تعتبر هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسّسات المالية الإسلامية AAOIFI من المؤسّسات الدّاعمة للمالية الإسلامية وللصيرفة الإسلامية بالخصوص، حيث تأسّست لأوّل مرة سنة 1990 بالجزائر، إلا أنّ الأوضاع التي كانت تمر بها البلاد آنذاك (بداية التحوّل الجذري من النظام الاشتراكي إلى اقتصاد السوق، انغلاق الاقتصاد الوطني وعدم انفتاحه على الخارج آنذاك، عدم استقرار الأوضاع بما فيه الكفاية من الناحية السياسية، عدم وجود مؤسّسات مالية إسلامية في البلاد …) جعل المسؤولين يقرّرون نقل هذه الهيئة أو المؤسّسة إلى البحرين أين تمّ تأسيسها فعلياً سنة 1991.
الهيئة متخصّصة في إصدار معايير المحاسبة والمراجعة وضوابط الحوكمة والمعايير الشرعية، وقد بلغ مجموع المعايير التي أصدرتها لحد الآن 98 معياراً، منها 26 معياراً في المحاسبة و58 معيارا شرعيا، هذه المعايير الشّرعية وفي حالة التقيد بها من طرف بنوكنا الإسلامية في الجزائر (وما يسمى بالشبابيك الإسلامية) ستوحّد كثيراً من شكل تقديم الخدمة أو المنتوج المصرفي الإسلامي، وهو ما يسهّل من عمل هيئات الرّقابة الشّرعية، وهي الرّقابة التي يُثار حولها الجدل عادة في بلادنا.
لذلك فإنّ اتفاقية التعاون التي أمضاها بنك الجزائر مع هذه الهيئة، حتى وإن جاءت متأخّرة نسبياً فهي تعتبر خطوة هامة في سبيل ترشيد وتقويم مسيرة المالية الإسلامية والصيرفة الإسلامية بالخصوص في الجزائر، إذ أنه وفي ظل النوعين الرئيسيين من المعايير أي المحاسبية والشرعية، فإنّ الملاحَظ أنه لا يمكن للسلطات المعنية في بلادنا أن تُجبر البنوك على التقيد بالمعايير المحاسبية للهيئة لأن هناك نظام محاسبي مالي خاص بنا، ويطبّق إجبارياً في مؤسساتنا الاقتصادية، ومن هذا النظام هناك ما هو خاص بالبنوك والمؤسسات المالية، وهو إجباري التطبيق أيضاً، لذلك يبقى الأمل في تطبيق المعايير الشرعية نظراً للفائدة التي يمكن أن تجنيها بنوكنا ومؤسّساتنا المالية، والتي أشرنا إليها سابقاً.
هناك هيئة أخرى لا تقل أهمية عن الهيئة السّابقة، وهي مجلس الخدمات المالية الإسلامية IFSB بماليزيا، والتي تقتصر العضوية فيها على البنوك المركزية، ونتمنى بالتالي انضمام بنك الجزائر إليها حتى يستفيد من الخدمات المهمة التي يقدّمها هذا المجلس للصيرفة الإسلامية، فهو يقدّم معايير تفيد عمل البنوك المركزية في البلدان الإسلامية خاصة، ومن أهم هذه المعايير ما يتعلق بمعدلات حساب كفاية رأس المال للبنوك، أي ما يعرف بالإنجليزية Capital Adequacy Ratio أو ما يسمى بالفرنسية معدل الملاءة Ratio de solvabilité، حيث ينجز المجلس معايير لحساب ذلك المعدل بما يتلاءم مع معايير لجنة بازل العالمية المتخصّصة في وضع تلك المعايير من جهة، وتتلاءم مع طبيعة وخصوصية العمل المصرفي الإسلامية من جهة أخرى، وليس هذا فقط بل يطوّرها باستمرار كلما أُدخلت تعديلات على معايير بازل الأصلية (ونعني بذلك الانتقال من معايير بازل 1، إلى بازل 2، إلى بازل 3 حالياً)، وهو ما جعلها تلقى الاعتراف من الهيئات المالية والنقدية الدولية، وتصبح إجبارية التطبيق من طرف البنوك الإسلامية في العديد من الدول العربية والإسلامية بعد تبني البنك المركزي لها في تلك الدولة.
في زيارتي الأولى إلى ماليزيا نهاية سنة 2009، كانت لي زيارة إلى مقر مجلس الخدمات المالية الإسلامية IFSBبالعاصمة كوالالمبور، وحظيت باستقبال من طرف الأمين العام للمجلس (آنذاك) “د – رفعت عبد الكريم”، وأثناء حديثنا سألني هذا السؤال: لماذا بنك الجزائر ليس عضواً معنا؟ فقلت له بعد تفكير: لا أدري بصراحة، ولستُ مخوّلاً للإجابة على السؤال، لأن الإجابة عند المسؤولين في بنك الجزائر. ثم أضفت: قد يكون السبب (وهذا في اعتقادي الخاص) هو قلة عدد البنوك الإسلامية عندنا، فقد كان لدينا بنك واحد هو بنك البركة الجزائري، وهناك بنك بدأ العمل من فترة قصيرة وهو مصرف السلام الجزائر، فتبسّم الرجل وقال لي: يا أخي، موريشيوس هذه الدولة الصغيرة ليس فيها بنك إسلامي واحد، ومع ذلك فهي عضو معنا في المجلس، وتريد الاستفادة من خدماتنا!
وهناك هيئة مهمة أخرى أيضاً تجمع البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، وهي المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية CIBAFI بالبحرين، وهي تعوّض الإتحاد الدولي للبنوك الإسلامية الذي كان يعمل في الثمانينيات من القرن الماضي، وكان مقره جدة في السعودية، وهذا المجلس يعتبر بمثابة اتحاد أو نقابة ترعى شؤون البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، وتعمل على تعزيز التعاون بينها، ويُفترض على البنوك الإسلامية في الجزائر أن تكون عضواً في هذا المجلس.
هذه المؤسّسات الثلاثة تعتبر الأهم أو على رأس ما يسمى بالمؤسسات الداعمة للعمل المصرفي الإسلامي، والتي تلعب دوراً كبيراً وهاماً في دعم العمل المصرفي الإسلامي وتوجيهه، وبقية هذه المؤسسات غير المذكورة يمكن أن نوردها فيما يلي:
– السوق المالية الإسلامية الدولية iifm (البحرين): وهي متخصّصة في تنظيم الأسواق المالية الإسلامية، وإعطاء الاعتماد الشرعي لمنتجاتها.
– الوكالة الإسلامية الدولية للتصنيف iira (البحرين): وهي مختصّة في إعطاء التصنيفات للمنتوجات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية خاصة الصكوك الإسلامية، بما يخدم الأسواق المالية الإسلامية والصيرفة الإسلامية.
– المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم iicra (دبي): وهو مختص في حل النزاعات التي قد تنشأ بين المؤسسات المالية الإسلامية حتى لا تلجأ إلى مؤسسات أجنبية أو غربية.
– مركز إدارة السيولة المالية lmc (البحرين): وهو مركز لإدارة التعاون بين المؤسسات المالية الإسلامية في مجال إدارة السيولة، وتبادلها فيما بينها.
– الهيئة الإسلامية العالمية لإدارة السيولة (ماليزيا) iilm: ولها نفس الدور للمركز السابق، أي إدارة السيولة والتعاون فيما بين المؤسسات المالية الإسلامية في هذا المجال.
هذه المؤسّسات في مجموعها تعتبر البنية التحتية المعنوية للمؤسسات المالية الإسلامية، وخاصة منها مؤسسات الصيرفة الإسلامية باعتبارها تشكّل حوالي 80 بالمائة من تلك المؤسسات، لذلك لابد على المؤسسات المالية الإسلامية في الجزائر أن تستفيد من هذه المؤسّسات الدّاعمة، وأن تبدأ بالانضمام إلى المؤسسات الثلاثة المذكورة في البداية نظراً لأهمية دورها في الدعم المنشود، على أن تنضم بعد ذلك إلى بقية المؤسّسات.
د – ناصر سليمان
أستاذ الإقتصاد بجامعة ورقلة