في انتظار انطلاق المشاريع الكبرى في قطاع الحديد والصّلب والأسمدة الفوسفاتية، وتوسيع القاعدة الإنتاجية الفلاحية الواعدة في الصّحراء الشرقية والغربية على ضفتي طريق الوحدة الإفريقية، مع روافدها في الصّناعات التّحويلية فإنّ إجراءات بسيطة اتّخذتها الحكومة في عز أزمة كورونا وتراجع الموارد المالية قد سمحت لـ 714 مصدّر بتحقيق خمس الهدف الذي حدّده الرّئيس للصادرات خارج المحروقات في بحر ثلاثة أشهر، فكيف هي آفاق تحقيق هذا الإنعتاق من التبعية للمحروقات مع ما توفّره السّوق الإفريقية من فرص غير متناهية تعيد توجيه بوصلة الاقتصاد الجزائري وتحريره من إصر اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، الذي استنزف منذ 2005 وحتى الآن 320 مليار دولار من موارد البلد، ويهدّد بضرب الإنتاج الوطني وحرمانه من المشاركة في الفرص التي تعد بها السوق الإفريقية؟
عدّة مؤشرات تراكمت مع نهاية سنة 2020 وبداية 2021، تفيد أنّ الجزائر قد دخلت فعلا معركة تنويع الاقتصاد، وتعديل الكفّة لصالح تنمية الصادرات خارج المحروقات، كان أبرزها: حصيلة الصّادرات خارج المحروقات في الثلاثي الأول من هذه السنة، فقد سجّلت الصّادرات الصّناعية والفلاحية قفزة نوعية بنسبة 58 % خلال الأشهر الـ 3 الأولى من هذا العام، حيث أظهرت آخر بيانات لوزارة التجارة الجزائرية ارتفاع الصّادرات الجزائرية من دون المحروقات بنسبة 58.83 % خلال الثلاثي الأول من هذا العام مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2020، وبلغت قيمتها الإجمالية 870.33 مليون دولار مقابل 547 مليون دولار خلال الفترة ذاتها.
هذه النّتيجة لم تكن صدفة، ولا محض اجتهاد ظرفي، خاصة وأنّها أنجزت في ظرف استثنائي، محكوم باستمرار حالة الإغلاق التي فرضتها جائحة كورونا، وانكماش الطّلب العالمي، وتعطّل كثير من طرق التّجارة العالمية، وقد نفذت في أسواق تقليدية كانت متاحة في السّابق للمنتجين الجزائريين.
فما الذي كان وراء هذه القفزة التي استطاعت في بحر ثلاثة أشهر وحتى قبل بداية فتح الحدود الجوية أن تحقّق خمس الهدف الذي كان قد حدّده رئيس الجمهورية للقاعات خارج المحروقات كمساهمة لا ينبغي أن تقل عن 5 مليار دولار؟
سلطان السياسة على الإقتصاد
قبل شهرين كانت السّلطات الجزائرية قد أعلنت عن حزمة من القرارات المستعجلة التي تتماشى مع خططها المعتمدة لإنعاش الصّادرات خارج المحروقات، بعد ما وصف بـ “صدمة أسعار المحروقات”، وأكّدت وزارة المالية الجزائرية بأنّ “الخطوة تندرج في إطار الخطط الحكومية الرامية لرفع قيمة الصادرات خارج قطاع المحروقات إلى نحو 5 مليارات دولار مع نهاية العام الحالي كمرحلة أولى”، وتعويض الخسائر الناجمة عن تراجع أسعار النفط الذي يشكّل المورد الأساسي لخزينة الدولة بنحو 97 %.
كما أعلنت الحكومة في قرار استعجالي، إحداث تغييرات على سياستها النّقدية، من خلال مراجعة جزئية لـ “قانون القرض والنّقد” بعد تفهمّها لانتقادات حادّة من قبل المصدّرين والمستثمرين المحليّين، الذين اعتبروا أنّ القانون “يعرقل تصدير المنتجات المحلية بإجراءات بيروقراطية”، حيث أعلن مجلس القرض والنقد التابع للبنك المركزي، إجراء تعديلات قانونية تسمح بتشجيع التصدير، وتوفير العملة الصعبة، من خلال تخفيف القيود على صرف العملات الأجنبية للمصدرين.
وأقرّ المجلس مشروع قانون جزئي متعلّق بـ “القواعد المطبّقة على المعاملات التجارية في الخارج وحسابات العملات” منح بموجبه ـ وللمرة الأولى ـ الحرية للمصدّرين التصرف في أموالهم بأي عملة كانت، بعد أن كان القانون القديم يلزم المصدرين والمستثمرين بتحويل العوائد من العملات الأجنبية إلى الدينار الجزائري، أو تحويل أقل من نصف القيمة المالية للدينار، بحسب طبيعة قطاع التصدير.
فبموجب هذا التعديل، أحدث المجلس مادة قانونية جديدة، أدخل بموجبها تغييرات جديدة على لوائح الصرف الأجنبي، التي قال بشأنها: إنّها “تهدف إلى تشجيع عملية التصدير من خلال السّماح للمصدّرين بالحصول على عائدات النقد الأجنبي الناتجة عن أنشطتهم” بما قد يغري بقية الفاعلين في مجال التجارة الخارجية، وخاصة في قطاع الخدمات الرقمية والمهنيّين غير التّجاريين قصد إدماجهم في الاقتصاد الرسمي.
وللتّذكير ـ كما أجمع على ذلك أكثر المتعاملين ـ فإنّ الإجراء القديم قد تسبّب في خسائر كبيرة للمصدّرين والمستثمرين، دفعهم للبحث عن أسواق محلية، أو لتغيير أنشطتهم التجارية، إذ كان يلزم أغلب القطاعات بتحويل 60 % من عائداتهم المالية من العملة الأجنبية إلى الدينار الجزائري، مع إجبارهم الإبقاء على 30 % من حساب المصدر كضمان لتغطية أي غرامات بنكية أو جمركية حال وقوعها.
إعادة تنشيط الوظيفة الإقتصادية للدّبلوماسية
الإجراء الثّاني الذي يكون قد لعب دورا في تحقيق هذه النتيجة بعد الأثر المباشر لتعديل قانون القرض والنقد، هو مبادرة الحكومة بفتح فروع للبنوك الحكومية في عواصم أجنبية لها شراكات إستراتيجية مع الجزائر في أوروبا وإفريقيا، وتكليف وزارة الخارجية بتفعيل ما يسمى بالدبلوماسية الاقتصادية عبر تمثيلياتها في الخارج وخاصة في الأسواق الواعدة مثل السوق الإفريقية، يقتضي تمكين المصدّرين الجزائريّين من الفرص التّصديرية عند نشأتها، ثم تفعيل الاتفاقيات الثنائية لخدمة النشاط التصديري. ليس فقط تصدير البضائع والمنتجات بل أيضا وربما خاصة فتح كثير من الأسواق الإفريقية لتصدير العديد من الخدمات التي باتت كثير من الشركات الوطنية، العمومية والخاصة، قادرة على التنافس فيها، كما حصل مع سونلغاز في ليبيا، أو كما سيكون بوسع الشّركات الإنشائية (الطرق، الجسور، السدود والسكك الحديدية) أن تنافس على كثير من الصفقات في محيطنا الإفريقي، المقبل على ثورة في مجال الإنشاءات القاعدية التي تؤهله للربط والتعشيق مع طريق الوحدة الإفريقية بوصفه أحد أذرع طريق الحرير.
وفي هذا السياق، كان فريق دبلوماسي من الخارجية الجزائرية قد شرع في جولة إلى عدد من محافظات البلاد للقاء المتعاملين الاقتصاديّين، وتطرّق الوفد الدبلوماسي مع المستثمرين والمصدّرين المحليّين لانشغالاتهم وخططهم التصديرية، وحصر إمكانات الإنتاج والتصدير، في مقاربة جديدة تساعد على ترقية الصادرات خارج نطاق المحروقات.
وكشفت الخارجية الجزائرية عن نيّتها إيفاد 30 دبلوماسياً جديدا، وتعيينهم كـ “ممثّلين مكلّفين بالخارج” في السفارات والبعثات الدبلوماسية الجزائرية، وقد أضيف إلى هذا الجهد الدبلوماسي إعادة فتح معابر حدودية مع كل من ليبيا، تونس وموريتانيا وفي آفاق قريبة مع الجارتين الجنوبيتين: مالي والنيجر حسب تحسّن الأحوال الأمنية بالبلدين.
“استباق ركبان” منطقة التّـبادل الحر الإفريقية
ثمّة إجراء ثالث يكون قد حفّز المصدّرين على الوثوق بجدية التوجه الحكومي نحو منح التصدير خارج المحروقات أفضلية وامتيازات قد تتعاظم مع تعاظم نشاط التصدير، تمثّل في تصديق الجزائر عبر توقيع الرئيس عبد المجيد تبون بتاريخ 5 أفريل الماضي على اتفاقية إنشاء المنطقة الإفريقية للتبادل الحر، التي صادق عليها الأفارقة بتاريخ 21 مارس 2018 بكيغالي.
وللتّذكير، فإنّ الاتفاقية الأولى من نوعها بين الدول الإفريقية تهدف إلى خلق سوق موحّدة للبضائع والخدمات وحرية تنقل الأشخاص، بغاية تعميق الاندماج الاقتصادي بالقارة الإفريقية تبعاً لتوصيات أجندة 2063 التي تحمل الرّؤية الإفريقية للتنمية، وقد تسبق السوق وتمهّد لخطوة اندماجية قادمة ببناء وحدة جمركية قارية تشكّل الإطار الأمثل لاندماج اقتصاديات القارة وتضامنها أمام الأطماع الخارجية المتنامية.
غير أنّ أهم ما ميّز الاتفاقية هو تركيزها على ترقية التنمية الصناعية عبر تنويع سلاسل القيم الجهوية، وتنمية الفلاحة والأمن الغذائي، وتجاوز المعوقات التي صنعها الانتماء لعدّة تنظيمات متوازية كان لها دور في تعطيل الاندماج الجهوي والقاري، وهو ما سوف يوفّر فرصة لدول المغرب العربي الكبير، الذي تأخر في بناء منظومة جهوية على غرار المنظومات في غرب، شرق وجنوب القارة، وقد يجد في فضاء المنطقة الحرّة فرصة للتنافس الجيد مع بقية الفضاءات الاقتصادية الإفريقية، وربما ترقية المبادلات البينية التي عوّقتها الظّروف السياسية والأمنية التي يعيشها المغرب العربي والكبير وعموم شمال إفريقيا، مع حيازته على امتياز أفضل، من جهة توفيره منافذ بحرية لكثير من الدول القارية بالساحل ووسط إفريقيا، وحيازة ثلاث دول من المغرب العربي (الجزائر، المغرب وتونس) على قاعدة صناعية محترمة، وطاقة إنتاجية قابلة للتوسيع في الفلاحة، وتراكم معتبر على مستوى الخدمات، فضلا عن الآفاق التي سوف يفتحها دخول دول المغرب العربي الكبير في مجال الطاقات البديلة، وعلى رأسها الطّاقة الشّمسية.
مسار ألف ميل يبدأ بخطوة
الإعلان عن تنامي صادرات الجزائر خارج المحروقات بنسبة قاربت الستين في المائة في الثلاثي الأول من السنة، يعضدها في المقابل تسجيل قدر من التعافي المالي للجزائر خلال نفس الثلاثي، وتسجيل ارتفاع محسوس بأكثر من 100 % عن السنة الماضية، والتي وصفتها “سوناطراك” بـ “القفزة المعتبرة” رغم الظّروف السائدة والسياق الحالي المرتبط، وقد كشفت الشّركة عن احتفاظ إيطاليا بصدارة صادرات الجزائر من الغاز الطبيعي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، بواقع 6.4 مليار متر مكعب، بزيادة 109 % خلال الفترة نفسها من سنة 2020، مع مواصلة أسعار النفط ارتفاعها في حدود الـ 70 دولارا للبرميل، بما يعيدنا إلى الوضع السّائد قبل بداية انهيار أسعار المحروقات على خلفية الأزمة المالية والنقدية العالمية لسنة 2008، وبداية تراجع الاقتصاد العالمي، ومعه تراجع الطلب على المحروقات، وقد يكفينا أن نذكر أنّ خسائر الجزائر من تراجع أسعار المحروقات وصلت سنة 2020 إلى حوالي 10 مليار دولار في بلد يعتمد منذ الاستقلال بنحو 97 % على عوائد المحروقات، فيما ترتكز موازنة الجزائر على 60 % من عائدات النفط والغاز. وبقي اقتصاد البلاد رهينة لأسعار النفط في الأسواق العالمية، ما أدّى إلى هزات اقتصادية زادت من متاعب البلاد المالية، وبداية تآكل احتياطات صرفها التي يتوقّع أن تتراجع مع نهاية العام الحالي إلى نحو 40 مليار دولار.
ولأنّ الأزمة تلد الهمّة، فإنّ الأزمات المركّبة التي تضامنت فيها تبعات جائحة كورونا مع انهيار غير مسبوق في أسعار المحروقات، قد أضيف لها في الحالة الجزائرية سنتي 2019 و2020 وضع سياسي مرتبك بعد وقف العهدة الخامسة، ودخول البلد مرحلة انتقالية معقّدة، استطاعت مؤسّسة الجيش أن تحمي فيها المسار الدستوري حتى تنفيذ انتخابات رئاسية في 12 – 12 من السنة الماضية، ثم الاستفتاء على دستور جديد يسمح بعد أقل من شهر من الآن باستكمال إعادة بناء مؤسسات الدولة عبر التشريعيات القادمة، فإنّ مجمل هذه الأزمات قد حفّزت قيادة البلاد على العمل بمقاربات جديدة على خطّين متوازيين: استكمال إعادة بناء وتجديد مؤسّسات الحكم الدستورية، والتصدي لمفردات الأزمة الاقتصادية وتبعاتها الاجتماعية بمقاربات جديدة كان الحرص فيها على الشّروع في التّحرر من هيمنة المحروقات، وبناء ميزانية الدولة بتنمية الإنتاج والصّادرات خارج المحروقات، وخفض عجز الموازنة بترشيد الواردات والاستهلاك دون إلحاق إضرار بالاستثمار وإمداد شبكة الإنتاج، مع الحفاظ على سياسة الدعم الاجتماعي، ورفض رهن الاقتصاد الوطني باللّجوء إلى الاستدانة الخارجية.
تحويل بعض المِحن إلى مِنح
حتى الآن، وبالتّجاوز عن بعض الأخطاء في تقدير آثار الجائحة، والإغلاق على الوضع المعيشي لفئة واسعة من المواطنين المقتاتين على السّوق الموازية، فإنّ الحكومة قد تمكّن من امتصاص جزء من التأثيرات المباشرة للإغلاق، وخاصة لتراجع موارد الدولة بسبب تراجع وانهيار أسعار المحروقات، وقد شهدت هذه الفترة إعادة إحياء مشاريع هيكلية عملاقة مرشّحة للعب الأدوار الأولى في سياسة الإنعتاق من التبعية للمحروقات، على رأسها مشروع استغلال غار جبيلات المؤهّل لخلق سلسلة إنتاج ونشاط شمال وجنوب المنجم، قد يصل إلى بناء خط للسكك الحديدية يعبر موريتانيا نحو الأطلسي، والدخول في إنجاز ميناء شرشال العملاق، الذي سوف يؤهّل الجزائر لاحتضان المنفذ الشّمالي لطريق الحرير نحو عمق القارّة السّمراء، ومجمّعات إنتاج الأسمدة الفوسفاتية بشرق البلاد، إلى جانب المشاريع الطّموحة في مجال الطّاقات البديلة الجاري التفاوض بشأنها مع أكثر من شريك أجنبي أوروبي وأسيوي.
ومن الواضح أنّ الانتقال من الاعتماد بنسبة تقارب 97 % على عوائد المحروقات إلى 50 % أو حتى إلى 70 % لن يتحقّق بحجم الإنتاج الصناعي والفلاحي الحالي، الذي يظل متواضعا مع ضعف الاستثمار العمومي والخاص في الصّناعات التحويلية، وامتناع فرص إشراك الاستثمار الخارجي حتى الآن، لكن النّتائج الأولية التي حققتها هذه القطاعات (الإسمنت والحديد والصلب والسكر والأسمدة المعدنية والكيميائية الأزوتية والزيوت) بمشاركة حوالي 714 هيئة مصدرة بقيمة إجمالية قاربت 900 مليون دولار، بزيادة فاقت 58 % مقارنة مع نفس الثلاثي من سنة 2020، هي بلا شك نتائج مشجّعة تفتح شهيّة المصدّرين على توجيه جزء من الاستثمار نحو التصدير، الذي يمنحهم، اليوم، بموجب التعديل في قانون النقد والصرف فرصة تكوين أرصدة بالعملة الصعبة تغطّي حاجياتهم من الاستثمار في الداخل، وحتى وفي الأسواق الإفريقية الواعدة مدعومين بانتشار مصارف جزائرية، ودعم تمثيليات الخارجية الجزائرية.
في انتظار دخول المشاريع العملاقة مرحلة العطاء
غير أنّ أفضل الفرص لإنجاز تحدّي الانعتاق من هيمنة عوائد المحروقات يبقى مشروطا بإحاطة المشاريع الكبرى المنوه بها أعلاه، بشبكة من الصّناعات الصّغيرة والمتوسّطة تنشط على امتداد المنبع والمصب حول قطاعات ثلاث: قطاع الحديد والصلب الذي سوف يدعم بدخول مشروع غار جبيلات بإمدادات غير محدودة لقيام صناعات التعدين والصناعات الميكانيكية بجميع أفرعها، خاصة في مجال آليات البناء وشق الطرق والسكك الحديدية التي لها سوق واعدة بالقارة الإفريقية، وقطاع الأسمدة والبتروكيمياويات والصّناعات البلاستيكية، وأخيرا قطاع الفلاحة والصّناعات الغذائية مع دعم الثورة القائمة في الزّراعة الصحراوية.
إلى جانب ذلك، يحسن بالبلد أن تثق في الطّاقة الكامنة على مستوى الخدمات التي تتوفّر لبعض كبريات الشركات الوطنية مثل: سونلغاز في مجمل سلسلة الإنتاج وشبكات التوزيع والصيانة، وقد برهنت على كفاءتها مؤخرا في إعادة تشغيل محطة إنتاج الكهرباء بالجارة ليبيا، وشركتي سوناطراك ونفطال، القادرتين اليوم على اقتحام الأسواق الإفريقية بشراكات في التنقيب، وترقية الموارد الطاقوية، وترقية شبكات التوزيع، إلى جانب كبرى الشركات العاملة في قطاع الإنشاءات القاعدية، والتي تكون قد راكمت خبرة وخدمات قابلة للتسويق نحو أسواق إفريقية مجاورة، مقبلة على ثورة في مجال الإنشاءات القاعدية.
بقي التّأكيد على أنّ تحقيق مثل هذا الانتقال، من تبعية واسعة ومعوقة لعوائد المحروقات إلى اقتصاد يحقّق في الداخل، وفي الخارج أفضل مردود له في الإنتاج خارج قطاع المحروقات، يحتاج إلى توضيح لا لبس فيه في السياسة الاقتصادية للبلاد، باعتماد قاطرات ثلاث يوجّه إليها الجهد الاستثماري: قطاع الفلاحة مع تنمية الموارد المائية، ومنها الاستغلال المكثّف للبحيرة العملاقة بجوف الصحراء الكبرى، وإنشاء قاعدة صناعية تحويلية تثمّن المنتج الفلاحي، وقطاع الصّناعات الثّقيلة في الحديد والصلب، القادر على تمويل الصناعات الميكانيكية والعتاد الفلاحي والعتاد الموجّه للإنشاءات القاعدية، وقطاع ثالث مشترك بين صناعات الأسمدة الواعدة والبتروكياويات القادرة على خلق النقلة المؤجّلة من بلد مصدر لخامات النفط والغاز إلى بلد منتج ومصدّر للمواد البتروكياوية والبلاستيكية، نمتلك مواردها وخبرة متراكمة لأكثر من شركة وطنية.
التّركيز على هذه القاطرات الثلاث لا يقتضي بالضّرورة إغفال بقية القطاعات الإنتاجية، التي قطع فيها القطاع الخاص أشواطا مشجّعة في مجال الصّناعات الكهرومنزلية، الإلكترونية والصّناعات الغذائية، ولا قطاع الصّناعات الصيدلانية الذي أثبتت جائحة كورونا أهميته كصناعة قد تصنّف ضمن الصّناعات الإستراتجية مثلها مثل الطاقة والتغطية الغذائية. وجميع هذه القطاعات هي في متناول البلد ماليا، تكنولوجيا وبشريا، مع توفّر فرص نماء مستدام لها زيادة على قربها من سوق إفريقية قد بدأت تنتظم بأدوات إفريقية صرفة، وبآفاق واعدة في مجال الاندماج مع هذه اللبنة الأولى المتمثلة في تشييد منطقة التّبادل الحر للمنتجات الإفريقية المنشأ.