يشرح الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالمؤسسات المصغرة، نسيم ضيافات، في لقاء مع “الشعب الاقتصادي” الإستراتيجية والتصور الجديد للسلطات العمومية في دعم وترقية المقاولاتية، والمرتكز أساسًا على تغيير المقاربة التي اعتمدت في وقت مضى من اجتماعية قليلة النجاعة، إلى اقتصادية خلّاقة للثّروة، هذه المقاربة من شأنها منح مزايا تحفيزية للشباب من أجل إطلاق مشاريعهم وأنشطتهم، في إطار الترتيبات التي وضعتها الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية (أونساج سابقا)، والتي دعّمت بتكييف النّصوص التنظيمية المسيّرة لها.
تخصيص محلات وكالة “عدل” ودواوين التّرقية والتّسيير العقاري لفائدة الشباب
يتحدّث الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلّف بالمؤسّسات المصغّرة، نسيم ضيافات، في لقاء خاص مع مجلة “الشعب الاقتصادي”، عن سلسة الإجراءات الرّامية إلى ترقية مجال المقاولاتية والمؤسّسات المصغّرة في إطار إستراتيجية جديدة، تعتمد مراجعة امتيازات والمزايا الممنوحة للشباب حاملي المشاريع.
من بين الإجراءات المقرّرة من قبل السلطات العمومية، إعادة النّظر في شروط الاستفادة من جهاز دعم وتنمية المقاولاتية عن طريق إلغاء شرط البطالة لحاملي الأفكار والمشاريع للاستفادة من الامتيازات، إضافة إلى تكييف نصوص تنظيمية لتسيير الجهاز وفقا لهذه المقاربة الجديدة المسيّرة للوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب وجهاز استحداث النشاط الموكل لها، وذلك من خلال استبدالها بـ “الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية”.
وتأتي التّعديلات التي طرأت على الجهاز بهدف توسيع نشاطه ليشمل الأجراء والطلبة الراغبين في خوض مجال المقاولة، إلى جانب إتاحة فرصة الاستفادة من المزايا الممنوحة في إطار توسيع القدرات الإنتاجية لحاملي مشاريع آخرين يستفيدون من تمويل آليات أخرى (الحرفيون، المرقون التابعون للوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر، الفلاحون وغيرهم من حاملي السجل التجاري).
توسيع تمويل المؤسّسات المصغّرة ليشمل نمط الصّيرفة الإسلامية
وتمس التّعديلات الجديدة أيضا، نظام تمويل المؤسّسات المصغّرة الذي وُسّع ليشمل نمط الصّيرفة الإسلامية والتّمويل التّشاركي في إطار الإستراتيجية الجديدة التي تتضمّن أيضا برامج تكوين لفائدة حاملي المشاريع والمرقّين قصد تحضيرهم لولوج عالم المقاولاتية وتعزيز قدراتهم الإدارية.
إلى جانب هذا، تمّ اعتماد إجراءات تحفيزية أخرى، منها منح قروض دون فوائد إضافية (قروض استغلال) قصد تمكين المؤسّسات المصغّرة من مواجهة الصعوبات المالية في مجال الصّفقات العمومية، في الوقت الذي سيتسنّى فيه للمؤسّسات التي تواجه صعوبات الاستفادة من إعادة تمويل، التمكن من إعادة تأهيل وبعث نشاطاتها.
وكُلّف صندوق الضّمان بتقديم الدعم للمؤسّسات المصغّرة التي تواجه صعوبات لاسيما تلك التي لا تملك الوسائل الضّرورية لإعادة تأهيل نشاطها، وذلك من خلال إعادة شراء ديونها لدى البنوك.
استحداث مناطق نشاطات خاصّة بالمؤسّسات المصغّرة
كما سيتم معالجة ملفات كل مؤسّسة على حدة وتحصيل الديون، مع تمديد الآجال والمسح التام للديون بالنسبة لبعض الفئات على غرار المؤسّسات المصغّرة المتضرّرة جرّاء الكوارث الطبيعية أو المتوفى أصحابها.
إجراءات جديدة لاستفادة المؤسّسات المصغّرة من المحلات
أمام المشكلة التي يواجهها الشباب المقاول في الحصول على محلات، اعتمدت الوزارة خيارين إضافيين كإجراء مرافقة كفيل بتمكينهم من إثبات قدراتهم ميدانيا. ويتعلق الأمر بحجز وتخصيص محلات للوكالة الوطنية لتطوير السكن وتحسينه (عدل) ولدواوين الترقية والتسيير العقاري لفائدة الشباب.
ولتحقيق ذلك، تمّ التوقيع على اتفاقية مع وزارة السكن والعمران والمدينة في نوفمبر 2020، ترمي أساسا إلى حجز جزء من الأسواق العمومية للمؤسّسات المصغّرة ووضع محلات وكالة “عدل” ودواوين الترقية والتسيير العقاري لاحتضان نشاطاتها.
علاوة على هذا، سيتم استحداث مناطق نشاطات مصغّرة مهيّأة لاحتضان نشاطات المؤسّسات المصغّرة في صيغة الإيجار.
ويقول الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالمؤسّسات المصغّرة، إنّ “هذه الإجراءات ستسمح بتجاوز مشكلة استفادة هذه المؤسّسات من المحلات، فضلا على ضمان تجميع الأنشطة التكميلية لاستحداث سلسة إنتاج ترمي إلى تطوير بعض القطاعات الاقتصادية”.
مزايا تحفيزيّة لفائدة الشباب في مناطق الظل
في إطار التّرتيبات التي وضعتها الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية، سيحظى الشباب القاطن بمناطق الظل بمزايا تحفيزية من أجل إطلاق مشاريعه وأنشطته، ويؤكّد الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالمؤسّسات المصغّرة في هذا الصدد على أنّ “الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية قامت ما بين الفاتح جويلية و31 نوفمبر 2020 بالتعاون مع السلطات المحلية وممثلي المجتمع المدني من خلال نشاطات توعوية وإعلامية في اتجاه سكان مناطق الظل، من أجل تحفيز وجذب اهتمام الشباب لإنشاء مشاريع تلبّي احتياجات سكانها، وعلى الرغم من القيود التي فرضها الوضع الصحي، فإنّ هذا العمل الذي ما زال متواصلا، شمل خلال الفترة المذكورة 1857 منطقة ظل في 749 بلدية”.
وتعمل مصالح الوزارة المنتدبة حاليا، بمساهمة القطاعات والسلطات المحلية، على تحديد الاحتياجات حسب كل منطقة لتوجيه حاملي المشاريع نحو إنشاء مشاريع تأخذ بعين الاعتبار إمكانات كل منطقة.
ويقول الوزير في هذا الشأن “كل شيء في هذه المناطق، العذراء عموما، بحاجة إلى إنجاز”، لافتا إلى أنّ “فرص خلق الأنشطة كثيرة وفي جميع المجالات مثل الخدمات والزراعة والحرف اليدوية، وعلاوة على ذلك، فإنّ السلطات العمومية مستعدّة لدعم حاملي المشاريع الشباب في مجال إنجاز برامج التنمية المرتقبة لصالح هذه المناطق بالذات على غرار مشاريع الربط بشبكات الكهرباء والغاز الطبيعي وكذا شق الطرقات”.
ويندرج هذا التوجه ضمن رؤية رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي وضع نصب عينيه هدف “القضاء نهائيا على الفوارق التنموية”، ومحاربة “الفقر في المناطق المحرومة”.
ومن هذا المنطلق، يؤكّد نسيم ضيافات أنّ “ثروات البلاد ومواردها ستوزّع بالتساوي بين الولايات دون تمييز بين المناطق”، مؤكّدا على أنّ “الحكومة عازمة على الاستفادة التامّة من الإمكانات البشرية لشبابنا من خلال اعتماد نهج اقتصادي بحت وجديد يقوم على النمو، ويشكّل قطيعة مع النهج الاجتماعي المعتمد في الماضي، لاسيما في مجال إنشاء المشاريع المصغّرة”.
أكثر من 70 % من مؤسّسات جهاز “أونساج” تحتاج إلى تكفّل
تشير الإحصائيات التي نشرتها مصالح الوزارة المنتدبة المكلفة بالمؤسّسات المصغّرة، أنّ أكثر من 70 % من المؤسّسات التي تمّ إنشاؤها في إطار الوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب (أونساج) تمر بأزمة وتتطلّب تكفّلا، لا سيما من خلال إعادة جدولة ديونها وإمكانية التوفر على مخطّطات أعباء، ويعود الأمر أساساً في تعثّر هذه المؤسّسات إلى اعتماد الجزائر في وقت مضى على مقاربة اجتماعية في إنشاء المؤسّسات، ومنح امتيازات جهاز “أونساج” آنذاك، حيث افتقرت هذه المقاربة للتخطيط والاستشراف الاقتصادي، وارتكزت بالدرجة الأولى على مبدأ مكافحة البطالة التي كانت مستفحلة بين الشباب.
ويؤكّد الوزير نسيم ضيافات أنّ “من بين 380.000 مؤسّسة تمّ إنشاؤها في إطار جهاز أونساج، تعاني أكثر من 70 % منها حاليًا من أزمة، وهي غير قادرة على سداد قروضها، الأمر الذي يتطلّب على وجه الخصوص إعادة معالجة ديونها بالاشتراك مع البنوك”.
ويضيف أنّ هذه المؤسّسات المصغّرة، ستستفيد من إعادة جدولة ديونها لمدة قد تصل إلى 5 سنوات، ومن الدفع المؤجّل لمدة تصل إلى 12 شهرًا، مع إلغاء الأعباء والفوائد وغرامات التأخير في السداد والرسوم والعمولات والضّرائب.
وتأتي هذه الإجراءات لمساعدة المؤسّسات المتعثّرة تمّ اتخاذها وفق توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي ركّز على دمج المؤسّسات المصغّرة لـ “أونساج” ضمن خطّة الإنعاش الاقتصادي.
في هذا السياق، يوضّح الوزير المنتدب أنّ المؤسّسات المصغّرة المموّلة في الجهاز الذي تديره “أونساج” لم تجد الظّروف والإطار الذي يساعد على تطورها وتنميتها، ممّا أسهم في فشلها، رغم توفير موارد كبيرة.
ما هي المؤسّسات التي قد تعفى من سداد ديونها؟
أما فيما يتعلق بالمؤسّسات التي لا يمكن إعادة تأهيل أنشطتها و / أو غير القادرة على الوفاء بديونها، فسيتم تخصيص معالجة محدّدة لهذه الحالات، والتي قد تصل إلى إعفائها من سداد ديونها.
ويتعلق هذا الإجراء بالمؤسّسات المصغّرة التي تضرّرت أثناء الكوارث الطبيعية (الفيضانات / الزلازل)، والمؤسّسات التي توفي أصحابها أو ثبتت إعاقتهم جسديًا أو عقليًا، والمقاولين الذين لديهم معدّات قديمة، وكذلك المؤسّسات المصغّرة التي يتم تعويضها من خلال صندوق الضمان بعد حجز معدّاتها و / أو بيعها من قبل البنوك.
وتهدف هذه التدابير المقرّرة والإجراءات التي اتخذتها السلطات العمومية، وفقًا للوزير المنتدب، إلى توفير الشّروط التي تسمح للمؤسّسات المصغّرة بالقيام بأنشطتها وتطويرها، لا سيما من خلال إتاحة الإمكانية للحصول على مخطّط أعباء.
كما ستسمح بإعادة تأهيل أكبر عدد من المؤسّسات المصغّرة التي تواجه صعوبات، وقادرة على إعادة إطلاق أنشطتها.
ومن هذا المنطلق، تمّ توقيع اتفاقيات مع عدة دوائر وزارية، من أجل توفير مخطّطات أعباء في إطار صفقات عمومية أو في إطار المناولة في قطاعي المياه والري، والاتصالات السّلكية واللاّسلكية والسياحة والصناعات التقليدية، والشباب والرياضة، والمناجم والبيئة، الصناعة والسكن.
وبحسب نسيم ضيافات، فإنّ ذلك يشمل تعليق جميع المتابعات القضائية ضد أصحاب المؤسّسات المصغّرة الذين يواجهون صعوبات، وتعزيز كفاءاتهم التقنية من خلال برامج التكوين، وإمكانية الاستفادة من إعادة التمويل لإعادة تأهيل مشاريعهم وقروض استغلال لمواجهة أي مشاكل مالية، كما تمّ إنشاء منصّة رقمية للسماح للمقاولين الذين يواجهون صعوبة في التسجيل بالحصول على التكفل من قبل مصالح وكالة دعم وتطوير المقاولاتية.
كما تمّ إقامة شراكات أخرى مع قطاعات أخرى كالداخلية والجماعات المحلية والصناعة والفلاحة والبيئة والطّاقات المتجدّدة – يضيف الوزير المنتدب – وذلك من أجل تشجيع وتحسين أداء هذه المؤسّسات التي تعتبر محرّكات للتنمية، وأداة لتنويع الاقتصاد الوطني.
سفراء الجزائر الجدد
إلى جانب التّعثّر الذي مسّ الكثير من الشباب أصحاب المشاريع، تحصي الوزارة أيضا عددا من المؤسّسات الناجحة بامتياز والمصنّفة في خانة النخبة، والتي اتّجهت لتصدير منتجاتها إلى بعض بلدان إفريقيا وأوروبا وحتى أمريكا.
وقد استطاع أصحابها بأفكارهم وكفاءاتهم وكذا تجاربهم المكتسبة أن يخلقوا الفارق ويصنعوا التميز، ويكونوا بذلك نماذج نجاح يحتذى بها في مجال المقاولاتية الشبانية، وقد برز عدد منهم وإن كان قليلا كسفراء للمنتوج الجزائري.
ولدعمها أكثر تمّ عقد عدّة لقاءات مع سفراء العديد من البلدان مثل الصين، كوريا الجنوبية، ساحل العاج، السنغال، تركيا، قطر، ليبيا، النيجر، الكاميرون وممثّل الأمم المتحدة، بهدف التّعريف بمنتجات هذه المؤسّسات ودراسة سبل إرساء التعاون قصد تسهيل عمليات تصديرها، وكذا تمكين الشباب الجزائري من الاستفادة من خبرات هذه الدول الصديقة.
ويقول الوزير نسيم ضيافات “إنّ الجزائر في الأشهر الأخيرة تبنّت سياسة جديدة اتجاه قطاع المؤسّسات المصغّرة، تهدف إلى جعل هذه الأخيرة عنصرا فعّالا في الحياة الاقتصادية، وفي هذا الإطار تمّ وضع برنامج أطلق عليه اسم “برنامج سفير” لتشجيع المؤسّسات المنتجة القادرة على تسويق منتجاتها في الأسواق الخارجية، حيث تقوم حاليا 35 مؤسّسة بالتصدير للخارج، زيادة على أكثر من 150 مؤسّسة قادرة على دخول المنافسة الدولية. ومن أهم التدابير التي يعمل عليها قطاعنا هي مرافقة المؤسسات المصغرة المنتجة للانفتاح على العالم وولوج الأسواق الدولية، من خلال إعداد برنامج عمل يهدف إلى مساعدة المؤسّسات المصغّرة المنتجة، ومرافقتها في التصدير إلى الخارج والاستفادة من برامج التمويل الدولية الموجهة لأصحاب المؤسّسات المصغّرة من طرف المؤسسات المالية الدولية التي تساهم فيها بلادنا. كما يسمح هذا البرنامج لأصحاب المؤسّسات المصغّرة بالاحتكاك بنظرائهم في الدول الأخرى والاستفادة من خبراتهم”.