفاقًا تظهر مستقبلًا مأمولاً للشعب النيجري على الصعيد الاقتصادي، فقط لو تجرأ على مناقشة دور الشركات المتعددة الجنسيات في إضعاف الاقتصاد النيجري، بوصف علاقتها مع النيجر، علاقة استغلال أكثر من أنها مجرّد تبادل تجاري بيني، بدل ذكر الكليشيهات ذاتها التي تُسردُ من مراكز الدراسات الغربية عن أسباب الضُعف الاقتصادي في النيجر، مع الإدراك أنّ للدبلوماسية أيضًا أحكامها”.
وعن أهمية النيجر وموقعها الحيوي في إفريقيا خاصة إزاء الجزائر، قال الباحث الموريتاني المختص في شؤون غرب إفريقيا إسماعيل يعقوب ولد الشيخ سيديا إن “النيجر أرض بكر لديها جيرة وتعالق مع المجتمع الجزائري، وتقع فوق محيط مائج من المياه الجوفية يسقي أوروبا لقرنين من الزمن؛ كما أنّها تصدّر ثلث الوقود النووي لمفاعلات فرنسا النووية؛ وبها مؤشرات قوية على وجود النفط؛ وتحتاج لخبرة جزائرية وأنبوب يمر عبر الجزائر لبيع صادراتها منه خصوصا مع الأنبوب النيجيرياني المزمع، والذي يمر حتما عبر النيجر والجزائر”.
الجزائر والنيجر.. علاقات من أجل تعاون أكبر
تدرك الجزائر أنه لن تكون لها المكانة التي تستحقها كأكبر وأهم دولة إفريقية في شمال إفريقيا ووسطها، دون تفعيل فعلي لتشابك المصالح الإستراتيجية مع محيطها المحاذي والمجاور، ولأن قوة أي دولة تتجسّد في نفوذها الاستراتيجي مع دول الطوق التي تتمتّع معها بعلاقات حسن الجوار، حيث تعد النيجر واحدة من بين أبرز هاته الدول التي تحوز إمكانيات هامة، تظل رغم ضعف هيكل اقتصادها ذات بعد هام في منطقة ما وراء الصحراء والساحل.
وفي هذا الإطار، استضافت الجزائر الرئيس النيجيري محمد بازوم الذي قام بزيارة دولة للجزائر، التقى من خلالها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أين تباحث الطرفان حول سبل تعزيز التعاون في كل الميادين الأمنية والاقتصادية بما فيها النفط والتبادل التجاري والري، وتقرّر فتح حدود الجزائر مع النيجر بعد إغلاقها العام الماضي، من أجل تصدير المنتجات الجزائرية نحو النيجر واستيراد المواد النيجرية نحو الجزائر.
وحول عودة علاقات الجزائر مع دول الساحل والنيجر خصوصا بوتيرة أفضل، قال الباحث الموريتاني المختص في شؤون غرب إفريقيا إسماعيل يعقوب ولد الشيخ سيديا “أعتقد أن العودة الجزائرية إلى إفريقيا التي نشهدها مؤخرا تمر حتما بدول الساحل؛ لاعتبارات جيوسياسية وجغرافية؛ فالجزائر تمر حتما عبر النيجر وموريتانيا ومالي إلى إفريقيا الغربية وإفريقيا جنوب الصحراء”.
وأضاف أنّ “النيجر بوّابة على نيجيريا ودول خليج غينيا ومن ثم لدول وسط إفريقيا، لذلك فالموقع الجزائري الجغرافي وتعدّد دول الطوق الجزائري ومعابرها الحدودية سيشكّل تثمينه -في اعتقادي – ترجمة عملية لجزائر-إفريقيا المنفتحة جنوبا”.
ويصف في هذا الجانب الدكتور بوزيان مهماه، الباحث في الشؤون الاقتصادية والطاقوية العلاقات الاقتصادية الجزائرية مع دولة النيجر “بالعلاقات الإستراتيجية، ويتجلى ذلك من خلال مشروعين كبيرين هيكليين، وأوّل هذه المشاريع هو “مشروع الطريق العابر للصحراء” الذي خصّصت له الجزائر، منذ بداية إنجازه، غلافا ماليا قدره 300 مليار دينار جزائري (ما يعادل 2,6 مليار دولار أمريكي) من موازنة الدولة”.
وحسب مهماه “فإنّ هذا الطّريق يعرف بطريق الجزائر-لاغوس الممتد على مسافة 2400 كلم والعابر لدولة النيجر، والموصل كذلك إلى تشاد، حيث يُعتبر بنية أساسية في قلب رهانات اقتصادية، اجتماعية وسياسة عامة في جميع أنحاء القارة الإفريقية، فهو يضمن الوظيفة الحاسمة للطريق المتعلقة بحركة البضائع والأشخاص، وما تولده من آثار على النشاطات التجارية وخلق فرص العمل، وتطوير الهياكل الأساسية وتنمية العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، كما أنه حلقة وصل هامة في شبكة الطرقات الإفريقية التي هي على وشك الاكتمال، والتي تضم 9 طرق رئيسية لربط جميع عواصم الاتحاد الإفريقي، بما منح “مشروع الطريق العابر للصحراء” الصفة “الاستراتيجية القارية”، خاصة وأنه تجري تهيئته ليكون في جزئه الجزائري طريقا سريعا شمال-جنوب إلى غاية الحدود الجزائرية مع دولة النيجر”.
وأكّد مهماه أنّ “الجميع يُدرك أهمية هذا الطريق من منظور تنمية كل المناطق التي سيعبرها، وتعزيز اللوجستيك وسلسلة الإمدادات داخل كل الدول التي سيصل بينها، وأيضا تعزيز التجارة البينية مع هذه الدول، خاصة بين الجزائر والنيجر”.
من جانب آخر، تحدّث مهماه بأنّ “الطريق العابر للصحراء يمتلك قدرة إتاحة الوصول المباشر إلى الموانئ الرئيسية الجزائرية في البحر الأبيض المتوسط بما سيعزّز التجارة بين إفريقيا وأوروبا، خاصة مع الربط المباشر لهذه الطريق العابرة للصحراء بالطريق السريع، الذي يربط ميناء جن جن (جيجل) والطريق السيار شرق-غرب، هذا الربط الذي يجري إنجازه حاليا، وسيتعزّز ذلك بشكل حاسم مع إنجاز ميناء الوسط بشرشال (تيبازة)، الذي سيشكّل منفذ عبور وشحنا إستراتيجيا بين إفريقيا وأوروبا، وهذا سيجعل دول النيجر في قلب النمو الاقتصادي الواعد”.
وحسب مهماه فإنّ “ثاني هذه المشاريع هو “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء”، هذا الخط الذي أعلنت الجزائر بخصوصه رغبتها في تنفيذه سريعا، خاصة وأنه يعد أحد أهم المشاريع الستة عشر (16) المهيكلة ضمن المخطط التنفيذي لبرنامج النيباد، فمشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء الذي سيربط نيجيريا بالجزائر عبر النيجر، يُنظر إليه كمشروع استراتيجي للقارة الإفريقية بحكم التأثير الواضح الذي سيحدثه على التنمية الاجتماعية والاقتصادية لجميع مناطق العبور، وبما سيسمح من خلاله من القضاء على “عوز الطاقة” من خلال تزويد مناطق العبور في دولة النيجر بالغاز الطبيعي مع خلق فرص عمل هامة للساكنة.
هذه المشاريع الكبرى والعملاقة ستسمح بتعزيز علاقاتنا الثنائية (الجزائرية-النيجرية أي مع النيجر) بشكل إستراتيجي، بحيث ستفرز فوائد اجتماعية واقتصادية ناتجة عن هذا المشروع. كما ستتعزّز هذه العلاقة الثنائية أيضا مع دول الجوار ومنطقة الساحل وما وراء الصحراء ومع دول العمق الإفريقي، خاصة نيجيريا، تشاد وبوركينافاسو، وبقية الدول”.
ونوّه مهماه إلى أنّ هناك تعاون طاقي كبير بين الجزائر والنيجر في الميدان البترولي يتمثل في استثمارات الشركة الوطنية “سوناطراك” في النيجر، عبر “SIPEX” Sonatrach International Petroleum Exploration and Production Corporation “فمنذ ثلاث (3) سنوات أعلن مجلس الوزراء النيجري بأنّ شركة “سوناطراك” اكتشفت بجهدها الفردي الخاص حوضا نفطيا جديدا في منطقة كفرا، على الحدود بين النيجر والجزائر، ضمن اتفاقية تقاسم الإنتاج الموقعة في أوت 2015، ومن شأن هذا الاكتشاف أن يسمح لدولة النيجر من رفع قدرات إنتاجها المتواضعة من النفط الخام من (20 ألف برميل يوميا) إلى (110 آلاف برميل يوميا)، وهي خطوة هامّة ونسبة معتبرة جدا ستمكّن النيجر من إنتاج 90 ألف برميل إضافي يوميا، بفضل هذا الحوض الذي اكتشفته الشركة الوطنية “سوناطراك”.
وعن التبادل التجاري والتعاون الحدودي في جوانبه الاقتصادية، يذكر الباحث النيجيري في الشؤون الافريقية إدريس آيات أنّ “إغلاق الحدود بين النيجر والجزائر في سنوات ما قبل عام 2021 عرفت فيه أنشطة التبادل التجاري ركودًا بين البلدين، حتى مع وجود الاقتصاد غير الرسمي – على مستوى مُتدنّي بين تمنراست، ومنطقة “أساماكا” الحدودية في النيجر – تضمّن – غالبًا – تهريب البضائع والمتاجرة غير الشرعية، ذلك على رغم جميع المشاريع التنموية المشتركة المزمع إنشاؤها، كالطريق العابر للصحراء التي تتكوّن من محورها الرئيس، والذي يبدأ من الجزائر العاصمة إلى لاغوس (نيجيريا)، مروراً بزندر (النيجر)، وثلاثة محاور ثانوية تضم تونس، مالي وجمهورية تشاد”.
وحسب ذات المتحدث فإنّ “المساعي الجادّة نحو بناء تكامل اقتصادي ثنائي، بدأت أواصرها تشتدّ بعد زيارة رئيس النيجر، محمد بازوم، للجزائر في أواسط 2021، ما أسفر عن “اتفاق تام” بين البلدين على كل النقاط التي طرحها الطرف النيجري، والرامية إلى تعزيز التعاون في ميادين كالري والنفط والتبادل التجاري، ونتج عن الزيارة فتح الحدود بين البلدين، وعلى إثرها أثبتت الإحصائيات الوطنية أنّ الصّادرات النيجرية نحو الجزائر قفزت إلى 19,8 مليون دولار، وهذا ارتفاع ملحوظ إذا ما اعتبر أنّ النسبة لم تتخط حدود الـ 5 ملايين منذ 2011. بالمثل عرفت صادرات مناطق جنوب الجزائر – تمنراست – إلى النيجر هي الأخرى زيادة غير يسيرة، استنادًا إلى الإحصائيات الوطنية ذاتها”.
ويضيف آيات أنه وفي هذا الإطار، ونظرا للتطورات الإيجابية بين البلدين، “تابعت بإلمام خاص بواكير هذا العام الجديد، متمثّلة في دعوة رؤساء الغرف التجارية والصناعية Ahaggar” -CCI” في تمنراست الجزائرية، ورؤساء أقاليم “تاهوا” و”أغاديز” و”زندير” من النيجر، إلى إنشاء لجانٍ وهيئاتٍ اقتصادية جزائرية-نيجرية من شأنها أن تعزّز التعاون التجاري بين البلدين، إبّان مهرجان “أصيهار” المقام في تمنراست، والذي شاركت فيه وفودٌ نيجرية من مختلف أقاليم الشمال، بحكم النسيج الاجتماعي، والجوار الجغرافي، بغية الرُقي بالتبادل التجاري إلى مستوى عال، حيث من المفارقة أنّ البيانات الإحصائية في النيجر تؤكد أنّ الإمارات العربية المتحدة الواقعة في قارة آسيا، شريكٌ تجاري رئيسي للنيجر، بينما الجزائر – الجارة – لا تظهر حتى بين شركاء النيجر الفرعيين”.
وفي ذات الصدد، يؤكّد آيات أنّ “مبادرة الغرف التجارية والصناعية الجزائرية هامة، حيث يمكن من خلالها للجزائر أن تُصدّر مُنتجاتها من الأغذية والمشروبات والمنتجات، من حديد وصلب، وإسمنت، إضافةً إلى المعدات الصناعية، كإطارات السيارات والمطاط، والمواد البلاستيكية، إلى السوق النيجري إلى قرابة 24 مليون مستهلك، وليس فقط إلى أقاليم الشمال، على ما كان عليه سابقًا.
ويُضيف آيات أنّه “على النحو نفسه، يُمثّل السوق الجزائري نحو 45 مليون مستهلك – على كامل التراب الجزائري – سُوقًا مُحتملاً – أن يكون رائجًا للصادرات النيجرية، خاصة الحيوانات الحية (المواشي) والمنتجات الزراعية، والخضراوات، والزيوت، من بين منتجات أخرى، وهو تعاون اقتصادي سيكون من نتائجه المتوقّعة – في رأيي – تحسين وزيادة مستوى حركة المرور والتجارة البينية بين مناطق جنوب الجزائر، وشمال النيجر؛ وخفض تكاليف الخدمات اللوجستية اللازمة لنقل البضائع؛ عطفًا على تحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين، وهو ما سيفضي في النّهاية إلى ازدهار اقتصادي في الجانبين، وبالتالي تعزيز التنمية الاقتصادية الطّموحة والمنشودة على مستوى البلدين”.
آفاق اقتصادية أكبر
بالمقابل تعمل الجزائر على دعم الجانب النيجيري في الشأن الصحي والإداري وعديد المجالات الأخرى خاصة الجانب الإنساني، حيث أرسلت عام 2020 أزيد من 60 طنا من الغذاء، باعتباره “واجبا إنسانيا” بإزاء الشعب النيجيري، كما تمّ إطلاق رحلة جوية إلى الجزائر – تمنراست – أغاديس – نيامي، والعودة على نفس المسار، وهو ما من شأنه أن يُعمق العلاقات الثنائية بين البلدين.
ويتجلى من خلال أرقام التبادل التجاري للجزائر مع نيامي أنها تظل دون المأمول، حيث يبقى سقف التبادل التجاري للجزائر دون مستوى الـ 20 مليون دولار، وهو الأمر الذي ينبغي رفعه لأرقام أكبر، مع تعميق التعاون الصحي والتجاري والاستثمار داخل النيجر في القطاعات الحيوية خاصة مع توفرها على ثروات إستراتيجية، فيما تبقى تحدّيات الهجرة غير الشرعية والحركات الإرهابية التي تنشط في الساحل إحدى أهم المخاطر لدعم التعاون والتبادل التجاري بين البلدين، خاصة مع وجود قوى دولية تعمل على الهيمنة على الموارد من خلال إشعال واستغلال القلاقل والأزمات