بعد تردد لازم الحكومات المتعاقبة لعقود من الزمن، قررت حكومة الوزير الأول ووزير المالية، ايمن بن عبد الرحمان، رسميا هذه المرة القيام بأول خطوة نحو رفع الدعم المباشر على المواد الاستهلاكية واستبداله بمنحة نقدية تقدم فقط وحصريا للعائلات المستحقة، ويتم حرمان الأثرياء منه.
بررت الحكومة هذا القرار بأن معظم أموال الدعم والتي قدرها الوزير الأول بـ100 مليار دينار، يستفيد منها الأغنياء ورجال الأعمال، بدل من أن تُصبّ لخدمة الفقراء والمعوزين وذوي الدخل المتوسط، حيث أكدت أن هذا القرار جاء بناء على طلب من خبراء الاقتصاد ونواب البرلمان.
يرى الخبير الاقتصادي ورئيس الغرفة الولائية للتجارة والصناعة السابق بولاية المدية عبد الرحمن هادف، في تصريح “للشعب الاقتصادي”، أن نجاح قرار الحكومة المتضمن في قانون المالية لسنة 2022، بخصوص انتقائية الدعم واستبدال الدعم المباشر بمنح نقدية تسلم للعائلات المؤهلة، مرهون بتوفر عدد من النقاط والعوامل، على رأسها قيمة المنحة النقدية التي ستتلقاها الأسر المستحقة، والتي يجب أن لا تقل حسبه عن مليوني سنتيم وأن تتراوح بين 20 و30 ألف دينار شهريا.
ويقول هادف أنه في ظل ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وتراجع القدرة الشرائية في الجزائر خلال الفترة الأخيرة، وانخفاض قيمة الدينار وثبات الأجور وعدم استفادتها إلا من زيادات تكاد تكون غير ملحوظة، في انتظار تنفيذ ما وعد به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بشأن رفع النقطة الاستدلالية لموظفي القطاع العام وتحديدا الوظيف العمومي، فإن أي منحة نقدية ستحل مكان الدعم يجب أن لا تقل عن 20 ألف دينار، وإلا فإن المواطن سيغرق في الديون، ولن يتمكن من مواجهة ارتفاع الأسعار، ولن تسمح مداخيله المحدودة بتدبر حاجياته كل شهر.
وتوقع المتحدث أن تستغرق العملية بعض الوقت لترى النور، خاصة وأن وزارة المالية التي ستشرف على اللجنة المرتقب تشكيلها في هذا الإطار ستحدد كيفية تسجيل العائلات، هل سيكون القرار طوعيا أم أن كل مسجل في البطاقية سيتلقى هذه المنحة آليا، ومن هم المعنيين بهذا الاجراء، وكم تبلغ أجورهم ومداخيلهم اليوم؟، مضيفا “كل موظف في الجزائر سواء في القطاع العام أو الخاص، يظل بحاجة إلى دعم الدولة”.
ووفقا لعبد الرحمن هادف فإن عملية انتقائية الدعم، ستشمل المواد الأساسية مثل الزيت والسكر والقمح والحليب والخبز والوقود، ولن تمس الماء والكهرباء و الدعم غير المباشر مثل الصحة ومجانية العلاج والتعليم في كافة الأطوار، وهي أمور لا رجعة عنها، وسبق وأن أكد ذلك رئيس الجمهورية مرارا وتكرار.
وحسب الخبير نفسه، فقد تسبب الدعم الفوضى في استحداث عدد من الاختلالات في حسابات المؤسسات العمومية والصناديق الاجتماعية خلال السنوات الماضية، مثل الصندوق الوطني للتقاعد وحتى شركات “سونالغاز” وغيرها، نتيجة اعتماد أسعار لا تساير التكلفة التي تنفقها هذه الأخيرة لتوفير الخدمة العمومية، والهدف كان الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، لكن في كل مرة يستفيد من الدعم الغني قبل الفقير تتكبد الخزينة العمومية خسائر باهظة دون جدوى، الأمر الذي يفرض اليوم التحلي بالجرأة والشجاعة من طرف السلطات في الجزائر وخوض تجربة رفع الدعم المباشر للمواد واستبداله بمنح نقدية تقدّم فقط لمستحقيها.
وتوقع عبد الرحمن هادف أن تكون أول خطوة في هذا الاطار مطلع سنة 2022 عبر مباشرة عملية جرد وإحصاء ديموغرافيين في الجزائر وتحيين القوائم المتواجدة لدى الدولة، يتم إعقابها بعملية إحصاء اقتصادي عميقة ودقيقة بعدها يتم تحديد بطاقية المعوزين وحتى الأثرياء، في هذه الحالة فقط سيتسنى للحكومة ـ حسبه ـ فرض ضريبة الثروة والملكية التي سنّها قانون المالية لسنة 2020 ولا تزال إلى غاية اليوم مجرد حبر على ورق، ولم تعرف طريقها إلى التنفيذ، وكذا اعتماد انتقائية الدعم عبر تخصيص منح نقدية محددة للعائلات التي يفترض أن لا يقل الأجر الأدنى لها عن 50 ألف دينار في ظل الارتفاع الشديد الذي تشهده أسعار المواد واسعة الاستهلاك في الجزائر.
ايمان طيب