يتجه الجميع في مقابل اهتمامهم بالتحرك الروسي في أوكرانيا إلى محاولة فهم رد الفعل الأمريكي وحلفائه تجاه روسيا، والذي اكتفى حاليا بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا أهمها إمكانية فصلها من نظام ”سويفت”، فما مدى نجاعة هذا الاجراء في إعادة روسيا الى حدودها السابقة بعيدا عن حلفاء أمريكا الأوروبيين أو بالأحرى الإبقاء على توسع حلف الناتو؟
لفهم ذلك علينا أن نفهم منطق نظام “سويفت” في البداية، لمعرفة كيف يمكن لهذه العقوبات أن تضر بالاقتصاد الروسي.
ما هو نظام سويفت؟
إذا عرفنا أن نظام “جمعية الاتصالات المالية العالمية بين المصارف المعروف باسم نظام “سويفت”، هو منظمة تسمح بتبادل وتأمين المراسلات التجارية في العالم وبشكل سريع.
وتعتبر روسيا ثاني دولة من حيث استعمال “سويفت” بأكبر عدد من المستخدمين التجاريين، وبالتالي في حال فصلها عن هذا النظام سيؤدي ذلك إلى تعطيل معظم معاملاتها التجارية مع بلدان العالم، حيث تستخدم هذا النظام أكثر من 300 مؤسسة مالية روسية وهو عدد يفوق نصف العدد الإجمالي للمؤسسات المالية الروسية.
تأثير
فضلا عن أن حجم التبادلات التجارية الروسية في نظام “سويفت” يقارب 800 مليار دولار سنويا. وإذا أخذنا في الحسبان هذه الاحصائيات والتسليم بأنها ستكون ضربات موجعة فعلا للاقتصاد الروسي، من الحري بنا أيضا ألا ننسى أن هذا الحجم الهائل من التعاملات التجارية، يشكل البعد التجاري فيه مع أوروبا وحدها حصة الأسد.
إذ أن حجم التبادل التجاري بين أوروبا وروسيا بلغ سنة 2020 حوالي 174.3 مليار دولار، منها 79 مليار دولار صادرات أوروبية تجاه السوق الروسية.
إضافة إلى أن قرار الفصل الأحادي لروسيا من النظام سيؤدي الى المغامرة بالدائنين الأوروبيين للسوق الروسية، وصعوبة تحصيل ديونهم، وبالتالي ستشهد البنوك الأوروبية خسائر كبيرة لخسارتها ارصدة داخل روسيا. فضلا عن قضية الغاز الروسي الذي يشكل حوالي 40 % من احتياجات أوروبا الغازية السنوية.
ومن جانب آخر ، من الأكيد أن القيادة الروسية كانت تتوقع فصلها عن نظام “سويفت”. ومن غير المنطقي ألا تتخذ الإجراءات البديلة وقد عزمت على تنفيذ عمليات عسكرية في أوكرانيا.
البديل
يمكن أن يكون البديل هو التوجه إلى الصين وإقامة منظومة تجارية بديلة لسويفت. وفعلا في السنوات الأخيرة قامت روسيا بتطوير منظومة مشابهة معروفة باسم “اس بي اف اس” متخصصة في التحويلات المصرفية، تنشط فيها قرابة 400 مؤسسة مالية روسية.
إضافة إلى نظام “مير-MIR” للدفع الالكتروني، الذي يحاكي نظام الماستر كارد، لذلك فان قرار فصل روسيا من النظام المصرفي سويفت ولوصفه بأنه قرار عقلاني، يجب أن يكون مدروسا حتى قبل أن يقع الغزو بمعنى انه قرار مخطط له مسبقا وليس رد فعل على الغزو الروسي.
وإن كانت تداعيات القرار بعيدة عن الاقتصاد الأمريكي نسبيا فإنها ستضر الاقتصاد الأوروبي بشكل واضح وجلي.
ستخسر أوروبا 40% من احتياجاتها الغازية، وهي التي ستخسر خامس شريك تجاري لها وهي روسيا، دون نسيان أن هناك تجارب سابقة لفصل روسيا عن سويفت منها سنة 2014 بعد أزمة شبه جزيرة القرم.
كما أن إيران هي الأخرى كانت قد فصلت عن النظام ذاته سنة 2012 وتمكنت من الصمود باقتصاد ضعيف مقارنة بالاقتصاد الروسي.
حقيقة
لذلك، الحكم بفعالية القرار لصالح الغرب من عدمه يجب أن يخضع لميزان الربح والخسارة، ومدى فاعليته في ردع روسيا سيتوقف على مدى صمود هذه الأخيرة وبدائلها المتاحة.
لذلك يمكن للقرار أن يكون ضربة عكسية بدل الحاق الضرر بروسيا، فقد يضر بحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين وقد تخسرهم مع تصاعد شكوك حول نية الولايات المتحدة في مساعدة حلفاءها ميدانيا. خاصة وأن أداءها المحتشم لحد الآن والالتزام بقوانين النظام الدولي عكس ما تفعله روسيا قد يجعل طرح السيادة الكونية للولايات المتحدة محل نقاش من جديد.
ومن جانب آخر فإن التسليم بفاعلية هذا الإجراء العقابي في ردع روسيا قد يدفع بالأحداث إلى التصعيد، لأنه من غير المنطقي أن تستسلم روسيا أو تتراجع دون تحقيق أي مكاسب وتنازلات.
لذلك فان روسيا قد تقدمت لوضعية لا يمكن الرجوع عنها وقد تستميت في سبيل ذلك، وهو ما قد يفعله فصلها عن سويفت.
الدكتور محمد بلعيشة،
نائب رئيس تحرير مجلة “قضايا آسيوية
المركز العربي الديمقراطي برلين المانيا